الحماية الدولية للمظاهرات

      التعليقات على الحماية الدولية للمظاهرات مغلقة

م.د ياسر المختار

باحث في قسم الدراسات القانونية

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

تشرين الثاني-نوفمبر2019

فرض القانون الدولي حماية على حرية التعبير، وطالب المجتمع الدولي ممثلا في أشخاصه من الدول والمنظمات الدولية العالمية والإقليمية، باحترام حرية الرأي والتعبير، بل طالبهم بتسهيل مهمتهم، وأبرز ذلك ما ورد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م المادة الثامنة عشر والتي نصت على (  لكل شخص حق في حرية الفكر والوجدان والدين) والمادة التاسعة عشر التي نصت على (لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود.) كما نص ذات الإعلان على حق كل مواطن في الاشتراك في أي من الجمعيات وحقه في التحدث ومناقشة الأمور العامة التي تهم مجتمعه، وذلك في المادة ( 20) منه التي نصت على (1. لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. 2. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعية ما.) والمادة (21) منه والتي نصت على (1. لكل شخص حق المشاركة في إدارة الشئون العامة لبلده، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية. 2. لكل شخص، بالتساوي مع الآخرين، حق تقلد الوظائف العامة في بلده. 3. إرادة الشعب هي مناط سلطة الحكم، ويجب أن تتجلى هذه الإرادة من خلال انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري أو بإجراء مكافئ من حيث ضمان حرية التصويت.).

كما فرض وأوجب العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمد وعرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16كانون/ديسمبر1966 ودخل حيز التنفيذ في 23 آذار/مارس 1976، وفقا لأحكام المادة (49) وقد نص على حماية حرية الفكر والتعبير في المادتين (18) و (19) وقد نصت على (المادة 18) ( 1. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. 3. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.)

كما نصت المادة(19) على ( 1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة. 2. لكل إنسان حق في حرية التعبير. ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها. 3. تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص علىها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسئوليات خاصة. وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محددة بنص القانون وأن تكون ضرورية: لاحترام حقوق الآخرين أو سمعتهم، لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة.).

 

إن الحق فى التظاهر السلمى مكفول ومعترف به فى كافة المواثيق الدولية باعتباره دلالة على احترام حقوق الإنسان فى التعبير عن نفسه وأهم مظهر من مظاهر الممارسة السياسية الصحيحة، حيث تنص المادة (٢١ ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على: يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به.

ولا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقاً للقانون وتشكل تدابير ضرورية، في مجتمع ديمقراطي، لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم.وحيث أن مصر صدقت على هذا الميثاق وعلى كافة المواثيق والاعلانات واتفاقيات حقوق الإنسان العالمية والإقليمية التي تنص على حرية التعبير وحق التظاهر ووافق على كل ذلك مجلس الشعب فإنه طبقا للمادة (151) من الدستور المصري. التي نصت على (رئيس الجمهورية يبرم المعاهدات، ويبلغها مجلس الشعب مشفوعة بما يناسب من البيان. وتكون لها قوة القانون بعد إبرامها والتصديق علىها ونشرها وفقا للأوضاع المقررة. على أن معاهدات الصلح والتحالف والتجارة والملاحة وجميع المعاهدات التي يترتب علىها تعديل في أراضى الدولة، أو التي تتعلق بحقوق السيادة، أو التي تحمل خزانة الدولة شيئاً من النفقات غير الواردة في الموازنة، تجب موافقة مجلس الشعب علىها.) يعد قانوناً لابد من العمل به مثل بقية القوانين المصرية سواء أمام القضاء وكافة الجهات الحكومية الرسمية.

علما بأن كافة الدساتير العربية تنص على أن السيادة للشعب وقد نصت على ذلك المادة الثالثة من الدستور المصري لعام 1971م فذكرت (السيادة للشعب وحده، وهو مصدر السلطات، ويمارس الشعب هذه السيادة ويحميها، ويصون الوحدة الوطنية على الوجه المبين في الدستور.) وقد نص على ذلك الدستور التونسي في الفصل الثالث فذكر (الشعب التونسي هو صاحب السيادة يباشرها على الوجه الذي يضبطه هذا الدستور.) وقد نص الدسنور الليبي في ديباجته على أن ( السلطة والموارد الطبيعية بيد الشعب) وقد نص في المادة الأولي منه على أن ( السيادة فيها للشعب). وقد نص الدستور العراقي الصادر في عام 2005 في المادة (38) على حق التظاهر بصورة سلمية.

فضلا عما سبق من وجوب احترام حرية التعبير والفكر لأي إنسان فإن القانون الدولي فرض حمايته على شخص الإنسان في إلاعلان العالمي لحقوق الإنسان السالف في المادة (3) على (لكل فرد حق في الحياة والحرية وفى الأمان على شخصه.) وفي المادة (5) التي نصت على (لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة. الناس جميعا سواء أمام القانون، وهم يتساوون في حق التمتع بحماية القانون دونما تمييز، كما يتساوون في حق التمتع بالحماية من أي تمييز ينتهك هذا الإعلان ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز.)كما أن المادة التاسعة نصت على تحريم الاعتقال وحجزه تعسفيا (لا يجوز اعتقال أي إنسان أو حجزه أو نفيه تعسفا) ونصت المادة العاشرة على (لكل إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحق في أن تنظر قضيته محكمة مستقلة ومحايدة، نظرا منصفا وعلنيا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أية تهمة جزائية توجه إليه.) كما أكدت المادة (11) على أن الأصل في الإنسان البراءة فقالت(1. كل شخص متهم بجريمة يعتبر بريئا إلى أن يثبت ارتكابه لها قانونا في محاكمة علنية تكون قد وفرت له فيها جميع الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه. 2. لا يدان أي شخص بجريمة بسبب أي عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكل جرما بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا توقع علىه أية عقوبة أشد من تلك التي كانت سارية في الوقت الذي ارتكب فيه الفعل الجرمي.) وفرضت المادة (12) حماية على الحياة الخاصة فنصت على(لا يجوز تعريض أحد لتدخل تعسفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمس شرفه وسمعته. ولكل شخص حق في أن يحميه القانون من مثل ذلك التدخل أو تلك الحملات.) ونصت المادة (13) من ذات الإعلان على الحق في التنقل والسفر فنصت على(1. لكل فرد حق في حرية التنقل وفى اختيار محل إقامته داخل حدود الدولة.  2. لكل فرد حق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، وفى العودة إلى بلده.) وهناك العديد من النصوص التي تؤيد على حرية الفكر والرأي والتعبير في العديد من الوثائق والاعلانات والاتفاقيات الدولية وهي:

1 – الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م.

2 – الاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الصادرة عن الأمم المتحدة في عام 1966م.

3 – الاتفاقية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1966م.

4 – البروتوكول الاختياري الملحق بالاتفاقية الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عام 1966م.

5 – اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهنية الصادرة عن الأمم المتحدة.

6 – وإعلان حقوق الطفل الصادر عن الأمم المتحدة عام 1959م.

ومن المواثيق والإعلانات والاتفاقيات الإقليمية التالي:

1 – الميثاق العربي لحقوق الإنسان الذي أعد في إطار جامعة الدول العربية لعام 1945م وميثاق عام 1997م.

2 – الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

3 – الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان ( اتفاقية حماية حقوق الإنسان في نطاق مجلس أوربا الصادر في روما في الرابع من نوفمبر عام 1950م.

4 – ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوربي.

5 – الإعلان الأمريكي لحقوق وواجبات الإنسان عام 1948م.

6 – البروتوكول الإضافي للاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان في مجال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1999م.

7 – الميثاق الأمريكي لحقوق الإنسان(الاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان المبرمة في سان خوسية بتاريخ 2/11/1969م)الذي أعد في إطار منظمة الدول الأمريكية.

ترتيبا وتطبيقا على ما سبق بيانه، فإن حرية الرأي والتعبير مصونة بالقانون الدولي العام وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، وتعتبر من النظام العام في القانون الدولي لحقوق الإنسان، ومن القواعد الآمرة فيه، فلا يجوز الانتقاص منها أو الحد منها، كما أنها تعتبر حقوق طبيعية تلتصق بالإنسان، ولا يجوز الاتفاق على مخالفتها، لأنها قاعدة عامة، ويقع كل اتفاق على ذلك منعدم وليس له أي آثار قانونية لذلك فإن قمع المظاهرات جرائم دولية تستوجب المحاكمة، حيث بدأت هذه المظاهرات فجأة وبدون مقدمات فزلزت الأرض تحت أقدام بعض الحكام العرب في عدة دول عربية، بدأت بتونس ثم مصر والآن ليبيا واليمن والبحرين والجزائر مازالت المظاهرات تندلع وتشتد يوما بعد يوم، وفي المقابل تزداد محاولات قمع هذه المظاهرات من قبل الحكام العرب، بطريقة مخالفة للقانون سواء القانون الوطني أو القانون الدولي، بل تعتبر عمليات قمع المظاهرات التي حدثت في تونس ومصر وليبيا واليمن طبقا لقوانين العقوبات الوطنية في هذه الدول جرائم قتل عمد، وتشكل جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية  ومنها ترتقي إلي جرائم حرب وخاصة التي حدثت في ليبيا طبقا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية في المادة السادسة التي نصت على جريمة الإبادة الجماعية (لغرض هذا النظام الأساسي تعني ” الإبادة الجماعية ” أي فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية بصفتها هذه, إهلاكاً كلياً أو جزئياً:-أ  ) قتل أفراد الجماعة.  ب) إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.)

والمادة السابعة التي نصت على الجرائم ضد الإنسانية فنصت على(1- لغرض هذا النظام الأساسي , يشكل أي فعل من الأفعال التالية ” جريمة ضد الإنسانية ” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين , وعن علم بالهجوم أ  ) القتل العمد. ب‌) الإبادة.)  والمادة الثامنة التي نصت على (  ا -يكون للمحكمة اختصاص فيما يتعلق بجرائم الحرب, ولاسيما عندما ترتكب في إطار خطة أو سياسة عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق لهذه الجرائم. .2- لغرض هذا النظام الأساسي تعني “جرائم الحرب”:-أ) الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة 12 آب / أغسطس 1949, أي أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص, أو الممتلكات الذين تحميهم أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة: 1″القتل العمد. 2″التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية, بما في ذلك إجراء تجارب بيولوجية. 3″ تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة 4″  إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء علىها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة 5″ إرغام أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية  6″تعمد حرمان أي أسير حرب أو أي شخص آخر مشمول بالحماية من حقه في أن يحاكم محاكمة عادلة ونظامية. 7″ الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع. 8″ أخذ رهائن. ب‌)  الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي , أي فعل من الأفعال التالية :-

1- تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية.

2- تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية, أي المواقع التي لا تشكل أهدافاً عسكرية.

3- تعمد شن هجمات ضد موظفين مستخدمين أو منشآت أو مواد أو وحدات أو مركبات مستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية أو حفظ السلام عملاً بميثاق الأمم المتحدة ماداموا يستخدمون الحماية التي توفر للمدنيين أو للمواقع المدنية بموجب قانون المنازعات المسلحة.

4- تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية أو إحداث ضرر واسع النطاق وطويل الأجل وشديد للبيئة الطبيعية يكون إفراطه واضحاً بالقياس إلى مجمل المكاسب العسكرية المتوقعة الملموسة المباشرة.

5- مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية بأية وسيلة كانت.

6- قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً , يكون قد ألقى سلاحه أو لم تعد لديه وسيلة للدفاع).