التأثير الاستراتيجي للحرب الإيرانية الهجينة في الخليج

      التعليقات على التأثير الاستراتيجي للحرب الإيرانية الهجينة في الخليج مغلقة

 

الكاتب: انتوني كوردسمان

نقلا عن: مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية/ واشنطن

مركز الدراسات الاستراتيجية-جامعة كربلاء

ترجمة: هبه عباس محمد علي

تحليل: م. ميثاق مناحي العيسى

تموز-يوليو 2019

يبدو ان تهديد الحرب مع ايران لا يؤثر على الكثيرين في الولايات المتحدة وأوروبا لكن تداعياته الاستراتيجية أصبحت واضحة تمامًا بعد ساعات فقط من الهجوم على ناقلتين تم تحميلهما حديثًا – وهما Frontline وKokuka Courageous – في خليج عُمان في 12 حزيران 2019 – خارج الخليج العربي، فيما جاءت هذه الهجمات بعد مرور أقل من شهر على الهجمات الأربع السابقة على ناقلات بالقرب من ميناء في الإمارات العربية المتحدة، وبعد شهور من التوتر المتزايد بشأن البرنامج النووي الإيراني، والحرب في اليمن، وسباق التسلح المتزايد في المنطقة.

كما ان الخوف من تزايد الهجمات وتوقف التصدير المستمر للنفط أدى الى ارتفاع السعر العالمي للنفط الخام بنسبة ٤%( وهذا الارتفاع على الجميع دفعه بما في ذلك أمريكا)، بغض النظر عن كون الولايات المتحدة لم تعد المستورد الرئيس للنفط.

 

ان الأسباب الكامنة وراء هذه الحوادث ستتسبب بارتفاع فوري في أسعار النفط وتزايد المخاوف المتعلقة بأنماط الصراع الأكثر خطورة وهذه الاسباب تتعلق بـ اولاً يمكن ان تتصاعد المواجهة العسكرية بين إيران والولايات المتحدة ودول الخليج حول كل شيء بدءا من خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) الى اليمن والحرب الهجينة الاكثر خطورة من الهجوم، ثانياً: يمكن ان تؤثر مثل هذه الهجمات على تدفق الطاقة الى الدول الصناعية الرئيسة والمصدرين اللذين يشكلون الاقتصاد العالمي واقتصاد الولايات المتحدة بشكل خاص.

تأثير الحرب الهجينة

يمكن ان تستخدم إيران قواتها البحرية والجوية فضلا على وكلائها لمهاجمة السفن في أي مكان في الخليج حول مضيق هرمز، وخليج عُمان خارج الخليج، وفي مياه المحيط الهندي بالقرب من مضيق هرمز. وقد هددت منذ وقت طويل “بإغلاق الخليج” عند مضيق هرمز، لكن تدريباتها العسكرية تتضمن نشر قوات الحرس الثوري التابعة لها على نطاق واسع في الخليج وبالقرب منه.

إيران ليست بحاجة الى شن حرباً كبرى، فهي تستطيع تنفيذ هجمات محدودة المستوى ولا تثير ردود فعل أمريكية او عربية كبيرة، تسبب زيادة مفاجئة في أسعار النفط. وهو ما يعتبر مساويا لحرب استنزاف. والناقلات بطبيعتها عرضة للصواريخ الصغيرة نسبيا المضادة للسفن والطائرات بدون طيار، وهجمات الغواصات عميقة الغوص والقوارب الصغيرة التي يتم التحكم بها لاسلكيا والمحملة بالعبوات الناسفة. كما تستطيع إيران زراعة ألغام” ذكية” في قاع مسارات الناقلات التي يمكنها أن تكتشف الناقلات الكبيرة وتستهدفها.

يمكن أن يتم تنفيذ أساليب الهجوم “الهجين” هذه بواسطة سفن صغيرة ومراكب شراعية ليست جزءًا من القوات المسلحة الإيرانية، ولا تحمل أعلامًا إيرانية ولا يرتدي مشغليها الزي الرسمي الإيراني، ولا يمكن ربطها مباشرة بأعمال تنفذها الحكومة الإيرانية، او بواسطة وكلاء مثل الحوثيين، لكن هناك تواجد لقوات البحرية التابعة للجمهورية الإسلامية وقوات الحرس الثوري في خليج عُمان من اجل منع التهريب وفي خليج عدن بالقرب من اليمن للتعامل مع القراصنة الصوماليين.

دورها (إيران) المتنامي في خليج عمان يتضمن وجود غواصتها المعروفة باسم ” غواصة كيلو” هو لقب تعريف الناتو للغواصة التي تعمل بالديزل والكهرباء الغواصة التي يتم صنعها في روسيا، وعينت النسخة الأصلية من المشروع في روسيا. هناك أيضا نسخة أكثر تقدما، تسمى الغواصة في الغرب طراز كيلو المحسنة أو مشروع 636 فارشافيانكا في روسيا؛ من اجل تقليل قدرة الولايات المتحدة على تتبع وتغطية حركاتها، وتفيد تقارير IHS جانيس بأن إيران تخطط لإنشاء ثلاث قواعد جديدة على ساحل مكران في خليج عُمان – المكتملة منها تقع بالقرب من Pasabandar (بالقرب من الحدود الباكستانية) في شباط 2017.

في الوقت نفسه، يمكن للجماعات المتطرفة الخارجية مثل داعش أن تنفذ مثل هذه الهجمات ومن المحتمل ان تجر إيران والولايات المتحدة والدول العربية الى شكل من اشكال الحرب، لا أحد يستطيع ان يفترض ان إيران هي السبب في غياب معلومات او ادلة موثوقة، كما يمكن للأنكار الإيراني ان يحد من التدخل العسكري للدول الأخرى؛ خاصة ان أي رد فعل من هذا القبيل سيهدد بحدوث صراع أكثر خطورة وبالنتيجة انخفاض تصدير نفط الخليج.

تهديد الاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي

البترول سلعة عالمية وأي انخفاض بالتزويد به سيؤثر على سعره في جميع انحاء العال. تعد شبه الجزيرة العربية والخليج مصدرين أساسيين للصادرات اذ تبلغ حوالي ٦٠ مليون برميل يوميا، فضلا على منتجات الغاز الطبيعي.

في حين أن حجم صادرات النفط الخليجية يتغير بمرور الوقت، اذ تشير تقديرات وكالة معلومات الطاقة التابعة للحكومة الأمريكية الى أن حجم الصادرات ارتفع بنحو 9 ٪ بين عام 2011 و2016.

يعد مضيق هرمز من المناطق المهمة في العالم اذ يربط الخليج العربي بخليج عُمان وبحر العرب، وقد بلغ تدفق النفط منه عام ٢٠١٦ حوالي ١٨,٥ مليون برميل يومياً. وفي عام ٢٠١٥ بلغت نسبة تدفق النفط منه حوالي ٣٠٪ من مجموع نسبة النفط الخام والسوائل الأخرى المنقولة عن طريق البحر، وفي عام ٢٠١٦ بلغت نسبة تجارة الغاز الطبيعي عبره حوالي ٣٠٪ من نسبة تجارة الغاز الطبيعي المسال في العالم.

هناك خيارات محدودة لتجاوز مضيق هرمز، اذ تمتلك كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة فقط خطوط أنابيب يمكنها شحن النفط الخام خارج الخليج العربي. ففي نهاية عام 2016، بلغ إجمالي طاقة أنابيب النفط الخام المتاحة من البلدين 6.6 مليون برميل في اليوم، في حين أن لدى البلدين حوالي 3.9 مليون برميل في اليوم من طاقة التصدير عبر الطرق الجانبية غير المستخدمة.

لا تتمثل الخيارات الوحيدة لهذه الحركة عن طريق البحر في ظل وجود خط أنابيب محدود عبر العراق الى ميناء في تركيا يوفر طاقة فائضة قليلة في العالم الحقيقي، وهناك خط أنابيب صغير آخر نسبيا من النفط الخام في أبو ظبي يمكنه أن يزيد عن 1.5 مليون برميل يوميًا من النفط الخام الى نقطة على ساحل المحيط الهندي في الإمارات العربية المتحدة، حيث لا تكون شحنات الناقلات معرضة للخطر مثل تلك الموجودة في الخليج.

وهناك خط انابيب يصدر حوالي ٤.٨ مليون برميل يومياً عبر المملكة العربية السعودية من منطقة بقيق بالقرب من الخليج الى ميناء ينبع في البحر الأحمر، وبلغت القدرة التصديرية لهذا الانبوب في السنوات الأخيرة اقل ٢.٩ مليون برميل يوميا من فائض القدرة في السنوات الأخيرة وهذه النسبة اقل ب ٢٠٪ من نسبة النفط المتدفق يومياً خارج الخليج، لكن قامت السعودية بأغلاق هذا الخط بعد الهجوم الذي تعرض له عام ٢٠١٩؛ اذ أفادت وكالة الانباء السعودية انها عانت من اضرار محدودة بفعل الطائرات المسيرة والعمل التخريبي.

ادت الحرب الاهلية في اليمن الى زيادة تأثير إيران على الحوثيين، وإمكانية أكبر في استخدام الصواريخ والألغام او السفن الصغيرة في مهاجمة اهداف في الجنوب من البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب وفي الشمال عبر قناة السويس او خط انابيب سوميد.

وتفيد تقارير تقييم الأثر البيئي بما يأتي: –

مضيق باب المندب هو نقطة مهمة تقع في منطقة بين القرن الإفريقي او شبه الجزيرة الصومالية والشرق الأوسط وهو رابط استراتيجي بين البحر الاحمر ​​والمحيط الهندي، ويساعد موقعه بين اليمن وجيبوتي وإريتريا على ربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. تمر معظم الصادرات من الخليج العربي التي تمر عبر قناة السويس وخط أنابيب سوميد عبر باب المندب. بلغ مقدار النفط الخام والمنتجات البترولية المصدرة عبره الى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا حوالي 4.8 مليون برميل يوميا عام 2016، بزيادة قدرها 3.3 مليون برميل يوميا عن عام 2011. ويبلغ عرض مضيق باب المندب 18 ميلاً في أضيق نقطة له، مما يحد من حركة الناقلات للشحنات الواردة والصادرة إلى قناتين بعرض ميلين. وإغلاق باب المندب يمكن أن يمنع الناقلات القادمة من الخليج العربي من الوصول إلى قناة السويس أو خط أنابيب سوميد.

وتعد كل من قناة السويس وخط انابيب سوميد من الطرق الاستراتيجية لشحن النفط والغاز الطبيعي من الخليج العربي الى أوروبا وأمريكا الشمالية. تقع قناة السويس في مصر، وتربط البحر الأحمر وخليج السويس مع البحر الأبيض المتوسط، وأفادت البيانات الصادرة عن هيئة قناة السويس بأن نسبة النفط الخام المصدر عبرها بلغ حوالي 3.9 مليون برميل يومياً عام ٢٠١٦.

وقد زادت نسبة الصادرات النفطية نحو الشمال في العام ذاته بحوالي ٣٠٠ ألف برميل يوميا وذلك بسبب زيادة صادرات النفط الخام من العراق والسعودية الى أوروبا، وبالمقابل انخفضت الصادرات النفطية المتجهة نحو الجنوب لأول مرة منذ عام ٢٠٠٩ وذلك بسبب انخفاض صادرات المنتجات البترولية من روسيا الى اسيا.

خط انابيب سوميد: -يبلغ طوله حوالي ٢٠٠ ميل ويتم من خلاله نقل النفط الخام عبر مصر من البحر الأحمر الى البحر الأبيض المتوسط من خلال خطي انابيب متوازيين بسمك ٤٢ بوصة وتبلغ طاقتهما الاجمالية ٢.٣٤ مليون برميل يومياً. ويعد هذا الخط الطريق البديل الوحيد لنقل النفط الخام من البحر الأحمر الى البحر الأبيض المتوسط في حال عدم تمكن السفن من المرور عبر قناة السويس.

واذا تم اغلاق قناة السويس وخط انابيب سوميد ستضطر ناقلات النفط الى تغيير مسارها بأتجاه رأس الرجاء الصالح بالقرب من جنوب افريقيا، الأمر الذي سيضيف حوالي ٢٧٠٠ ميل للعبور من السعودية الى الولايات المتحدة، وقد بلغت نسبة النفط الخام المصدّر عبر خط انابيب سوميد الى البحر الأبيض المتوسط عام ٢٠١٦ حوالي ١.٦ مليون برميل يومياً.

تهديد الاقتصاد الأمريكي: لماذا يعد استقلال البترول خرافة؟

بقيت الولايات المتحدة حتى فترة قريبة تستورد ما لا يقل عن مليوني برميل يوميا من النفط، وان اقل من ٢٠٪ من اجمالي وارداتها يأتي من الخليج، ومع ذلك تدفع الولايات المتحدة مقابل السعر العالمي للنفط وأي أزمة في العرض تزيد من الأسعار في الولايات المتحدة مثلها مثل أي بلد آخر في العالم.

لكن الأمر المهم بالنسبة للاقتصاد العالمي والاقتصاد الأمريكي بشكل خاص هو انتقال صادرات النفط الخليجية عن طريق البحر الى اقتصادات أخرى متقدمة وصناعية ذات أهمية بالغة خاصة في آسيا. هذه الدول المستوردة تشمل أهم أكبر 15 دولة مُصدرة للولايات المتحدة مثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان وفيتنام، وتؤثر صادراتها الى الولايات المتحدة في الوقت الحالي على الاقتصاد الأمريكي بشكل أكبر مما كان عليه الحال بالنسبة لواردات البترول حتى عندما كانت الولايات المتحدة تعتمد بشكل كبير على واردات النفط الأمريكية المباشرة.

وتشير البيانات الأخيرة لوكالة المخابرات المركزية ومكتب الإحصاء الأمريكي إلى أن الدول الآسيوية وحدها توفر عادة ما بين 28-٣٠٪ من واردات الولايات المتحدة الحالية، ولديها حوالي 4-5٪ تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. وإذا نظرنا من هذا المنظور نجد ان استقلال الطاقة في الولايات المتحدة ليس أكثر من مجرد أسطورة اقتصادية.

نظرة تحليلية

بغض النظر عن كل التأثيرات الجانبية والسلبية التي ذكرها الكاتب في مقاله، تبقى مسألة فرضية الحرب الهجينة أو الحرب بالوكالة، هي الأقوى من بين الفرضيات المطروحة، لاسيما وأن هناك الكثير من البلدان في الشرق الأوسط، تعد أرض خصبة لمثل هذه الحرب، والعراق سيكون المتضرر الأكبر من أي حرب في المنطقة، سواء كانت حرب عسكرية مباشرة أم غير مباشرة. ربما يكون تأثير الحرب على الخليج، تأثير اقتصادي أكبر مما هو سياسي، وسيكون تصدير النفط، المصدر الأساس للتهديد، إلا أن الأمر في العراق مختلف تماماً وسيكون التهديد على مختلف المستويات، لاسيما في ظل القاعدة العسكرية التي تمتلكها طهران في العراق. ولعل حادثة اقتحام السفارة البحرينية في بغداد يوم الخميس 27/6/2019، تعطي الكثير من الدلالات المباشرة على خطورة تأثير الصراع الأمريكي – الإيراني على العراق والمنطقة. أصبح موقف إيران أكثر قوة بعد أن تذبذب الموقف الأمريكي من الحرب، وتراجع قوة وصلابة تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، التي غازل بها النظام الإيراني والجمهورية الإيرانية بشكل عام، لاسيما بعد زيارة الوسيط الياباني إلى طهران وحادثة اسقاط الطائرة الأمريكية فوق المياه الإقليمية الإيرانية أو القريبة منها، فضلاً عن حوادث مهاجمة البوارج النفطية في خليج عُمان ومن قبلها في الفجيرة. هذه المواقف والأحداث ستزيد من موقف طهران تجاه فرضية الحرب الهجينة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لاسيما مع غياب الرغبة الأمريكية في خوض حرب عسكرية مباشرة مع طهران لحد الآن.

رابط المقال الاصلي:

https://www.csis.org/analysis/strategic-threat-iranian-hybrid-warfare-gulf