الحملات الانتخابية والعوامل المؤثرة فيها؟

م.م. سعد محمد حسن الكندي

باحث في قسم إدارة الأزمات_ مركز الدراسات الاستراتيجية_ جامعة كربلاء

أيار-مايو2018

بعد أن انطلقت في العراق الحملات الانتخابية الرسمية للكتل والمرشحين إلى الانتخابات العراقية التي ستجري في 12 الشهر المقبل، غزت بغداد والمدن الأخرى مئاتُ آلاف من اللافتات الانتخابية التي تدعو إلى انتخاب كتل سياسية مختلفة وتطالب بالتغيير والتجديد والإنقاذ.

وشعار التغيير لم يقتصر على القوى الجديدة التي تحاول استثمار فشل الوسط السياسي العراقي واستشراء الفساد فيه، وغضب الجمهور من نوابه للدورات السابقة، بل رفعته أيضاً شخصيات سياسية رئيسة، مثل نائب رئيس الجمهورية نوري المالكي الذي اعتمد شعار «معاً للتغيير وحكومة الاغلبية»، فيما حمل رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي شعار «العراق يتقدم»، ورفع تحالف سائرون المدعوم من السيد مقتدى الصدر شعار «سائرون للإصلاح». وكان نصيب تيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم الذي لم ينشر يافطات انتخابية، شعار «إحنة كدهه»، فيما اعتمدت كتلة أياد علاوي شعار «لكل العراقيين»، واختارت قائمة «الفتح» شعار «زمن العراق».

لكن القوى السياسية تدرك أن حدود تأثير شعاراتها محدود، وأن هناك أدوات أكثر فاعلية، فبدأت فرقُ تتبع مرشحين وأحزاب تجول الأزقة وتطرق الأبواب، للدعوة إلى انتخاب مرشحيهم، فيما تمادى بعض المرشحين وفرقهم إلى درجة عرض شراء أصوات الناخبين في مقابل مبلغ يتراوح بين 100 إلى 200 دولار للصوت الواحد.

والإنفاق الانتخابي غير متوازن بين المرشحين، فالأحزاب الكبيرة استولت على الشوارع وشاشات التلفزيون في شكل لافت، فيما المرشحون الجدد لم يجدوا حتى مكاناً للصق دعاياتهم، ويطرقون أبواب القنوات الفضائية لإظهارهم كضيوف مجاناً. ويستخدم هؤلاء الساسة وسائل مختلفة من أجل تحقيق الكسب الجماهيري للوصول إلى مقاعد البرلمان أو مجالس المحافظات، وعادة ما يوظف المال في هذه الأنشطة بسخاء، في محاولة لتكوين رأي عام مساند للمرشحين المرتقبين. ومن أهم العوامل المؤثرة في الحملات الانتخابية هي ما يلي:

استغلال الفئات الفقيرة

وعادة ما تكون المناطق الفقيرة هي المستهدفة بالدرجة الأولى من هذه الحملات، حيث تقوم هذه الجهات السياسية بمحاولة استغلال حالة الفاقة والحاجة التي يعانونها من أجل التسويق لأنفسهم.

وبدأت الحملات الانتخابية مبكرًا هذا الموسم، حيث تستقبل المناطق الفقيرة منذ أسابيع أفواجًا من السياسيين محملين بالهدايا والمساعدات، فضلًا عن إقامة ولائم في أماكن عامة، وربما يصاحب ذلك توزيع بعض المساعدات المالية. ووفقا لمصار معينة: إنهم بدأوا باستقبال وفود من عدة كتل سياسية، وعلى رأسها القوى السياسية المتنفذة في السلطة، محملين بوعود كبيرة بإصلاح الواقع الخدمي المتردي.

الخطاب الطائفي(المذهبي)

تسعى بعض الاحزاب الى كسب عطف عوام الناس، عن طريق استخدام خطاب طائفي المذهبي لتخويفيهم من الآخر، وتهديدات برجوع “البعثيين” و” الصداميين” و” التكفيريين” و”العلمانيين”، وغيرها من التهديدات التي ترعب عوام الناس. وبسبب حجم تأثير الخطاب المذهبي الذي تستخدمه الأحزاب ، عن طريق وسائل إعلامهم وسياساتهم المختلفة، فقد أصبح لهذا الخطاب جمهور يقتنع به، ولا يهمه مدى صدقه من كذبه؛ لأن المهم هو “حماية المذهب”، وفق ما يرون.

ورغم أن معظم من يحضرون هذه اللقاءات يدركون أن هذه الوعود ليست صادقة، لكن بعضهم يعتقد أن بقاء الحكم بيد سياسيين من طائفته أفضل من ذهابه إلى خصومهم، الذين يريدون “الانتقام” منهم.

المتاجرة بالحشد الشعبي

معظم الساسة يتخذون من قضية الحشد سُلَّمًا للوصول إلى مجلس النواب والمناصب العليا، ولعل “موضة” الانتخابات القادمة ستكون المتاجرة بالحشد الشعبي، واستغلال علاقة بعض السياسيين بالفصائل المسلحة التي قاتلت “داعش”، وقد بدأ بعضهم بنشر صور ولافتات كبيرة تجمعهم بقيادات الحشد.

لكن كثيرًا من المواطنين يعتبرون هذه الممارسات مجرد متاجرة بـ” نصر” لم يحققه هؤلاء السياسيين، ويرى البعض أن معظم هؤلاء الساسة يتخذون من قضية الحشد سُلَّمًا للوصول إلى مجلس النواب والمناصب العليا.

استغلال النزعة القبلية (العشائرية)

ويلجأ كثير من السياسيين في المواسم الانتخابية وما قبلها للاستعانة بشيوخ العشائر، عن طريق تقديم أموال وامتيازات لهم؛ من أجل استقطاب أبناء عشائرهم، وقد استدمت هذه الظاهرة بشكل كبير من قبل زعماء الكتل السياسية، وذلك للحول على تعبئة جماهيرية للكتلة. وتشير بعض المصادر الى أن هذه الظاهرة مرتبطة بشكل كبير بالنظام السياسي الذي أرست دعائمه الأحزاب الطائفية التي قدمت مع الاحتلال الأمريكي، والذي يبدو خليطًا بين طائفية مذهبية وتقاليد محلية لمجتمع جنوب العراق، والذي يلعب فيه شيوخ العشائر أدوارًا كبيرة في الحياة العامة.

فئات مختلفة

تقوم بعض الشخصيات بتنظيم بطولات لكرة القدم باستمرار، وزيارة ورعاية الرياضيين القدامى، للترويج لأنفسهم رعاة للرياضة” ويركز هؤلاء الساسة نشاطهم على فئات مختلفة من المواطنين، من أجل ضمان الوصول إلى عوائلهم وأقاربهم ومعارفهم، وعادة ما تكون “المغريات” بحسب ما تحتاجه كل فئة، كالطلبة والرياضيين والأكاديميين وغيرهم. كما أن للرياضة نصيب في نشاط هؤلاء السياسيين، حيث تقوم بعض الشخصيات بتنظيم بطولات لكرة القدم باستمرار، وزيارة ورعاية الرياضيين القدامى، للترويج لأنفسهم رعاة للرياضة.

إعلانات ممولة

وبسبب انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وكثرة استخدامها من قبل العراقيين؛ فقد أصبح لكل مرشح محتمل صفحة ممولة في الفيس بوك وغيره من المواقع، ينفق عليها آلاف الدولارات أحيانًا؛ من أجل الوصول إلى عدد أكبر من المتلقين.

ويعج الفيس بوك بالصفحات التي تمثل اتجاهات سياسية وتروج لها، فصفحة (ملتقى البشائر). ويعتاش بعض أصحاب هذه الصفحات على ما يقدمه السياسيون لهم من دعم بين الحين والآخر، وتلجأ بعض الصفحات إلى استهداف ممنهج لبعض الشخصيات المعادية للجهات التي ترعاها، ولا يمر أسبوع في العراق من دون أن يتم نشر فضيحة عن سياسي أو رجل دين أو شخصية عامة، وسرعان ما يتداول العراقيون هذه الأخبار، لتسهم في تشكيل رأيهم العام بشكل مباشر وغير مباشر. لاسيما قضايا الفضائح الجنسية للمرشحات.

الجيوش الالكترونية

وبالإضافة إلى هذه الصفحات فإن كثيرًا من السياسيين يسعون لتشكيل ما بات يعرف بالجيوش الإلكترونية” وهم مجموعة من الأشخاص المتفرغين، يقوم كل واحد منهم بإنشاء حسابات متعددة تتجاوز العشرين أحيانًا، ثم يتجول في الصفحات الكبيرة من اجل تسقيط شخص ما أو تلميع صورة آخر، مقابل رواتب شهرية يتلقونها. وعادة ما تنشأ مجموعات خاصة على الفيس بوك مكونة من أفراد من هذه الجيوش الإلكترونية، وتتفرع منها مجموعات أصغر، يتم توجيه الاعضاء فيها إلى حملات تجاه صفحات أو شخصيات معينة، من أجل القيام بالتبليغ أو الدخول والتعليق بكثافة باتجاه معين. ووفقا للمصادر إن هذه الطريقة استخدمت بشكل كبير من قبل جهات عدة، حيث يوفرون لهم رواتب شهرية من أجل الترويج لهم والدفاع عن سياساتهم في مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والمجلات.

رفض واحتجاج

الشارع العراقي يعيش حالة من الوعي بدأت تتمثل في رفضه لكل من يستخدم خطابًا طائفيًا من السياسيين، لكن هذا الخطاب الطائفي بدأ يلاقي رفضًا في العديد من الأوساط الشعبية، بعد موجة من التحولات الفكرية والاجتماعية التي يشهدها الشارع العراقي، وترجمت هذه التحولات حوادث في عدة محافظات، تمثلت في طرد ممثلي بعض الأحزاب والتهجم عليهم بالسباب والشتائم، واتهامهم بالكذب والسرقة.

القدرة المالية للكتلة والمرشح للانتخابات:

يلعب المال دورا رئيسا في: أ ـ السيطرة على وسائل الاعلام ب ـ اقامة حملات انتخابية منظمة ومكثفة ج ـ شراء الذمم ودفع الرشاوى

ويحاول البعض ان يسخر كل امكانيات ومفاصل الدولة لخدمته ويستخدم كل الوسائل لأغراء الناخبين بإعطائهم مناصب مغرية او بترهيب اصحاب المناصب بالتلويح بفقدانها. ويقوم الحزب صاحب السلطة بإسكات المعارضين اما باستمالتهم او بإصدار احكام ضدهم او في اسوء الاحوال باغتيالهم.

القوى الدولية والاقليمية:

ان القوى الدولية والاقليمية لديها مصالح وتسعى للحفاظ عليها بالاتفاقات السرية والعلنية مع رؤساء الاحزاب مقابل ان تمدها بالعون المالي والعسكري والاستخباراتي، وتكشف الوثائق السرية ان أكثر الاحزاب نزاهة في العالم متورطة باتفاقات سرية تتخطى فيها مصلحة الوطن والشعب من اجل مصلحتها الحزبية.

ومما سبق يتضح لنا بأن الحملات الانتخابية تتأثر بمجموعة من العوامل سواء كانت على المستوى الوطني او الدولي والاقليمي، فكل كتلة تتأثر بها وتؤثر على الناخب العراقي، فهي تسعى بكل الوسائل للفوز والربح في السباق الانتخابي، لان الانتخابات في العراق هي وسيلة ربحية لا أكثر، كما ان الدعاية الانتخابية التي تمارسها معظم الكتل والمرشحون فيها مخالفات قانونية وعدم احتلام للمصلحة العامة والتجاوز على الممتلكات العامة، بالرغم من جود عقوبات فرضتها المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، الا ان بعض الكتل والمرشحين لم يلتزموا بتعليمات المفوضية. مما اثار ردة فعل كبيرة لدى الرأي العام العراقي. وان ارتفاع نسبة العزوف عن المشاركة في الانتخابات القادمة لم يأتي من فراغ بل نتيجة لمجموعة من الاسباب منها الشعور بحالة اليأس من التغيير، تفشي ظاهرة الفساد، التدخلات الاقليمية والدولية في الامور السياسية للبلد، وغيرها من الامور جعلت المواطن غير راضي عن اداء العملية السياسية في العراق.

مايو 2018
س	د	ن	ث	أرب	خ	ج
			1	2	3	4
5	6	7	8	9	10	11
12	13	14	15	16	17	18
19	20	21	22	23	24	25
26	27	28	29	30	31