الاصلاح السياسي عند المعتزلة الجدد: محمد عبده  أنموذجاً

      التعليقات على الاصلاح السياسي عند المعتزلة الجدد: محمد عبده  أنموذجاً مغلقة

 

أ . م . حيدر خضير مراد

قسم الدراسات السياسية

مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء

كانون الثاني/2020

لم يضمحل الفكر المعتزلي نهائياً من عقول المسلمين، على الرغم من اضمحلال فرقة المعتزلة عن الساحة السياسية والفكرية الإسلامية كمدرسة دينية او مذهب اسلامي مستقل. فقد ظهر بعض المفكرين والعلماء العرب المسلمين في العصر الحاضر الذين ساروا على نهج المعتزلة وأعلوا من شأنهم وشأن مذهبهم وألبسوه ثوباً جديداً وأطلقوا عليه اسماء جديدة مثل: العقلانية او التنوير او التجديد او المعاصرة (1) ، ومنهم الشيخ جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم من الذين لديهم ميول نحو المنهج العقلي الذي تميز به المعتزلة عندما رأوا ان الفكر الإسلامي يعاني من الجمود وبحاجة الى التجديد وتحقيق النهضة الإسلامية.(2) ولذلك ظهرت عدة محاولات للإصلاح والتنوير تقوم على احياء فكر المعتزلة باعتباره تيار العقل في الفكر الإسلامي في مواجهة التردي الذي تعيشه الأمة الإسلامية، وكردة فعل على تفشي ظاهرة التحجر والجمود في طروحات بعض التيارات الإسلامية المعاصرة(3). ولعل من ابرز هؤلاء المفكرين الشيخ محمد عبده (1849 – 1905م) الذي احتلت أفكاره مكانة بارزة في تاريخ حركة الاصلاح السياسي والديني في العالمين العربي والإسلامي. ففي مجال الفكر السياسي قدم محمد عبده النظرية ” الاصلاحية ” في مقابل النظرية ” الثورية ” التي كان يروج لها جمال الدين الأفغاني فكان الشيخ محمد عبده يرى ان التدرج في الاصلاح هو الطريق الأقوم والأضمن في تحقيق الغاية المقصودة من العمل السياسي وهي نهضة المشرق وتحرره(4).

لقد كان محمد عبده من أنصار تجديد الخلافة العثمانية واصلاح هياكلها، ولم يصل في تفكيره الى درجة الثورة عليها، وذلك باعتبار الخلافة العثمانية عنده درع الاسلام الواقي رغم مساوئها، ولها تأثير عند الشرقيين عموماً في مواجهة الزحف الأوربي الاستعماري على ربوع الاسلام (5) .

كان رأي الشيخ محمد عبده ان التربية المستندة الى الدين بعد تجديده بواسطة المؤسسات التربوية الجديدة آنذاك مثل كلية دار العلوم والمؤسسات العتيقة مثل الأزهر والاوقاف والقضاء الشرعي هي السبيل الوحيد لبلوغ غاية الشرق في التحرر الفكري والسياسي. وقد تبلورت آراؤه الاصلاحية في مقالاته بجريدة ” الوقائع المصرية “، ولم يخالف محمد عبده منهجه الاصلاحي التدريجي حتى وهو ينادي بإصلاح الاوضاع السياسية ، فحينما كانت مصر تموج بالإرهاصات التي سبقت ثورة أحمد عرابي سنة 1881 – 1882م ، كان محمد عبده يدعو الى التدرج في الاصلاح بدلاً من القفز إليه عبر الثورة العسكرية، والى تكوين رأي عام يصلح للممارسة الدستورية والحياة النيابية.(6)

لقد تميز المشروع الفكري التجديدي لمحمد عبده في المجال السياسي بالدعوة الى مدنية الدولة والحكومة، ونفي السلطة الدينية عن الحاكم (7) ، فكان الشيخ محمد عبده ينظر الى السلطة على أنها مدنية سياسية أصلاً ، ولكن لها وظيفة دينية في المجتمع السياسي الإسلامي ، والشريعة تفرض التزاماً على الحاكم المسلم بتطبيق تعاليمها ، ولكن لا يجب ان يتخذ هذا ذريعة لحكم ” ثيوقراطي ” مثلاً في الإسلام ، حسب رأي الشيخ محمد عبده ، لقد ارتكبت الكثير من الجرائم والمظالم باسم الخلافة والدين منها براء (8) .

كما أنه نادى بحرية الفكر من قيد التقليد أي انه اهتم بتحرير العقل المسلم من أسر التقليد ، وربطه بالمنابع الإسلامية الصافية ، وحاول ان يضع تفكير المسلمين في خط انسجام وتوافق مع المكتشفات العلمية وظروف العصر الحديث، وكانت لجهوده وافكاره اثارها في النهضة الإسلامية وتأكيده على أهمية الحريات السياسية كحرية الرأي والانتخاب ورفعها الى مستوى الحقوق المقدسة ، هذا بجانب انفتاحه على الحضارة الغربية. (9)

ان أهم ما دعا اليه الشيخ محمد عبده هو الاصلاح السياسي، الذي وصفه بأنه ” الركن الذي تقوم عليه الحياة الاجتماعية للمسلمين، وما أصابهم الضعف الا بخلو مجتمعهم من الاصلاح السياسي، وذلك هو التمييز بين ما للحكومة من حق الطاعة على الشعب ، وما للشعب من حق العدالة على الحكومة “. (10)

كما انه قام بكتابة بعض المقالات السياسية، منها واحدة بعنوان ” المستبد العادل ” وأخرى بعنوان ” آثار محمد علي ” وثالثة بعنوان ” الرجل الكبير في الشرق ” ثم كتابات متفرقة عن رفضه للاحتلال الأجنبي، وكل ذلك جعل الشيخ محمد عبده يحتل مكانة بارزة في تاريخ الفكر السياسي الإسلامي (11) ، وواحداً من أبرز زعماء الفكر الإصلاحي الذين ساهموا في النهوض بالأمة العربية الإسلامية خلال العصر الحديث. ونحن اليوم وفي عصرنا الراهن بحاجة ماسة الى اعادة قراءة أدبيات أو إرث المفكرين والمصلحين المسلمين، وعمل تحليل مضمون لها، وذلك من أجل البحث في تراثهم عن حلول تساهم في معالجة مشاكل واقعنا الإسلامي الراهن ومحاربة الفكر الارهابي المتطرف.

الهوامش :

(1) الندوة العالمية للشباب الإسلامي ، الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة ، اشراف وتخطيط ومراجعة : مانع حماد الجهني ، ط4( د. م : دار الندوة العالمية للطباعة والنشر والتوزيع ،1420م) ،ج 1 ، ص72 ؛ الأثري ، علي حسن الحلبي ، العقلانيون افراخ المعتزلة العصريون ، ( المدينة المنورة : مكتبة الغرباء الأثرية ، د. ت ) ، ص61- 62 .

(2) ينظر : العبده ، محمد وطارق عبد الحليم ، المعتزلة بين القديم والحديث ، ط1 ( برمنجهام : دار الأرقم ، 1408 هـ / 1987 م ) ، ص16 ؛ “معتزلة جدد ” ، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة ، الرابط على الانترنت : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%84%D8%A9_%D8%AC%D8%AF%D8%AF

(3) مراد ، حيدر خضير ، أثر المعتزلة في الفكر السياسي في التاريخ الاسلامي والمعاصر ، ص16 ؛          “معتزلة جدد ” ، ويكيبيديا، الموسوعة الحرة ، الرابط على الانترنت : https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%B9%D8%AA%D8%B2%D9%84%D8%A9_%D8%AC%D8%AF%D8%AF

(4) محمد عبده – السياسي المصلح ، قراءات في المنهج الوسطي ، 21 مايو، 2015 ، مقال منشور على شبكة الانترنت على الرابط : http://www.alwasatparty.com/approach

(5) الأعرجي ، مؤيد باقر محمد ، الإمام محمد عبده دراسة في آراءه الدينية والسياسية ، مجلة آداب الكوفة ، مج 1 ، العدد 9 ، ( جامعة الكوفة ، 2011م ) ، ص408 .

(6) محمد عبده – السياسي المصلح ، عن الانترنت : http://www.alwasatparty.com/approach

(7) جلول ، عائشة ، الفكر الإصلاحي عند محمد عبده ، رسالة ماجستير غير منشورة ، ( جامعة قاصدي مرباح ورقلة ، كلية العلوم الانسانية والاجتماعية ، 2017م ) ، ص39 .

(8) الأعرجي ، الإمام محمد عبده دراسة في آراءه الدينية والسياسية ، ص409 .

(9) جلول ، الفكر الإصلاحي عند محمد عبده ، ص39 .

(10) دلول ، أحمد فايق ، الإصلاح السياسي في الفكر الإسلامي الحديث ، دراسة مقارنة على كل من الأفغاني وعبده ورضا ، مركز نماء للبحوث والدراسات ، اوراق نماء (148) ، ص16 ، الرابط على شبكة الانترنيت : https://www.academia.edu/38177884

(11) جلول ، الفكر الإصلاحي عند محمد عبده ، ص40 .