ايران والتعددية الاقليمية

      التعليقات على ايران والتعددية الاقليمية مغلقة

 

 

الكاتب :کیهان برزگر

الناشر: مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية  في الشرق الاوسط/ طهران

المترجم: م. خالد حفظي التميمي

مراجعة: م . مؤيد جبار حسن

تحليل: د. حسين احمد السرحان

قسم الدراسات السياسية

ليس هناك شك في أن استخدام نهج “متعدد الأطراف” لتعزيز التعاون السياسي-الاقتصادي الإقليمي وتشكيل نظام أمني جماعي يعد خطوة مهمة في تعزيز السلام والاستقرار في الشرق الأوسط. ولكي تكون البيئة الجيوسياسية للمنطقة أكثر كفاءة وقدرة على التكيف، يجب تغيير منهجية تطبيقها من القاعدة إلى القمة.

تُمارس التعددية الآن في المنطقة في ترابطها التقليدي والمتعارف، اي من الاعلى الى الأسفل   ،في شكل العولمة والترابط العالمي الاقتصادي – السياسي للدول, في شكل تحويل رأس المال ,السلع والتكنولوجيا من  المستوى العالمي الى المستوى الإقليمي والوطني. في هذا الصدد تنظر القوى العظمى وهي امريكا والصين وأوروبا وروسيا، من وجهة نظر متسلسلة، لكل منها أهدافها الخاصة، في حل المشكلات الحالية في الشرق الأوسط، وذلك من خلال منظور مصالحها الخاصة في ضوء تفاعلات السياسة العالمية التعددية.

بالطبع عادت أمريكا إلى هذا المبدأ في عهد الرئيس دونالد ترامب. لان البنية السياسية والاقتصادية العميقة والبيروقراطية للولايات المتحدة ستجبر الرئيس الحالي على العودة إلى اسلوب الهيمنة. على الرغم من أن روسيا والصين لا تزالان غير مرتبطتين بالعولمة على النمط الغربي ، إلا أنهما تستخدمان فوائد هذه العملية (خاصة الصين) من أجل تأمين المصالح الوطنية وتعزيز وضعها في السياسة العالمية. فيما ركزت أوروبا أيضًا على  فلسفة السلام العالمي للحفاظ على المؤسسات والهياكل الغربية. على هذا الأساس، وجدت الحكومات الأوروبية أنه من الضروري تقوية “العلاقات عبر الأطلسي” للحفاظ على القوة المهيمنة للغرب في المعادلة السياسة العالمية وعارضت بشدة سياسات ترامب “داخل المحور”.

لكن نتيجة هذا النوع من التعددية ذات التوجه الغربي نحو الشرق الأوسط كان ظهور نوع جديد من “الواقعية السياسية” وازدياد التنافسية الجيوسياسية للدول من أجل المنفعة الفردية، نتيجة للتوتر الإقليمي المستمر وعدم الاستقرار. مثالان بارزان لذلك هما مصير الاتفاق النووي والأزمات الإقليمية مثل سوريا واليمن. لم ينجح الاتفاق النووي لأن الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية وحلفائها العرب يجمعون على ان التكنولوجيا والجغرافيا السياسية المتفوقة لإيران هو بمثابة زيادة لدورها الإقليمي وقوتها، وبالتالي فانهم يدركون ان توازن القوى الإقليمية هو لصالح إيران.

ان الأزمات الإقليمية في سوريا واليمن لم تنته فقط بدور المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو ادوار الدول الغربية، بل زادت من تعقيدها. وعندما تصالحت القوى الإقليمية المتورطة في الأزمة ، مثل إيران وروسيا وتركيا، مع الروابط المحلية والوطنية والإقليمية لهذه الأزمات، لوحظ ركود جزئي. في الواقع، ادت التعددية الغربية التقليدية إلى تصاعد الأزمات الحالية من خلال بيع ونقل الأسلحة أو الاشتباكات السياسية والأمنية الناجمة عن التنافس الجيوسياسي على القضايا الإقليمية. لأن الغربيين يرون ان الدور الإقليمي المتزايد للقوى المتنافسة مثل إيران وروسيا وحتى تركيا على حساب توازن القوى الإقليمية وموقف الغرب وحلفائه الإقليميين منها، تبرير ترامب الرئيس لمغادرة الاتفاق النووي.

وهكذا ، فإن ربط مفهوم “اعتماد التبادل والترابط الاقتصادي” ، اي المبادئ الأساسية للاقتصاد الليبرالي العالمي ، والقيود السياسية التي يفرضها الغرب على نقل التكنولوجيا ورأس المال من خلال العقوبات، لم تسفر عن نتيجة إيجابية في نموذج التفاوض الإيراني. على الرغم من أن روسيا والصين وأوروبا تعارض السياسات الأمريكية الحالية ، فسيتعين عليها في نهاية المطاف الاعتماد على الشبكات الاقتصادية العالمية ، والأنظمة المصرفية القوية، والاتجاهات الغربية الحالية لتأمين مصالحها، على الأقل في السياق الحالي. كما ان الحكومات الأوربية ، رغم رغبتها في الحفاظ على العالم، الا انها غير قادرة على الانخراط مع شبكاتها المالية والمصرفية المستقلة، ومالكي التكنولوجيا والثروة ، في اقتصاد عالمي وجهاً لوجه يؤدي إلى وجود تعددية الأطراف “من أعلى إلى أسفل”. في الواقع ، فهي تسيطر على هذه الشبكات القوية نفسها. لذلك هناك أمل ضئيل في الكفاءة والحل لإنشاء آليات مستقلة خاصة بهم مثل INSTEX (الآلية المستقلة لتحويل الأموال إلى إيران).

تعددية الأطراف التقليدية تتناقض بوضوح مع مفهومي “التعاون التكنولوجي” و “المصالح الجيوسياسية” (ردع التهديد) في الشرق الأوسط. والنتيجة هي الحاجة إلى التحرك نحو “تعددية الأطراف الإقليمية” ، ما يعني النظر إلى التكامل الاقتصادي والسياسي والأمني ​​من الأسفل إلى الأعلى. هذا النهج ، ومع الأخذ في الاعتبار الحقائق الاجتماعية والاقتصادية الحالية لهذا المجال ، يتماشى مع البيئة الجيوسياسية الإقليمية الديناميكية والمتطورة. ففي هذا النهج ، يعد الدور والعلاقات المتزامنة بين المؤسسات الوطنية للتكامل الاقتصادي والاتصالات والتكامل السياسي – الأمني ​​أكثر أهمية من أجل التنسيق على الصعيدين الوطني والإقليمي ومن ثم الدخول في التكامل الدولي. بمعنى آخر ، إن تكامل  الاهتمام بالديناميكيات المتزامنة بين “المجتمع” و”الحكومة” و “المنطقة” يحتل الأولوية الأولى ثم “المجتمع الدولي”  في المرحلة الثانية.

وتحقيقًا لهذه الغاية، من المهم تأسيس “إجماع سياسي” في السياسة الداخلية للبلدان لتحقيق يقين الجمهور بفوائد التعاون الإقليمي من أجل المصلحة الوطنية للبلد. فأن الطريق إلى “تعددية الأطراف الإقليمية” ينجح في تقوية الأنظمة السياسية والأمنية والاقتصادية المستقلة. إن نتيجة تعزيز النظم الوطنية هي دمج الاقتصاد والسياسة والأمن في الأطر الوطنية والإقليمية ، والتي أصبحت ، بسبب الأهمية الجغرافية والتاريخية للتواصل الجيوسياسي في تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي للبلدان ، الأولوية الرئيسية للعلاقات الخارجية في عالم اليوم. كما ان ذلك سيسمح لتطبيق هذا النهج لكل جهة فاعلة بالقيام بدورها ، وبالتالي إنشاء “التنسيق” الضروري “لتوحيد” الجهود الوطنية والإقليمية لتحقيق السلام والاستقرار. بالنسبة للجهات الفاعلة الدولية أيضًا ، إذا كانوا يريدون حقًا الاستقرار والسلام الإقليميين ، فإن أفضل طريقة هي دعم “تعددية الأطراف الإقليمية” ومنع الدول الاقليمية من تهديد نفسها في المنطقة. وقد اقترحت إيران مبادرة هرمز للسلام على هذا الأساس. إن “القضية المركزية” و “الأمن الداخلي” و “الشمولية” هذا المشروع هو ترجمة ذاتية لضرورة التعددية الإقليمية في المنطقة.

ومن الأمثلة الصارخة استمرار التوترات بين إيران والسعودية لصالح التعددية التقليدية. وتلقي إيران باللوم على السعودية  في تحريض ترامب على سياسة الضغط القصوى أو كما يقول وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بـ “الإرهاب الاقتصادي” في أعقاب العقوبات الغربية الناتجة عن تشغيل شبكات مالية اقتصادية قوية وضغطهم على حكوماتهم. يعتمد التوقع المنطقي لتقليل التوترات مع السعوديين على توقف السعوديين عن دعم سياسة “الحد الأقصى من الضغوط” التي يتبعها ترامب. حيث تدعو سياسة ترامب  إلى الانهيار الاقتصادي وما ينجم عن ذلك من انهيار للبلاد ، والتي تعتبرها إيران “تهديدًا وجوديًا” للأمن القومي.

في المقابل ، تعتبر  السعودية نقل التكنولوجيا الغربية ورؤوس الأموال  الغربية إلى إيران نتيجة للتنفيذ الكامل لمبادئ الاتفاق النووي  وتعده  تهديدًا للأمن القومي عن طريق تعطيل توازن القوى  لصالح ايران في المنطقة. وتدرك السعودية جيدًا أن دمج التكنولوجيا مع الجغرافيا السياسية المتفوقة والحجم والسكان ورأس المال البشري القوي في إيران سيقوض ميزان القوى لصالح إيران في المنطقة، وبالتالي يسعون إلى منعها.

في الواقع ، لم يولد التركيز على “العولمة” الغربية سوى توترات بين البلدين. لا شك في أن إيران والسعودية سوف تتوصلان في النهاية إلى اتفاق بسبب “الترابط الجغرافي مع بعضها البعض” و”القلق المشترك” حول عدم الاستقرار في المنطقة. لكن الحل الحقيقي هو تغيير المنهجية والتركيز على تعددية الأطراف في المنطقة.

 

التحليل:

بعد التصعيد الذي تبع اسقاط الطائرة المسيرة الاميركية في غرب الخليج العربي من قبل ايران في حزيران 2016 ، حاولت ايران ان توجه خطابها الى المنطقة بضرورة التلاقي والحوار وهذا ما دعا اليه وزير خارجيتها جواد ظريف حول امكانية قيام حوار ايراني سعودي وما طرحه رئيس الجمهورية حسن روحاني بما اسماه (مبادرة هرمز)، والتي تدور حول الفكرة التي طرحها الكاتب في اعلاه في ما اسماه تعددية اقليمية والتي تشير الى وجود شراكة اقليمية سياسية – امنية واقتصادية، وهو ما اكده المرشد الاعلى علي خامنائي في خطبته الاخيرة باللغة العربية لاحتواء ازمات المنطقة وحلحلتها.

عوائق تحقيق هذا الهدف الايراني هو ان ايران لم تتعامل مع دول الازمات في المنطقة (العراق واليمن وسوريا ولبنان) بوصفها دول قائمة كشركاء، بل تعاملت معها كتوابع لها. كما ان هناك اشكالية في قنوات تعامل ايران مع هذه الدول وذلك عبر وكلائها والفواعل غير الحكوميين الذي يتبعون ايران كمرجعية دينية وسياسية. وهذا ما افقد ايران الثقة بها من قبل شعوب تلك الدول بما فيها المكونات التي تتبع المذهب الشيعي في الدين. وهذا ارسل رسال بالغة الهديد والخوف لدى الدول الاخرى في المنطقة.

ان ردم هذه الهوة بين دول وشعوب المنطقة بما فيها دول الازمات من جهة ، وايران من جهة اخرى ، ليس بالامر اليسير بعد سنوات من ارسال ايران تهديداتها واتهاماتها المباشرة ومن اعلى المسؤولين في ايران لدول المنطقة وشعوبها. لذلك تحتاج ايران ان تتخلى عن نهجها الحالي وتتعامل مع دول المنطقة كشركاء.

العائق الاخر لتحقيق هذا الهدف الايراني، هو ان ايران ترى ان الامن الاقليمي هو جزء من امنها القومي، ولذلك تتجه بهذا الاتجاه . كما انها تهدف في الاجل القصير الى تلافي الخسائر الكبيرة التي تمنى بها يوميا نتيجة العقوبات الاقتصادية وتعمل على جعل دول المنطقة اسواق لصادراتها تحت يافطة التكامل الاقتصادي الاقليمي.

 

رابط المقال الاصلي:

https://www.cmess.ir/Page/View/2019-12-01/4524