اتفاق سنجار … صراع الارادات داخليا واقليميا ودوليا

      التعليقات على اتفاق سنجار … صراع الارادات داخليا واقليميا ودوليا مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد الخزرجي

باحث في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

تشرين الاول 2020

لقد ظهرت قضية سنجار للوجود بعد عام 2014، بعد تعرض القضاء الى هجوم عناصر داعش الارهابية في حزيران 2014، بارتكاب الارهابيين المجازر ضد سكان المدينة من الايزيديين، من سرقة ممتلكاتهم، واختطاف النساء وبيعهن ومقتل الاف الاشخاص منهم، وعدتها الامم المتحدة ابادة ضد المكون الايزيدي، وقد تم تحرير القضاء بعد انطلاق العمليات ضد الارهابيين في الموصل وعودة سكانها، وسنجار هي احدى اقضية محافظة نينوى في شمال العراق وتقع في غرب المحافظة باتجاه الحدود السورية، على جبل سنجار وتبعد عن مدينة الموصل 80كم، يسكنها أغلبية من الايزيديين وأقلية من التركمان والعرب، يبلغ عدد سكانها أكثر من 84 الف نسمة، وبعد تحريرها اعلنت ادارة اقليم كردستان ضمها الى الاقليم بشكل منفرد، والسماح لحزب العمال الكردستاني التركي بالتواجد فيها خاصة وانه شارك في العمليات ضد تنظيم داعش الارهابي، وقد كان لهذا الضم وتواجد حزب العمال الكردستاني التركي دور في بقاء القضاء على ما هو عليه وعدم تقديم اي خدمات او اعمار وذلك لتصارع الارادات حوله، وعدم وجود صوت وقوة لأهالي القضاء لإدارة مدينتهم.

وبعد ان تم اخراج قوات البيشمركة من سنجار عام 2017، تسلم الحشد الشعبي وابناء القضاء مهام الامن فيه.

وبعد تسلم الحكومة العراقية المؤقتة برئاسة رئيس الوزراء (مصطفى الكاظمي)، عقدت الحكومة الاتحادية اتفاقا مع حكومة اقليم كردستان العراق في بداية تشرين الأول 2020 ، والاتفاق على حلول لعودة اهالي الاقليم وتقديم الخدمات والامن، وقد تم الاتفاق بين الطرفين على ادارة مشتركة للقضاء وابعاد الاطراف الاخرى سواء كانت من داخل العراق او من خارجه، اذ تتولى الشرطة الاتحادية امن الاقليم بالتعاون مع قوات البيشمركة، اضافة الى تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة الاتحادية والاقليم من اجل اعادة اعمار المدينة لعودة النازحين.

كان هذا الاتفاق اثر موجه من الاحتجاجات والرفض الداخلي وبتشجيع اطراف اخرى له، فقد رفضت معظم الاحزاب العراقية بالاضافة الى اهالي القضاء عودة قوات البيشمركة للقضاء والتي كانت حسب راي ابناء القضاء ااسبب في دخول الارهاب وتدمير مدينتهم بعد ان انسحبت هذه القوات وتركتهم وحدهم، من جهة اخرى كانت احزاب الكردية تؤيد هذا الاتفاق وتعده فرصة لهم، كذلك ظهرت اصوات اقليمية ودولية بين مؤيد لهذا الاتفاق ورافض له حسب قرب او بعد الاتفاق من مصالحهم.

وما زال قضاء سنجار ساحة خصبة تتنافس فيه القوى السياسية المحلية والاقليمية والدولية بعيدا عن مصلحة سكان القضاء، وباتت أرضه صراعا بينها، وسبب معاناة المنطقة وسكانها هو لأنها منطقة استراتيجية مهمة، وهي تقف على مثلث وشريط حدوديين يعتبران الأخطر في العالم. وهنا اختلفت الارادات المتنافسة بعضها البعض في وجهة نظرها لهذا الاتفاق ونتائجه ومستقبله على العراق وعلى المنطقة ككل، من عدة زوايا:

  • راي اغلب فصائل الحشد الشعبي واحزاب اخرى رافضة لها الاتفاق ان عودة هذه المناطق جاء بعد مواجهات عنيفة مع الارهابيين قدمت فيه فصائل الحشد الشعبي عدد كبير من الشهداء والجرحى، في الوقت الذي انسحبت فيه قوات الاقليم ولم تواجه الارهابيين، يضاف الى ذلك ان عملية عام 2017 واخراج قوات البيشمركة من هذه المناطق جاء ردا على سياسة الاقليم الانفصالية وهو ما يعارضه اغلب الشعب العراقي.
  • يعد موقع الاقليم حيويا لأغلب الاطراف في العراق، فهو يتوسط الطرق الرابط بين العراق وتركيا وسوريا، هنا فان هذا يعد مهما للقوات الاتحادية بكل صنوفها لكي تقف بوجه اي تسلل للإرهابيين القادمين من سوريا، كذلك يعد طريقا حيويا لأغلب فصائل المقاومة الاسلامية بين سوريا والعراق، كذلك الخشية من ان تكون هذه الاتفاقات سياسة عامة تتبع لإبعاد الحشد الشعبي عن مناطق اخرى والتي تضم اقليات مثل الشبك والمسيح والتي تعرضت للاضطهاد من جانب الارهابيين، في حين ترى حكومة اقليم كردستان العراق ان وصولها الى سنجار مرة اخرى هو طريق لعودة قواتها الى المناطق التي تسمى (متنازع عليها)، في كركوك اصلاح الدين، كذلك الوصول الى سنجار يعني ضمنا الاستحواذ على اغلب المناطق شمال سنجار، اضافة الى محاولات الاقليم ربط سكان القضاء بالأكراد قوميا في محاولة لضمهم للإقليم لاحقا.
  • في الجانب الاقليمي، فان التنافس على المنطقة توسع ليشمل دول عديدة ومشارع متضاربة بين الحلفاء والاعداء على السواء، ايران من جانبها وبعد تدخلها في احداث سوريا وفرض عقوبات دولية عليها، والتضييق على تحرك سفنها في البحر المتوسط وخاصة المتجهة الى سورية، فقد اصبحت نينوى واقضيتها المحاذية لسورية طريق ايران البري ومتنفسها المهم لنقل المعدات لقواتها هناك، كذلك نقل المساعدات الى سورية، وهناك خطط مستقبلية لمد انابيب نقل الغاز والنفط الايراني عبر العراق الى الموانئ السورية على البحر المتوسط، وهي ترى ان تواجد البيشمركة قد يفتح الطريق لاحقا الى تواجد التحالف الدولي الذي يعد خطرا على هذا الممر الحيوي لإيران.

تركيا من جانبها رغم موافقتها وترحيبها باتفاق سنجار الذي من اهدافه اخراج قوات حزب العمال الكردستاني التركي من المنطقة، الا انها تشترط ايضا اخراج قوات حزب العمال الكردي التركي من القضاء لإبعاد خطرهم عنها، الا انها في نفس الوقت تتخذ من وجود الحزب في القضاء حجة لاستمرار تواجدها في الموصل اضافة الى قواعدها في اقليم كردستان العراق، كذلك تحاول تركيا ان يكون لها دور في هذه المنطقة التي تعدها ممرا مهما للطاقة من دول الخليج العربية عبر تركيا الى اوروبا، وهي تحاول التمسك بوجودها في الموصل وان يكون موقع قدم لها لزيادة نفوذها السياسي في المنطقة.

من جهتها دول الخليج العربية والتي تسير وفق اجندات امريكية مرسومة سلفا، تحاول هي الاخرى ان تكون طرفا في هذا الاتفاق، اذ ترى هذه الدول وخاصة السعودية والامارات ان غرب العراق يعد موقع استراتيجي للقيام بتحركات ضد ايران وذلك بقطع الطريق الواصل عبر العراق الى سورية، ومن ثم  قطع الدعم الايراني عنها، وهو يعطي حلفائهم في المنطقة دعما اضافيا، خاصة وان هذا المخطط هو امريكي في المنطقة، وقطع اي خطط مستقبلية ايرانية لنقل الطاقة عبر العراق، كذلك التحرك ضد العراق ايضا من خلال ايجاد موطئ قدم لهم في المنطقة الغربية التي تعد بوابة العراق نحو الاردن ومصر والبحر المتوسط، وهي منطقة غنية بواردها المعدنية والزراعية، اضافة الى مرور نهر الفرات فيها، وتواجدهم يكون عامل ضغط على حكومة بغداد لقطع روابطها مع دول الجوار الاخرى، اضافة الى تحريض السكان ضد تواجد قوات الحشد الشعبي وهو ما يحصل الان بالفعل، كذلك هناك فائدة تجارية كبرى وهي الاعتماد على المنطقة الغربية لمرور طريق الحرير منها الى تركيا، فبعد فشل الربط السككي بين الكويت والعراق اتجهت الانظار الى تغيير خط السكك من جنوب ووسط العراق الى تركيا وتحويلها عن طريق الكويت وشمال السعودية وتدخل المنطقة الغربية العراقية ثم الموصل عبر سنجار الى تركيا، هنا يكون تواجد البيشمركة عامل حماية لهذا الخط باعتبار وجود مصالح مشتركة بين دول الخليج واكراد العراق في مواجهة حكومة بغداد.

  • دوليا: ان ما يحدث في المنطقة شرق الاوسط من احداث لابد ان يكون له امتدادات واسباب دولية ايضا، لا سيما وان عقد الاتفاق جاء رعاية امريكية فرنسية، هاتان الدولتان التان تعدان المنطقة قلب العالم النابض وحركه، باعتبارها تظم موارد مهمة من النفط والغاز والموقع الاستراتيجي، فرغم عقد اتفاقات التطبيع بين دول الخليج العربية واسرائيل، والخطط المستقبلية التي وضعت لإقامة مشاريع تجارية بينهم ومنها مد انابيب الطاقة من دول الخليج الى البحر المتوسط عبر اسرائيل الى العالم، فان هذا الطريق محفوف بالمخاطر على المدى البعيد، لان بعض حكومات المنطقة رافضة لهذا التطبيع، اضافة الى رفض الشارع العربي له، وبهذا فان تعرض هذه الانابيب للتخريب امر وارد جدا، لان حماية طرق الطاقة لا تتوفر بشكل كامل بدون وجود مناطق تحميها، كذلك التهديدات المستمرة في مضيق هرمز، لهذا فان الولايات المتحدة ودول اوروبا الغربية ترى ان افضل طريق للطاقة من دول الخليج العربية هو الذي يمر في غرب العراق الى تركيا واوروبا، اولا لسهولة مد انابيب النفط والغاز وعدم وجود عوائق طبيعية، كذلك وجود تفاهمات تؤمن نقل الطاقة، اضافة الى ذلك فان مطالب الولايات المتحدة المستمرة هي ابعاد فصائل الحشد الشعبي عن مناطق غرب العراق، بل وصل الامر الى توجيه ضربات جوية لبعض الوية ومقرات الحشد وسقوط عشرات الشهداء والجرحى، والسبب هو قطع طريق الامداد بين ايران وسوريا عبر العراق، لأنه السبيل الوحيد لإبعاد ايران وحلفاءها عن سورية وخاصة مناطق شرقها الغنية بالنفط والغاز.

ان تنافس الارادات الداخلية والاقليمية والخارجية حول اوضاع العراق هو العائق الاساس امام اي تطور وتقدم فيه، اذ ان لكل طرف رؤيا ومطالب ووسائل يسعى من خلالها تحقيق اهدافه المختلفة، ان الصراع على غرب العراق سيتواصل بوتائر اشد خاصة بعد اكتشاف كميات كبيرة من الغاز فيها، اضافة الى الصراع حول سورية بين ارادات اقليمية ودولية جعلت من العراق ساحة لها وموقع لحركتها، ان اي اتفاق لا يمكن ان ينجح بدون ارادة وطنية خالصة بعيدا عن المصالح الضيقة وبعيدا عن الاطراف الاقليمية والدولية.