لماذا ينهب المحتجون ؟ (دراسة في سيسولوجيا الاحتجاجات في امريكا)

      التعليقات على لماذا ينهب المحتجون ؟ (دراسة في سيسولوجيا الاحتجاجات في امريكا) مغلقة

 

الكاتب : اولغا خازان

الناشر: The Atlantic  ، ٢/٦/٢٠٢٠

ترجمة:هبه عباس محمد علي

تدقيق وتحليل: م . مؤيد جبار حسن  

 

 

يعتبر الشعب الأمريكي عمليات النهب التي تزامنت مع الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد عقب مقتل الشاب الأسود “جورج فلويد” مشكلة نوعا ما ، ففي الأسبوع الماضي، خرخ الآف الأشخاص في جميع انحاء الولايات المتحدة للتنديد بالعنصرية المؤسسية وعنف الشرطة الذي اودى بحياته اختناقاً على يد الشرطي” ديريك تشوفين”. لكن كسر النوافذ وحرق الممتلكات وسرقة البضائع وغيرها من العمليات التي رافقت التظاهرات جعلت بعض الناس مترددين في دعمهم لها.

 

ويتفق قادة الشرطة عموماً على أن نسبة ضئيلة فقط من المحتجين هم من يقومون بأعمال النهب، ولكن هذه الممارسة ما زالت منتشرة على نطاق واسع بلا أدنى شك…

 

الحاق الضرر بالممتلكات امر شائع في وقت التظاهرات، لكن يقول علماء الأعراق بأن عنف الشرطة غير المبرر ضد السود و المتظاهرين السلميين هو المشكلة المجتمعية الأكبر، ومهما كانت كمية البضائع المسروقة الا انها لا تعادل خسارة انسان واحد، ويقول عالما الاجتماع راسيل ديناميس و إي . إل كورانتيللي في دراستهم التي تناولت ظاهرة”النهب” في عام 1968  “وعلى الرغم من ذلك  فإن النهب الذي يحدث في مثل هذه المواقف يفسر عادة باعتباره دليلاً على الفساد البشري”.

 

الاعتماد على دراسة تعود الى نصف قرن من الزمان يعد امر غير مثالي لكنه ضروري، وعلى الرغم من قلة علماء الاجتماع الذين يدرسون ظاهرة النهب بالتحديد؛ لكن المقابلات التي أجريت مع ستة خبراء في مجال الاحتجاجات والحركات الاجتماعية تقدم لنا بعض الرؤى حول دوافع اللصوص.

 

لا نستطيع القول بأن اللصوص و المتظاهرين السلميين هم الأشخاص ذاتهم”

وتقول “دانا فيشر “عالمة الاجتماع في جامعة ميريلاند ” من النادر ان يقوم المتظاهرين السلميين بالسرقة واشعال الحرائق بشكل عشوائي

 

كما أن لدى من يقومون بعمليات النهب دوافع متنوعة. في دراستهم في عام 1968، لاحظ Dynes وQuarantelli أن التخريب أثناء الاحتجاجات يركز على الأشياء والمباني التي ترمز لقيم أخرى على سبيل المثال، من المرجح أن يهاجم الناس رموز السلطة ـ مثل مبنى شبكة CNN أو سيارات الشرطة ـ بدلا من المباني السكنية.

 

وعلى هذا النحو، فإن بعض أعمال النهب والسلب تشكل هجوماً عنيفاً على الرأسمالية، والشرطة، وغيرها من القوى التي يُـنظَر إليها باعتبارها استمراراً للعنصرية. كتب دينيس وكورنتيللي: “ربما يُفسَر النهب الواسع النطاق آنذاك على أنه نوع من الاحتجاج الجماعي ضد تصوراتنا المهيمنة للملكية”. وهو “محاولة لإعادة توزيع الملكية”.

 

وهذا جزء مما قالته عالمة الاجتماع “اندرياس بويلز” في كتابها “لا تستطيع إيقاف الثورة” عندما قابلت العشرات من الأشخاص اثناء اضطرابات فيرجسون، وقد بين احد مواضيع مقابلتها ان نهب متجر “”Quick Trip  كان يعد بمثابة رد على الحصار الاقتصادي المفروض على المجتمعات السوداء، اذ قال احد الأشخاص بانه غير مكترث بنهب المتجر فالنهب لم يمثل الا معاناة قليلة  لمالك المتجر الذي لم يفعل إلا القليل لتخفيف معاناة المجتمع.

وتقول بويلز ان اغلب من ينهبون هم من الفقراء ويرى البعض منهم بانها فرصته لموازنة المقاييس والحصول على ما لا يستطيعون الحصول عليه، اذ يعانون من حرمانا مستمراً وعليهم اغتنام هذه الفرصة سواء بطريقة شرعية او غير شرعية.

 

وأثناء الاحتجاجات الحالية، قد تتفاقم حالة النهب بسبب الحظر المفروض في البلاد في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا . وربما يعتبر البعض أن الاحتجاجات كانت أشبه بصمام تفريغ.

 

ويرى آخرون في الوقت نفسه أن النهب يشكل شكلاً من أشكال التمكين ـ وسيلة لاستعادة الكرامة بعد عقود من الانتهاكات على أيدي الشرطة وغيرها من السلطات. وقال لي راشون راي، وهو عالم اجتماع في جامعة ماريلاند: “عندما تكون لديهم القدرة على استعادة بعض هذه السلطة، يغتنم الناس الفرصة للقيام بذلك.

وفي الحالات التي لم تسفر فيها الاحتجاجات السلمية عن التغيير، فقد يشعر المحتجون بأن النهب والتخريب هي الوسيلة الوحيدة لجعل أصواتهم مسموعة.

 

ومن ناحية أخرى، يكون هدف بعض اللصوص هو احداث الفوضى و الدمار فقط، وهذا ما ماحدث بالفعل في مقاطع الفيديو حيث يمكن مشاهدة الأشخاص البيض وهم يكسرون النوافذ ويسرقون المحال التجارية، ومن غير الواضح فيما اذا كانت جماعات اليسار الراديكالي والقومية البيضاء هي من تسللت إلى بعض الاحتجاجات وحرضت على الفوضى.

 

وليس مستغرب أن يسافر الاشخاص من مدينة الى أخرى لغرض السرقة ، ومن جانبه طرح حاكم ولاية مينيسوتا تيم وولز فكرة مفادها أن أغلب المحتجين الذين اعتقلوا في مينيابوليس الأسبوع الماضي كانوا خارج الولاية لكن اثبتت التحقيقات مع المعتقلين عكس ذلك ، ولكن أثناء اضطرابات فيرجسون في عام 2014، كان “عدد كبير” من الأشخاص الذين اعتقلوا بسبب النهب لهم عناوين في ولاية إلينوي أو تكساس، كما ذكرت صحيفة واشنطن بوست.

 

وعلى الرغم من ان النهب امر غير مقبول ولكن الشرطة ووسائل الإعلام بل وحتى المحتجين قد يشجعوا عليه من غير قصد. تكون تصرفات المحتجين والشرطة معاكسة لبعضها البعض؛ حين تستخدم الشرطة الرصاص المطاطي والقنابل ورذاذ الفلفل على المحتجين السلميين، فإن المحتجين يحرضون أيضاً على العدوان ـ بما في ذلك في بعض الحالات، تحريض إخوانهم المحتجين على النهب والسلب.

 

ويقول بويد إن الشرطة تستطيع الحد من أعمال النهب والسلب من خلال تبني نهج أكثر مرونة في التعامل مع الاحتجاجات النهارية التي تكون سلمية عادةً،  وبدلاً من تخويف المحتجين غير العنيفين، فقد تحاول الشرطة أن تكون صديقة لهم وقال بويد: “إن التواجد الامني الضخم للغاية مع معدات مكافحة الشغب أثناء النهار يشكل نقيض ما تريد”. “هذا هو الوقت الذي تريد فيه أن تكون الشرطة على الدراجات وعلى الأقدام مع المحتجين”. وفي الليل، عندما يصبح التخريب والنهب أكثر ترجيحا، يصبح بوسع الشرطة أن تتخذ نهجاً أكثر صرامة في التعامل معهم … على حد تعبيره. كما يمكن ان تتخذ الشرطة إجراءات صارمة بحق الناهبين وليس المحتجين .

 

ويمكن ان يُسهم الصحفيون في زيادة عمليات النهب من خلال تسليط الأضواء عليها او اجراء مقابلات مع اللصوص بدلا من المحتجين مما يدفع المحتجين الى التخريب لغرض جلب انتباه وسائل الاعلام .

 

كما أن أسلوب المحتجين وتنظيم الاحتجاجات  يمكن أن يشجع على التخريب أو لا يشجع عليه، وقد وجد “فيشر وراي” أن الاحتجاجات المخطط لها مسبقا والتي تتمتع بقيادة متماسكة تكون نتائجها  أقل تخريبا من الاحتجاجات العفوية التي تفتقر إلى رسالة مركزية. وفي غياب البنية الرسمية أو معايير السلوك، فقد تتحول الى شكل اخر ، وخاصة في الليل.

 

واتفق معظم الخبراء  على أن النهب هو أثر جانبي للاحتجاجات والظروف التي تسببت في حدوثها. وفي هذه الحالة فإن السبب الجذري وراء ذلك هو مقتل رجل أسود على يد ضابط شرطة أبيض. ومن اجل القضاء على النهب والسلب بالكامل، فلابد من العمل على إزالة الأسباب التي تثير انزعاج الناس وتدفعهم الى الاحتجاج

 

وعلى حد تعبير كريستيان دافنبورت، أستاذ العلوم السياسية بجامعة ميشيغان: “إن أفضل طريقة لمنع النهب تتلخص في توفير الأموال للناس ، وتلبية احتياجاتهم الأساسية، ومعاملتهم بكرامة ، وتحقيق حياة مزدهرة لهم “.

 

التحليل : ان الاحتجاجات العنيفة ليست جديدة على المشهد الدولي وخاصة في الولايات المتحدة الامريكية ، وعادة ما يواكبها اعمال التخريب والسلب والنهب.

ففي نيسان 1994  اندلعت اعمال عنف على خلفية تبرئة محكمة لاربع رجال شرطة اشتركوا في ضرب سائق تكسي اسود (رودني كينغ ) بالعصي نتيجة مخالفته قواعد السير. ما أثار موجة عارمة من الاحتجاجات في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية استمرت لستة أيام تدخل خلالها الحرس الوطني ثم الجيش وقوات البحرية الأمريكية مخلفة ثلاثة وخمسين قتيلا وحوالي ألفي جريح وخسائر تقدر بمليار دولار. لاحقا في حزيران 2012 تم العثور على الرجل ميتا داخل حمام السباحة .[1]

وفي ولاية فلوريدا عام 1996، ثارت احتجاجات واسعة إثر مقتل شاب أسود غير مسلح على يد الشرطة الأمريكية، الأمر الذي دفع المحتجين للانطلاق في شوارع المدينة احتجاجًا على هذه الممارسات.[2]

وكذلك في ولاية اوهايو نيسان 2001، حيث قتل شاب أسود / 19 عامًا هو رابع مواطن أسود يقتل على يد الشرطة في نفس العام، وأثار الحادث موجة من الغضب ضد الشرطة ، في هذه الاحتجاجات كما غيرها حصلت أعمال نهب للمتاجر وتكسير للمحلات، وخسرت الولاية حينها ما يقرب من 5.5 مليار دولار.[3]

وايضا هناك أحداث فيرغسون 2014، أحداث بالتيمور 2015، أعمال شغب ميلووكي 2016، وجميع تلك الاحداث تتشابه في ان المجني عليه من البشرة السوداء والجاني من البيض ومن رجال الشرطة تحديدا ، ويعقب ذلك احتجاجات عنيفة واعمال سلب.

لكن ما يميز هذه الموجة من الاحتجاجات تواكبها مع الازمة الاقتصادية وجائحة فايروس كورونا ، لتشكل مركب خطير من المخاطر والانتفاض على الظلم .

ان الاف الامريكيين الذين خرجوا للتظاهر ليس فقط للاحتجاج على مقتل جورج فلويد وانما لاسباب عميقة داخل نفوسهم حيث تراكم الظلم الاجتماعي والفقر وقسوة معاملة الشرطة لهم و العنصرية المقيتة التي يعانونها منذ الطفولة .

اليوم الولايات المتحدة تظهر للعالم بوجهها الحقيقي ، بعد ان اجتاحها الوباء وسقطت في دوامة الازمة الاقتصادية الخانقة ، حيث المواطنة درجات والفيصل لون بشرتك وغناك او فقرك ، اذ يعاني السود ، الامرين ويتم قمعهم بقسوة ان رفضوا او استنكروا ، واصدق دليل على ذلك الفيديو الذي شاهده العالم ، والذي يظهر فيه الشرطي الابيض وهو يسحق رقبة الامريكي الاسود ، بكل برود .

 

https://www.theatlantic.com/health/archive/2020/06/why-people-loot/612577/

 

[1] https://arabic.euronews.com/2012/06/17/la-riots-victim-rodney-king-dies

[2] http://www.acrseg.org/41632

[3] https://www.noonpost.com/content/37193