شرعية المطالب التركية في شرق البحر المتوسط استنادًا لأَحكام للقانون الدولي

      التعليقات على  شرعية المطالب التركية في شرق البحر المتوسط استنادًا لأَحكام للقانون الدولي مغلقة

الباحثة م.م. زينب عطيوي             

 

انشأت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بموجب القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3067 , وتم اعتمادها بتاريخ  16/ نوفمبر/1972-1982, والتي تضمنت قواعد عامة بشأن تحديد حقوق الدول ومسؤولياتها وواجباتها في المجال البحري , كما وضعت مبادئ توجيهية تنظم الأعمال التجارية والبيئة , وإِدارة الموارد الطبيعية البحرية , دخلت هذه الاتفاقية حيز التنفيذ عام 1994, الا انها لم تكن مقبولة من قبل عدد من الدول فقد إِعترضت عليها عدد من الدول كونها لم تراع حقوق عدد من الدول التي لديها حالات خاصة , كما تحفظ عدد من الدول على بعض بنودها على الرغم من موافقتها عليها , وفيما يتعلق بشرق البحر المتوسط ، هناك عدّة دول لم توقع على الاتفاقية ولم تنضم إليها من بينها تركيا.

فطبقًا لهذه الاتفاقية فإن الجزر، وبغض النظر عن حجمها أو موقعها الجغرافي ، تتمتع بمناطق إِقتصادية خالصة على غرار السواحل,  ما يعني أن الجزر الواقعة قبالة السواحل التركية مباشرة ، ولكنها تحت السيادة اليونانية, وعلى اساس ذلك سوف تُفقد تركيا كل المناطق الاقتصادية الخالصة قبالة سواحلها , وبسبب ذلك رفضت تركيا التوقيع والانضمام لقانون البحار ؛ لأنه يظلمها ويضيع حقوقها في المياه والمناطق الاقتصادية الخالصة أمام سواحلها لصالح اليونان.

هنالك العديد من التساؤلات التي تثار بهذا الخصوص , أَهمها في حالة ما اذا كانت الدولة غير منظمة لاتفاقية الامم المتحدة لعام 1982 , فأي سبيل تسلكه الدولة للمطالبة بحقوقها ؟

والجواب على ذلك يكون بالرجوع لأحكام المادة 279 من اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار لعام 1982, والتي نصت على إِنه  بالإمكان اللجوء إلى الطرق الودية لتسوية النزاع المذكور, وكذلك  ما ورد ي الفقرة الاولى من المادة 33 من ميثاق الامم المتحدة والتي نصت على إنه : ” يجب على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم و الامن الدولي للخطر ، أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة و التحقيق و الوساطة و التوفيق و التحكيم و التسوية القضائية ” وفي حقيقية الأمر، فضلاً عن المصادر الاُخرى للقانون الدولي التي يمكن اللجوء اليها لحل المنازعات المتعلقة بالحدود البحرية : كالتشريعات الدولية , والمعاهدات الدولية ، وقواعد العرف ، والمبادئ العامة للقانون .

كما اعتمدت الإِتفاقية الدولية لقانون البحار كأساس لحل المنازعات في بعض الحالات  بشأن اسناد الحقوق والولاية الاقليمية للدول في المنطقة الاقتصادية الخالصة على عدة مبادئ : كمبدأي العدالة والإِنصاف ومراعاة الظروف الخاصة  بكل دولة , وهو ما نصت عليه المادة 59  من هذه الاتفاقية بقولها :” في الحالات التي لا تستند فيها هذه الاتفاقية الى الدولة الساحلية او الى دول اخرى حقوقا او ولاية داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة , وينشأ فيها نزاع بين مصالح الدولة الساحلية واية دولة  او دول اخرى  , ينبغي ان يحل النزاع على اساس الإِنصاف وفي ضوء كافة الظروف ذات الصلة , مع مراعاة أَهمية المصالح موضوع النزاع بالنسبة الى كل من الأَطراف والى المجتمع الدولي ككل ”

أما إذا لم يتم التوصل إلى حل النزاع بالطرق الودية المذكورة ، عندئذ يكون اللجوء الى احكام المادة 233 من اتفاقية قانون البحار 1982 , والمتضمنة طلب اتخاذ إجراءات إلزامية  من خلال اصدار قرارات ملزمة في القضية موضوع النزاع , بناء على طلب أي طرف من اطراف النزاع  ورفعها الى المحكمة المختصة ، كالمحكمة الدولية لقانون البحار في نورنبوغ في المانيا, ويكون ذلك بعد استنفاذ جميع الطرق الودية لتسوية النزاع , كاتباع الطرق الدبلوماسية لحل النزاعات أو الوساطة أو التسوية والتوفيق. فضلاً عن ذلك ، فإن قانون البحار لا يبيح لأي دولة ان تعمل  على تحديد حدودها البحرية مع الدول الاخرى , وتتعدى من خلاله على حدود الدول الاخرى , بغض النظر عن الطرق أو القواعد القانونية التي استندت إليها لترسيم تلك الحدود  .

وعلى اساس ذلك نستطيع ان نقول بأن المطالبات التركية في مياه شرق البحر المتوسط مشروعة من الناحية القانونية , على عكس ما يشاع عنها بأنها غير مشروعة  استنادًا لأحكام القانون الدولي , حتى وان لم تكن من الاطراف الموقعة على اتفاقية الامم المتحدة لقانون البحار 1982, وذلك لان هذه الاتفاقية لم تشترط على الدولة المتنازعة أَن تكون عضوة في هذه الاتفاقية حتى يمكن الاحتكام اليها , وكذلك لا يجوز لأي دولة تدخل في نزاع مع دوله اخرى أَن  تحتج بانضمامها للاتفاقية , وليس هنالك من الناحية القانونية ما يجبر الدولة على النظام لهذه الاتفاقية.

في ذات الوقت تعمل تركيا على حماية حدودها البحرية ضد مطالب اليونان التي تصفها  بأنها توسعية ومتضخمة, بعد ان قوبلت دعوات الحكومة التركية الى التفاهم واتباع الطرق الدبلوماسية والخاصة بتحركات اليونان المتهورة في المنطقة. كما بذلت مساعي عديدة من قبل  بعض الدول كألمانيا واسبانيا لمحاولة اقناع الطرافين الى الجلوس لطاولة  المناقشات والتفاهم لحل الأًمر وديًا والتخفيف من شدة التوتر في منطقة البحر المتوسط , ولكن تلك المساعي ذهبت سُدى ولم تفلح المحاولات في إقناع  الجانب اليوناني كونه يجد دعماً دائماً وغير مشروط من الاتحاد الأوروبي ، كما قامت أثينا بتوقيع اتفاقية مع مصر انتهكت من خلالها حدود الجرف القاري التركي , التي اتفقت عليها تركيا مع ليبيا، العام الماضي والذي اعترضت عليه اليونان وطعنت بشرعيته, ومتابعها من محاولات مستمرة من جانب اليونان للاستفزاز تركيا .

إِن التطور الحاصل في تلك الاحداث , لربما يثير التساؤل حول هل ان اليونان مستعدة للتفاوض مع الجانب التركي , في الوقت الذي تحظى به اليونان بالدعم والتأييد الكبيرين  من قبل الاتحاد الاوربي ؟ فقد تستغل ذلك اليونان لإجبار تركيا على الخضوع لمطالبها. واذا صح هذا الأَمر, وكان في نيه اليونان الدخول الإِعتداء على السيادة التركية وخرق أَمنها , فذلك يعتبر خطأ كبيرَا من قبل الجانب اليوناني , وقد يؤدي الى حدوث حرب قد تكون عواقبها وخيمة على الجانب اليوناني على الأغلب .