التحدي النفطي بين ترامب وبن سلمان

      التعليقات على التحدي النفطي بين ترامب وبن سلمان مغلقة

 

الكاتب: شهره  يولاب

          مركز الابحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية  في الشرق الاوسط/ طهران

المترجم : م. خالد حفظي التميمي

مراجعة وتحليل : م.م كميله عبد الواحد هادي

 

في 2 نيسان 2020 الماضي، اتصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لغرض التقليل من إنتاج النفط وإنهاء حرب النفط مع روسيا. وحذر من أنه إذا لم تبدأ منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في خفض إنتاج النفط ، فانه لن يتمكن من منع المشرعين الأمريكيين من تمرير قانون سحب القوات الأمريكية من السعودية. ورداً على إمكانية تمرير هذا القانون، فقد هدد بن سلمان بتجاهل الدولار في صفقاته النفطية.

بدأ انخفاض أسعار النفط في 6 آذار، بعد الاجتماع الثامن بين أوبك والبلدان المصدرة خارج أوبك، الذي لم توافق عليه روسيا حول خفض الإنتاج الذي طلبته السعودية وتسببت في حرب أسعار بين الجانبين. كما أدى انخفاض الطلب العالمي على النفط بعد تفشي فيروس كورونا الى تفاقم انخفاض أسعار النفط العالمية.

بعد أيام قليلة من الاجتماع، قررت السعودية زيادة إمداداتها النفطية بسرعة من أجل الاستحواذ على جزء من حصتها المفقودة في السوق والضغط على موسكو وشركات النفط الأمريكية. وأسفر القرار عن انخفاض الى24 دولارًا للبرميل في يوم 9 آذار الماضي، وهو أكبر انخفاض في أسعار النفط منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، ليصل سعر النفط الى حوالي 30 دولارًا للبرميل. لكن بعد شهر و في تاريخ 9 نيسان الماضي، اتفق وزيرا الطاقة السعودي والروسي في اجتماع اوبك والبلدان المصدرة خارج اوبك على خفض 10 ملايين برميل من الخام يوميًا وإنهاء حربهم النفطية.

يمكن اعتبار ان ما حدث من نتائج المحادثات بين ترامب وبن سلمان في 2 نيسان دليلاً على الحاجة لإدارة الولايات المتحدة للشؤون العالمية، وفضلاً عن الدور الرئيسي للسعودية في سياسة الطاقة العالمية. ولكن بالنظر الى التحذيرات والتهديدات المتبادلة بين الجانبين، يبدو أن علاقات الترابط بين البلدين قد ضعفت، والتي بدأت في عام 1945 واستمرت حتى يومنا هذا.

ان الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الرئيس آنذاك فرانكلين روزفلت والعاهل السعودي الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ، والذي تعهدت بموجبه الولايات المتحدة بتقديم دعم عسكري وأمن مقابل الحصول على احتياطيات نفطية سعودية. أن الاتفاقية لا تزال سارية مما يشير الى  وجود حوالي 3000 جندي أمريكي في السعودية وحماية صادرات النفط من قبل الأسطول الخامس للبحرية الأمريكية.

من الناحية الاستراتيجية ، تعتبر العلاقة مع السعودية كلاعب مهم في سوق النفط العالمية مهمة للغاية لمصالح الولايات المتحدة. تتعاون الولايات المتحدة مع السعودية منذ أكثر من سبعة عقود، منها قضايا مثل مكافحة الإرهاب (القاعدة وداعش) في المنطقة وقضايا إسرائيل وفلسطين هي من المواضيع  الحالية للتعاون، وستتطلب العلاقات الثنائية تعاونًا أعمق في السنوات القادمة. ما قوض معظم هذا التعاون الثنائي كان الانخفاض الحاد في سعر خام غرب تكساس الوسيط، الذي وضع في 20 نيسان الشركات الصغيرة والمتوسطة ذات الصلة بالنفط الصخري على وشك الإفلاس والعديد من الوظائف في خطر الانقراض. إن إفلاس شركات صناعة النفط الصخري هي أنباء سيئة لا تضر فقط بالاقتصاد الأمريكي ، ولكنها تصدم ترامب أيضًا، وهو على ابواب انتخابات تشرين الثاني ويكافح لحماية صناعة النفط الأمريكية من هبوط الأسعار التاريخية. لذا لن يكون غريباً إذا استفاد من قطع هّذا التحالف الاستراتيجي والذي استمر لمدة 75 عاماً بين البلدين كأداة لإجبار السعودية على الانصياع. بالطبع، استخدمت السعودية أيضًا الارتفاع  لتحييد الدولار في صفقات النفط ، قائلة “دعوا الأمريكيين يوافقوا على NOPEC ، وسوف ينهار الاقتصاد الأمريكي”.

على الرغم من أن هذا التهديد بعيد المنال ، فإن الرياض ستكون قادرة على تخفيض قيمة الدولار كعملة احتياطية رئيسة في العالم. لهذا السبب، لقيت صدى لدى كبار منتجي النفط من خارج أوبك مثل روسيا وكذلك كبار مستهلكي النفط مثل الصين التي تسعى الى تنويع التجارة العالمية بعيدًا عن الدولار الأمريكي وتقليل تأثيرها على الاقتصاد العالمي.

وتجدر الإشارة إلى أن مشروع قانون NOPEC  أو “لا لكارتل الدول المنتجة والمصدرة للنفط”، الذي هو وسيلة لكسر سلطة كارتل أوبك الدولي ، الذي يتكون من أهم مصدري النفط مثل السعودية , وهو حلم طويل الامد للدول الصناعية المتقدمة في العالم مثل امريكا.

إذا انضم حليف قديم مثل السعودية إلى سوق بائعي النفط بدون التعامل مع الدولار، فستكون له عواقب بعيدة المدى. وهذا يقلل من تأثير واشنطن على التجارة العالمية ويضعف قدرتها على فرض عقوبات على الدول.

كما انه إذا حاولت روسيا والتي هي تحت طائلة العقوبات الامريكية من بيع النفط والتعامل باليورو أو الين الصيني ، فستكون فرصة لتحدي هيمنة الدولار في سوق النفط  وكذلك  ايضا لدول مثل فنزويلا وإيران  التي تخضع لمزيد من العقوبات الأمريكية  حيث باعوا نفطهم بعملات أخرى متنوعة ، مما سيوفر وقتا للمواجهة.

إذا كان السعوديون يسعون لتقليل نفوذ الولايات المتحدة في الأسواق المالية العالمية وحرمان واشنطن من القدرة على فرض عقوبات على المؤسسات الخارجية ، فإن البرنامج السعودي يمكن أن يوفر قوة دفع كبيرة لهذه الجهود ويخلق انقلابًا لصالح روسيا والصين.

لكن فصل استراتيجيات واشنطن والرياض لا يقتصر على التحذيرات والتهديدات في حرب النفط الأخيرة ، وانما ردود فعل ترامب الصارمة كانت تتمركز على حماية الرياض في الماضي القريب. رد فعل الولايات المتحدة الصريح على ضربات الصواريخ والطائرات بدون طيار على مجمع منشآت أرامكو في سبتمبر 2019 ، مع بيان أن “هذا الهجوم كان ضد السعودية وليس ضد الولايات المتحدة وأنها سوف تحمي السعودية ولكن بمقابل ان تدفع لها ثمن الدفاع”, كان الأمر يتعلق بكيفية تغيير تحالف البلدين بسبب بن سلمان. ومن المثير للاهتمام، أن السعودية  مع ست كتائب خاصة من نظام باتريوت المضاد للصواريخ الذي بنته الولايات المتحدة  لم تتمكن من اكتشاف الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز في الهجمات على المنشآت النفطية الرئيسية في البلاد.

الهجوم على قلب السوق النفطي والاقتصاد العالمي جعل السعوديين يدركون مدى تشكك التزام الولايات المتحدة بالأمن السعودي ودور واشنطن في البنية الأمنية الإقليمية. وما كان من رد ترامب المحايد على إسقاط إيران لطائرة بدون طيار أمريكية في 20 يونيو 2019 ، وتحذيرات إيران من إغلاق مضيق هرمز واحتجاز ناقلة نفط “ستينا إمبرو” ترفع علم بريطاني ردا مباشرا على ضبط ناقلة إيرانية في 4 تموز، بالقرب من جبل الطارق، هذا كله قد عزز شكوك لدى الرياض. لذلك ، بالنسبة للسعودية ، يجب إعادة تقييم العلاقات مع الولايات المتحدة ، والتي تسعى إلى إزالة بطاقتها الرابحة الأخيرة (السعودية) عن طريق إزالة الدولار من صفقات النفط.

ومع ذلك ، لن ينسى محمد بن سلمان أنه في ذروة الضجيج ضد الرياض بسبب اغتيال جمال خاشقجي، وقفت معه إدارة ترامب وزودته بمعلومات من وكالة المخابرات المركزية لمواصلة علاقاتها مع ولي العهد السعودي. كان الفشل في الرد على اغتيال خاشقجي بمثابة انتهاك للقانون والنظام الأمريكي، لكن الصحف السعودية في ذلك الوقت رأت أن العلاقات الأمريكية السعودية تعززت سياسياً واستراتيجياً. قد لا يكون الوقت مناسبًا لمعاقبة الأمير السعودي من قبل ترامب ، حيث أن الضربات المتزامنة لحرب النفط وما بعد تفشي الفيروس كورونا ، إلى جانب إغلاق المواقع الدينية ، ألحقت أضرارًا كبيرة باقتصاد السعودية  وكذلك ادت الى إضعاف أجندة الإصلاحات الطموحة لمحمد بن سلمان لبناء مدينة ( نيوم ) جوهرة التاج المستقبلية على ساحل البحر الأحمر.

ولي عهد السعودية الان يفقد علاقاته مع الحليف الأساسي للولايات نتيجة لاستراتيجيته المضللة. كان الحكام السعوديون السابقون مخلصين لحلفائهم في الكونغرس لدعم البيت الأبيض، ولكن الآن بعد أن أضر محمد بن سلمان بمصالح النفط الأمريكية، سيكون من الصعب إعادة بناء الجسور مع الكونجرس.

في واشنطن هناك دعم واسع النطاق لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الرياض المحمية من كلا الحزبين ، حيث وصفها السناتور الجمهوري ليندسي غراهام بأنها “غير مستقرة وغير موثوقة” وقول إن العمل معها سيضر بالولايات المتحدة. إنها لعبة خطرة يفقد فيها بن سلمان هيبته في الداخل وفي العالم العربي تحت ضغط قانوني من المشرعين الأمريكيين.

بشكل عام ، يمكن أن تحطم أزمة النفط أعمق طبقات العلاقات الأمريكية السعودية ، ونتيجة لذلك ، فإن العلاقات النفطية بين البلدين بقدر ماهي ودية وموحدة الا انها بنفس الوقت  غير مستقرة وغير ثابتة .

التحليل:

خسر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، الكونغرس الامريكي، واعتمد على البيت الأبيض فقط، واستخدام الرئيس الامريكي ترامب الفيتو لكي يتجاوز القرارات المضادة للمملكة السعودية وبذلك جعل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان نفسه عرضة لأساليب الرئيس الامريكي ترامب القاسية فعندما أصدر تهديده في ٢نيسان ٢٠٢٠ قائلا لو لم يتم خفض انتاج النفط لا أستطيع وقف تشريع الكونغرس لقانون سحب القوات الامريكية من المملكة وبذا استطاع وقف المواجهة العدوانية بين السعودية وروسيا في سوق النفط من خلال اتفاق السعودية مع روسيا على إنهاء حرب الأسعار والبدء بخفض الانتاج

وبذلك واجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضربتين هما انخفاض أسعار النفط وجائحة كورونا مما أضر بالاقتصاد السعودي وأضعف من طموحاته وأصبح عرضة للهجمات المستمرة من كل الدوائر في واشنطن بسبب عدد من القضايا التي تتراوح من حرب اليمن وسجن النساء الناشطات في مجال حقوق الانسان وقتل الصحفي جمال خاشقجي.

وهناك شبه اجماع بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الكونغرس لدعم إجراءات عقابية ضد السعودية تتراوح بين تقييد صفقات السلاح والمطالبة بتحقيق العدالة للصحفي جمال خاشقجي الذي قتل في قنصلية بلاده في اسطنبول التركية على يد موظفين حكوميين. وأصبح مشروع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لبناء (مدينة نيوم) على البحر الأحمر يواجه معارضة محلية ويحتاج لكي يخرج من مستنقع اليمن لجهود وكلفة عالية حتى لا يبدو وكأنه خروج المهزوم. وفِي الوقت الحالي علق الامير في المكان الذي يريده الرئيس الامريكي ترامب.

الرابط الاصلي للمقال:

https://www.cmess.ir/Page/View/2020-05-12/4554