ايران والانتخابات الامريكية 2020… الواقع والطموح

      التعليقات على ايران والانتخابات الامريكية 2020… الواقع والطموح مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي
باحث في قسم ادارة الازمات
مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء
تشرين الثاني 2020
اتسمت العلاقات الامريكية في العصر الحديث بالتأرجح بين علاقات استراتيجية وتحالف في عهد النظام الملكي حتى عام 1979، وبين التوتر والعداء بعد قيام الجمهورية الاسلامية في ايران، فقد كانت ايران دولة امريكا في المنطقة وتسمى بشرطي الخليج، وقد فتحت لها واشنطن كل المخازن الاسلحة المتطورة، ووصل الامر الى التعاون في المجال النووي عام 1960، والانفتاح الامريكي على ايران كان له اسباب عديدة منها تعاون حكومة ايران الملكية الكامل مع واشنطن في امن المنطقة والسير وفق سياساتها، كذلك تعد واشنطن ان ايران دولة غنية وقوية وذات تاريخ طويل وهي لا تحتاج الى قوة عسكرية لحمايتها، وانما تقديم معدات عسكرية لها، وهي حامية للمصالح الامريكية، على عكس دول الخليج العربي والتي رغم انها دول غنية وذات موارد كبيرة الا انها تعاني من ضعف عسكري كبير جدا وهي بحاجة الى القوات الامريكية ومرابطتها لحمايتها وحماية المصالح الامريكية، لهذا فان نظرة الادارات الامريكية المتعاقبة منذ عام 1979 الى اليوم لايران هي نظرة تحاول بكل الوسائل اعادة ايران ضمن محورها الشرق اوسطي، من اجل اعادة دورها السابق في المنطقة لنكون ضامن للمصالح الامريكية.
ومع كل انتخابات رئاسية امريكية تخرج هناك رؤى ونظرة مختلفة لكل مرشح للقضايا المختلفة الداخلية منها والخارجية، وما يهمنا هنا هو النظرة لمنطقة الخليج العربي وايران، ومع انطلاق الانتخابات الرئاسية لعام 2020، بدا المرشح الديمقراطي (جو بايدن) يطرح وجهت نظر اداراته لهذه المنطقة، وان هذه الانتخابات لن تكون كما قبلها، اذ انه في حالة فوز المرشح الديمقراطي (جو بايدن) بالرئاسة الامريكية لا سيما وهو يقترب من الفوز فعليا ، فان هناك تغيرات قد تطال السياسة الامريكية في المنطقة على المدى البعيد، لإدراك (بايدن) والعديد من السياسيين الامريكيين وحتى من الحزب الجمهوري ان سياسات ادارة (ترامب) قد اضرت كثيرا بمصالحهم في المنطقة التي تعد حيوية للولايات المتحدة والعالم، وقد ادخلت المنطقة بالعديد من الازمات السياسية والعسكرية وخاصة مع دولة اقليمية مهمة مثل ايران، وادت الى ظهور عداء شعبي واضح لسياسات واشنطن، خاصة قرارات الرئيس الامريكي (ترامب) ضد المسلمين ومنع دخولهم الولايات المتحدة وحرب اليمن والاغتيال العلني لمسؤولين رسميين من العراق وايران، وعرضت ارواح الجنود الامريكيين بعدها للخطر سواء في العراق او في منطقة الخليج، التي جعلتها منفردة، ولا سيما في الجانب الاقتصادي بفرض شروط حتى على اقرب حلفاء امريكا مثل كندا والاتحاد الاوربي، وهو السبب الذي دعا (بايدن) في 6 تشرين الثاني 2020 الى القول انه في اول يوم تسلمه الرئاسة سوف يرفع العقوبات التي فرضت لمنع بعض المسلمين من دخول امريكا، وعلى الرغم من ان هذه التصريحات قد تكون طبيعية ومن باب التنافس الانتخابي الا انها مؤشرات على وجود رغبة في تصحيح مسار السياسات السابقة، كذلك تأكيده على ان الولايات المتحدة ستعود الى ان تكون دولة موثوقا بها لدول المنطقة كافة.
ان موقف ايران المعلن من الانتخابات الامريكية يختلف عن موقفها غير المعلن، فلو تتبعنا اغلب تصريحات المسؤولين الايرانيين الرسمية انهم غير مهتمين بهذه الانتخابات، وان نتيجة الانتخابات ومن يأتي للبيت الابيض مسالة امريكية، هذا ما قاله الرئيس الايراني (حسن روحاني) الاربعاء 4 تشرين الثاني، ولكن اردف قائلا على الرئيس القادم احترام القوانين والتعهدات الدولية، وهو اعلان غير مباشر عن تأييد المرشح (بايدن) الذي ابدى في حملاته الانتخابية الى اتباع سياسة مرنة مع ايران، خاصة وانه يرى ان انسحاب واشنطن احادي الجانب من الاتفاق النووي واعادة فرض اقصى العقوبات على ايران والتي فشلت في تحقيق اهدافها، بل زادت من الشرخ بين واشنطن وحلفاءها الاوربيين الذي رفضوا خطوات واشنطن في اعادة فرض العقوبات العسكرية على ايران والتي انتهت في 18 تشرين الاول 2020، عندما رفضت الدول الاوربية التصويت على القرار الامريكي في مجلس الامن، لهذا فان (بايدن) سوف يسعى لإعطاء تطمينات موثوقة للعودة لطريق المفاوضات من خلال كسب ود الاوربيين الى جانبه، كذلك اعادة الثقة مع الايرانيين من اجل الجلوس الى طاولة المفاوضات.
كما ان (بايدن) ابدى سياسة التهدئة مع ايران ولمح الى ان ادارته سوف تعود للاتفاق النووي، بشرط عودة ايران الى الالتزام به وايقاف توسيع انشطتها النووي التي جاءت ردا على العقوبات الامريكية، ان عودة واشنطن الى الاتفاق النووي سيكون ضمن صفقات متبادلة مع ايران، اذ هناك تلميحات من بعض الديمقراطيين الى اضافة برنامج ايران الصاروخي للاتفاق النووي مقابل مناقشة دورها الاقليمي، كذلك رفع العقوبات عنها، كما ان ايران من جانبها لم ترفض كليا التفاوض مع واشنطن ولكن كانت شروطها رفع العقوبات الاقتصادية الامريكية عنها، وان تكون المفاوضات بدون شروط مسبقة، اذ ان العقوبات الامريكية قد اضرت كثيرا بالاقتصاد الايراني وخاصة من الجانب المعيشي للمواطن الايراني، وتراجع قطاع الطاقة وهبوط قيمة العملة الايرانية، هذا سوف يدفع ايران ان هي رات جدية من جانب الادارة الامريكية وضمان اوربي لها الى العودة لمفاوضات كما حصل في مفاوضات عام 2013 والتي انتجت الاتفاق النوي عام 2015.
كما ان موقف (بايدن) في حملته الانتخابية من دول الخليج الاخرى يختلف عن سلفه (ترامب)، فقد المح الى انه سوف يخضع لمطالب الكونغرس بإيقاف الدعم العسكري للسعودية فيما يخص حرب اليمن، وانه سوف يعيد النظر في استراتيجية التواجد العسكري الامريكي في المنطقة، وانهاء الحروب في المنطقة المهمة للعالم. هذه القرارات هي ضمن المطالب الايرانية المتكررة، والتي تعد ضمان للتوافق بين الطرفين، لان ايران كانت ولا زالت تعد التواجد الامريكي الكبير على حدودها، والحروب التي تقوم بها الولايات المتحدة اكبر تهديد لأمنها القومي، وهي لا تسعى الى اخراج الوجود الامريكي كليا من المنطقة وانما القبول بتواجد محدود لا يشكل خطرا عليها.
يضاف الى ذلك، هناك الكثير من التحليلات ترى ان منطقة الشرق الاوسط اصبحت لا تحضى بالاهتمام الكبير من جانب امريكا، وذلك لانخفاض اهمية نفط الخليج العربي بعد اكتشاف مكامن نفط كبيرة في دول امريكا اللاتينية والتي يمكنها تعويض اي نقص في الامدادات النفطية، كذلك سعي ادارة الديمقراطيين الى تقليل انخراط الولايات المتحدة في ازمات المنطقة، بل حتى ادارة (ترامب) قد اهملت بعض الازمات ولم تتدخل فيها، كما في ازمة (ناكورنو غرباغ)، والتركيز على الازمات الكبيرة في المحيط الهادئ والحرب التجارية مع الصين، لان حماية الاهداف الاستراتيجية الامريكية يتم حسب اهميتها وخطورتها على الامن القومي الامريكي المباشر. وهذه السياسة تعد مريحة لإيران لأنها سوف تشتت الضغوط الامريكية عليها الى مناطق تعدها واشنطن ذات اهتمام استراتيجي لها.
كما ان (بايدن) ابدى اهتمامه بإنهاء الارهاب في المنطقة والاسباب الداعمة له، ولا سيما اهمية الاسباب الداخلية في بعض دول المنطقة التي تغذي الارهاب، لان اصلاح النظم السياسية في المنطقة ولا سيما النظم الدكتاتورية المتسلطة، هو احد وسائل مكافحة الارهاب المهمة في المنطقة، هذا ما يدفع ايران الى انه بإمكانها التعاون مع الادارة الامريكية الجديدة، والتي اصبحت تدرك ان بعض الانظمة الخليجية هي سبب الازمات والتطرف في المنطقة وان اصلاح هذه الانظمة يعد شرطا مهما للتعاون واستقرار المنطقة. هذا ما يجعل ايران دفعا قويا في العالم والمنطقة ويغير النظرة اليها، باعتبارها نظاما بعيدا عن التطرف ومستعدا للتعاون في مكافحة الارهاب.
ان الانتخابات الامريكية الحالية هي انتخابات حاسمة ليس على المستوى الدولي، بل على المستوى الداخلي الامريكي، والذي سيكون له انعكاسات دولية، فقد وجد العديد من الامريكيين ان سياسات الرئيس الامريكي (ترامب) الداخلية ولا سيما ما يخص السود واتباع طرق عنصرية ضدهم، اضافة الى دعواته للمواجهات العلنية ضد نتائج الانتخابات، وسياسات اقتصادية قد اضرت بالولايات المتحدة وسمعتها دوليا، انه لا يمكن اصلاح هذه الاخطاء داخليا فقط، اذ لابد من اتخاذ خطوات خارجية على المستوى الدولي والاقليمي ومراجعة سياسات واشنطن خاصة في منطقة الخليج العربي والشرق الاوسط، والتخفيف من سخط شعوب المنطقة على الولايات المتحدة، خاصة وان سياسة التطبيع العربي مع اسرائيل قد زادت من التطرف ضد الغرب وجعلت المنطقة معرضة للفوضى بصورة اشد من سابقاتها، وانه لا بد من خطوات عملية لنزع فتيل الازمة بسياسات جديدة، اغلب هذه السياسات ستكون متوافقة مع نظرة ايران وطموحها في المنطقة. ولكن تبقى مسالة واحدة في كل الادارات الامريكية وهي ان الاهداف الاستراتيجية والكبرى للولايات المتحدة تبقى كما هي، وان التغيير هو في السياسات التي يمكن من خلالها تعظيم المنافع وتقليل الخسائر الى ادنى مستوى.