الراي العام والسياسة العامة في العراق قراءة في المشهد الاقتصادي

      التعليقات على الراي العام والسياسة العامة في العراق قراءة في المشهد الاقتصادي مغلقة

 

م. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

حزيران 2019

تعد العلاقة بين الرأي العام والسياسة العامة أحد المحاور الرئيسية للعديد من النقاشات الأكاديمية، خاصة تلك المتعلقة بدراسة مدى استجابة الحكومات الديمقراطية لخيارات الشعوب والمجتمعات، وان صنع وتنفيذ السياسة العامة من الوظائف الأساسية للحكومة، حيث تمنح هذه الأخيرة وبمجرد انتخابها وتشكيلها، سلطة ومسؤولية اتخاذ القرارات المتعلقة بتدبير وإدارة الشأن العام، مما يؤدي إلى التأثير على الرأي العام، وعلى حياة الأفراد والمجتمعات من خلال ثلاثة محاور رئيسة، هي: التأثير في سلم الأجور والرواتب، وفرص العمل المتوفرة للمواطنين. والتأثير في توفير الخدمات العامة، وسهولة الوصول إليها، سواء تعلق الأمر بالصحة والتعليم، والخدمات المالية، وسائل النقل والسكن. ونوعية الخدمات المقدمة. والتأثير في نوعية الحياة الاجتماعية للمجتمع والأفراد، من خلال اتخاذ قرارات وسياسات تخص التخطيط العمراني، وحماية البيئة، وتخفيض معدل الجريمة وغيرها.

ويمكن للرأي العام التأثير في السياسات الحكومية من خلال العديد من الآليات، التي تعبر عن توجهاته وأولوياته من بينها: الأحزاب السياسية، الجماعات الضاغطة، جماعات المصالح والإعلام. الخ، إضافة إلى استعمال آلية الانتخابات للضغط على صناع القرار وإجبارهم على تغيير سياساتهم أو تبني سياسات يفضلها الجمهور الناخب، والسياسة العامة هي ( النشاطات الحكومية الهادفة التي لها تأثير مباشر على حياة الأفراد)،  وهي (برنامجُ عملٍ حكومي يحتوي على مجموعة من القواعد، والتي تلتزمُ الحكومة بتطبيقها في المجتمع)، وعملية صنع السياسات العامة تمر بعدة مراحل متتالية، تبدأ بالتعرف على المشكلة وإدراجها في جدول أعمال مختلف الأجهزة الحكومية، ثم صياغة ووضع البدائل اللازمة للعمل، واختيار البديل الأنسب. والعمل على إكساب القرار المتخذ الشرعية اللازمة حتى يتخذ الصفة الدستورية القانونية. ومرحلة رصد الميزانية الكافية لتنفيذ القرار المتخذ. واخيرا تقييم النتائج المترتبة عن القرارات والبدائل المطبقة، ومن تم إعادة النظر في بعضها والانتقال إلى دورة جديدة من الحاجيات وردود الأفعال.

واستطلاع الرأي العام يتم عن طريق عدد من الادوات وهي استطلاع الرأي بالهاتف، واستطلاع الرأي بالنماذج المكتوبة، واستطلاع الرأي الالكتروني وعبر الانترنت، اما عن فاعلية الراي العام في رسم السياسات العامة فهناك تياران الاول يرى أن تأثير الرأي العام على رسم أو صنع السياسة العامة عادة ما يكون محدودا، وقد بلور أنصار هذا التيار عـدة نظريـات، كـان مـن أبرزهـا نظريـات عـدم الاستجابة. وقد توصـلت هـذه النظريـات إلـى أن استطلاعات الرأي العام تمارس تأثيراً محدوداً على صانعي القـرار، وأن النخبـة الـسياسية قادرة على تغيير الرأي العام لكي يتوافق مع سياساتها المفضلة، أكثر مـن تغييـر سياسـتها لتتوافق مع تفضيلات الرأي العام، اما التيار الثاني يرى أن للرأي العام دور مؤثر في دعـم متخذي القرار وصانعي السياسات العامة. لان الرأي العام هو بمثابة استفتاء مستمر على سياسات الحكومة، وتعبير صادق عـن الإرادة الـشعبية، وهـى الوسيلة التي تتيح للأغلبية الصامتة أن تعبر عن آرائها، وأن تطرح أولوياتها، وأن تؤثر في السياسات العامة. ومن ثم، فإن نتائج اسـتطلاعات الرأي العام تخلق قيوداً على صانعي السياسات العامة، كما تمثل مصدر ضغط على متخذي القرار من أجل الاستجابة لمطالب المواطنين.

ان دور الرأي العام في معالجة المشاكل الاقتصادية في العراق  ومنها انخفاض مستوى الخدمات التعليمية والصحية والنقل والمواصلات ما تسبب ذلك في عرقلة عملية التنمية الاقتصادية، هو توجيه الاستثمارات على جبهة واسعة في القطاعات من اجل كسر حلقة  التخلف والاسراع بعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية. ومن غير الممكن تنمية كل القطاعات الاقتصادية في وقت واحد، وانما بحسب اهمية كل قطاع من هذه القطاعات في عملية التنمية الاقتصادية وحاجة المجتمع له في الوقت الراهن فقد تكون من اولويات الدولة في الوقت الحاضر تنمية القطاعات الانتاجية لقدرتها في خلق ترابطات امامية وخلفية واسعة مع بقية القطاعات الاقتصادية  على حساب القطاعات الاخرى، وفي ظل استقلالية وشفافية وسائل الاعلام يمكن لها من تعبئة الرأي العام باتجاه احد القطاعات كأن يكون قطاع الخدمات والصحة والتعليم من خلال ابراز المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها المجتمع نتيجة تخلف هذه القطاعات، وعلى الرغم من كون هذا القطاعات لا يحظى باهتمام في خطط التنمية الاقتصادية في الوقت الحاضر، ولكن تأثير الرأي العام  يمكن ان يدفع الدولة الى توجيه اهتمام متزايد الى هذا القطاعات.

يمر العراق في الوقت الحاضر بمرحلة حاسمة في تاريخه، وتعد هذه المرحلة مرحلة انتقالية من وضع اقتصادي كان في المرحلة السابقة يتسم بهيمنة الدولة على المفاصل الحيوية للاقتصاد مع التوجه للسياسة الاقتصادية الداخلية والاشراف على التجارة الخارجية، الى وضع جديد يتسم باقتصاد السوق وفتح الحدود امام المستثمرين والاجانب الى جانب طرح افكار جديدة كالخصخصة والانضمام الى منظمة التجارة العالمية والاستثمار الاجنبي المباشر وتحرير التجارة وغيرها من الافكار الاقتصادية التي لها تأثير مباشر على المستقبل الاقتصادي للبلد والمستوى المعاشي للجيل الماضي والاجيال اللاحقة.

ان تحديد القرار المناسب بصدد هذه المسائل الاقتصادية المهمة لا بد ان تكون من اختصاص السلطة التشريعية المنتخبة بصورة حرة وديمقراطية من قبل الشعب، بعد ان تقوم الدائرة الاقتصادية المنبثقة عن السلطة التشريعية بإعداد دراسة علمية عن القضية الاقتصادية المطروحة للنقاش وتقديم النتيجة النهائية الى السلطة التشريعية لغرض التصويت عليها.

وهنا لابد من الاشارة في هذا المجال الى ضرورة اشراك جميع الاطراف من ذوي العلاقة كأساتذة الجامعات واصحاب الخبرة في القطاع الخاص والاتحادات الصناعية والنقابات العمالية لتقديم النصح والارشاد الى السلطة التشريعية ويكون للأعلام دور بارز في توضيح سلبيات وايجابيات الحالة الاقتصادية التي هي قيد النقاش من قبل السلطة التشريعية الى الجمهور وبصورة شفافة ومن دون الانحياز المسبق الى طرف معين على حساب طرف آخر من اجل تعبئة الرأي العام بالاتجاه الصحيح للضغط على السلطة التشريعية للتصويت الى صالح رغبة غالبية لشعب. شروط اتخاذ القرار الاقتصادي السليم لإنجاح عملية اتخاذ القرار الاقتصادي الصحيح في العراق.