العقول الاستراتيجية وكيفية بناءها؟

د. علي عبد الأمير كمونه – أستاذ السلوك التنظيمي وإدارة المعرفة

باحث مشارك في قسم ادارة الازمات/مركز الدراسات الاستراتيجية– جامعة كربلاء

كانون الأول-ديسمبر 2018

يحرص العديد من كبار المديرين على تنمية قدراتهم الوظيفية ومحاولة تغيير وجهات نظرهم حول كيفية أداء الأعمال بشكل مختلف, وإن ذلك بحد ذاته لا يعد بالأمر الجديد, ولكن الجديد هو الرغبة المتزايدة لدى المديرين في القيادة بشكل متعمق وذلك مع زيادة التعقيد الذي تشهده البيئة الداخلية والخارجة للمنظمات, مما يحتم زيادة القدرة على الابتكار لمقابلة هذا التعقيد وهو يقود إلى خفة الحركة الإستراتيجية, ويقود ذلك بدوره إلى زيادة أهمية العقل الإستراتيجي والذي يعد من أهم المواهب المفقودة في مجتمعات الدول الناشئة, حيث لم يعد التطوير المستقر كاف لمواكبة ثقافة التنمية .

بناءاً على ذلك باتت المنظمات الحديثة تواجه تحديات كبيرة في بناء العقول الإستراتيجية للقيادات الحالية والمستقبلية، ولمواجهة هذه التحديات لابد من تسليط الضوء على العقلية التنفيذية من منظور استراتيجي والاستفادة من التجارب والتوجهات العالمية في هذا الصدد والتي تشير في مضمونها العام إلى ضرورة امتلاك المديرين للعديد من المقومات للوصول إلى العقل الإستراتيجي ومن أبرز هذه المقومات الآتي: –

  • الابتكار

في سبيل بناء العقل الإستراتيجي يتوجب التفكير ثم التصرف بطريقة أكاديمية ومبتكرة وخلاقة لريادية الأعمال, وهو ما يقود إلى بناء القدرات الديناميكية ذات المرونة العالية والقدرة على مواجهة التحديات المعاصرة التي تواجه منظمات الأعمال, والتي تتطلب الكثير من التجديد والتطوير المستمر, ومن منظور أخر فأن الابتكار يقود إلى تنمية الأفكار الاستراتيجية ولا ينحسر الابتكار على مستوى القيادات العليا فحسب بل يتعداه إلى كافة المستويات التنظيمية, وذلك من خلال زيادة الوعي والإدراك الإستراتيجي حول أهمية هذا الابتكار وضرورة دعمه بغض النظر عن التقنيات المعقدة التي قد تستخدم في هذا المجال .

  • العمل التعاوني

من الضرورة القصوى إذا ما أردنا بناء العقل الإستراتيجي التركيز على العمل الفرقي والحث على تحليل العمل والتخطيط له من منظور جمعي, حيث أن مديرين اليوم بحاجة إلى مهارات قيادية بناءة في سعيها إلى تبني واستخراج منظورات جديدة للعمل داخل الفرق ومجاميع, حيث أن العمل الفرقي والتعاون الناتج عنه يبني أفضل الحلول للمشكلات الحالية وبأقصى سرعة ممكنة, ولا يمكن إنكار دور الشخصية الإنسانية ومن منظور نفسي داخلي لدعم هذا التوجه من خلال النضج الشخصي وتعزيز ثقافة الاستماع للرأي الأخر ودعم التفكير الشمولي والانفتاح بين الأفراد .

  • الاتزان

لأجل أن يفهم المديرين الديناميكيات المرتبطة بالسلطة والصلاحية وكيفية التأثير في المرؤوسين لابد أن يتمتعون بالاتزان في سياسة إدارة المنظمة ويتطلب ذلك من المديرين بذل جهود معمقة في تعلم معايير وقواعد تنفيذ سلوكيات العمل ولا مانع من امتلاك بعض الدهاء في إدارة الأمور بما ما لا يضر توازن عمل المنظمة، سوى أن ذلك الاتزان وتحقيقه على المستوى التنظيمي ككل قد يستغرق وقتاً طويلاً.

 

  • تطوير مهارات التفكير الإستراتيجي

يتقدم الأفراد في تطوير حياتهم المهنية وتعميق قدراتهم ومواهبهم الوظيفية من خلال البحث المستفيض والذي لا يكون بالعادة وفق نموذج معين بل من خلال العديد من النماذج المترامية الأطراف، لذلك باتت من الضرورة خلق قوة غريزية من قبل المديرين لتعزيز الوظائف متعددة التفكير لجمع المعلومات الخاصة باتخاذ القرارات الاستراتيجية وإدارة المخاطر الجوهرية في المنظمة، بالإضافة إلى ضرورة استعمال التفكير الشمولي وزيادة الخبرة التقنية في جدول الأعمال التنفيذي.

الخلاصة

يقود التركيز على المقومات السابقة الذكر إلى بناء العقلية الإستراتيجية من خلال التركيز على خطط التنمية الشخصية والتنظيمية والتي زاد الاهتمام بها من قبل العديد من منظمات اليوم، وأن هذه التنمية تساعد في بناء العقلية الإستراتيجية من خلال وضع الأهداف الإستراتيجية والعمل على تحقيقها من خلال التخطيط الاستراتيجي، ولا يمكن إنكار دور اللغة والأسلوب والمظهر والشعور الإنمائي التنفيذي في بناء الفكر الإستراتيجي والوصول إلى الحكمة كونها أسمى درجات المعرفة.