رفع حظر التسلح عن ايران بين الرغبة الدولية والمعارضة الامريكية

      التعليقات على رفع حظر التسلح عن ايران بين الرغبة الدولية والمعارضة الامريكية مغلقة

م. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
ايلول 2020
بعد عقد الاتفاق النووي بين ايران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة وروسيا والصين وفر نسا بريطانيا والمانيا) تحت اشراف الامم المتحدة عام 2015، وصدور قرار مجلس الامن بالرقم 2213 ، حسب التزامات متبادلة بين الطرفين سميت بخطة العمل المشترك تضمنت بنود عديدة اهمها تقليص نسبة تخصيب اليورانيوم في ايران من 20% الى نسبة 3.6%، والاحتفاظ بكمية من اليورانيوم المخصب تقدر ب 300 كغم، سماح ايران لموظفي الوكالة الدولية بدخول المنشآت النووية الايرانية، في المقابل فقد تم رفع كل العقوبات الدولية عن ايران، وامكانية الدول والشركات التعامل مع ايران في مجال الطاقة سواء بالاستثمار او شراء النفط والغاز، والسماح للمصارف الدولية بالتعامل مع ايران في مجال التحويلات المالية، وقد رحبت اغلب دول العالم بهذا الاتفاق باعتباره الطريق السلمي لحل ازمة البرنامج النووي الايراني والذي يمكن ان يؤسس لطريق عمل دولي في المستقبل بعيد عن التوتر والتهديد.
يضاف الى ذلك ان الالتزامات التي فرضت على ايران حددت بسقوف زمنية معينة، فقد نص الاتفاق ان حظر التسلح التقليدي على ايران يستمر لمدة عشرة اعوام تنتهي في تشرين الاول 2020، اما تقييد تخصيب اليورانيوم بنسب متدنية فهو الاخر ينتهي بعد 15 عاما اي في عام 2025، وبهذا فان هذه المدد كانت كافية من وجهة النظر الدولية في التحقق من التزام ايران بهذا الاتفاق وعدم خرقها اي بند فيه، اضافة الى ان ايران نفسها لا تعاني من مشكلة تسلح تقليدية او انها محتاجة الى تخصيب يورانيوم بنسب اعلى في هذه المدة بقدر حاجتها الى تحسين الاقتصاد ورفع العقوبات التي كان لها تأثير على الاقتصاد الايراني خاصة وان ايران من الدول الغنية في مجال الطاقة (النفط والغاز) والذي يحتاج الى استثمارات كبيرة من قبل الشركات العالمية لزيارة الانتاج والتصدير.
ورغم عقد الاتفاق النووي بقرار دولي من مجلس الامن الدولي تحت الرغم 2213، الا ان تباين وجهات النظر بين الموقف الامريكي والدولي، ففي الوقت الذي ابدت دول العالم المختلفة رغبتها في التعامل مع ايران وقدوم عدد كبير من الشركات المختلفة الى ايران، لا سيما شركات الطاقة الاوربية والكورية واليابانية والهندية الرئيسية، والزيارات المتبادلة للمسؤولين بين كل الاطراف، فان الولايات المتحدة استمرت بفرض بعض العقوبات الاقتصادية على ايران اضافة الى رفض الكونغرس الامريكي لرفع العقوبات كما ينص عليه الاتفاق النووي، ثم جاءت الخطوة الامريكية الاكثر تقدما في مجال العقوبات وهي انسحاب الادارة الامريكية برئاسة الرئيس (دونالد ترامب) من الاتفاق النووي في 8/5/2018، واعادة فرض كل العقوبات الاقتصادية وتشديدها، بحيث شملت حتى الدول والشركات والاشخاص التي تتعامل مع ايران والغاية منها حسب تصريح الرئيس الامريكي هي الوصول بتصدير النفط الايراني الى الصفر، لغرض اجبار ايران على اعادة التفاوض من جديد، ورغم رفض اغلب دول العالم وخاصة دول الاتفاق النووي انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق وفرضها العقوبات الا ان الاخيرة استمرت في تشديد العقوبات والتهديدات ضد ايران، واخرها هي تقديم الولايات المتحدة طلبا لمجلس الامن في منتصف اب 2020 بتمديد حظر التسلح على ايران الذي ينتهي في تشرين الثاني 2020، لأنها حسب قولها تهدد السلم والامن الدوليين، وان رفع حظر التسلح سوف يجعل ايران اقوى وامكانية امتلاكها تقنية عسكرية متطورة قد تتفوق على اغلب دول المنطقة وخاصة اسرائيل، الا ان المشروع الامريكي لم يحظبالدعم المطلوب بعد ان امتنعت 11 دولة عن التصويت واعتراض روسيا والصين، وايدت دولة واحدة الطلب الامريكي وهي الدومنيكان، بعدها هددت الولايات المتحدة باستخدام طريقة (اعادة الزناد)، وهو نص ضمن الاتفاق النووي عام 2015 وبموجبه يمكن لأي دولة ان تطلب اعادة فرض كل العقوبات على ايران في حالة عدم التزام ايران بالاتفاق النووي، وهو ما تسعى الولايات المتحدة الى فرضه على اعضاء مجلس الامن.
ان هذا التناقض في المواقف حيال ايران بشكل عام وحيال برنامجها النووي والاتفاق لعام 2015 بشكل خاص جعل من الصعب على الولايات المتحدة ان تفرض موقف معين على باقي دول العالم، وهناك رغبة دولية في رفع حظر التسلح عن ايران ، ولعدة اسباب منها:
ان اغلب الدول الاوربية وحتى الحليفة منها للولايات المتحدة الامريكية اصبحت غير راضية عن تصرفات وقرارات الادارة الامريكية الحالية، لا سيما المتعلقة منها بالجانب التجاري، بعد فرض الادارة الامريكية العديد من القيود التجارية على دول الاتحاد الاوربي وكندا وهو ما عد مخالف لقوانين منظمة التجارة العالمية وضد حرية التجارة، وهو ما دفع هذه الدول الضغط على الادارة الامريكية والابتعاد عنها، وعدم التوفق معها في فرض عقوبات على ايران.
ان قرار مجلس الامن 2213 في 2015 كان قرارا دوليا بموافقة اعضاء مجلس الامن اضافة الى المانيا وتحت اشراف الامم المتحدة، وهو قرار ملزم للكل، ولا يوجد اي دليل ملموس لدى ادارة ترامب ضد ايران بانها انتهكت هذا القرار او انها داعمة للإرهاب في المنطقة، وما طرحه وزير الخارجية الامريكية من اتهامات ضد ايران بنظر دول مجلس الامن الاخرين هي ادعاءات بدون دليل ملموس، وهو ما يعد اتهام سياسي لإيران، لا يمكن لأمريكا ان تستخدم آلية الزناد اي اعادة العقوبات الدولية آليا.
كان الاتفاق النووي لعام 2015 حسب وجهة نظر اغلب دول العالم هو الطريق السليم والصحيح لحل القضايا الدولية عن طريق المفاوضات والاتفاقات الدولية، كما ان رغبة الدول الاوربية وشركاتها في الاستثمار في ايران الغنية بالموارد الطبيعية والتي هي بحاجة للتطوير دفعها الى السير في اتجاه تثبيت الاتفاق النووي ومساعدة ايران في تخفيف العقوبات الامريكية عليها، كما ان اي الغاء او تراجع عن الاتفاق قد يقود الى فوضى في المنطقة تكون لها عواقب مدمرة، لاسيما وان العالم يعاني حاليا من ازمات اقتصادية بسبب جائحة كورونا.
اكد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية (رافائيل غروسي) خلال زيارته لإيران في 26 اب 2020، ان الاخيرة سمحت لمفتشي الوكالة بدخول موقعين جديدين، وهو يعد تطور مهم على وجود تعاون بين الجانبين، خاصة وان الرئيس الايراني (حسن روحاني) ابلغ رئيس الوكالة ان ايران ستواصل التعاون معهم في كل المجالات، كما واكد رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية خلال الزيارة ان الوكالة ليس لديها اسئلة جديدة او طلبات في المستقبل غير التي اعلنت، وبهذا فقد تم قطع الطريق على اي ادعاءات اسرائيلية او امريكية حول ملف ايران النووي، وهذا يبين حجم التعاون بين ايران والوكالة انه ليس هناك مبرر لإعادة او تمديد اي عقوبات على ايران.
ان اغلب الاسلحة التقليدية والتي يشملها الحظر هي في متناول ايران عبر الاستيراد من دول صديقة مثل روسيا والصين، او عبر التصنيع المحلي الذي وصل الى مراحل متقدمة جدا، وبهذا فان استمرار فرض الحظر التسليحي لا فائدة منه.
ان الولايات المتحدة ليس لديها الحق_ وحسب اغلب دول مجلس الامن الدولي، في ان تطلب من مجلس الامن تمديد فرض حظر التسلح او تفعيل آلية الزناد لأنها اصبحت خارج الاتفاق النووي بعد الانسحاب منه عام 2018، وهو ما جعل الولايات المتحدة في موقف لا يمكن معه التحرك في مجلس الامن بحرية وتمديد العقوبات على ايران كما كان سابقا. فضلا عن ان مسعى الادارة الامريكية في تمديد الحظر التسليحي على ايران جاء من اجل دعم الرئيس ترامب في الانتخابات القادمة وخاصة من جانب اليهود في الولايات المتحدة الامريكية.
ان ما تحقق ضمن الاتفاق النووي لعام 2015 لا يمكن للدول الاخرى الموقعة عليه ان تتراجع عنه بسهولة، وهي تعرف جيدا ان هدف الولايات المتحدة هو مصالها الخاصة وليس كما تدعي امن العالم، اضافة الى حاجة الدول الصناعية الى استثمارات ولاسيما في مجال الطاقة مع انتشار جائحة كورونا وركود الاسواق، وان يمكن لإيران ان تكون سوقا كبيرة للشركات العالمية وخاصة في مجال التسلح بعد ان حجزت امريكا اسواق السلاح لدول الخليج العربي لشراء سلاحها، اضافة الى وجود توترات بين الصين وامريكا في بحر الصين الجنوبي هو ما دفع بكين الى الاعتماد على ايران اكثر من اجل دعمها بالموارد النفطية اولا والحصول على موطئ قدم في المنطقة ثانيا، اضافة الى ان روسيا هي الاخرى تسعى الى تثبيت وجودها في المنطقة من الخليج الى سوريا من خلال دعم ايراني مباشر.
لهذا فان الموقف الدولي سيكون له كلمة الفصل في اي قرار يمكن ان تتخذه او تسعى اليه الولايات المتحدة الامريكية ضد ايران مستقبلا.