هل ستصبح الصين القوى العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي

      التعليقات على هل ستصبح الصين القوى العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي مغلقة

 

الكاتب: بين هورتن ، جينغهان تسنغ

ترجمة: هبه عباس محمد علي

الناشر: معهد جوثام هاوس

تحليل:م.م. عبير مرتضى حميد السعدي/قسم ادارة الازمات

 

في مقابلة مع البروفيسور جينغهان تسينغ المتخصص بشؤون الصين، أجاب عن العديد من الأسئلة منها:-

 

ما هي الفترة التي قررت فيها الصين تطوير الذكاء الاصطناعي؟

 

منذ الثمانينيات اهتمت الحكومة الصينية بالحوكمة الالكترونية كوسيلة لتحسين قدرتها في الحكم، ومنذ ذلك الوقت سعت إلى استخدام أحدث التقنيات الرقمية لتطوير الخدمة المدنية مستعينة بالابداعات التكنولوجية الغربية. وبمرور الوقت نجحت في تكييفها مع أسلوب حكمها، من تطوير “سور الصين العظيم” إلى دمج قوة البيانات الضخمة في العمليات البيروقراطية. ونشهد الآن اهتمامها  بالذكاء الاصطناعي.

 

يعد عام 2017 العام المحوري بالنسبة لطموح الصين بالتحول إلى القوة العالمية العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي. وقبل ذلك اقتصرت جهودها على مستوى حكومات المقاطعات أو في القطاعات الصناعية المنفصلة، ولكنها كانت ضئيلة للغاية لكن في عام 2017، نشرت الحكومة الصينية “خطة تطوير الذكاء الاصطناعي من الجيل الجديد” تتضمن ثلاث خطوات لتلبية تطلعاتها لهذه التكنولوجيا.  الخطوة الأولى تتلخص في تحقيق نفس مستوى كفاءة الدول الرائدة، مثل الولايات المتحدة، وتنمية صناعة لا تقل قيمتها عن 150 مليار يوان بحلول عام 2020. اما الخطوة الثانية فتتتضمن التحول إلى دولة تقوم بتحديث اختراقات الذكاء الاصطناعي بصورة منتظمة، وتنمية صناعة لا تقل قيمتها عن 400 مليار يوان بحلول عام 2025. والخطوة الأخيرة التي يتعين على الصين أن تقوم بها بحلول عام 2030، هي التحول إلى قوة الذكاء الاصطناعي الرائدة في صناعة لا تقل قيمتها عن 1000 مليار يوان. ولقد اكتسب هذا الإعلان قدراً كبيراً من الثِقَل ووفر الزخم لأسواق رأس المال داخل الصين للاستثمار في هذه التكنولوجيات.

 

وبطبيعة الحال هذا التحول في الذكاء الاصطناعي ليس تحول صيني فقط، ففي عام ٢٠١٥ اصبح ظاهرة عالمية حيث قامت العديد من الدول بوضع خطط استراتيجية خاصة لاغتنام الفرص التي يمكن ان يوفرها الذكاء الاصطناعي، ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، في أوائل عام 2019، وقع الرئيس دونالد ترامب على أمر تنفيذي لتأسيس “مبادرة الذكاء الاصطناعي الأميركية”، وهي الخطوة التي انعكست في نحو خمسين دولة أخرى. وعلى هذا فإن أحد عناصر المنافسة الدولية على مسألة الذكاء الاصطناعي ربما يدفع الصين أيضاً إلى تبني نهج قائم على الذكاء الاصطناعي.

 

كيف تم تنفيذ هذه الاستراتيجية بنجاح ؟

 

كانت خطة عام ٢٠١٧طريقا لتشجيع الجهات الفاعلة المحلية لانجاح هذا الابتكار؛ ومنذ ذلك الحين اتبعت العديد من حكومات المقاطعات نهج الذكاء الاصطناعي اذ وقد وضعت أكثر من 20 مدينة بما فيها بكين وشنغهاي وتشونغتشينغ، سياساتها الخاصة بالذكاء الاصطناعي التي تهدف إلى تشجيع الشركات على تطوير الاستثمار في الذكاء الاصطناعي من خلال مجموعة من التدابير بما في ذلك التخفيضات الضريبية وخطط تنظيم المشاريع. وعلى الرغم من احتمالية ان تؤدي هذه العملية إلى انعدام الكفاءة وازدواجية الجهود، فلا شك في أن تطوير الذكاء الاصطناعي أصبح منذ عام 2017 الشغل الشاغل للعالم .

 

في عام 2019، حدث انخفاض إجمالي في الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، كما ولّد COVID-19  ضغطًا على الاقتصاد الصيني، لذا فمن المحتمل ألا يتم تحقيق اهداف استراتيجية عام 2017 في الوقت المحدد. ولكن كما يتضح من تبني الحكومات الإقليمية لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي على نطاق واسع في مختلف أنحاء الصين، فإن الانتقال إلى ما يسمى بـ “الحكومة الذكية” استمر على الرغم من التباطؤ الاقتصادي.

 

وكمثال على ذلك مدينة جوانجدونج التي استخدمت الحكومة المحلية فيها تكنولوجيا التعرف على الوجه لتبسيط العمليات البيروقراطية . فبدلا من ان تستغرق عملية تقديم الطلب للحصول على ترخيص تجاري ثلاثة أيام على الأقل أصبحت فترى الانتظار حوالي عشرة دقائق ، كما أدت إبتكارات مماثلة إلى زيادة سرعة العمليات في قطاعي البنوك والنقل.

 

كما ثبتت فاعلية هذه التكنولوجيا في مكافحة ظاهرة الأتجار بالأطفال، اذ تم استخدامها في انشاء صور مفصلة عن شكل الطفل المفقود بعد خمس سنوات.

 

لماذا يتخذ الأطار الاجتماعي -السياسي من استغلال الفرص التي يتيحها الذكاء الاصطناعي مكانة فريدة من نوعها؟

 

اول مايمكننا الانتباه له هو النظام السياسي الصيني، اذ كانت الصين  رائدة في تطوير تكنولوجيا التعرف على الوجه على سبيل المثال التي يتحكم بها الذكاء الاصطناعي ويرجع ذلك الى قلة القيود القانونية التي تعترض عملها مقارنة بالولايات المتحدة او المملكة المتحدة ، وفي جانب ما كانت دوائر الأمن في تلك البلدان تعتمد تكنولوجيا التعرف على الوجه لكنها واجهت انتقادا من قبل المجتمع  ، اما في الصين فقد أسهمت ازمة Covid-19  في استخدام استراتيجية الذكاء الاصطناعي بشكل كبير ، كما تم تطبيقها تقريبا في جميع انحاء العالم،  فمن اجل الحد من انتقال الفايروس لابد ان تكون هناك ضوابط صارمة على حركة السكان ، تعد الصين و كوريا  من الدول الرائدة في مجال تطبيقات الهواتف الذكية لتحديد تحركات سكانها، وقد حضيت بالترحيب في الصين واعتبروها مقايضة ضرورية مقابل تحسين الوضع الصحي ، فيما لقيت انتقادات كثيرة  في المملكة المتحدة .

 

هل ستنجح الصين في تصدير هذه التكنولوجيا ؟ ام ان الخصوصية والقلق الأمني سيمنع ذلك؟

 

في الماضي، اهتمت العديد من الدول بتبني تكنولوجيا الحكومة الصينية، فكانت روسيا و ايران على سبيل المثال مهتمة بتصميم “سور الصين العظيم” ، واعتقد من وجهة نظر تكنولوجية- بعيدا عن السياسات الحالية- ان تطوير الصين لأدوات حوكمة الذكاء الاصطناعي ربما يكون امرا ملهما وجاذباً  للمتبضعين او المشترين من الدول الأخرى،  ومع ذلك ، إذا تحدثنا من ناحية السياسة والإيديولوجية فهذا أمر مختلف. لا أستطيع أن أرى كيف يمكن لدول في الغرب استيراد الأنظمة أو التطبيقات الصينية ، لاسيما بسبب مخاوف الأمن القومي مثل تلك التي رأيناها مع هواوي و 5G.

 

 

ولكن  الصين في وضع فريد يسمح لها بتطوير تكنولوجيات متقدمة في مجال الذكاء والتحليل ، نظراً إلى العدد الهائل من السكان الذين يمكنها الاعتماد عليهم في توفير البيانات اللازمة لمتابعة نموذج التعلم الآلي. لأسباب سياسية  قد لا تتبنى الدول الأوروبية او دول أمريكا الشمالية ،

وبوسعنا أن نرى الحكومات الأكثر استعدادا للتضحية بالخصوصية الفردية من أجل فرض قدر أكبر من السيطرة على سكانها .

 

ما هي المخاطر المترتبة على تنفيذ الحكومة الصينية لهذه الاستراتيجية؟

 

في البدء علينا التساؤل عن السبب  الذي يدفع الصين الى ان تصبح القوة العظمى في مجال الذكاء الاصطناعي ؟ السبب هو اقتصادي في المقام الأول اذ تستمد الحكومة الصينية شرعيتها من تعزيز الاقتصاد و رفع المستوى المعيشي لسكانها، والنهج النموذجي لتحقيق ذلك هو تعبئة الجهات الفاعلة المحلية على الصعيد الوطني بإعلانات  و اهداف طموحة ، كتلك الواردة في استراتيجية الذكاء الاصطناعي. وعلى العكس من نهج السوق الغربية في التعامل مع الإبداع الاقتصادي ، فإن هذا النموذج الصيني يخاطر بالهدر وعدم الكفاءة ، ويضع عبء الإبداع على موارد الحكومة ذاتها، وقد تكون التكاليف الاقتصادية كبيرة اذا فشلت الاستراتيجية في تحقيق أهدافها .

 

فضلا على الاهتمام بالكفاءة هناك مسألة تتعلق بالتحول الاجتماعي الذي يمكن ان يحرض عليه الذكاء الاصطناعي داخل الصين، فلم يوضع بالحسبان البطالة التي يمكن ان تتسبب بها الاتمتة[1] التي يدعمها الذكاء الاصطناعي، وفي تقرير لشركة الاستشارات الإدارية الامريكية ” ماكنزي” انه بحلول عام ٢٠٣٠ سيضطر ٤٠٠ الى ٨٠٠ مليون شخص في جميع انحاء العالم الى العثور على مهن جديدة بسبب الأتمتة، ونظرا للقوى العاملة التي تشكل حوال١٢% من نسبة السكان فيمكنهم تحمل العبء الأكثر من هذا التحول . وفقا لما جاء سابقا، فإن الحزب الشيوعي الصيني قيّم الاستقرار الاجتماعي، لكن التعطيل المحتمل للنظام الاجتماعي الذي يعد به الذكاء الاصطناعي لم يعالج حتى الآن، ويقول البعض ان الذكاء الاصطناعي سيخلق عالما العمالة فيه ليست من مسؤولية البشر، وحتى لو تحققت تلك الرؤية سيبقى التساؤل عن كيفية السعي إلى حياة ذات معنى من دون عمل، ومن خلال سعيها الى ان تصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي، تجازف الصين بمجتمعها امام أي سلبيات تنتج عن استخدام الذكاء الاصطناعي، فيما يتخذ الغرب طريقا اكثر حذرا في استخدام هذه التكنولوجيا.

 

بالنظر الى المستقبل، هل تحقق الصين طموحها ‏في ان تصبح قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي؟

 

الولايات المتحدة و الصين هي فقط من تملك الموارد اللازمة للهيمنة، فيمكن ان نشهد الميزة التي تتمتع بها الصين في أسواقها المحلية، اذ تزود المطورين بقواعد بيانات غير محددة للتدريب على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ، لكن الولايات المتحدة لديها بداية معتبرة في تطوير التكنولوجيا بنفسها.

 

ان نهج الصين تجاه الذكاء الاصطناعي يسهم باثبات حقيقة افتقارها الى الابداعات الحقيقية في هذا المجال، وخاصة تلك التي تحظى بتقدير السوق،  ويبقى التساؤل عن مدى تحول هذا الاختراع الصيني الى شيء يخدم الأسواق العالمية، وهذا هو السبب الرئيس لتراجع الاستثمار في مجال الذكاء الاصطناعي في الصين عام ٢٠١٩.

 

 

فضلاً عن ذلك فقد أثار طموح الصين في مجال الذكاء الاصطناعي جزع منافسيها القريبين، وخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا ، وبهذا لا تساعد السياسات الجغرافية ومن بيها التوترات الحالية بين الولايات المتحدة و الصين و لهجة الصين القومية في تقدم الصين في مجال الذكاء الاصطناعي . لذا فإن التعاون العالمي في هذا المجال يعد امر حيوي  لضمان استخدام هذه التكنولوجيات بطرق تفيد البشرية. المنافسة الجيوسياسية التي تقود تطوير الذكاء الاصطناعي هي عقبة غير مرغوب بها أمام تحقيق هذا الهدف وقد تعيق نوايا القوة العظمى في الصين.

 

https://www.chathamhouse.org/2021/01/can-china-become-ai-superpower

 

 تحليل

من السابق لأوانه الاعتراف بأن الصين هي الدولة المهيمنة في مجال الذكاء الاصطناعي ، لأنه بالإضافة إلى المنافسين من الولايات المتحدة وأوروبا ، تواجه الصين أيضًا العديد من التحديات التي تعيق طموحاتها .وفي نفس الوقت لا يمكننا تجاهل نجاحها في تطوير الذكاء الاصطناعي ، اذ أشار تقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي لعام 2019: أن الصين هي الرائدة في عدد المقالات العلمية المنشورة عن الذكاء الاصطناعي بعد هيمنة اوربا لسنوات عديدة الهيمنة ، فأحتلت المرتبة الثانية ، تلتها الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثالث ، بالإضافة إلى تصدرها في نشر الأبحاث والمقالات حول الذكاء الاصطناعي ، تليها كل الولايات المتحدة الأمريكية. ، ألمانيا ، بريطانيا العظمى.

عدد البحوث العلمية المنشورة في سكوباس

 

استفادت الصين من الوضع الحالي لوباء كورونا لتعزيز الذكاء الاصطناعي والمجالات التي يمكن استخدامه فيها لصالحها ، حيث روجت الى تقنيات المراقبة لتعقب المصابين بكوفيد-19 وتحركاتهم كإحدى سياساتها للحد من انتشار المرض في البلاد. بينما نجد أن العديد من الشركات الصينية روّجت للذكاء الاصطناعي ، مثل شركة “ديلويت توش توهماتسو” التي تروج حاليا بإقامة المصانع الذكية باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، يمكن للزوار فهم كيفية تطبيق التقنيات التكنولوجية في المصنع. من خلال الرؤية والتحليل الفوري والتصور الكامل للعملية برمتها والحلول القابلة للتطوير، يوفر المصنع الذكي خدمات مخصصة متكاملة لتحقيق التحول “الذكي” للمصنع. بينما نجد ان احدى المنصات الصين في مال الابتكارات الذكاء الاصطناعي  قد جذبت مايزيد عن 1.57 مليون مطور محلي وأجنبي .

كما ساهم الترويج للذكاء الاصطناعي في نقل اقتصادها بعيدًا عن موجة الركود التي أثرت على معظم البلدان من خلال إحلال التجارة الرقمية بدل للتجارة التقليدية وهذا ماشار اليه تشين تشونجيانغ، مدير إدارة الخدمات والتجارة بوزارة التجارة الصينية، “إن الوباء المفاجئ (كوفيد-19) قد تسبب في أثر بشكل كبير على تجارة السلع والخدمات التقليدية، لكنه جلب أيضا “فرصا” لتطوير منظومة التجارة الرقمية، مثل الطلب عن بعد والتعليم عبر الإنترنت والتجارة الإلكترونية العابرة للحدود، ما لعب دورا هاما في تعزيز الاستقرار الاقتصادي لمختلف البلدان وتعزيز التعاون الدولي في مكافحة الوباء”. لذلك يمكن القول أنه إذا لم تكن الصين القوة العظمى في الذكاء الاصطناعي في المستقبل ، فمن المؤكد أنها ستكون من بين الدول المهيمنة في الذكاء الاصطناعي في العالم ، ومن المتوقع أن يساهم الذكاء الاصطناعي بنحو 15.7 تريليون دولار في نمو الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.

 

[1] يطلق مصطلح الأتمتة (Automation) على تطبيق الآلات للمهام التي يتم تنفيذها مرة واحدة أو على نحو متزايد من قبل البشر، إلى المهام التي كانت مستحيلة لولا ظهورها.

على الرغم من أن مصطلح المكننة (Mechanization) غالبًا ما يستخدم للإشارة إلى الاستبدال البسيط للعمل البشري بواسطة الآلات، إلا أن الأتمتة تعني عمومًا دمج الآلات في نظام التحكم الذاتي، فقد أحدثت الأتمتة ثورة كبيرة في جميع المجالات التي أدخلت فيها، فلا يكاد يوجد جانب من جوانب الحياة الحديثة لم تتأثر بها.