تذبذب مواقف الحرب يزيد من فرص التفاوض بين واشنطن وطهران

      التعليقات على تذبذب مواقف الحرب يزيد من فرص التفاوض بين واشنطن وطهران مغلقة

 

م. ميثاق مناحي العيسى

قسم الدراسات السياسية/ مركز الدراسات الاستراتيجية

حزيران/ يونيو 2019

بالتزامن مع تصاعد حدة التوترات التي تشهدها العلاقات الأمريكية – الإيرانية في المنطقة منذ بدأ التصعيد الأمريكي ضد إيران على خلفية الانسحاب من الاتفاق النووي واتهام ايران بدعم الإرهاب وتقويض أمن المنطقة وأمن الحلفاء في الشرق الأوسط، أصبح الحديث عن فرضية حرب وشيكة بين واشنطن وطهران على مستوى عالِ جداً، لاسيما مع الاستعدادات العسكرية التي يبديها الطرفان في المنطقة. وبالرغم من ذلك، بدأ الحديث عن احتمالية الحرب يتضاءل تدريجياً مع المرونة الكبيرة التي ابداها الرئيس الأمريكي في خطابه الأخير وملامح التغيير في الخطاب السياسي الأمريكي في الابتعاد عن سياسة التهديد والرغبة في الحرب وتغيير النظام الإيراني. من هذا المنطلق سنحاول قراءة المتغيرات السياسية في الخطاب السياسي لطرفي الأزمة والظروف المحيطة بهما لتغليب فرضية التفاوض والابتعاد عن فرضية الحرب.

الموقف الإيراني: نتيجة للظروف الداخلية والخارجية التي تعاني منها إيران، ابدت الإدارة الإيرانية مرونة كبيرة في التعامل مع الأزمة الحالية مع الولايات المتحدة الأمريكية، حتى وأن كانت تلك المرونة مصحوبة بلغة سياسية خشنة نوعاً ما، وعلى الرغم من أن الإدارة الإيرانية رفعت شعار (لا حرب ولا تفاوض مع واشنطن)، إلا أن ضغط العقوبات الأمريكية من جهة، والمكاسب السياسية والاقتصادية المتحققة “في حالة التفاوض”، ستكون عامل ضغط كبير على الإدارة الإيرانية. بهذا الاتجاه، هناك توجه إيراني على مستوى عالِ جداً من قبل المرشد الأعلى في عرض الاتفاق النووي للاستفتاء عليه من قبل الشعب الإيراني، وهذه الخطوة إذا ما تمت بالفعل، فهناك نسبة كبيرة جداً في أن يرفض الشعب الإيراني الاتفاق النووي من خلال الاستفتاء من أجل رفع العقوبات ودخول إيران في الميدان الدولي بقوة، لاسيما مع القدرات الكبيرة التي تتمتع بها إيران على المستوى الاقتصادي والثقافي والسياحي. كذلك، هناك مساعي كبيرة تبذلها الدبلوماسية الإيرانية من أجل ابعاد شبح الحرب وتقريب وجهات النظر مع الولايات المتحدة من أجل الجلوس على طاولة المفاوضات، من خلال وسطاء وحلفاء لكلا الطرفين. وبهذا الاتجاه كان هناك توجه إيراني عن طريق وزير الخارجية محمد جواد ظريف الى باكستان، من أجل التوسط لدى المملكة العربية السعودية والأمارات بالضغط على الولايات المتحدة لتخفيف الضغط على طهران، فضلاً عن الزيارات التي قام بها بعض المسؤولون الإيرانيون إلى العراق وقطر وسلطنة عمان والكويت، بهدف تلطيف الأجواء مع مجلس التعاون الخليجي. وطرحت ايران ما يسمى بتوقيع معاهدة عدم الاعتداء على هذه الدول. فضلا عن ذلك، فأن طهران لا تستطيع الرهان على عامل الزمن والتعامل بأريحية مع الأزمة الحالية، لاسيما وأن الإدارة الإيرانية أمام بيئة داخلية ضاغطة وانهيار شبه اقتصادي وعملية شحن غير مسبوقة بين التيارين (المحافظ والإصلاحي). فالرئيس الإيراني حسن روحاني طالب بمزيد من الصلاحيات على غرار الصلاحيات التي كان يتمتع بها الرئيس الإيراني اثناء الحرب العراقية – الإيرانية. بموازاة ذلك، طالب التيار المحافظ باستجواب روحاني والإطاحة به وتشكيل حكومة انقاذ وطني. وهذه بالمجمل تمثل عوامل ضغط على صانع القرار الإيراني في تغليب لغة الحوار والتفاوض مع الولايات المتحدة بصورة أو بأخرى.

الموقف الأمريكي: يبدو بأن الإدارة الأمريكية  بدأت تتخلى عن لهجتها القوية اتجاه إيران بغية اقناعها وجرها إلى طاولة المفاوضات، لاسيما وأن فرضية الرئيس الأمريكي من هذا التصعيد ضد إيران، واضحة جداً، فهو لا يريد الحرب بقدر ما يريد تهذيب السلوك الإيراني في المنطقة وإعادة التفاوض حول البرنامج النووي من أجل الدخول في سباق الانتخابات الأمريكية القادمة في شهر تشرين الاول 2020. فالمرونة الكبيرة التي حملها خطاب الرئيس الأمريكي الأخير تجاه طهران بقوله (لا نريد تغيير النظام الإيراني.. وبإمكان إيران أن تكون أمة عظيمة..) أعطى فرصة كبيرة لفرضية التفاوض الأمريكي – الإيراني. فضلاً عن ذلك، فأن الرئيس الأمريكي أرسل رقم تليفونه الشخصي والمباشر إلى الجانب الإيراني. وهذه رسالة واضحة على أن الإدارة الأمريكية تريد فتح حوار مباشر مع الإدارة الإيرانية.

فضلاً عن ما سبق، فأن المصلحة الإيرانية – الأمريكية، تفرض عليهما تغليب العامل الدبلوماسي في الأزمة الحالية، فالرئيس ترامب “كما اسلفنا” يريد أن يدخل الانتخابات الأمريكية القادمة من البوابة الإيرانية، لاسيما وأنه نجح نسبيا من قبل في الجلوس مع الرئيس الكوري الشمالي والتفاوض حول الاسلحة النووية التي تمتلكها كوريا الشمالية وحل الأزمة في شبه الجزيرة الكورية. وأن نجاحه هذه المرة في اجبار الإيرانيون في الجلوس على طاولة المفاوضات، ومعالجة الثغرات المتعلقة بالاتفاق النووي، بما يضمن عدم عسكرة البرنامج النووي، وتراجع إيران عن برنامجها الصاروخي، وتحجيم نفوذها الإقليمي، فضلاً عن النقاط التي طرحها وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، ستفتح له باب الدخول إلى الولاية الثانية، التي يسعى لها الرئيس بقوة كبيرة.

على الطرف الأخر، تعاني إيران من أزمة داخلية على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي، وهناك مخاوف من خروج الشعب الإيراني “الذي انهكته العقوبات” ضد سياسة النظام، لاسيما وأن الرهان الإيراني في الاعتماد على شرق أسيا فشل مع عزوف الصين والهند عن شراء النفط من إيران ” وهما أكبر مستوردين للنفط الإيراني”؛ استجابة للعقوبات الأمريكية على طهران، فضلاً عن ضعف الموقفين الروسي والأوروبي بشكل عام تجاه الأزمة بين واشنطن وطهران.

بالمجمل يبدو بأن فرص التفاوض أكثر عملية في حل الأزمة الحالية، على العكس من فرص الحرب أو المواجهة العسكرية المباشرة أو غير المباشرة بين الطرفين، التي بدأت تتضاءل تدريجياً مع تهذيب الخطاب السياسي لطرفي الأزمة، لاسيما من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب؛ ونتيجة لذلك، يبدو بأن فرضية التفاوض الأكثر ترجيحاً من فرضية الحرب، لاسيما وأن المكاسب المتحققة من هذا التفاوض ستكون كبيرة جداً للطرفين.