نظرة قانونية في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا

      التعليقات على نظرة قانونية في مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا مغلقة

 

الباحثة الدكتورة روافد الطيار

باحثة في قسم الدراسات القانونية /مركز الدراسات الاستراتيجية

أيلول 2020

 

المحكمة الاتحادية العليا وكما عرفها الدستور العراقي بأنها هيئة قضائية مستقلة ماليا واداريا  تتكون من عدد من القضاة وخبراء في الفقه الاسلامي وفقهاء القانون.

وإن الاساس الدستوري لوجود المحكمة الاتحادية العليا هو نص المادة (89) من الدستور العراقي لعام 2005 ” تتكون السلطة القضائية الاتحادية من مجلس القضاء الاعلى، والمحكمة الاتحادية العليا،…”  .

وقد تناول الدستور العراقي آلية تشريع واختصاصات وتكوين المحكمة الاتحادية العليا وحجية قراراتها، في المواد (٩٢، ٩٣، ٩٤، ٥٢/ ثانياً) منه”، مشيراً إلى أن “المحكمة الاتحادية العليا هي إحدى المكونات الرئيسة للسلطة القضائية الاتحادية، وهذه المحكمة هي الهيئة القضائية الأعلى في العراق من ناحية الاختصاصات سواء كانت اختصاصات نوعية أم مكانية”.

تمارس المحكمة الاتحادية العليا دوراً كبيراً في مبدأ سيادة القانون، وتتولى الحفاظ على مبادئ وأحكام الدستور لاسيما المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة، وهذا عن طريق الرقابة على دستورية القوانين و الأنظمة النافذة ، كما تتولى المحكمة الاتحادية العليا مهمة تفسير نصوص الدستور، وكذلك الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم أو المحافظات غير المنتظمة في إقليم، ووكذلك لها اختصاص المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب، أما من ناحية الاختصاص المكاني فإنه يمتد إلى جميع الحدود العراقية بما فيها إقليم كردستان، وجميع المحافظات غير المنتظمة في إقليم،إضافة إلى اختصاصات أخرى وردت في القوانين النافذة، مثل ما تضمنه قانون أحكام الترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وقانون مجالس المحافظات غير المنتظمة في أقليم، وقانون الأحزاب السياسية”، وقد أصدرت في هذه المجالات العديد من القرارات ذات الثقل السياسي والقانوني خلال فترة عملها السابقة .

إلا إن عمل المحكمة الاتحادية العليا بدء يتعطل بسبب وجود نقص في عدد أعضاء المحكمة، بعد إحالة القاضي الأقدم فاروق السامي على التقاعد، فإنها أصبحت معطّلة ولا يمكن لها أن تنعقد بدون إكمال عددها، و كان الطريق الوحيد لتعيين أعضاء المحكمة، ما نصت عليه المادة (٣) من القانون رقم (٣٠) لسنة ٢٠٠٥ “تتكون المحكمة الاتحادية العليا من رئيس وثمانية اعضاء يجري تعيينهم من مجلس الرئاسة بناء على ترشيح من مجلس القضاء الاعلى ” والذي قضت المحكمة الاتحادية العليا بموجب قرارها (٣٨أتحادية ٢٠١٩) بعدم دستوريتها،حيث وجدت المحكمة الاتحادية العليا ان دستور جمهورية العراق  لسنة 2005 قد رفع صلاحية مجلس القضاء الاعلى بترشيح رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا بدء من تأريخ نفاذه وكما هو ثابت من حكم المادة (61/ خامساً/ أ) منه وهذه الصلاحية كان مجلس القضاء الاعلى يستمدها من احكام الفقرة (هـ) من المادة (الرابعة والاربعين) من قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية الملغى ويوم كان رئيس المحكمة الاتحادية العليا في ظلها رئيساً لمجلس القضاء الاعلى قبل صدور قانون مجلس القضاء الاعلى رقم (45) لسنة 2017، وحيث أن قانون ادارة الدولة للمرحلة الانتقالية قد الغي بصدور دستور جمهورية العراق ونفاذه بتأريخ 28/كانون الاول/2005 وحيث ان صلاحيات مجلس القضاء الاعلى قد حددها الدستور في المادة (91) منه حصراً وهي ادارة شؤون القضاء والاشراف على القضاء الاتحادي وترشيح رئيس واعضاء محكمة التمييز الاتحادية ورئيس الادعاء العام ورئيس هيئة الاشراف القضائي وعرضها على  مجلس النواب للموافقة على تعيينهم في تلك المناصب القضائية استناداً الى صلاحيته المنصوص عليها في المادة (61/خامساً/أ) من الدستور والتي جاءت استثناء من مبدأ الفصل بين السلطات الذي نصت عليه المادة (47) من الدستور والتي لا تجوّز توسيع هذه الصلاحية الى عناوين قضائية اخرى غير ما ذكر حصراً.

وأثيرت اشكالية عدم اكتمال اعضاء المحكمة الاتحادية العليا بعد تعيين القاضي الاحتياط محمد رجب الكبيسي عضوا أصليا ، حيث أبدى مجلس القضاء الأعلى في يوم 23/1/2020 اعتراضه على تعيين القاضي المتقاعد من محكمة التمييز الاتحادية عضوًا أصليًا في المحكمة الاتحادية العليا وقرر المجلس مفاتحة رئاسة الجمهورية لإلغاء هذا المرسوم وكذلك الإعمام على المحاكم كافة بعدم التعامل مع أي قرار يصدر عن المحكمة الاتحادية العليا يتضمن مشاركة وتوقيع القاضي المذكور.

وأصدرت المحكمة الاتحادية وفي السادس والعشرين من الشهر ذاته توضيحا بشأن تعيين القاضي الاحتياط عضوا أصليا قائلة ان إجراءات التعيين جاءت استنادا لأحكام المادة (6/ثالثًا) من قانون المحكمة الاتحادية العليا رقم (30) النافذ بتأريخ 17/3/2005 ” ثالثا- يستمر رئيس واعضاء المحكمة الاتحادية العليا بالخدمة دون تحديد حد اعلى للعمر الا اذا رغب بترك الخدمة”

إلا إنه لايمكن الاستناد الى هذه المادة كحل لأزمة اكمال عدد اعضاء المحكمة الاتحادية العليا فالطريق القانوني الوحيد لمعالجة النقص الذي أشرنا له، هو تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا أو تعديل القانون القائم وفق الآلية المرسومة في الدستور العراقي المنصوص عليها في المادة (٩٢) منه، علماً أن هذه المادة فرضت سنّ قانون المحكمة الاتحادية العليا بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب ضماناً لموافقة ممثلي مكونات الشعب العراقي ولكي لا تفرض الأغلبية رأيها، وهذا استثناءً لما يصدر عن مجلس النواب في مواضع أخرى من الدستور والذي يكون بالأغلبية البسيطة أو المطلقة لعدد الأعضاء، وهذه الخصوصية للقانون تأتي إحساساً من المشرع الدستوري بأهمية ودور المحكمة الاتحادية العليا”.

أنجز مجلس النواب القراءة الاولى لمشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا والمقدم من اللجنة ‏القانونية. ودارت خلال جلسة المجلس، مناقشات ومداخلات لبعض النواب تناولت أهمية مراعاة الملاحظات والاعتراضات على قانون المحكمة وركزت الاجتماعات في حينها على بحث الآراء المقدمة من قبل مجلس القضاء الأعلى والمحكمة الاتحادية وعدد من اعضاء مجلس النواب لتضمينها في قانون المحكمة وإمكانية مراجعة كل الفقرات والنقاط المتفق عليها.

ومن أهم ملاحظاتنا على المشروع :

  1. يمتاز المشروع بأنه مفصل وغير موجز يتضمن 24 مادة تناولت كل مايتعلق بالمحكمة بخلاف القانون النافذ فهو مقتضب وغير وافي.
  2. عرف المشروع في المادة الاولى المحكمة بأنها اعلى هيئة قضائية ورئيس المحكمة يعد رئيس السلطة القضائية الاتحادية ، وبالتالي حدد موقع المحكمة على رأس السلطة القضائية ورئيسها يعد رئيس السلطة القضائية .
  3. استحدث المشروع منصب نائب لرئيس المحكمة وهو من صنف القضاة ،وحسنا فعل حيث يقوم النائب مقام رئيس المحكمة في حالة تغيبه أو قام يتكليفه بذلك.
  4. ولكن يؤخذ على المشروع الحالي ضم خبراء الفقه الإسلامي إلى منصة المحكمة وعددهم أربعة بين 13 عضوا ( سبعة قضاة ، وأربعة قضاة، واثنان من خبراء القانون). حيث هناك فرق بين منصة المحكمة ( وهؤلاء فقط من القضاة) وبين تكوين المحكمة ((الذي يشمل اولا منصة المحكمة وثانيا المستشارون، والموظفون )) وعليه فقد حددت المادة ( 92) اولا : منصة المحكمة حين اشارت الى انها هيئة من القضاة، اما ما تطرقت اليه المادة (92) ثانيا فهي اشارت الى تفصيلات تكوين المحكمة، وذلك حين ابتدأت بعبارة (تتكون المحكمة) وعليه فان وجود خبراء الفقه الاسلامي وفقهاء القانون هو ضمن فريق المستشارين وليس ضمن منصة الحكم، يقدمون الرأي والمشورة في مجال اختصاصهم من دون ان يمتلكوا حق التصويت لانهم خارج منصة المحكمة.
  5. إضافة إلى النص على وجود خبراء من الفقه الاسلامي (شيعة وسنة) ضمن منصة المحكمة من دون الاديان الاخرى يقع ضمن باب التميز على اساس ديني ومذهبي بما يخالف نص المادة (14) من الدستور، لأن المحكمة الاتحادية هي لكل العراقيين على مختلف مشاربهم وتنوعاتهم وليست فقط حكرا على ( الشيعة والسنة) ، وقد أثار هذا الامر استياء باقي الاديان في العراق كالمسيح وغيرهم.
  6. أيضا تضمن المشروع تشكيل لجنة عليا مكونة من رئيس الحكومة ونائبيه ورئيس البرلمان ونائبيه ورئيس الجمهورية ونائبيه لتسمية أو اختيار وترشيح أعضاء المحكمة وهذا يعني أعطاء سلطة واسعة للسلطة التنفيذية والتشريعية على حساب السلطة القضائية، وجعل الاخيرة تابعة للاجندات السياسية ويخضع سلطة القضاء والقضاة للمساومات السياسية ،ويفضل أن تجتمع السلطة القضائية بجميع اجهزتها الرئيسة وتختار عن طريق الانتخاب أو التزكية او اي طريقة يتم الاتفاق عليها داخل السلطة القضائية اعضاء المحكمة العليا الاتحادية، مع ثلاثة اعضاء احتياط، ثم ترفع الى رئيس الجمهورية مباشرة من دون المرور بمجلس النواب لغرض اصدار مرسوم جمهوري ، هذه الطريقة سوف تضمن استقلال القضاء والقضاة وتحفظ مبدأ الفصل ما بين السلطات وتبعد اعضاء المحكمة من الابتزاز أو الضغط السياسي.
  7. ومن ايجابات المشروع هو تعديل صيغة اليمين الدستوري بإضافة عبارة ” وأصون الدستور واحمي الحريات العامة والخاصة ” وهي التفاتة لها بعدٌ محمود ، وأن تتم امام رئيس الجمهورية بدلا من مجلس الرئاسة .
  8. ايضا يتضمن المشروع إضافة عدد من الاختصاصات الى المحكمة الاتحادية مما يترتب عليه انهاء اشكالية تحديد اختصاصات المحكمة التي كانت تثار بين فترة واخرى فأصبحت تختص بالاضافة للاختصاصات السابقة : الفصل في الاتهامات الموجهة لرئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء والوزراء مما يترتب عليه تحريك مسؤولية رئيس الدولة بعد ماكانت معطلة بسبب عدم النص على هذا الاختصاص في قانون المكحمة الاتحادية العليا لعام 2005.
  9. وكذلك اوضح المشروع الاثر القانوني المترتب على حكم المحكمة الاتحادية ،ففي حالة الحكم بعدم دستورية نص تشريعي فيعتبرلاغيا من تاريخ نشر الحكم وليس تاريخ صدور القانون مالم ينص الحكم على خلاف ذلك ، اما في حالة عدم دستورية نص جزائي فيترتب عليه الغاء كافة قرارات الادانة والعقوبة التي صدرت بالاستناد إاليه ،وفي حالة الغاء نص مدني لا يترتب على الحكم المساس بالحقوق المكتسبة ، ونحن نؤيد هذا التفصيل في بيان الاثر القانوني لقرارات المحكمة الاتحادية العليا .

ختاما ندعوا مجلس النواب إلى الاسراع في تشريع قانون المحكمة الاتحادية العليا ، لأهمية هذه الهيئة ودورها في حفظ البنية الدستورية للدولة ولما يشوب القانون النافذ من القصور وعدم وضوح النصوص مع الاخذ بعين الاعتبار الملاحظات التي ادليناه وكذلك ما ادلى به المختصين بالقانون الدستوري والجنائي كونهم ذوي الاختصاص الاصيل في هذا المجال.

والله ولي التوفيق