تأثير انخفاض أسعار النفط على الرواتب في موازنة العراق 2020 

      التعليقات على تأثير انخفاض أسعار النفط على الرواتب في موازنة العراق 2020  مغلقة

2020  أ.د عدنان حسـين الخياط / باحث في الشؤون المالية  باحث مشارك في قسم ادارة الازمات مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

لم تســتفد مراكز القرار المسـؤولة عن السياسات الاقتصادية في العراق من التجارب السابقة لصدمات انخفاض أسعار النفط ، مما أدى الى اسـتمرار حالة الحرج والحيرة تجاه دفع الرواتب عند كل صدمة جديدة من صدمات انخفاض أسعار النفط . اذ انّ الجهاز الحكومي الذي شهد توسعا كبيرا في أعداد الموظفين والمستخدمين ، قد أسهم بشكل كبير في تضخيم النفقات التشغيلية لاعالة ملايين من أفراد المجتمع الذين لم يجدوا فرصا للعمل خارج نطاق القطاع الحكومي ، ومن ثم فقد أمســيّنا بعد كل صدمة لأسعار النفط ، ليس لدينا هدف أكثر أهمية ضمن الموازنة العامة للدولة من تأمين دفع الرواتب .      وتواجه موازنة 2020 مثل هذا الواقع الذي يتطلب البحث عن حلول لتأمين دفع الرواتب بعد أن انخفضت أسعار النفط الى مستويات متدنية لم يسبق لها مثيل منذ عقود . ويبدو انّ تأثير الأزمة الاقتصادية العالمية وانخفاض أسعار النفط نتيجة (فيروس كورونا) ، قد دفع باتجاه اعادة النظر في الأرقام التقديرية الافتراضية المتعلقة بالايرادات والنفقات العامة في موازنة 2020 ، فحجم النفقات العامة الذي كان مقدرا يصل الى (139) مليار دولار ، والايرادات العامة تم تقديرها بحوالي (95) مليار دولار ، وبعجز مخطط يقدر ب (44) مليار دولار .      الاّ انّ هذه التقديرات أصبحت بعيدة عن الواقع ، ومن ثم فقد أصبح لازما تكييف أرقام الموازنة وفقا للمعطيات الجديدة . واذا ما حاولنا تخفيض النفقات العامة الى حدود (80) مليار دولار ، منها (59) مليار دولار نفقات تشغيلية ، فسوف يكون مثل هذا المبلغ كافيا لسد حاجة دفع الرواتب ، الاّ انه يتطلب اجراءات لضغط وترشيد عناصر النفقات التشغيلية الأخرى ، كتأجيل دفع خدمات الديون وضغط وترشيد نفقات المنافع الاجتماعية وغيرها من عناصر النفقات التشغيلية الأخرى .      وعلى صعيد النفقات الاستثمارية التي تشكّل أقل من 30% من اجمالي النفقات العامة ، فانّ هذه النفقات يمكن اعادة هيكلتها في ضوء واقع الطاقة الاستيعابية لأجهزة التنفيذ الحكومية وحالات التلكؤ والفشل التي صاحبت تنفيذ المشاريع في المراحل السابقة ، أملا باصلاح قدرات التنفيذ للمشاريع الاستثمارية وفقا للمعايير الاقتصادية وتجريدها من ممارسات الفساد .      أما فيما يتعلق بجانب الايرادات ، فانها تمثل أساس المشكلة ، سواء ما يتعلق بالايرادات النفطية أو غير النفطية ، اذ انّ أثر الأزمة سيكون كبيرا على موازنة العراق 2020  اذا لم يحصل تقدم باتجاه ايجاد حلول لمسـألتين أساسيتين ، هما أزمة (فيروس كورونا) والركود الاقتصادي العالمي ، وأزمة فائض انتاج النفط في الأسواق العالمية . فعلى وفق ( سيناريو) متشائم لسعر برميل النفط في حدود (28) دولار كمتوسـط لسنة 2020 ، فانّ هذا السعر سيجلب للموازنة ايرادات نفطية تقدر بحوالي (40) مليار دولار ، وهذا المبلغ يمثل نصف النفقات العامة المقدرة ، كما انه أقل من قيمة الرواتب الواجب دفعها ، مما يضع الموازنة أمام خيارات صعبة في اطار الحلول المحلية .       انّ الصدمة التي حصلت في أسعار النفط على أثر ( فيروس كورونا ) ، لم تكن ناجمة فقط عن الركود الذي انتاب الاقتصاد العالمي ، وانما الى جانب ذلك برز عامل الخلاف بين منتجي النفط في العالم من دول الأوبك والدول الأخرى خارج أوبك ، ونتحدث هنا عن صراع فرض الارادات بين السعودية وروسـيا ، باعتبارهما أكبر منتجي ومصدري النفط ، والفشل الذي أصاب المفاوضات بينهما بعد ظهور بوادر الأزمة مباشرة ، من أجل تخفيض الانتاج والحد من فائض العرض النفطي في الأسواق العالمية . فلم تفلح السعودية في اقناع روسـيا في بداية الأمر ، من أجل المساهمة في تخفيض الانتاج ، مما دفع السعودية الى التمسـك بالكميات التي تنتجها وتصدرها وزيادة الكميات من معروضها النفطي الى ما يقارب (12) مليون برميل يوميا ، فضلا عن دعوة دول الأوبك الأخرى الى التمسك بحصصها الانتاجية ، مما شـكّل عاملا مؤثرا لحرب الأسعار بين الدول المنتجة ، استفادت منها الدول الصناعية المستوردة للنفط ، بشكل آني ، في زيادة خزينها من النفط الرخيص الذي انخفض سعره الى ما دون (20) دولار للبرميل قبل أن يعود لتحقيق مكاسـب من الارتفاع في ظل ظهور بوادر جديدة للتوصل الى اتفاق بين منتجي النفط بوسـاطة الولايات المتحدة التي دعت السعودية وروسـيا الى الحفاظ على توازن الأسعار في أسواق النفط العالمية ، بعد أن شعرت الولايات المتحدة بأنّ انخفاض سعر برميل النفط الى ما دون (20) دولار قد ألحق أضرارا بالصناعة النفطية والاستثمارات في حقول النفط الصخري ذات التكلفة العالية في الولايات المتحدة على وجه الخصوص والدول الصناعية الأخرى . ويأمل منتجو النفط من هذه المحاولة من المفاوضات تجاوز حالة الخلاف والتوصل الى اتفاق لتخفيض الانتاج في هذه المرحلة من شأنه أن يعيد لأسواق النفط العالمية التوازن ، وجعل سعر برميل النفط بمستوى يساعد في الحفاظ على مصالح المنتجين داخل أوبك وخارجها ، فضلا عن مصالح المستثمرين والمنتجين في الآبار النفطية في الولايات المتحدة والدول الصناعية الأخرى ، ولاسيما حقول النفط الصخري ذات التكلفة الأعلى مقارنة بآبار النفط في الشرق الأوسـط .      ومن ثم فانّ المرحلة المقبلة يمكن أن تشهد متغيّرين أساسيين من شأنهما أن يساعدا على تحسّـن أسعار النفط :  1.المساعي والجهود الدولية المبذولة للحد من تأثيرات أزمة ( فيروس كورونا ) على الاقتصاد العالمي ، ومحاولات الدول انعاش اقتصاداتها والتقليل من نسب الركود الاقتصادي .  2.وجود احتمالات متفائلة للتوصل الى اتفاق بين السعودية وروسيا ، لتخفيض الانتاج ، وأهمية هذا الاتفاق لجميع منتجي النفط في داخل أوبك وخارجها ، وشعور الجميع بوجود مصالح مشتركة للالتزام بتخفيض الانتاج وازالة فائض المعروض النفطي من الأسواق ، بما يساعد على رفع أسعار النفط الى حدود ( 40 ــ 50 ) دولار للبرميل خلال عام 2020 ، كسعر يتناسب مع مصالح الدول المصدرة والدول المستوردة للنفط ، كما يساعد على تشجيع الاستثمارات النفطية وعمليات انتاج النفط الصخري في الدول الصناعية الكبرى .        وعلى وفق ( سيناريو ) لسعر برميل النفط (45) دولار كمتوسط لسنة 2020 ، فانّ ايرادات النفط لموازنة العراق سـتبلغ حوالي (63) مليار دولار ، وسوف يكون هذا المبلغ كافيا لتغطية النفقات التشغيلية والايفاء بدفع الرواتب ضمن اطار اجراءات الترشيد واعادة الهيكلة للنفقات التي يمكن ضغطها وزيادة ترشيدها بشكل أفضل من أجل أن يتمكن العراق من تجاوز هذه المرحلة بشكل تدريجي ولحين حصول الانفراج النهائي للأزمة .      ويتطلع العراق الى نتائج اجتماع منتجي النفط المقرر عقده الخميس الموافق التاسع من نيسان 2020 والذي سوف يخصص للاتفاق على تخفيض الانتاج واعادة التوازن الى أسعار النفط في ضوء معطيات الواقع الحالي ، باعتباره يمثل مخرجا لرفع الحرج عن موازنته المالية 2020 ، نظرا لما يحيط بالاجراءات المتعلقة بالحلول البديلة من صعوبات لتأمين دفع الرواتب ، سـواء بفرض الاسـتقطاعات من بعض الرواتب ، أو اللجوء الى الاقتراض الخارجي والداخلي ، حيث ترفض المؤسسات المالية والنقدية الدولية منح القروض لغرض دفع الرواتب ، ويبقى أمام الدولة اللجوء الى الاقتراض الداخلي وبيع السندات الى الجمهور ، والذي يواجه هو الآخر صعوبات في ظل الوضع المالي الحالي .     ويبقى التسـاؤل : هل سـنرى سياسات اقتصادية وموازنات سنوية للدولة ، في السـنوات المقبلة ، تسـتجيب لصدمات أسعار النفط ، وهل سـنسـتفيد من التجارب الدولية ونتقن فن التعامل مع الايرادات النفطية ، عندما تزدهر أسعار النفط ، من أجل تنويع الاقتصاد العراقي وايجاد مصادر بديلة للدخل والثروة ونقلل من اعتمادنا على النفط ؟