الموازنات العامة في العراق واسـتمرار معضلة الإصلاح في موازنة 2021

      التعليقات على الموازنات العامة في العراق واسـتمرار معضلة الإصلاح في موازنة 2021 مغلقة

 

              أ.د عدنان حســين الخياط | باحث مشارك ــ مركز الدراسات الاستراتيجية | جامعة كربلاء

أولا : الموازنة والدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة

    الموازنات العامة للدول في أبســط مفاهيمها وأهدافها والتي كانت السبب في نشــأتها وتطورها , انها تمثّل خططاً وبرامج عمل الدولة المتضمّنة تحقيق أهدافها الاقتصادية والاجتماعية في اطار الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تضطلع به مختلف دول العالم جنبا الى جنب مع الدور الأساس للقطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية .

    لم تكن للموازنات العامة للدولة أهمية اقتصادية في ظل المنهج الاقتصادي الكلاسيكي الذي كان سائداً قبل حصول أزمة ( الكساد العظيم ) 1929 ــ 1932 , فقد توفّرت للقطاع الخاص في الدول الرأسمالية الظروف والبيئة الاستثمارية الملائمة لتحقيق النمو والتنمية الاقتصادية دون الحاجة الى تدخل الدولة الاقتصادي ابان النهضة الصناعية التي شهدتها العديد من الدول الأوربية خلال القرن الثامن عشر والتاسع عشر . ومن ثم فقد كانت مالية الدولة تُوصف بأنها ( محايدة ) أزاء القضايا الاقتصادية وانّ الوظائف التي أُوكلت اِليّها تقع ضمن الوظائف التقليدية للدولة في الدفاع وحفظ الأمن الداخلي والانفاق على القضاء , وهي وظائف غير اقتصادية , وقد تكلّلت هذه المرحلة بالاعتماد التام على القطاع الخاص في تخصيص الموارد الاقتصادية وفق منهج الحرية الاقتصادية وفرضية المنافسة وقدرة آلية السوق على تحقيق التوازنات الاقتصادية وتجنب حدوث الأزمات وفق ما تَوفّر من ظروفٍ للتنمية الرأسمالية الصناعية في تلك الحقبة الزمنية .  

    الاّ انّ التطورات اللاحقة في بنيّة الأنظمة الاقتصادية الصناعية , ولاسيّما بعد أزمة الكساد 1929 والأثر الذي تولّد عن ( الأفكار الكنزّية ) في أن يكون للموازنة العامة للدولة وظائف اقتصادية , قد أظهرت الحاجة الماســة الى دور الدولة الاقتصادي , ليس بمعنى الهيمنة الاقتصادية للقطاع العام مثلما كان سائدا في ظل النموذج الاشتراكي المركزي قبل تفكك الاتحاد السوفيّتي السابق أو بعض النماذج الاقتصادية الشمولية , وانما بمعنى توظيف إمكانات الدولة الاقتصادية لدعم القطاع الخاص وتمكينه من بناء وتطوير اقتصاد سـوق منتج يستطيع من خلالهِ زيادة الاستثمارات واســتدامة النمو والتنمية وخلق المزيد من فرص العمل والوظائف في اطار الأنشطة الإنتاجية التي ينبغي أن تضطلع بها الأطر المؤسسية للشركات في القيام بالأنشـطة الإنتاجية من أجل زيادة الإنتاج الوطني وتنويعه وتعزيز القدرة التنافسية في الأسـواق .   

    لقد كان هناك صراعٌ على صعيد النظام الاقتصادي العالمي بين المسار الذي اتبعهُ القطاع الخاص وفق مبدأ الحرية الاقتصادية وآلية السوق ، والمسار الذي اتبعهُ القطاع العام  وفق مبدأ اشباع الحاجات وآلية التخطيط ، اذ حاول كلُّ مسار أن يثبتَ جدارتهُ في كيفيّة ادارة وتخصيص الموارد الاقتصادية وتحقيق الرفاه الاجتماعي ، وذلك من خلال نموذجين تنمويين متطرفين هما: النموذج الرأسمالي التقليدي الحر والنموذج الاشتراكي التقليدي المركزي ، فالنموذج الاشتراكي التقليدي وفق ما طبق في الاتحاد السوفيّتي السابق قد اتصف بالمركزية الشديدة التي لم تفسـح المجال للأنشطة الاقتصادية الخاصة ، مما أدى الى كبح المبادرات الفردية وعدم الاستفادة من عناصر الكفاءة الكامنة في نشاط القطاع الخاص ، في حين نجد أن الرأسمالية التقليدية المتشددة التي حاولت كبح جماح الدور الاقتصادي والاجتماعي للدولة والتحيّز المطلق للنشاط الاقتصادي الحر ، قد ساهمت هي الأخرى في توليد العديد من المشاكل والصعوبات التي نجمت عن فشل السوق في تلبية جانبٍ مهم من الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية ، ولاسيّما في الدول النامية التي هي في أمس الحاجة الى دور اقتصادي للدولة لدعم القطاع الخاص وتقديم الخدمات والمنافع الاجتماعية ودعم الاستثمارات في البنى التحتية ، فضلا عن حاجة الدولة الى الشراكة مع القطاع الخاص بغية تشجيعه على زيادة مساهمته في القطاعات السلعية الإنتاجية .                                                                 

    ومن ثم فانّ الصراع  بين القطاع العام والقطاع الخاص ، قد خفّت وطأتهُ اعتبارا من عقد الثمانينيات من القرن العشرين ، بعد انهيار الاتحاد السوفيّتي السابق ، اذ أصبح منطق الحوار ولغة المصالح الاقتصادية أكثر حضورا وقبولا لدى دول العالم مقارنة ً بمنطق الصراعات السياسية والحرب الباردة التي كانت سائدة . وفي سياق هذا الوضع أصبح هنالك قبولٌ لدورٍ اقتصادي واجتماعي للدولة في اطار وظائفها في توفير ما يعرف بالسلع العامة public Goods وفشل السوق في مجالاتٍ معينة من الاستثمارات ذات المنافع والمضامين الاجتماعية العالية ، مقابل نجاح اقتصاد السوق في المجالات الاستثمارية التي تحتاج الى تطبيق المعايير التجارية وازالة التشوهات في الأسعار من أجل بلوغ مستويات عالية من الابداع والكفاية الانتاجية . ومن ثم فان نجاح نظام السوق في جوانب كثيرة ونجاح الدولة في جوانب أخرى قد أفرز نموذجا متطورا من الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص أصبح يمثل في ظل المعطيات الاقتصادية المعاصرة طريقا ثالثا في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحتاج اليه جميع دول العالم في صياغة سياساتها الاقتصادية على وفق ظروفها واحتياجاتها التنموية .                                                                                     

     لقد أصبح ممكناً توزيع الأدوار والوظائف بين الدولة والقطاع الخاص ، ومع ذلك فانّ مثل هذا التوزيع ظل ينكر على الدولة قدرتها على العمل الاقتصادي وفق المعايير التجارية لاقتصاد السوق من منطلق أنّ ملكية الدولة هي منافع اجتماعية وخدمات عامة في جوهرها ، وان ممارسة الدولة للنشاط الاقتصادي يمثل مزاحمة وازاحة للقطاع الخاص من أنشطة اقتصادية مهمة ، فضلا عن أن أسعار سلع الدولة تمثل تشويها لأسعار السوق التجارية . والواقع أن مثل هذا الاتجاه لم يفرق بين ملكية المشروع وبين ادارة المشروع واستند على فرضية أن من يمتلك المشروع هو الذي يدير المشروع ، في حين أن موضوع الفصل بين الملكية وادارة المشاريع الاقتصادية قد أخذ حيزا واسعا في ظل اقتصادات السوق الصناعية ذاتها ، من خلال الاتساع الهائل لدور الشركات المساهمة الخاصة في الاقتصادات الرأسمالية المتقدمة ، اذ نجد أن مديري هذه الشركات هم غير حملة الأسهم المالكين الحقيقيين للشركات ، ومن ثم فان الملكية يمكّن أن تعني القيام بتمويل مشاريع أو امتلاك موجودات ثابتة فيها ، ويترتب على ذلك ضرورة القبول بمساهمة الدولة بعمليات تمويل المشاريع الاقتصادية أو تقديم موجودات ثابتة والفصل بين الملكية والآليات التي تتبع في ادارة المشاريع وفقا لمعايير السوق التجارية . وان مثل هذه النظرة من شأنها ان تجعل الأنشطة الاقتصادية في نظام السوق ليست حكرا على القطاع الخاص ، اذ أن الاتجاه الحديث لاستثمارات الدولة ضمن ما يُعرف ب ( الدومين الخاص ــ الذي يمثّل ممتلكات الدولة المخصصة للحصول على إيرادات ) ، ولاسيّما في الدول النامية التي تمتلك موارد مالية ، أصبح يستند على آليات للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من شانها أن تساعد على الفصل بين نمط الملكية ونمط الادارة الذي يتجّه نحو تعزيز مبادئ اقتصاد السوق وتوفير ظروف أفضل للاستفادة من امكانات الدولة وامكانات القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية ، وهذا ما تناولتهُ الأساليب الحديثة للخصخصة والتي أصبحت اكثر اهتماما بخصخصة ادارة المشاريع وضمان عملها على وفق قواعد نظام السوق ، وليس بالضرورة انهاء ملكية الدولة في جميع المجالات والأنشطة الاقتصادية .

   وفي ضوء ذلك فانّ الأنشطة الاقتصادية التي تمارسها الدولة قد اندمجت بموازنتها العامة من خلال قنوات للتغذية والعلاقات المالية المتقابلة بين ما يخصص للاستثمارات الحكومية وصناديق الثروة السـيادية , وما تدرّهُ هذه الأنشطة من عوائد مالية تسهم في تنويع مصادر الإيرادات العامة للتخفيف من نسبة العجز في حالة الأزمات والشــحة المالية , وكذلك من أجل الاسـتفادة من الفائض المالي في حالة الوفرة المالية .

ثانيا : الاقتصاد المختلط واتساع الدور الاقتصادي والاجتماعي للموازنة العامة                                                        

     انّ القبول بمنطق الشراكة والتعاون الاقتصادي بين اقتصاد الدولة واقتصاد القطاع الخاص , كان لهُ دورٌ كبير في تبلوّر وبروز ما يُعرف بالاقتصاد المختلط وقيام العديد من دول العالم بأنشاء صناديق ثروة سيادية ومؤسسات استثمارية حكومية , ولا سيّما في معظم الدول النفطية , والتي تمثل استثمارات حكومية مندمجة مع الأنشطة الاقتصادية في نظام اقتصاد السوق .  كما أنّ مثل هذا التطور في دور الدولة الاقتصادي قد ساعد على تكوين آليات للشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص Public-Private-Partnership ( P P P )  وفق ما يعرف ب ( نظام بوت BOT ) Build-Operate- Transfer في اطار مسار تنموي معاصر لاقتصاد السوق , والذي أصبح من خلالهِ لمورد النفط والموازنة العامة في الدول النفطية الريعية دورٌ مهم في الأنشطة الاستثمارية الحكومية الداعمة لسياسات التنويع الاقتصادي ولدور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية . كذلك يأتي اسلوب المشاريع الصناعية المشتركة (القطاع الصناعي المختلط) ، ضمن هذا الاطار لتطور العلاقة بين اقتصاد الدولة واقتصاد القطاع الخاص . ويســتند مبدأ الشراكة بين الاستثمارات العامة والاستثمارات الخاصة على فرضية تقوم على أساس توفّر بيئة استثمارية جاذبة وقدرا كافيا من الشفافية والنزاهة في التصرف بالمال العام من خلال شراكة الدولة مع مستثمرين مهنيين وشركات رصينة وفق تشريعات قانونية وعقود حكومية لاتسـودها ممارسات الفساد والمصالح الخاصة للفئات المتنفذة في مراكز القرار .

     لقد أصبح النظام الاقتصادي المختلط الذي يجمع بين النمطين التقليديين ( الاقتصاد المخطط واقتصاد السوق ) ، هو الأكثر انطباقا على واقع الأنظمة الاقتصادية السائدة التي أصبحت تتضمن وجود علاقة مشتركة بين اقتصاد الدولة واقتصاد القطاع الخاص ، في ظل تعدد أنماط اقتصاد السوق ودرجة تدخل الدولة ومشاركتها في الشؤون الاقتصادية ، حيث تستند فكرة الاقتصاد المختلط على امكانية تطبيق معايير اقتصاد السوق بغض النظر عن طبيعة ملكية وسائل الانتاج ودرجة التناسب بين الملكيتين الخاصة والعامة ، في ظل وجود هامش من الأنشطة التخطيطية والتوجيهية التي تمارسها الدولة ، والفصل بين ادارة المشاريع ومعايير اقتصاد السوق وبين ملكية وسائل الانتاج .                                                                 

    وفي اطار ذلك فانّ نموذج الاقتصاد المختلط أصبح يمثّل الحالة الواقعية التي تحمل الكثير من السمّات المميّزة التي ساعدت على ايجادِ حلولٍ مناسبة للتعارض بين اقتصاد الدولة واقتصاد القطاع الخاص ، ومن أبرز هذه السمّات : ــ                                                                                                           

  1. تعدد أنماط وأساليب اقتصاد السوق وفق درجة وطبيعة الدور الاقتصادي والاجتماعي الذي تضطلع به الدولة في نظامها الاقتصادي ، بما يتناسب مع ظروفها وحاجاتها التنموية وطبيعة نظامها السياسي .

2.امكانية الجمع بين اسلوب التخطيط والتوجيه والتنظيم الاقتصادي وبين تطبيق معايير اقتصاد السوق ، حتى في اطار مشاريع الدولة الاقتصادية والمشاريع المشتركة مع القطاع الخاص .                         

3.التعايش بين الملكية العامة والملكية الخاصة لوسائل الانتاج وتعظيم الاستفادة من الموارد الاقتصادية والإمكانات التي تمتلكها الدولة , والموارد الاقتصادية والامكانات  التي يمتلكها القطاع الخاص .                                        

4.تفعيل دور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية وتعزيز دور اقتصاد السوق في الدول التي تُعد بأمس الحاجة الى تنمية اقتصاداتها من خلال دور الدولة الاقتصادي في المشاركة بالمشاريع الاستثمارية وتحمّل المخاطر ومنح الحوافز للمستثمرين لجذب الاستثمارات المحلية والخارجية .                                                                                 

5.تطوير أساليب وآليات الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ، وكذلك تطوير أساليب المشاريع المشتركة التي تسهم في تشجيع وجذب الاستثمارات في العديد من المجالات الاقتصادية . وتُعد تجربة مشاريع القطاع الصناعي المختلط احدى الأفرازات التي تولّدت عن نظام الاقتصاد المختلط في العديد من التجارب التنموية في العالم .                                                      

    انّ حتميّة وجود دورٍ اقتصادي واجتماعي للدولة في ظل التطورات الاقتصادية المعاصرة , قد أعطى زخما للوظائف الاقتصادية والاجتماعية التي ينبغي أن تضطلع بها الموازنة العامة للدولة , ليس من ناحية حجم الأموال المخصصة فحسب , وانمّا الجانب الأكثر أهمية هو ما ينجم عن هذه التخصيصات من مخرجاتٍ ومنجزاتٍ تنموية حقيقية لا يسودها الهدر والفساد . وفي حالة الدول النفطية الريعية ,  فقد أصبحت الموازنة العامة المرآة العاكســة لقوة النفط وتأثيرهِ على المتغيّرات الاقتصادية الكلية في الاقتصاد الوطني , اِمّا باتجاه تعزيز الحالة الريعية وهدر الموارد وتخلّف الاقتصاد , أو باتجاه منهج العقلانية الاقتصادية والرشادة في توظيف قوة النفط في تعزيز إمكانات الموازنة ومضامينها الاقتصادية والاجتماعية , وحوكمة إيراداتها ونفقاتها لصالح تحقيق التنمية المستدامة والارتقاء برفاهية المجتمع وتقدمهِ . فالى أيّ صنفٍ تنتمي الموازنة العامة في العراق من بين الموازنات في الدول النفطية الريعية ؟  لقد شـكّلت السـمّات المالية دون السـمّات الاقتصادية والاجتماعية علامة واضحة في موازنة العراق , ممّا جعلها ذات سـمّاتٍ خاصة .

ثالثا : السـمّات المالية للموازنة العامة في العراق وانخفاض مضامينها الاقتصادية والاجتماعية  

     لقد شهدت الموازنات الاتحادية للعراق عبر السنوات الماضية , تركيزا واضحا على الجوانب المالية وزيادة الطلب على الأموال دون تحقيق ارتباطها الوثيق بالاحتياجات التنموية , حيث اتسـم سلوك اعداد وتنفيذ هذه الموازنات بعددٍ من السمّات نذكر منها ما يلي : ــ

1.التصاعد المستمر في حجم التخصيصات المالية وانخفاض حصيلة المنجزات التنموية | الاقتصادية والاجتماعية المتحققة من هذه التخصيصات , حيث ازدادت هذه النفقات من (20,145,100) ترليون دينار في عام 2004 الى (105,569,687) ترليون دينار عام 2019 . كما بلغت هذه التخصيصات أوجّها في موازنة عام 2013 بقيمة بلغت (138,424,608) ترليون دينار[1] في مرحلة ازدهار أسعار النفط التي تجاوزت (120) دولار للبرميل قبل حصول صدمة انخفاض هذه الأسعار في نهاية 2014 , ممّا يشير الى مدى ارتباط التخصيصات المالية في الموازنات الاتحادية بالنفط وعوائده ومدى التركيز على الاعتبارات المالية في التخصيص والانفاق الحكومي غير الموجّه بالأهداف التنموية وبنتائج المنجزات الاقتصادية . وفي هذا المجال فانّ تضخم التخصيصات المالية في الموازنة واتساع عمليات الصرف مع شــحة المنجزات التنموية الناجمة عنها , من شأنه أن يلغي شـرطاً مهما من الشروط الواجب توفرها في مصطلح ( الموازنة العامة ) ويجعلها مجرد ورقة للايرادات والمصروفات المالية .                                                                      

2.غياب فكرة ( الفوائض المالية ) مهما بلغت إيرادات النفط , وعدم اللجوء الى عزل نسبة معيّنة من هذه الإيرادات , ولاسيّما في مراحل ازدهار الأسعار وزيادة الطلب العالمي على النفط , واستثمارها في مجالات استثمارية تزيد من الإيرادات العامة وتنوّع مصادر الدخل والثروة , في ظل التوسّـع المالي غير المنضبط للموازنات الاتحادية واستيعاب المزيد من التخصيصات المالية دون مراعاة معايير الطاقة الاســتيعابية اللازمة لتنفيذ هذه التخصيصات والاعتبارات المتعلقة بنوعية وانتاجية النفقات الحكومية وفق مناهج وبرامج اقتصادية واجتماعية رصينة تنعكس على واقع التنمية والتنويع الاقتصادي , ممّا جعل هذه الموازنات مستودعاً واسعا لتخصيص المزيد من الأموال وصرفها دون أن تكون مستودعاً لمناهج ومشاريع تنمية حقيقية تُسهم في تنويع الاقتصاد والنهوض بواقع القطاعات الإنتاجية السلعية والبنى التحتية والخدمات الاجتماعية التي تحتاج اليها محافظات العراق .

3.التركيز في اعداد الموازنات على مفهوم ( العجز الافتراضي المخطط ) الذي يرتبط باتساع حجم التخصيصات المالية بشكل يفوق حصيلة الإيرادات المخططة . ونشير في هذا المجال الى انّ اعداد الموازنة وفق مبدأ العجز المخطط  يُعد حالة مقبولة من أجل التحفظ من احتمال انخفاض حصيلة الإيرادات , وهو مبدأ متبع في معظم دول العالم  , الاّ انّ زيادة التركيز والاهتمام بهذا الجانب قد أصبح عاملا مشجعا على التوسع في القروض ضمن الموازنات الاتحادية السنوية بذريعة تغطية هذا العجز , حيث تظهر خدمات هذه القروض  في الموازنات السنوية اللاحقة بشكل تسديد أقساط وفوائد زادَ معدلها عن (10) ترليون دينار سنويا , في الوقت الذي نجد انّ مثل هذا الحجم من العجز المخطط لم يتحقق فعلياً الاّ في سنواتٍ معيّنة قليلة , أمّا في معظم السنوات فانّ الإيرادات الفعلية المتحققة كانت أكبر من النفقات المصروفة فعلا في نهاية السنة المالية .

    لقد اشتملت جميع الموازنات السنوية الاتحادية على نسب مختلفة من العجز المخطط , عدا موازنة 2004 التي أُعدّت بشكلٍ فاقّت فيها الإيرادات المخططة النفقات المخططة , وقد نجم عن زيادة الاهتمام بالعجز المخطط عند اعداد الموازنات , أن بلغ اجمالي العجز الافتراضي المخطط في الموازنات الاتحادية السنوية (259,233,764) ترليون دينار خلال المدة 2004 ــ 2019 , وقد بُنيّت على وجود هذا الحجم من العجز الافتراضي إجراءات الاقتراض الحكومي التي تضمنتها الموازنات والتوسع في الدين العام , وما ارتبط بذلك من استحقاقات مالية سنوية تتعلق بالايفاء بخدمات الديون المتمثلة  بالاقساط  والفوائد .                  

    انّ حسابات تنفيذ الموازنات تُظهر وجود اختلاف واضح بين العجز الافتراضي المخطط وبين العجز والفائض الفعلي من خلال البيانات المتعلقة بالايرادات الفعلية المتحققة ومقارنتها بالنفقات الفعلية المصروفة , حيث تُظهر البيانات خلال المدة 2004 ــ 2019 , بأنّ ليس هنالك عجز مالي فعلي , فيما عدا سنوات قليلة تحقق فيها عجز فعلي محدود في موازنات (2009 و2013 و 2014 و2015 و 2016 و 2019 ) , أما بقيّة السنوات فقد حققت فائضا ماليا فعليا نجم عن تفوّق الإيرادات الفعلية المتحققة في نهاية السنة المالية على النفقات الفعلية المصروفة[2] . وعند اجراء مقاصّة بين حالات العجز الفعلي وحالات الفائض الفعلي , نجد تحقق حصيلة فائض مالي فعلي بلغ (54,031,134) ترليون دينار كاجمالي للمدة 2004 ــ 2019 , في حين كان الاستمرار في الاقتراض الحكومي لتغطية العجز الافتراضي المخطط  قد أدى الى زيادة رصيد الدين الحكومي العام , حيث بلغ رصيد الدين الداخلي فقط , (38,331,500) ترليون دينار في نهاية عام 2019 بعد أن كان يمثّل (41,822,900) ترليون دينار في نهاية عام 2018[3]  فيما عدا الديون الخارجية .

4.اتساع حجم النفقات التشغيلية الجارية والتي تستحوذ على الجزء الأعظم من تخصيصات الموازنات السنوية , وتشكّل فقرة الرواتب والأجور الجانب الأكبر من هذا الاتساع بسبب الترهل المتزايد في الجهاز الإداري الوظيفي الحكومي , وازدواجية وتضخم الكثير من عناصر هذه النفقات بشكلٍ غير حقيقي , في ظل انخفاض معايير الإنتاجية والأداء لقلة فرص العمل خارج نطاق القطاع الحكومي , ممّا يشير الى وجود مشكلة حقيقية تتعلق بالنفقات التشغيلية الجارية التي زادّت نسـبتها عن 70% من اجمالي النفقات العامة . انّ هذا التوسـّع في النفقات التشغيلية  قد ترافق مع اتساع حالة الترهل وزيادة اعداد الموظفين والعاملين في الجهاز الوظيفي الحكومي , وقد أصبح هنالك ما يزيد عن (6) ملايين ممّن هم محسوبون على فقرة الرواتب والأجور الحكومية في ظل انخفاض مستويات الأداء والإنتاجية , فضلا عن انّ هناك استمرارا في المطالبة بمزيد من التعيينات لعدم  توفّر فرص العمل والوظائف في الأنشطة الاقتصادية الخاصة نتيجة لفشـل السياسات الاقتصادية وانخفاض الأثر الاقتصادي التنموي للموازنة العامة في تفعيل دور القطاع الخاص في التنويع الاقتصادي والحد من مشاكل البطالة في المجتمع , والملاحظ  انّ التضخم الحاصل في النفقات التشغيلية الجارية لا يرتبط  فقط بالتوسـّع الحاصل في فقرة الرواتب والأجور , وانّما الاسراف وعدم الرشادة في التخصيصات المالية للعديد من العناصر الأخرى المكوّنة لهذه النفقات . والمسـألة الأساسية في معضلة النفقات التشغيلية واتساعها في الموازنات الاتحادية , هي انّ هذا الاتساع هو على حساب النفقات الاستثمارية المتعلقة بتكوين موجودات من رؤوس أموال معوّضة عن استنزاف الاحتياطيات النفطية واحتمالات نضوبها المستقبلي , فضلا عن انّ مثل هذا الاتسـاع في النفقات التشغيلية من شـأنه أن يحدَّ من الدور الذي ينبغي أن تمارســهُ الموازنة العامة في عملية التنمية والتنويع الاقتصادي.                                   

    انّ ما سار عليه العراق وعددٌ من الدول الأخرى , هو الاستمرار في تطبيق موازنة الرقابة والبنود التي تُعد من أقدم الموازنات , والتي من سماتها انّها أكثر اهتماما بالتخصيصات المالية في ظل وجود علاقة ضعيفة تربط بين هذه التخصيصات والمنجزات التنموية والمنافع الاجتماعية التي يمكّن أن تنجم عنها . ومع ذلك فانّ الكثير من الدول التي ما تزال تعتمد على هذا النوع من الموازنات القديمة أصبحت تحرص على تطوير كفاءة موازناتها وزيادة فعاليتها باتجاه خلق المزيد من العلاقات الإيجابية المنتجة بين التخصيصات المالية وبين حصيلة المنجزات الاقتصادية والمنافع الاجتماعية المتحققة منها , وذلك من خلال حوكمة وضبط إجراءات الإدارة المالية المتبعة في تنفيذ الموازنات , فضلا عن اعتماد ( موازنات الظل )Shadow Budget  المتضمنة للمناهج الاستثمارية للمشاريع ومناهج الأنشطة الاقتصادية التي تتطلب انفاقا حكوميا . في حين تحوّلت الكثير من دول العالم نحو استخدام موازنات حديثة , كموازنة البرامج والأداء والموازنة الصفرية واللتّين تُعدان من الموازنات الأكثر حوكمة لأعمال تنفيذ الموازنة , وأكثر قدرة على تحقيق الترابطات بين مدخلات الموازنة من التخصيصات المالية وبين مخرجاتها من المشاريع والمنافع الاجتماعية ذات الجدوى التنموية التي تتناسب مع حجم الأموال المصروفة .             

    الاّ أنّهُ مهما يكّن نوع الموازنة في العراق , فانّ المسألة لا تتعلق بهذا الجانب فحسب , وانّما الجانب الأكثر أهمية هو مدى سـلامة وانضباط بيئة النفقات الحكومية وأعمال التنفيذ المتعلقة بهذه النفقات وخلوّها من ممارسـات الهدر والفســاد , اذ انّ نتائج ومنجزات الموازنة ومخرجاتها التنموية والاجتماعية  تبقى مرتبطة بالأساليب والآليات التي يتم من خلالها التصرف بالتخصيصات المالية, سـواء ما يتعلق بالنفقات التشغيلية الجارية التي يكتنفها الكثير من مظاهر الهدر والاسـراف , أو النفقات الاستثمارية المرتبطة بظروف ومشاكل تنفيذ المشاريع والعقود الحكومية , فضلا عن ضعف الاهتمام بدراسات الجدوى للمشاريع وتطبيق المواصفات النوعية وفق الاعتبارات والمعايير الاقتصادية المتعلقة بالتكلفة | المنفعة .

 رابعا : موازنة 2021 واسـتمرار معضلة الإصلاح  

     لقد جاءت موازنة 2021 في ظل ظروفٍ يسودها الكثير من التحديات , ومن أبرز هذه التحديات التداعيات الناجمة عن الأزمة المالية والتقلبات الحاصلة في أسعار النفط , وكذلك تداعيات اجراء تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار ومدى قدرة السياسات الاقتصادية على تنفيذ برامج للإصلاح الاقتصادي في ضوء المضامين والأهداف الواردة  في ( الورقة البيضاء ) , حيث تضمّنت هذه الورقة , من جملة ما تضمنتهُ من أهداف , ضرورة اعادة توصيف دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع وفقا لما جاء في الدستور من مضامين اقتصادية واجتماعية , والعمل على تطبيقها وتشريع ما تتطلبهُ من قوانين .

    لقد تضمّن الدستور العراقي لسنة 2005 الكثير من المواد التي تتعلق بالشؤون الاقتصادية والاجتماعية والتي تُعد منطلقات لتوصيف دور الدولة في الاقتصاد والمجتمع , ومن هذه المواد المادة (25) من الدستور التي نصّت على أن ( تكفل الدولة اصلاح الاقتصاد العراقي وفق أسس اقتصادية حديثة وبما يضمّن استثمار كامل مواردهِ وتنويع مصادرهِ وتشجيع القطاع الخاص وتنميته ) . ويتضح من مضمون هذه المادة انّ الدستور قد جعل من دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي أساسا لتحفيز منطلقات التنمية والتطوّر , كما حرصَّ المشرّع على جعل عملية الإصلاح الاقتصادي التي تتكفّل بها الدولة تجري وفق أسس اقتصادية حديثة وفي اطار سياساتٍ للتنويع الاقتصادي يمكّن أن تشارك بها الدولة لتفعيل دور القطاع الخاص في عملية التنمية الاقتصادية . وفي ذلك تأكيدٌ واضح على أن يكون هناك دور اقتصادي واجتماعي للدولة في عملية التنمية الاقتصادية يمتزج بدورٍ فاعل للقطاع الخاص من أجل بناء اقتصاد ســوق منتج استنادا الى التوجّهات الاقتصادية المعاصرة .

     فما هو نصيب عملية الإصلاح الاقتصادي في موازنة 2021 ؟ وهل انّ الواقع السياسي والاقتصادي الراهن يسـمح بإعادة توصيف دور الدولة الاقتصادي والاجتماعي وتعزيز المضامين التنموية للموازنة العامة ؟ انّ ما ســارت عليه موازنة 2021 , هو نفس المسارات التي تضمنتها الموازنات السابقة , ويتضح ذلك من خلال اســتعراض بعض المؤشرات الواردة في هذه الموازنة التي تم إقرارها : ــ

1.بلغت التخصيصات المالية ( النفقات المخططة ) ( 129,993,009,291 ) ترليون دينار , بعد أن كان المبلغ المقترح في حدود ( 164 ) ترليون دينار , ممّا يشير الى استمرار حالة التضخم في التخصيصات المالية دون مراعاةٍ  لظروف الأزمة المالية وما تتطلبهُ من ترشيدٍ وضغطٍ  للنفقات .

ـــ وبلغت النفقات التشغيلية ( 90,784,147,584 ) ترليون دينار , في حين تم تخصيص ( 29,608,861,707 ) ترليون دينار للنفقات الاستثمارية , وهذا يعني استمرار هيمنة النفقات التشغيلية الجارية على اجمالي التخصيصات المالية بنسبة بلغت نحو ( 70% ) , وتشـكّل فقرة الرواتب والأجور الجزء الأعظم من هذه النسبة .

    انّ استمرار حالة الاتساع في النفقات التشغيلية من شأنه أن يؤدي الى تقليص حصة النفقات الاستثمارية اللازمة لمشاريع الدولة التنموية وإعادة الاعمار , والاستمرار في الاعتماد على القروض الخارجية كمبرر لانجاز هذه المشاريع . وتشير ورقة الإصلاح الى ضرورة اجراء التخفيض التدريجي للنفقات التشغيلية بجميع عناصرها والتي تشكّل فقرة الرواتب والأجور الجزء الأعظم منها , وذلك  بتخفيض هذه الفقرة من 25% من الناتج المحلي الإجمالي الى 12,5% خلال ثلاث سـنوات[4]  . الاّ انّ هذا الهدف يبدو صعبَ التحقيق في ظل الواقع الاقتصادي الحالي وما تضمنتهُ موازنة 2021 من مؤشـرات , اذ انّهُ يتطلب قبل تحقيقهِ اصلاحاتٍ هيكلية في قطاعات الإنتاج وتفعيل دور القطاع الخاص في توفير فرص العمل البديلة , كما يتطلب اصلاحاتٍ مالية في هيكل الموازنة , ولاسـيّما ما يتعلق بترشيد وضغط عناصر النفقات التشغيلية والتخلص من حالة الترهل في الجهاز الإداري الوظيفي بشــكلٍ تدريجي , بما يســهم في تحســين الأداء وزيادة إنتاجية الأعمال والوظائف الحكومية وتخفيف الأعباء المالية عن كاهل الموازنة العامة .

   وفيما يتعلق بالنفقات الاستثمارية , فانّ مشكلتها لا تكمن بانخفاض حصتها في الموازنة فحسب , وانّما أيضا في ضعف وعدم كفاءة الطاقة الاسـتيعابية في تنفيذ التخصيصات , والاشكاليات المتعلقة بالعقود الحكومية وبأساليب وآليات تنفيذ المشاريع , وهي مشاكل ليست بعيدة عن المعوقات التي تحول دون تحقيق شـراكة فاعلة بين القطاع الحكومي المعني بشـؤون الاستثمارات والجهات الأخرى ذات العلاقة بشـؤون المشاركة في المشاريع وأعمال تنفيذها . كذلك فانّ استمرار انخفاض نسبة التخصيصات الاستثمارية لقطاع الصناعة التحويلية والقطاع الزراعي وكذلك تطوير المشاريع الســياحية , يُعد من المعوقات المهمة لعملية التنويع الاقتصادي وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة في هذه المشاريع .  ومن ثم فانّ اصلاح هذا الجانب يُعد على قدرٍ كبير من الأهمية من أجل تعزيز دور الموازنة في الاستثمارات الحكومية التي ينبغي أن تقوم على أساس المعايير الاقتصادية في الانفاق وتحقيق المنجزات التنموية الحقيقية , والحد من حالات التلكؤ والفشـل الذي يصيب المشاريع الاستثمارية .

2.بلغت الإيـرادات المخططـة ( 101,320,141,984 ) ترليون دينار , وبايــرادات نفطية تــقـدر ب ( 81,171,112,500 ) ترليون دينار , وايرادات غير نفطية تقدر ب ( 20,149,029,484 ) ترليون دينار , أي انّ نسبة الإيرادات غير النفطية أصبحت تشكل نحو 20% من اجمالي الإيرادات المخططة , ونلحظ بأنّ هنالك زيادة في هذه النسبة مقارنة بما كانت عليه في الموازنات السابقة .

    وقد اســتندت الإيرادات النفطية على أساس سـعر نفط افتراضي (45) دولارا للبرميل , ويُعد هذا السعر متحفظا جدا في ضوء ما بلغتهُ أسعار النفط في الوقت الحاضر , حيث بلغ (سعر برنّت) ما يزيد عن (60) دولارا , وكان بالإمكان رفع سعر النفط الافتراضي الى (50) دولارا بغية زيادة الإيرادات وتقليص عجز الموازنة .

3.العجز الافتراضي المخطط | وقد بلغ هذا العجز ( 28,672,867,307 ) ترليون دينار , وكسـائر الموازنات السابقة نلحظ الاســتمرار في توليد مثل هذا الحجم من العجز الافتراضي والذي غالبا لا يتحقق في نهاية السنة المالية , وانّما غالبا ما يكون هنالك فائض مالي ينجم عن الفرق بين سعر النفط الافتراضي وسعر النفط الفعلي المتحقق , وكذلك عدم قدرة الأجهزة الحكومية على تحقيق التنفيذ الكامل للتخصيصات المالية المخططة . ولو أخذنا جانباً واحدا وهو أنّ معدل سعر النفط  خلال سنة 2021 سوف يكون في حدود (60) دولارا كسعرٍ فعلي , فسـوف لن يكون هناك أيّ عجزٍ فعلي في نهاية السنة المالية , حتى مع افتراض توفّر القدرة على تحقيق التنفيذ الكامل للتخصيصات المالية المخططة وبقاء الإيرادات غير النفطية على حالها .

    انّ  وجود هذا الحجم من العجز المخطط  في موازنة 2021 , قد أوجد  مســوّغا للاسـتمرار والتوســع في عقد القروض العامة من المصارف الحكومية المحلية والجهات الخارجية التي بلغت نحو (20) جهة خارجية لغرض تمويل العجز المخطط في موازنة 2021 , في الوقت الذي بلغت فيه تخصيصات خدمات الديون في هذه الموازنة ( 9,036,000,000 ) ترليون دينار لدفع أقسـاط وفوائد الديون السابقة . كما تضمّنت الموازنة الاسـتمرار في الاقتراض الخارجي من عددٍ من الوكالات والبنوك الدولية , بلغت نحو (23) جهة تمويلية خارجية أخرى لغرض تمويل المشاريع الاستثمارية لحساب الوزارات والمحافظات , في حين لم يبلغ الرصيد المدوّر لحساب وزارة المالية من السنة السابقة سوى ترليون دينار واحد لغرض المساهمة في تغطية العجز في موازنة 2021 .

    واســتنادا لما تقدم فانّ اســتمرار وجود هذه الاشــكاليات في اعداد الموازنة وتنفيذها , من شــأنه أن يؤدي الى تعطيل أية جهود للإصلاح المالي والاقتصادي والاســتمرار في اضعاف دور الدولة وموازنتها العامة في عملية التنمية الاقتصادية , فضلا عن تعطيل دور القطاع الخاص في تنمية وتطوير القطاعات الســلعية الإنتاجية , واســـتمرار اعتماد الأســواق العراقية على السلع والمواد المســتوردة .     

  

 

       

   

  

    

   

 

[1] بيانات الموازنات الاتحادية السنوية المنشورة في الوقائع العراقية | أعداد متفرقة .

[2] بيانات الموازنات الاتحادية السنوية المنشورة في الوقائع العراقية , وكذلك تقارير تنفيذ الموازنات السنوية | دائرة المحاسبة ــ وزارة المالية  .

[3] التقرير الاقتصادي السنوي للبنك المركزي العراقي لسنة 2019 , ص51

[4] ورقة الإصلاح ( الورقة البيضاء ) , ص 50