غياب صناديق الثروة السـيادية وخطيئة سـوء ادارة موارد النفط في العراق

      التعليقات على غياب صناديق الثروة السـيادية وخطيئة سـوء ادارة موارد النفط في العراق مغلقة

 

أ.د عدنان حسـين الخياط / باحث في الشؤون المالية

باحث مشارك في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

20 حزيران 2020

من معوقات التنمية الاقتصادية التي طالما تردّدت في الأدبيات التنموية ، هي أن قلة الموارد الاقتصادية في بلد معيّن ، تعد سبباً مهماً من أسباب تخلفِهِ واتساع معدل الفقر في المجتمع . وقد جاء تركيز أدبيات التنمية على حجم الموارد المتاحة كأحد المعايير المهمة للتنمية والتطور ، استناداً الى فرضية مفادُها ان جميع الموارد المتاحة في الاقتصاد سوف يتم استخدامها بكفاءة وبنزاهة من قبل صنّاع القرار والجهات التنفيذية وفق منهج العقلانية الاقتصادية Economic Rationality وبالتالي كلما ازداد حجم الموارد كان بالإمكان تعجيل عملية التنمية واللحاق بركب العالم الصناعي المتقدم .

الاّ انّ فرضية العقلانية الاقتصادية والنزاهة في ادارة الموارد الاقتصادية وتوظيفها، تواجّه الكثير من التحديّات على صعيد التطبيق العملي في معظم دول العالم وبدرجات متفاوتة ، الأمر الذي ينعكس على درجة فعالية الموارد المتاحة  في التأثير على العناصر والمتغيّرات الحاكمة لمسار عملية التنمية والتطور الاقتصادي .

وتحظى مسألة العقلانية الاقتصادية والنزاهة في ادارة موارد النفط بأهمية فائقة ، نظراً لما يتصف به قطاع النفط الخام من خصائص ريعية شديدة ؛ اذ ان وجود الثروة النفطية لا يمكن أن يُوّلّد انعكاسات ايجابية على عملية التنمية ، الاّ اذا حَسُنَّ استخدامها على وفق المعايير والاعتبارات الاقتصادية من أجل تحويل ثروة النفط الى أداة فعالة ومثمرة في تنمية الهياكل الانتاجية والبنى التحتية للاقتصاد الوطني .

ان أهمية النفط لا تقتصر في كونه يُشكّل المورد الأساس بالنسبة للكثير من البلدان المنتجة للنفط ، وانّما أيضا من حيث كونه من الثروات الناضبة التي تؤول الى النفاد نتيجة الاستعمال ، حيث تتضاءَل كميات النفط في باطن الارض بمرور الزمن على الرغم من الاستكشافات الجديدة التي تشير الى وجود تزايد في الاحتياطيات النفطية ، اذ ما يزال النفط يعد من مصادر الطاقة المفضلة عالميا بالمقارنة مع مصادر الطاقة البديلة من حيث عناصر الكلفة ، ومن ثم فان معدلات الاستهلاك لاتزال مرتفعة بالمقارنة مع معدلات تزايد الاحتياطيات النفطية الجديدة .

ان خاصية النضوب التدريجي للنفط من شأنها أن تطرح اشكالياتٍ عديدة تتعلق بطبيعة العلاقة بين هذه الثروة الناضبة والتنمية الاقتصادية بالنسبة لجميع الدول النامية المنتجة للنفط ، اذ انّ النفط باعتبارِه ثروة مخزونة في باطن الأرض ، لهُ وجود طبيعي يُعد جزءا أساسيا من رأس المال الوطني ، وهو بذلك لا يُمثّل نتاجاً حقيقيا لخدمات عناصر الانتاج ( العمل ، رأس المال ، الأرض ، التنظيم ) من حيث الأصل والتكوين ، فوجود النفط هو وجود طبيعي في مكامن الأرض ، في حين وجود المنتجات الصناعية والزراعية هو وجود ناجم عن أنشطة انتاجية حقيقية تفاعلت في تكوينها عناصر الانتاج المختلفة ، وعندما تدخل هذه المنتجات الحقيقية في حسابات الناتج المحلي الاجمالي والناتج الوطني ، فإنها تُعد نتاجاً حقيقياً لخدمات هذه العناصر. ومن ثم فان مورد النفط لا يمثّل دخلاً حقيقياً لنتاج تفاعل عناصر الانتاج ، وانّما هو نتاج بيع ثروة مخزونة في المكامن لا تكلّف سوى استخراجها وتسويقها . واستنادا لهذه الخاصية الريعية الكبيرة المرتبطة بمورد النفط ، فانّ احتساب عوائدِه ضمن مكونات الناتج المحلي الاجمالي من شأنه أن يؤدي الى تشويه الناتج المحلي الاجمالي وتضخيم قيمتِهِ بشكّل غير حقيقي ، ممّا يُعدّ معياراً مهماً للتمييز بين قطاع النفط الخام والقطاعات الانتاجية السلعية الحقيقية في الاقتصاد الوطني. ولما كانت الدولة في معظم البلدان المنتجة للنفط تمتلك حقوق التصرف بالثروة النفطية ، فان هذه الثروة هي رأس مال وطني عام يؤولُ الى النضوب ، وان الموارد المالية المتأتية منه تُعد بمثابة بيع تدريجي لأجزاء من هذه الثروة ، أي ( تنقيد ) Monetize  لموجودات آلة الى النضوب والى حين نفادِها ، فينتهي بذلك المورد المالي المتوّلّد عن هذه الموجودات .

ان صفة النضوب التي تتصف بها الثروة النفطية تُوجب على الدولة ، وهي المسؤولة عن ادارة موارد النفط ، أن تعملَ على جعل عملية ( تنقيد النفط ) عملية ً تنموية باتجاه نقل الاقتصاد الوطني تدريجياً ، من اقتصاد ريعي احادي الجانب الى اقتصاد متنوع الانتاج والموارد ، في اطار التحوّل من امتلاك رأس مال وطني يتصف بالنضوب ، الى امتلاك موجودات ورؤوس أموال وطنية تتميّز بالاستمرار والاستدامة التنموية . فضلا عن انّ عملية تنويع الاقتصاد تشكّل صمام الأمان لمواجهة الأزمات المالية والاقتصادية والحد من التأثيرات السلبية لصدمات انخفاض أسعار النفط على المتغيّرات الاقتصادية للاقتصاد الوطني .

ومن ثم فقد ازداد الاهتمام لدى دول العالم بمسألة انشاء اطار مؤسسي لإدارة الاستثمارات الحكومية والشراكة مع القطاع الخاص ، ولاسيّما في الدول النفطية التي تحتاج اقتصاداتها الى دفعة قوية من الاستثمارات الحكومية لكي تستطيع جذب الاستثمارات وتطوير الأسواق المالية والأنشطة المصرفية ، حيث لجأت العديد من الدول النفطية الى انشاء وتطوير مؤسساتها الاستثمارية ، كمجالس الاعمار ومؤسسات الاستثمار الحكومية التي تحمل تسمياتٍ مختلفة .

وتُعد صناديق الثروة السـيادية Sovereign Wealth Funds (SWF) من أبرز مؤسسات الاستثمار الحكومية في الوقت الحاضر التي تم انشاؤها  في العديد من دول العالم على اختلاف أنظمتها الاقتصادية ودرجة تطورها ، حتى بالنسبة لتلك الدول التي تعاني من ندرةٍ في مواردها المالية في اطار التطورات المعاصرة لدور الدولة الاقتصادي والاجتماعي ، والأثر الذي يمارسهُ هذا الدور في تشجيع الأنشطة الاستثمارية والشراكة مع القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية .

ونظرا للأهمية البالغة التي حظيّت بها صناديق الثروة السيادية ، فقد أصبحت محط اهتمام المؤسسات المالية والنقدية العالمية ، وكذلك الجهات المعنيّة بشؤون الاستثمارات ، ومنها ( المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية ) ( IFSWF ) الذي اتسع دورهُ في متابعة الأنشطة الاستثمارية لصناديق الثروة السيادية بعد الأزمة المالية العالمية سنة 2008 ، واعتبرَ هذه الصناديق تمثّل عامل استقرار للتخفيف من تداعيات الأزمات من خلال اتباع مجموعة من أساليب الاستثمار لبعض من موارد الدولة المالية ، على المستوى المحلي والدولي ، من أجل تنمية هذه الموارد وحفظها في أصولٍ من الموجودات ضمن محفظة استثمارية تسهم في تنويع مصادر الدخل والثروة وتعزيز مسارات التنمية والنمو الاقتصادي والرفاه الاجتماعي للجيل الحاضر والأجيال القادمة . كما يقوم (معهد صناديق الثروة السيادية ) SWFI بمتابعة الأنشطة الاستثمارية التي تمارسها صناديق الثروة السيادية من خلال نشر التقارير الاحصائية المتعلقة بأصول واستثمارات هذه الصناديق .

ويُعد ( صندوق الهيّأة العامة الكويتية للاستثمار ) الذي تم انشاؤهُ في عام 1953 ، من أقدم صناديق الثروة السيادية على صعيد المنطقة والعالم ، حيث اسـتندت فكرة تأسيس الصندوق على ضرورة تنمية وحفظ جزء من الموارد النفطية للأجيال القادمة من خلال تخصيص نحو 25% من الايرادات النفطية لتعزيز الأنشطة الاستثمارية التي يمارسها الصندوق ، وقد أصبح فيما بعد أحد مصادر تنويع الايرادات المالية والتخفيف من تداعيات الأزمات الناجمة عن صدمات انخفاض أسعار النفط . ويُقدّر عدد صناديق الثروة السيادية حول العالم بنحو (80) صندوقا تمتلكها حكومات (47) دولة ، وقد استحوذت هذه الصناديق على أصول تزيد في مجملها على (8,14) تريليون دولار حتى نهاية شباط عام 2019 ، مقارنةً ًبأصولها التي كانت لاتتجاوز (3,5) تريليون دولار في نهاية عام 2007 وفقا لإحصاءات (معهد صناديق الثروة السيادية)[1]

والشكل البياني التالي يوضح قيمة الأصول لأهم صناديق الثروة السيادية في العالم :

شكل (1) ((قيمة الأصول لأهم عشرة صناديق سيادية في العالم حتى شباط عام 2019 ))

https://al-ain.com/article/led-by-the-norwegian-fund-top-10-sovereign-fundsالمصدر :

يتضح من خلال الشكل بأنّ (صندوق التقاعد النرويجي) الذي تأسس عام 1990 ، يُعد أكبر الصناديق السيادية في العالم ، حيث بلغت قيمة ُ أصولِهِ المستثمرة نحو (1,74) تريليون دولار في عام 2019 . ويمثّل هذا الصندوق أنموذجا لصناديق الثروة السيادية في الدول الصناعية المتقدمة التي سعّت الى عزلِ جزءٍ من ايراداتها العامة المتأتية من بيع مواردها النفطية وغير النفطية عن موازناتها السنوية .

كما لجأت الصين الى انشاءِ عددٍ من صناديق الثروة السيادية ، منها الصناديق التابعة لشركات الاستثمار الحكومية ، (كشركة الاستثمار الصينية) التي تأسس صندوقها عام 2007 وبلغت قيمة أصولها نحو (941) مليار دولار في عام 2019 ، وأصبحت صناديق الشركات الحكومية الصينية ، ركيزة أساسية من ركائز قوة الاقتصاد الصيني وتعظيم فوائضِهِ المالية ، في اطار اتباع آليات وأساليب للشراكة مع القطاع الخاص في مجالات الاستثمار المختلفة .

وعلى صعيد الدول النفطية الريعية ، فقد أنشأَ معظمُها صناديق للثروة السيادية منذ وقت مبكر لتُشكّلَ مصّدرا مهما من مصادر تنويع الايرادات وتجنّب صدمات الأزمات . وقد تقدّم صندوق (جهاز ابو ظبي للاستثمار) الذي تأسس في عام 1976 ، قائمة صناديق الثروة السيادية في دول الخليج بقيمة أصول بلغت (697) مليار دولار ، تليه (هيّأة الاستثمار الكويتية) التي تأسست عام 1953، بقيمة أصول (592) مليار دولار ، كما أصبحت (مؤسسة النقد العربي السعودية ) التي تأسست في عام 1952 تمارس مهمات الصندوق السيادي في جانبٍ من وظائفها في ادارة الاحتياطيات الدولية ، ومن خلال (صندوق ساما القابضة ) التابع للبنك المركزي ، حيث بلغت قيمة أصول هذا الصندوق  (516) مليار دولار وفقا لإحصاءات (معهد صناديق الثروة السيادية) عام 2019 .

وعلى الرغم من الاختلافات الموجودة بين التجارب الدولية المتعلقة بأهداف صناديق الثروة السيادية ، الاّ انّ هناك اتفاقاً في كون هذه الصناديق تؤدي دورا مهما في ادارة الاقتصاد الوطني في بلدانها ، ولاسيّما فيما يتعلق بمساهمتها في تنويع مصادر الدخل والثروة والحد من التأثيرات السلبية للأزمات المالية والاقتصادية . وقد تعددت أنواع الصناديق السيادية ، ويمكن تلخيص بعض أنواعها من خلال النقاط التالية :

1.صناديق الادخار طويلة الأجل :  لجأت معظم الدول النفطية الى انشاء مثل هذه الصناديق ، التي تهدف الى حفظ جزء من الثروات القابلة للنضوب التدريجي الى أصول متجددة تساعد على توليد ايرادات مالية مستدامة في الحاضر والمستقبل عن طريق استثمار الموارد في محفظة استثمارية متعددة المجالات .

2.صناديق المعاشات التقاعدية :  يتشابه هذا النوع من الصناديق مع صناديق الادخار من حيث كونها تسهم في استثمار جزء من الثروات القابلة للنضوب وتحويلها الى موارد مالية مستدامة ، الاّ انها تكون متخصصة في مجال الوفاء بالتزامات الدولة المستقبلية المتعلقة بالمعاشات التقاعدية ، وتعمل من أجل التخفيف من الأعباء المالية عن كاهل الموازنة العامة التي تتطلبها عملية الالتزام بدفع الرواتب التقاعدية وتمويل الخدمات الاجتماعية التي تقدمها الدولة لفئة المتقاعدين . ومع وجود مثل هذا التخصص ، الاّ انّ هذا النوع من الصناديق قد تحوّل الى مصدرٍ مهم من مصادر تنويع الايرادات وتنمية الثروات للاقتصاد الوطني عموما ، كما في نموذج صندوق التقاعد النرويجي .

3.صناديق الاستقرار :  تمثل صناديق الاستقرار وسيلة مهمة للتخفيف من أثر صدمات انخفاض أسعار النفط وتمكين الدولة من الاستمرار في تلبية متطلبات النفقات العامة ، ولاسيّما النفقات الضرورية ، من خلال الدعم المالي الذي توفّره هذه الصناديق للموازنة العامة ، كذلك يسهم هذا النوع من الصناديق في الحفاظ على استقرار مناسب للاقتصاد الكلي في الدول الصناعية المتقدمة من تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية .

4.صناديق التنمية :  يتمثّل الهدف الأساس لهذه الصناديق التوجّه نحو الاستثمار في مشاريع التنمية المحلية في القطاعات الصناعية والزراعية ومشاريع الخدمات والبنى التحتية . ويمكن أن تشكّل هذه الصناديق ركيزة أساسية للشراكة بين الدولة والقطاع الخاص في تنفيذ العديد من المشاريع الاستثمارية على الصعيدين المحلي والخارجي ، ولاسيّما فيما يتعلق بمساهمة القطاع الخاص في مشاريع الاعمار والشراكة مع الدولة في تطوير الأنشطة الانتاجية للشركات الصناعية التابعة للقطاع العام ، وتطوير تجربة القطاع الصناعي المختلط .

لقد حرصّت المؤسسات المالية والجهات الدولية المعنيّة بشؤون صناديق الثروة السيادية على وضع اطار مبادئ لعمل هذه الصناديق من خلال انشاء ( المنتدى الدولي لصناديق الثروة السيادية ) الذي أسهم في وضع ما يعرف ( مبادئ سانتياغو ) ومطالبة الدول التي تمتلك هذه الصناديق بضرورة الالتزام بتطبيق هذه المبادئ باعتبارها تمثّل جزءا أساسيا من معايير الشفافية الدولية والالتزام بتطبيق توصيات المؤسسات الدولية المتعلقة بسياسات الاصلاح المالي والاقتصادي . ومن أبرز التوصيات التي ترتكز عليها ( مبادئ سانتياغو ) لعمل صناديق الثروة السيادية نذكر ما يلي :

1.وجود هيكل حوكمة قوي وشفاف لإدارة الاستثمارات في صناديق الثروة السيادية .

2.توفير المتطلبات القانونية والتشريعية ومتطلبات الافصاح عن آليات وأساليب الاستثمار في صناديق الثروة السيادية .

3.التأكد من انّ الصناديق السيادية تستثمر وفقا للاعتبارات والمعايير الاقتصادية ، مع مراعاة التوازن بين حجم المخاطر والعوائد المالية التي تحققها هذه الصناديق من عمليات الاستثمار.

أما فيما يتعلق (بمبادئ سانتياغو) ، فانّها تضم (24) مبدأً ً، جميعها تُؤكد على معايير الشفافية والادارة المهنية للاستثمارات ، ووضع ثروات هذه الصناديق وعوائدها في خدمة عملية التنمية الاقتصادية وزيادة رفاه المجتمع . وبذلك فقد أصبحت الجدارة الاستثمارية لهذه الصناديق وسمعتها العالمية ، مرتبطة بمدى التزام البلد الذي يمتلكها بمبادئ سانتياغو ضمن التصنيف الدولي للصناديق السيادية في العالم .

انّ البحث في موضوع صناديق الثروة السيادية ، من شأنه أن يوضّح ، لماذا لم تتأثر اقتصادات الدول التي تمتلك مثل هذه الصناديق ، بصدمات الأزمات المالية والاقتصادية مثلما يتأثر بها الاقتصاد العراقي الذي يُعد الثاني في الاحتياطيات النفطية وانتاج النفط في المنطقة ، ورغم ذلك لم يتمكن من انشاء صندوق سيادي أو مؤسسات استثمارية حكومية تكون داعمة ومعززة لاقتصاد السوق وتنويع ايرادات الاقتصاد الوطني وتقليل اعتماده على ايرادات النفط.

لقد شهدّت التخصيصات المالية في موازنات العراق السنوية خلال المدة 2003 ــ 2019 توسعا كبيرا ، حيث بلغ اجمالي هذه التخصيصات نحو ( 1460,519,947 ) تريليون دينار  لمجموع موازنات المدة المذكورة[2] . ومن الخصائص التي اتسـمّت بها هذه الموازنات انّها غالبا ما تبدأ بعجزٍ وتنتهي بفائض على الرغم من ممارسات الهدر والفساد المالي التي وقعت عليها ، حيث انّ معظمها  شهدّ تحقيق فوائض مالية في نهاية مدة التنفيذ ، ما عدا بعض السنوات القليلة التي كان فيها عجزا فعليا .

وفي اطار ذلك ، لم يُشكّل العائق المالي سبباً أساسياً في عدم انشاء صناديق للثروة السيادية كما فعلت معظم الدول النفطية الأخرى ، وانّما العامل الأهم في هذا المجال هو سـوء الادارة للموارد النفطية التي أسهمت في تضخيم التخصيصات المالية في الموازنات السنوية للدولة ، مع تدنّي مستوى المنجزات من المشاريع التنموية والخدمات الاجتماعية . ولذلك فانّ العبرة ليست في امتلاك الدولة لمؤسسات استثمارية وصناديق للثروة السيادية ، وانّما في الآليات والأساليب التي تتبع في ادارة هذه المؤسسات ، ومستوى النزاهة والشفافية التي تعمل بموجبها ، كمؤسسات مهنية مسـتقلة في قراراتها الاستثمارية .

انّ بلوغ مستوى مناسب من الكفاءة والفعالية في اصلاح عملية ادارة موارد النفط في العراق، ينبغي أن يكون في اطار سياسات حكومية للاستثمارات تقوم على أساس توزيع موارد النفط بين الانفاق الجاري والانفاق الاستثماري المعوّض عن النضوب والداعم لعملية تنويع ايرادات الدولة المالية ، والتي تكون احدى مرتكزاتها صناديق الثروة السيادية ، ويتطلب ذلك من جملة ما يتطلب ، مراعاة الاعتبارات التالية :

  1. مدى قدرة الدولة على ضبط النفقات الحكومية التشغيلية الجارية في نطاق الاصلاحات الاقتصادية والادارية بغية التخلص من أعباء النفقات الزائدة ، وتلك التي يمكن تقليصها واعادة هيكلتها على وفق الاحتياجات الضرورية ومعايير الانتاجية ، وتجاوز حالات الهدر والتبذير .
  2. اصلاح أساليب وأنماط الاستثمار ، حيث أن الولوج في مشاريع استثمارية فاشلة ومتلكئة يسودها الفسـاد هو أشـدُ وقعاً وتأثيراً على الاقتصاد الوطني ، وذلك لتأثيراتها السلبية الكبيرة والمباشرة على بناء وتطوير رؤوس الأموال الوطنية الجديدة المعوّضة عن النضوب ، فضلا عن تقويض دور الدولة في عملية التنمية وتوفير البنى التحتية والخدمات الاجتماعية .
  3. مدى القدرة على توفير الظروف والبيئة الملائمة لعمل صناديق الثروة السيادية على المستوى المحلي والمستوى الدولي ، والالتزام بمعايير الشفافية في ادارة الثروات والعمليات الاستثمارية ، وتحقيق الارتباط الوثيق بين عمل الصناديق واحتياجات التنمية الاقتصادية في التنويع الاقتصادي والمالي .    

[1] د. عبد الله ونيس الترهوني : ( دور صناديق الثروة السيادية في عصر ما بعد النفط ) ــ الجزء الثاني ــ الموقع الألكتروني :

2020|04|11  < Sada . ly

[2] أرقام التخصيصات المالية للموازنات السنوية للدولة | الوقائع العراقية أعداد متفرقة ، كذاك تقارير تنفيذ الموازنات لوزارة المالية .