استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين

      التعليقات على استراتيجية الولايات المتحدة تجاه الصين مغلقة

 

تقرير البنتاغون الجديد

 

 

 

 

الكاتب : مايكل إي أوهانلون

الناشر : معهد بروكينز ، 4 ايلول  2020

ترجمة : م . مؤيد جبار حسن

عرض وتحليل : م. علي مراد النصراوي

 

 

اصدرت وزارة الدفاع الامريكية مؤخرًا تقريرها السنوي الأخير، استمرارًا لتقليد دام عقدين من الزمن، بشأن الصين وجيشها، ودوره في السياسة الخارجية الأوسع للصين، وذلك ضمن قراءة جادة للوضع الصيني شملت أبعاد الموضوع ككل.

ويعتمد التقرير أيضًا على تقييم إسبير الصيفي لموقف الأمور، مع تنفيذ استراتيجية الدفاع الوطني لعام 2018 (NDS)، التي ورثها عن وزير الدفاع السابق جيم ماتيس، إذ ركزت الاستراتيجية بشكل أساس على منافسة القوى العظمى، مع التركيز بشكل خاص على الصين، وكان محور تركيز وزير الدفاع السابق مارك اسبر الرئيس منذ أن أصبح سكرتيرًا في منتصف عام 2019.

و بشكل عام، فإن التقرير الجديد جيد، لكنني سأقدم العديد من التعليقات على التفاصيل التي جاء بها التقرير.

جاء في تقرير وزارة الدفاع (DoD):

قدر تقرير وزارة الدفاع لعام 2000 إن جيش التحرير الشعبي(القوات المسلحة الصينية) كان يتكيف ببطء وبشكل غير متساوٍ مع اتجاهات الحرب الحديثة، كما إن  هيكل وقدرات الجيش الصيني تعتمد بشكل كبير على شن حرب برية واسعة النطاق على طول حدود الصين، و من الصحيح إن  القوات البرية والجوية والبحرية لجيش التحرير الشعبي كبيرة العدد لكنها أصبحت قديمة الطراز و عفا عليها الزمن في الغالب فصواريخها مثلًا، تقليدية عمومًا قصيرة المدى وذات دقة متواضعة، فضلًا عن إن القدرات الإلكترونية الناشئة لجيش التحرير الشعبي بدائية ؛ واستعمالها لتكنولوجيا المعلومات متأخرًا عن المنحنى، وقد استندت قدراته الفضائية الاسمية على تقنيات قديمة لحد هذا اليوم. يضاف إلى ذلك ، إن صناعة الدفاع في الصين كافحت لإنتاج أنظمة عالية الجودة، و حتى لو تمكنت جمهورية الصين الشعبية من إنتاج أو الحصول على أسلحة حديثة، فسيظل جيشها يفتقر إلى الفعاليات المشتركة والتدريب اللازمين لميدانها بفعالية. من جهة أخرى فقد قيَّم التقرير إن العقبات التنظيمية لجيش التحرير الشعبي كانت شديدة بما يكفي، لدرجة إنها إذا تُركت من دون معالجة فإنها (( تمنع نضوج جيش التحرير الشعبي إلى قوة عسكرية من الطراز العالمي)).

ولحد الان فإن المشهد جيد بالنسبة لامريكا، ففي الماضي كانت القوات الصينية هائلة في بعض النواحي ولنصف قرن كامل، حتى قبل أن يتم كتابة تقرير وزارة الدفاع الأول عن جيش التحرير الشعبي (PLA) في عام 2000 – فقد قاتلت بضراوة ضد القوات الأمريكية والكورية الجنوبية في الحرب الكورية، ولكن في السنوات الأخيرة، ظلت الصين دائمًا قوة أرضية منخفضة التكنولوجيا، ولم يكن لديها خيار واقعي حتى لغزو تايوان المجاورة ، وهي نظام حكم به أقل من نسبة 2 ٪ من سكان الصين القارية.

وبعد عقدين من الزمان، ظل هدف جيش التحرير الشعبي الصيني هو أن يصبح جيشًا “عالمي المستوى” بحلول نهاية عام 2049 – وهو هدف أعلنه لأول مرة الأمين العام شي جين بينغ في عام 2017، على الرغم من إن الحزب الشيوعي الصيني (الحزب الحاكم ) لم يحدد معنى “العالمي” – في القاموس العسكري، وفي سياق الاستراتيجية الوطنية لجمهورية الصين الشعبية ، فمن المحتمل سعي بكين إلى تطوير جيش بحلول منتصف القرن يساوي – أو في بعض الحالات يتفوق على- الجيش الأمريكي، أو جيش أية قوة عظمى تعدها جمهورية الصين الشعبية تهديدًا. مثلما يكشف التقرير هذا العام، فإن الصين حشدت الموارد والتكنولوجيا والإرادة السياسية على مدى العقدين الماضيين لتقوية جيش التحرير الشعبي وتحديثه في كل النواحي تقريبًا.

ويتنبئ هذا التقرير أن يكون اقتصاد الصين أكبر بكثير من اقتصاد أمريكا بحلول منتصف القرن، ومع امتلاك الصين الآن ثاني أكبر ميزانية للبحث والتطوير في العالم للعلوم والتكنولوجيا ، فمن المؤكد إن هذا طموح العسكري معقول في هذه المرحلة، ومن الجدير أيضًا أن نأخذ في الاعتبار مقدار العوامل الديموغرافية ، وربما “فخ الدخل المتوسط” ، التي ستعمل ضد الصين ، مما يعرض توقعات نموها للخطر بشكل كبير.

ويعتقد الباحث في معهد بروكنجز ديفيد دولار إأن الولايات المتحدة قد تتفوق مرة أخرى على الصين في الناتج المحلي الإجمالي بحلول النصف الثاني من القرن، حتى لو كانت الصين في السابق أكبر اقتصاد في العالم في ثلاثينيات أو أربعينيات القرن العشرين.

وفي الواقع ، مثلما يوضح هذا التقرير ، فإن الصين تتقدم بالفعل على الولايات المتحدة في مجالات معينة مثل: بناء السفن، إذ تمتلك جمهورية الصين الشعبية أكبر قوة بحرية في العالم، مع قوة قتالية إجمالية تبلغ حوالي 350 سفينة وغواصة بما في ذلك أكثر من 130 من القطع البحرية القتالية. وبالمقارنة ، فإن القوة القتالية للبحرية الأمريكية تبلغ حوالي 293 سفينة ابتداءً من أوائل عام 2020.

إن الولايات المتحدة لديها سفن أكبر بكثير وأكثر تطورًا من الصين، كما أظهر البحث الذي أجراه كل من ( إيان ليفينغستون )و(آدم تواردوفسكي) في السنوات الأخيرة ، فضلًا عن الاعتقاد الراسخ إن البحرية الامركية لا تزال تتقدم كثيرًا على نظيرتها الصينية في الحمولة لا تزال بعامل اثنين إلى واحد على الأقل ، كما إنها متقدمة على الأقل بعشرة إلى واحد في القوة الجوية القائمة على البارجات ، وتتقدم واشطن أيضًا في نوعية الغواصات الهجومية بعيدة المدى وكميتها ، فحتى لو كان لدى الصين الآن قوة دقيقة من الغواصات الهجومية قصيرة المدى فمعظمها لا تعمل بالطاقة النووية، لكن يجب الاعتراف بأن العديد من السفن الصينية الجديدة مجهزة جيدًا بأنابيب الإطلاق والصواريخ الحديثة ، والخلاصة فبالرغم من التقدم الامريكي فلازال جيش بكين يتمتع بنقاط قوة كثيرة.

ومن ناحية الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز التقليدية الأرضية: تمتلك جمهورية الصين الشعبية أكثر من 1250 صاروخًا باليستيًا تطلق من الأرض (GLBMs) ​​وصواريخ كروز الأرضية (GLCMs) بمدى يتراوح بين 500 و 5500 كيلومتر. في ما تمتلك الولايات المتحدة حاليًا نوعًا واحدًا من GLBM التقليدية بمدى يتراوح من 70 إلى 300 كيلومتر ولا توجد بها صواريخ GLCM. و في هذا الجانب فإن وزارة الدفاع الصينية تحرز تفوقًا، فقد نما التهديد الذي تتعرض له الأصول الأمريكية في غرب المحيط الهادئ من هذه الأنواع من الأسلحة الصينية بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

وبسبب إن الولايات المتحدة طرفًا في معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) مع روسيا إلى وقت قريب من هذا العام ، فقد حظرت تلك المعاهدة أي نوع من الصواريخ الباليستية أو صواريخ كروز متوسطة المدى، سواء أ كانت موجهة ضد روسيا أم أية دولة أخرى ، بغض النظر عن نوع الذخيرة المحمولة، و هذه الحالة جعلت قدرات الصين الصاروخية تتقدم أكثر.

من هنا فيجب أن تفكر وزارة الدفاع الامريكية في بناء صواريخ متوسطة المدى ، إذا استطاعت معرفة مكان وكيفية وضعها (على الأرض أو في البحر أو باستعمال القوة الجوية بعيدة المدى)، وهناك العديد من الطرائق التي يمكن للولايات المتحدة من خلالها ضرب قاذفات الصواريخ الصينية ، بما في ذلك طائرات التخفي بعيدة المدى، وهي فئة من القدرات التي لا تزال الولايات المتحدة تهيمن عليها.

و أمّا أنظمة الدفاع الجوي المتكاملة: فتمتلك جمهورية الصين واحدة من أكبر القوات في العالم لأنظمة ارض-جو المتقدمة بعيدة المدى – بما في ذلك أنظمة S-400s و S-300s الروسية الصنع والأنظمة المنتجة محليًا – التي تعد جزءًا من أنظمة قوية و بنية نظام دفاع جوي متكامل .

ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو كمية المعدات العسكرية الجديدة لجيش التحرير الشعبي، والجهود التي بذلها قادة الحزب الشيوعي الصيني التي تشمل إعادة هيكلة جيش التحرير الشعبي بالكامل ليصبح قوة أكثر ملاءمة للعمليات المشتركة، وتحسين الاستعداد القتالي العام لجيش التحرير الشعبي ، وتشجيع الجيش على تبني مفاهيم تشغيلية جديدة، وتوسيع التواجد العسكري لجمهورية الصين الشعبية في الخارج.

وعلى الرغم من التقدم الذي أحرزه الجيش الصيني على مدار العشرين عامًا الماضية ، إلا إنه لا تزال هناك فجوات ونواقص كبيرة، غذ يدرك قادة الصين هذه المشكلات، وضمن استراتيجيتهم أن يمر جيش التحرير الشعبي بحوالي 30 عامًا أخرى من التحديث والإصلاح.

بطبيعة الحال ، لا ينوي الحزب الشيوعي الصيني أن يكون جيش التحرير الشعبي مجرد نموذج لحداثة الصين أو أن يبقيه مركزًا فقط على التهديدات الإقليمية، مثلما جاء في هذا التقرير ،  إذ يرغب الحزب الشيوعي الصيني في أن يصبح جيش التحرير الشعبي أداة عملية في فن الحكم لديه مع دور نشط في تعزيز السياسة الخارجية لجمهورية الصين الشعبية، و لا سيما في ما يتعلق بالمصالح العالمية المتزايدة لجمهورية الصين الشعبية، وأهدافها لمراجعة جوانب النظام الدولي.

و مع إن هذا صحيح، لكن الميزانية السنوية للصين التي تبلغ 200 مليار دولار تقريبًا ، وفقًا لوزارة الدفاع فإن أرقام ميزانية الدفاع الرسمية الخاصة بها لا تمثل سوى 1.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد، ولا يبدو إن الصين في عجلة من أمرها لبناء عضلاتها واستعراضها، فهي القوة العسكرية رقم 2 في العالم ، لكنها تنفق فقط حوالي ثلث ما تنفقه الولايات المتحدة على قواتها المسلحة بالقيمة المطلقة، ولو كانت الصين عضوًا في الناتو، فسوف نوبخها لعدم كفاية تقاسم الأعباء، نظرًا لأن نفقاتها العسكرية تقل كثيرًا عن الحد الأدنى لحلف الناتو البالغ 2٪.

ومع ذلك ، وبدون مبالغة ، ومع الحجم الهائل لقاعدتها الاقتصادية والتصنيعية ، فإن الصين لديها بالفعل القدرة على تكريس الكثير من الموارد لقواتها المسلحة، وهي تفعل ذلك بطريقة مستهدفة، وتركز بشكل متزايد على قدرات إظهار القوة في غرب المحيط الهادئ وما وراءه. ومع إنها تفتقر للخبرات القتالية للقوات المسلحة الأمريكية من بين أمور أخرى ، في حروب الشرق الأوسط مثلا، لكن ليس لديها تلك الأنواع من الأعباء أو المصارف التي تقضي على أولوياتها العسكرية الحقيقية.

و نظرًا لاستمرارية الأهداف الاستراتيجية لجمهورية الصين الشعبية ، فإن السنوات العشرين الماضية تقدم تصورًا للمسار المستقبلي للاستراتيجية الوطنية لجمهورية الصين الشعبية وتطلعاتها العسكرية، وبالتأكيد ستحدد العديد من العوامل كيفية تطور هذه الدورة، لكن ما هو مؤكد هو إن للحزب الشيوعي الصيني استراتيجية يعمل على تحقيقها ، و إذا ما تم تحقيقها فسيكون لها تداعيات خطيرة على المصالح الوطنية للولايات المتحدة وأمن النظام الدولي القائم.

التحليل: لاشك في ان المنافسة الصينية الامريكية قد وصلت الى حد الذروة دون الخوض في مسالة المواجهة المباشرة ، ومع وصول الرئيس ترامب للرئاسة شهدت تلك المنافسة والتزاحم تقدماً ملحوظاً لاسيما بعد ان قام ترامب بفرض ضرائب كبيرة على بضائع صينية حيوية ، اضافة الى منع دخول منتجات صينية معينة لاسيما في المجالات الالكترونية والاتصالات الامر الذي قابله الصينيون بالمثل الا ان ازمة كورونا قد ساهمت بإحداث ركود اقتصادي شمل معظم دول العالم وربما الصين التي انطلق منها الفايروس قد واجهت تهم امريكية مباشرة بتسببها بهذا الفيروس ولم تعمل على منع انتشاره او احتوائه كما وانها متهمة بإخفاء معلومات حول الفايروس وهذا من اكثر الامور التي رددها الرئيس ترامب في اكثر من مؤتمر صحافي معتبرا ان الفايروس صنيعة صينية ، وبالرغم من تمكن الصين من التكيف مع الفايروس واضحت اقل دول من حيث الاصابات كما وانها تمكنت بحسب تقارير من الاستحواذ على عدة رؤوس اموال اجنبية بعد ان غادرت البلاد عندما كان الفايروس يفتك بالشعب الصيني الامر الذي اورد عدة شكوك وشبهات .

اما من الناحية العسكرية كما اورد التقرير اعلاه فالصين تفكر بجدية كاملة بتطوير قدرات جيشها التي تعتبر متواضعة بالمقارنة مع القدرات القتالية والتطور العسكري للولايات المتحدة ربما الصين تتفوق فقط من حيث العدد اذ تمتلك قدرة بشرية كبيرة وهذا لا يشكل شيئاَ كبيراً قياساً بتطور الاسلحة والقنابل الذكية والقدرة النووية ، لدلك هي بدأت فعليا بوضع خطط كبيرة نحو تطوير الاسلحة المختلفة وتنمية قواتها الفضائية والقدرة الصاروخية والصناعات الحربية والجوية ، وهذا الامر تدركه جيدا الولايات المتحدة وتعمل على ايجاد بيئة دولية معادية للصين او حاضنة يكون ولائها للولايات المتحدة الامريكية .

 

 

https://www.brookings.edu/blog/order-from-chaos/2020/09/04/what-the-pentagons-new-report-on-china-means-for-u-s-strategy-including-on-taiwan/