تفجير ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي… والرسائل الاربعة

      التعليقات على تفجير ناقلات النفط في ميناء الفجيرة الإماراتي… والرسائل الاربعة مغلقة

 

م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

ايار 2019

في يوم 12 ايار 2019 ، اعلنت الامارات العربية المتحدة عن وقوع عدة تفجيرات في احدى موانئها في امارة الفجيرة  طالت عدة سفن سعودية واماراتية، بعد ان تكتمت عن الامر، ثم طالت تفجيرات اخرى محطات نقل النفط في السعودية بطائرات مسيرة خطوط نقل الطاقة في السعودية يوم 14 ايار، وقد وجهة السعودية اصابع الاتهام الى ايران ونصار الله الحوثيين في اليمن عن العملية، رغم تحفظ الامارات صاحبة الارض، والولايات المتحدة التي اعلنت انها سوف تساعد الامارات لمعرفة اسباب الحادث، جاء حادث التفجير مع ارسال امريكية قوة عسكرية بحرية لمنطقة الخليج العربي مكونة من حاملة الطائرات(أبراهام لنكولن)، وهي بمثابة قاعدة عسكرية عائمة، تحمل على متنها عشرات المقاتلات الحربية، والمروحيات، إضافة إلى قوة ضاربة ترافقها تتكون من سفن حربية ومدمرات وغواصات، وطرادات، وسفن أخرى صغيرة. والهدف من ارسالها حسب التصريحات الامريكية هو لحماية حلفاء الولايات المتحدة ومصالحها من تهديد إيراني محتمل، وقد اعلنت ايران جهوزية قواتها للرد على أي عدوان امريكي محتمل.

من المعروف ان التهديدات الامريكية لإيران هي مستمرة منذ اعلان الجمهورية الاسلامية عام 1979، وان ارسال حاملة طائرات الى المنطقة هي ليست الاولى ولن تكون الاخيرة، خاصة وان امريكا لها مصالح وقواعد عسكرية كبيرة وان قدوم وذهاب القوات العسكرية امر طبيعي وروتيني في بعض الاحيان، ولكن ما ينذر بالخطر هو تهديدات ادارة الرئيس (ترامب) ضد ايران، وان أي حركة ضد هذه القوات تعني اعلان حرب، ولكن في نفس الوقت هناك عدد من الحقائق التي تؤكد ان لا حرب قادمة في المنطقة، وهناك عدد من الاسباب تؤكد هذه الفرضية وهي:

  • ان انتشار القوات الامريكية في المنطقة مستمر ودائم، وهي تملك عدد من القواعد العسكرية، اضافة الى قيادة الاسطول الخامس الامريكي في البحرين، لهذا فان زيارة حاملة الطائرات للمنطقة لايعني اعلان حرب ضد ايران، ففي عام 2008 في عهد ادارة (بوش الابن) كانت الولايات المتحدة قد ارسلت حاملة الطائرات مع قطع حربية اخرى للمنطقة وكانت كل انظار العالم تتوقع ان حرب سوف تقع الا ان هذه القوة عادت ادراجها دون حرب تذكر.
  • رغم حجم القوة الامريكية الكبير من حاملة الطائرات والفرقاطات والسفن الحربية والغواصات وسلاح الجو، فان حصرها في مياه الخليج العربي يجعلها أقل قدرة على المناورة، ويمكن القوات البحرية الإيرانية من استهدافها بسهولة، خاصة وان لدى ايران قوة بحرية مكونة من  زوارق سريعة وغواصات خفيفة، يمكنها العمل في المياه الضحلة، وتنفيذ هجمات سريعة، مقارنة بقدرة محدودة لحاملة الطائرات الأمريكية في تلك المياه، اضافة الى القوة الصاروخية الايرانية التي يمكنها اطلاق مئات الصواريخ في آن واحد مما يضع القوة الامريكية وقواعدها العسكرية في فخ محكم، وبحسب التقارير ، فإن الغواصات الايرانية من نوع  (غدير وفاتح) اضافة الى غواصة(كيلو الروسية)، يمكنهما العمل في المياه الضحلة ومتوسطة العمق، ومزودة بطوربيدات مضادة للسفن، وصواريخ متطورة، اذ يعد أسطول الغواصات الإيراني رابع أكبر أسطول غواصات في العالم بامتلاكها (33 ) غواصة.
  • ان الحرب ان اندلعت في المنطقة فلن تقتصر على ايران والولايات المتحدة ، فهي تعني اشتباك جبهة امريكا واسرائيل ومنظومة دول الخليج والدول الحليفة لها، مقابل جبهة ايران وحلفائها بالشرق الأوسط، ولن تقف بقية الدول مثل تركيا وروسيا وغيرهما بموقف المتفرج بل ستتدخل لحماية مصالحها وفرض إرادتها، مايجعل الشرق الأوسط يشتعل بحرب واسعة النطاق ومتعددة الخنادق، لهذا فان الولايات المتحدة تدرك جيدا ضخامة حجم الخسائر قياسا بالأرباح التي تجنيها من هذه الحرب.
  • رغم الاتهامات السعودية الامريكية لإيران بعملية التفجير، فان الجيش اليمني اعلن مسؤوليته عنها من خلال تسع طائرات مسيرة استهدفت خطوط نقل النفط السعودي شرق-غرب، وان القوات اليمنية قد تنفذ المزيد، وهنا فان المواجهة ستكون بين السعودية وانصار الله في اليمن والتي مستمرة منذ اربع سنوات.
  • ان هدف الولايات المتحدة من هذا الحشد العسكري هو، اولا، الضغط على ايران من اجل ان تجلس الى مفاوضات جديدة حول برنامجها النووي والصاروخي وهو ما رفضته ايران على لسان المرشد الاعلى للجمهورية الاسلامية. وثانيا، هي رسالة إلى إيران بان الولايات المتحدة لن تتراجع عن حلفاءها كما هي رسالة الى دول الخليج العربية بان عليهم ان يدفعوا فواتير حمايتهم وعقد صفقات لشراء الاسلحة الامريكية
  • دخول دول في المنطقة على خط الازمة بين الدولتين وظهور بعض المؤشرات من احتمال دخول الطرفين في مباحثات جديدة تقود لاتفاقات يحددها الطرفان.

ان رسائل هذه التفجيرات هي ببساطة رسالة لا يمكن لأي صانع قرار ان يتجاهلها،  الرسالة الاولى ان وقف تصدير النفط الايراني يعني وقف ضخ النفط من المنطقة بالكامل، وان وقف ضخ النفط وخاصة من السعودية والامارات سوف يكون من دون الدخول في حرب مباشرة او اغلاق مضيق هرمز كما كان يعتقد البعض، اذ تم وقف تصدير النفط السعودي من خلال اضعف قوة في المنطقة وهي حركة انصار الله في اليمن من خلال استخدام طائرات مسيرة، الرسالة الثانية ان على الولايات المتحدة ان تدرك حجم هذه الحرب ومدى انتشارها وعليها ان تعي ان اعلانها الحرب وحتى لو انتصرت فيها فسيكون ثمنها كبيرا جدا يفوق ما تحصل عليه من مكاسب. الرسالة الثالثة لدول الخليج العربية بان من يساعد الولايات المتحدة ويقدم التسهيلات لها يتحمل نتائجها ايضا وان هذه الدول ستكون المتضرر الاول منها. الرسالة الرابعة ان على دول العالم ان تعرف ان وقفها شراء النفط من ايران استجابة للعقوبات الامريكية املا في شراءه من دول الخليج الاخرى فان ذلك سيكون ثمنه باهضا جدا خاصة وان التقارير تشير الى ارتفاع سعر النفط لأكثر من (300) دولار في حالة الحرب في المنطقة ، وهو ما يضع اقتصاديات هذه الدول في حالة الانهيار.

خلاصة القول، ان من يسعى للحرب في منطقة الخليج العربي كمن يحاول ان يشعل نارا في برميل بارود، لان منطقة الشرق الاوسط عامة والخليج العربي خاصة منطقة تشهد ازمات وصراعات مستمرة ودامية وهي لا تقتصر على صراع دولتين فقط، ولا تقتصر على من يسيطر على موارد الطاقة، بل هي منطقة ذات اهتمام دولي واسع لاتقتصر على ايران والولايات المتحدة، الصراع الايديولوجي فيها والذي هو اكبر واقسى من الحرب العسكرية، لهذا فان على كل دول العالم ان تتكاتف لانهاء هذه الازمة وتجنب العالم الحرب التي قد تشعلها الولايات المتحدة ولكن قد لا يكون باستطاعتها اطفائها لاحقا.