على الحكومة العراقية أن تدرك بأن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية

      التعليقات على على الحكومة العراقية أن تدرك بأن السياسة الخارجية هي امتداد للسياسة الداخلية مغلقة

 

م. ميثاق مناحي العيسى

باحث في قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

نيسان/ 2019

تعد السياسة الخارجية من أهم مجالات البحث في العلاقات الدولية؛ لأن من خلالها تتبلور العلاقات بين الدول، ولفهم هذه العلاقات يجب فهم السياسة الخارجية، ولفهم الأخيرة لابد من معرفة طبيعة ودوافع السياسة الداخلية. ربما تكون فرضية المقال من بديهيات العمل السياسي، فالجميع يعلم بأن السياسة الخارجية لأي بلد هي امتداد لسياسته الداخلية، لكن تبقى مسألة فاعلية تلك السياسة من عدمها يتوقف على عدة عوامل داخلية.

هناك من يعتقد بأن لا وجود للسياسة الخارجية، وإنما كل بلد لديه سياسة داخلية لها امتدادات خارجية. أي بمعنى أن السياسة الخارجية هي استمرار لمصالح البلد الداخلية. وهناك تصور شائع لدى بعض البلدان النامية أو الساسة فيها، يتصور أو يولد عنده الاعتقاد أو الوهم أو أي حاجة مشابه أخرى، بأن العمل والنشاط والظهور في المجال الخارجي يمكن أن يعوض بعض القصور أو شيء من القصور أو الفشل في الوضع الداخلي، وهذا اعتقاد أو تصور خاطئ.

انطلاقاً من هذه المقدمة البسيطة، نرى بأن الحكومات العراقية بعد عام 2003، كانت تتطلع لسياسة خارجية، وتحاول أن تمد جسور الثقة والعلاقات الخارجية مع محيطها الإقليمي والعالمي، سواء كانت على مستوى دول الجوار والمنطقة العربية أو على مستوى العالم، لاسيما مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا، إلا أن مستوى تطلعاتها الخارجية لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب، على الرغم من الدعم الكبير التي تلقته الحكومات العراقية، لاسيما الحكومة السابقة برئاسة السيد العبادي والدعم الذي تتلقاه الحكومة الحالية برئاسة السيد عادل عبد المهدي من بعض الاطراف الداخلية والخارجية في الانفتاح على المحيطين الإقليمي والعالمي.

هناك من يرى أو يتشبث بفكرة أن الدول العربية، لاسيما في منطقة الشرق الأوسط، لا تريد أن تُنجح التجربة العراقية في المنطقة، ويرون أن عملية التحول الديمقراطي بعد عام 2003 كانت تجربة فاشلة للعراق والمنطقة. وبالتالي، فان أغلب الدول العربية، لاسيما في منطقة الخليج، لا تريد إعادة علاقاتها الدبلوماسية لأسباب سياسية وطائفية. هذه الفرضية التي تعكزت عليها الحكومات السابقة، ما تزال شماعة سياسية لبعض الأطراف السياسية المشاركة في الحكومة العراقية. فضلاً عن ذلك، فان جميع دول المنطقة والعالم وصلت إلى قناعة تامة، لاسيما بعد التخلص من تنظيم “الدولة الإسلامية داعش” بأن عزل العراق عن محيطه العربي والإقليمي، سياسة خاطئة وغير مجدية، وأن عملية السلام في المنطقة تتوقف على عراق قوي ومستقر وبعيد عن التدخلات السلبية الاقليمية والدولية. وهذا يتوقف على النجاح الداخلي في تسوية الخلاف السياسي والعمل على بناء الدولة العراقية (سياسياً واقتصادياً وعسكرياً ومجتمعياً) بعيداً عن السياسات السابقة؛ من أجل زرع الثقة داخلياً، وكسب ثقة المجتمع الدولي في مد جسور التواصل مع الدولة العراقية على كافة المستويات (السياسية والامنية والاقتصادية والثقافية). فالسياسة الخارجية هي امتداد لقوة واستقرار الدولة داخلياً، فكلما كانت الدولة مستقرة داخلياً، كلما كان سلوكها الخارجي محل تقدير واحترام.

إن الازمات السياسية التي تضرب العراق منذ عام 2003، والصراع السياسي وعدم الاستقرار السياسي والأمني والمجتمعي، وانحياز السلوك العراقي لدولة دون أخرى، فضلاً عن السلوك السياسي الداخلي للقوى والأحزاب السياسية العراقية (سياسة المحاصصة والسعي وراء المصالح الحزبية والقومية والمذهبية) كان السبب الرئيس والمباشر في أضعاف الدولة العراقية داخلياً؛ مما انعكس سلباً على سياسته الخارجية بشكل كبير. اليوم وبعد مرور 16عام على التغيير السياسي، يبدو بأن دول العالم والمنطقة، وصلت إلى قناعة تامة بأن سياسة التقاطع مع الحكومة العراقية غير مجدية لها وللمنطقة بشكل عام، وأن سياسة اضعاف العراق وافشال عمليته السياسية الديمقراطية سياسة خاطئة وغير مجدية، وأن مد جسور التعاون والتبادل الدبلوماسي والتجاري مع العراق القوي هو السبيل الوحيد لهم في أرجاع العراق كلاعب إقليمي مؤثر، من الممكن أن يصبح بيضة القبان في المنطقة. بموازاة ذلك، على الحكومة العراقية الحالية بقيادة السيد عادل عبد المهدي وعلى صانع القرار العراقي أن يكون محل ثقة في إعادة تلك العلاقات، ليس على الصعيد الخارجي فقط، ومن خلال الزيارات الرسمية للدول، وإنما من خلال ترصين الاوضاع الداخلية للدولة العراقية لأن السياسة الخارجية كما أسلفنا، ما هي إلا صورة عاكسة للسياسة الداخلية. فخطر التنظيمات الإرهابية بدأ يتلاشى، وتحّسن الوضع الأمني بدأ واضحاً وجلياً للعيان، إلا أن مخاطر الفشل الداخلي ما زالت موجودة، ويأتي في مقدمتها الفساد، والصراع السياسي والسلطات الموازية لسلطة الدولة بمختلف أشكالها (سلطة الأحزاب والفصائل المسلحة والسلطة الدينية، فضلاً عن سلطة العشائر) التي طالما كانت سلطاتهما فوق سلطة القانون.

خاتمة القول، هناك حاجة لان يدرك صانع القرار العراقي (بمختلف مستوياته) هذا التحول الكبير ويسهم في ترسيخ العملية السياسية والقيم الديمقراطية في الدولة العراقية والا سنكون أمام تجارب فشل جديدة من شأنها أن تشكل تحديا كبيرا في أنجاح هذه التجربة الديمقراطية.