مركب الازمات المتلاحقة في العراق

      التعليقات على مركب الازمات المتلاحقة في العراق مغلقة

م.م.زينب عطيوي السعيدي

باحثة في قسم الدراسات القانونية

                                                              حزيران ٢٠٢٠

      الأَزمات المتلاحقة في العراق ظهرت وبشكل ملفت وواضح بعد عام 2003 ، حيث يعيش البلد أَزمة سياسة وإِقتصادية وأَمنية متلازمة للنظام الجديد ، اذ تزداد المشاكل وتتعقد الأُمور وتتلاشى الحلول ، في ظل مشهد غير مُنظم يحمل في جنباتهِ مَخاطر عديدة ، وهي غالبًا أَما أَن تكون مُفتعلة و ذات أّهداف سياسية أَو ناتجة عن إِهمال وتقصير من جانب الدولة  أَو المؤسسات الحكومية ،  واَصعب ما في الأَمر أن أَغلب تلك الأَزمات عند التحقق منها لا تخلو من بُعد سياسيً، حتى لو كان موضوع الأَزمة في مجال اخر  (إِقتصادي ، أَمني ، إِجتماعي ) ، فالعراق ولفترات طويلة تتلاحق عليه الأَزمات واحدة تَلو الاُخرى ، ما أَن يخرج من أَزمة إِلا وعصفت به أَزمة اُخرى ، والخاسر الأَكبر في ذلك هو الشعب العراقي الذي يدفع ثمن ذلك ، فصانع القرار يَترك البحث في المًسببات ويلجأ لأسلوب التبرير ويظهر بمظهر الضعيف ، وهذا الامر يجعل الطرف المقابل يشعر بثمرة إِثارته للأَزمات وما جنى  منها ، هنا يغفل او يتناسى احياناً ، السبب في حدوث تلك الازمات والتحديات الكبيرة التي يتعرض لها العراق من اهمها :

التحديات المؤسساتية : والتي تتمثل بتدني كفاءة المؤسسات الإِدارية ، وإِستمرار الإِخفاق في إِخضاع الإِدارة الحكومية لمنطق الحساب الاقتصادي السليم ولمبادئ التصرف الكفوء في الموارد العامة ، وتضخم الجهاز الاداري ، وتدني انتاجية القوى العاملة ، واسرافه غير المبرر في تبديد الموارد ، فضلاً عن الفساد المالي والإِداري ، اذ تحول الفساد الى مصدر إِستنزاف وهدر للمال العام .

التحديات الإِقتصادية : المُتمثلة بتردي مناخ الاستثمار متأثرًا بحزمة من العوامل السياسية والإِقتصادية والمؤسساتية والتشريعية والقانونية والتنظيمية ،  وإِختلال بنية الإِنتاج حيث مازال القطاع النفطي هو المسيطر على الإِنتاج المحلي الإِجمالي،  ، كذلك إِختلال بنية الموازنة العامة وإِرتفاع نسبة الدين العام الداخلي والخارجي  حيث بات شكل قيدًا على التنمية أَكثر من كَونه فرصة لتمويلها من مصادر غير نفطية ، فضلاً عن ضعف الاستثمار الذي أَدى الى إِتساع  الأَنشطة الإِقتصادية الصغيرة التي لا تخضع لرقابة الحكومة خارج الإِطار الضريبي والتأميني للدولة ،  وأَخيرا محدودية دور القطاع الخاص الناتج عن تردي بيئة الإِستثمار ، والإِستمرار في تبني او تجاهل سياسة الإِغراق السلعي وتحييد المشاركة في رسم وتنفيذ اهداف السياسة الاقتصادية .

التحديات الإِجتماعية : هيمنة الولاءات الفرعية (ما قبل الدولتية ) ، وضعف سلطة القانون والعدالة ، ولدت عجزا بنيويا وافتقادا للموارد وافتقارا للنسيج المجتمعي ، ما ادى الى استنفاذ الموارد واهدارها، فضلا عن ارتفاع مستويات الفقر الناجم عن الازمات المتلاحقة واستمرار عجز الدولة والمجتمع عن استيعاب الشباب ودمجهم بالحياة العامة وتوفير فرص العمل اللائقة لهم ، مما يهدد الإِستقرار والأمن المجتمعي  ناهيك عن انخفاض  جودة التعليم مع إِرتفاع نسبة الأُمية، مما يهدد منظومة البناء التربوي ويعيق مواكبتها للمتغيرات الدولية المستجدة في ميدان المعرفة والخدمات الصحية ، فضلا عن هجرة الكوادر الطبية الكفؤة الى الخارج أدى الى اختلال في نسبة المؤشرات للسكان .

التحديات البيئية : من اهمها التلوث البيئي  الذي انعكست تداعياته على الاقتصاد والبيئة والفرد والمجتمع ، وضعف فاعلية التخطيط العمراني ، وغياب سياسة عامة للاسكان، فضلا عن عدم فاعلية الإِدارة البيئية في احتواء الاسباب والآثار الناجمة عن التلوث والحروب والنزاعات ما أدى الى ضعف في ردود الأَفعال الوطنية على مستوى السياسات والاهداف وخيارات التدخل لحل تلك المشاكل ، وتفاقم ظاهرة التصحر والتغيرات المناخية وفقدان الغطاء النباتي واعاقة تطور الزراعة مما يشكل تهديدا للأمن الغذائي ، كما اسهم الركون الى خيار إِدخال الطاقة البديلة أَو غير المتجددة في اولويات السياسة والاهداف ([1]).

لذلك لابد من الانتباه لخطورة هذه التحديات والعمل على مواجهتها مستقبلاً ، بواسطة كشف الحقائق ووضع المواطن بالصورة ليتمكن من التهيؤ او التصرف ازاء تلك الازمات . ونرى ان السبيل لمواجهة تلك التحديات  يكون من خلال إِرساء اُسس الحكومة الرشيدة وتحقيق الاصلاح الإِقتصادي بجميع أَبعاده المالي والنقدي والمصرفي والتجاري ، والعمل على حل أّزمة النزوح وفقدان الأَمن الإِنساني مع توفير متطلبات بيئة تمكينيه للإِستثمار بجميع أَشكاله وتعزيز دور القطاع الخاص ورفع معدلات النمو الاقتصادي بما ينسجم مع إِمكانات ومتطلبات الإِقتصاد العراقي وزيادة متوسط دخل الفرد الحقيقي وخفض معدل البطالة والعمالة الناقصة ، وتعزيز الأمن الإِنساني للفئات الاكثر فقراً وهشاشة والإِرتقاء بمؤشرات التنمية البشرية المستدامة .

                                                                           

  

[1]))    خطة التنمية الوطنية  للاعوام 2018-2022، الصادرة عن  وزارة التخطيط في جمهورية العراق . على الرابط : https://mop.gov.iq/static/uploads/8/pdf