هل تصبح روسيا منافسا قويا لقناة السويس في النقل الدولي؟

      التعليقات على هل تصبح روسيا منافسا قويا لقناة السويس في النقل الدولي؟ مغلقة

 

م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

نيسان 2021

عام 1869 تم افتتاح قناة السويس واستغرق انشاءها 10 سنوات بطول 193 كم، لتكون طريقا حويا يختصر المسافة بين الشرق والغرب، ويتم نقل البضائع والسلع بالسفن المختلفة عن طريقها من اسيا الى اوروبا وافريقيا والامريكيتين وبالعكس بعد ان كانت التجارة العالمية من هذه المناطق تقطع طريقا طويلا عبر راس الرجاء الصالح، وقد دخلت الدول الاوربية ولاسيما بريطانيا حروبا عديدة لتكون هي المتحكم بهذه القناة، واستمر الحال حتى عام 1952، بقيام الثورة المصرية واعلان الجمهورية فيها،  ومن ثم تأميم القناة عام 1956 وقد دخلت مصر حروبا عديدة من اجل التحكم بها منها الحرب بين مصر من جهة وبين بريطانيا وفرنسا واسرائيل، وقد تمكنت مصر من تأميم القناة وعدها مصدرا مهما للدخل القومي المصري، ولا زالت قناة السويس تحظى بأهمية كبيرة، لقد جاءت اهمية القناة من اهمية النقل البحري للبضائع ونقل الاشخاص والقوات العسكرية في تلك الفترات، اذ كانت السفن تمخر عباب البحار وتجوب المحيطات وهي تنقل مختلف الاحمال والاغراض، اضافة الى السفن الحربية المختلفة، اذ لا زالت السفن تعد وسائل نقل مهمة وذات قدرات نقل كبيرة لا تضاهيها وسائل اخرى، الا ان مات يميزها عن غيرها هي سرعتها، اذ ان السفن بمختلف اشكالها واحجامها تعد بطيئة اذا ما قورنت بوسائل نقل حديثة اخرى مثل الطائرات والقطارات.

فقد اصبح التطور التكنولوجي والصناعي في القرن العشرين عاملا في تطور وسائل النقل ايضا وعدم اختصارها على وسيلة معينة، وبرزت سكك الحديد وهميتها للعالم منذ عام 1769، واصبحت من وسائل النقل المهمة ايضا على مستوى العالم، واصبحت العديد من الدول تبني سكك الحديد والقطارات الحديثة من اجل تسهيل والاسراع في نقل البضائع المختلفة، كذلك اصبح التنافس الدولي عاملا اخر في تطور وسائل النقل وتشعبها للوصول الى الاسواق العالمية الكبيرة، فقد برزت روسيا الى الواجهة في القرن الواحد والعشرين كطريق مهم للتجارة العالمية من دول جنوب وشرق اسيا الى الاسواق العالمي، وقد تبلور ذلك اكثر بعد حادثة جنوح سفينة الشحن التايوانية العملاقة “إم في إيفر غيفن” البالغ طولها 400 متر وعرضها 59 متراً في القناة، وادت الى توقف حركة العبور بالكامل لمدة اسبوع تقريبا، وهو ما حمل خسائر لمصر، كذلك خسائر لأصحاب السفن والتجار الدوليين لتوقف مرور السفن عبر القناة او اعادة خط سيرها عبر الرجاء الصالح وهو ما يحملها تكاليف اضافية ووقت اطول.

لقد اتجهت انظار العديد من دول اسيا والشركات التجارية الى روسيا كطريق مستقبلي لنقل البضائع الى الاسواق الاوربية عن طريق سكك الحديد، لا سيما وان المشروع الصيني والمسمى طريق الحرير ومن خلال تفرعاته المختلفة بعضا منه يمر عبر روسيا الاتحادية، وقد ذكرت بعض التقارير إن نقل البضائع بين أوروبا وجنوب وشوق اسيا ودول الخليج العربي على طول ممر النقل بين الشمال والجنوب، الذي يمر عبر سكك الحديد الروسية، سيستغرق نصف الوقت الذي يستغرقه النقل البحري عبر قناة السويس، وممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب هو طريق متعدد الوسائط من سانت بطرسبرغ الروسية إلى ميناء مومباي في (الهند) بطول 7200 كيلومتر، وهو طريق بديل لممر النقل البحري الذي يربط بين أوروبا ودول الخليج العربي والمحيط الهندي عبر قناة السويس، وهناك عدة مسارات لنقل البضائع عبر بحر قزوين (باستخدام السكك الحديدية والموانئ)، والغربية والشرقية (البرية)، باستخدام الموانئ الروسية على بحر قزوين، والطريق الغربي، خط رشت- أستارا (إيران)- أستارا (أذربيجان) خاو من خطوط السكك الحديدية المباشرة، لاسيما وان دخول روسيا على خط الازمة بين اذربيجان وارمينيا وتواجد قواتها في اقليم ناكورنو قرباغ جاء من اجل استكمال السيطرة على طرق النقل البرية من اسيا الى اوروبا، وفيما يتعلق بفترة الشحن عبر الممر “شمال – جنوب”، فان مسار الشحن إيران – فنلندا على سبيل المثال الشحن يستغرق 13 – 14 يوما، اقل من نصف المدة التي تمر عبر مسار قناة السويس.

ومما زاد من الاهتمام في النقل التجاري عبر روسيا هو الوضع المتوتر في منطقة الشرق الاوسط، والخشية من اغلاق قناة السويس او نشوب اعمال حربية فيها، خاصة وان هناك ازمة سد النهضة الاثيوبي واحتمال نشوب نزاع بين مصر واثيوبيا، كذلك ظهور الجماعات المسلحة في سيناء والتي يخشى ان تصل عملياتها الى القناة، كما ان هناك خطط امريكية اسرائيلية لإنشاء قناة ملاحية عبر صحراء النقب الفلسطينية تكون بديلا عن قناة السويس وهو ما قد يشعل تنافس وصراعات في المنطقة، يضاف اليه ضعف الطاقة الاستيعابية لمرور السفن الكبيرة عبر قناة السويس، اذ ان بتاء السفن اتسع من حيث الحجم والحمولات بينما لا زالت قناة السويس على وضعها السابق، اذ ان تطور بناء السفن وزيادة حجمها يحتاج الى توسيع القناة لكي تستوعب مرورها بسهولة دون حوادث، كما ان العبور عبر المحيط الهندي وبحر العرب الى باب المندب اصبح اكثر خطورة بسبب وجود عمليات قرصنة ادت الى احتجاز عدد من السفن بغرض طلب الفدية هو الاخر سبب في البحث عن طرق بديلة لقناة السويس.

كما ان التنافس الامريكي الصيني على اشده في العالم، وهو ما يقود الصين الى البحث عن حلفاء لها لتامين طرق تجارية بديلة عن الممرات المائية التي تشهد صراعات وتنافس دولي، كما ان اختصار الوقت في نقل البضائع وسرعت وصولها الى المستهلك تقلل من تكاليف النقل وصولها في الوقت المحدد، وهو ما تسعى اليه الشركات التجارية في العالم لزيادة ارباحها، كما ان الصين تطمح الى اظهار صناعتها في مجال السكك الحديدية وصناعة القطارات، فهي تمتلك قطارات فائقة السرعة ويمكن ان تصل سرعة هذه القطارات الى 350 كيلومتراً في الساعة، وبعضها بدون سائق يتم التحكم به عبر ((GPS ، وتقنية ((G5 ، وهنا فان الصين تريد ان تستفاد من صناعة القطارات للنقل وللتصدير لدول العالم الاخرى.

على الرغم من الميزات الكبيرة التي يتمتع بها النقل البحري على مستوى العالم، من حيث قطع المسافات الطويلة وبحمولات كبيرة تفوق اي واسطة نقل اخرى، الا ان النقل البري سواء بالشاحنات وسكك الحديد اصبح الان حديث الساعة وتنافس الدول على الاستحواذ على النصيب الاكبر منه، وروسيا الاتحادية وبسبب كبر مساحتها الشاسعة، وتوسطها بين الدول التي تملك الصناعات والاسواق – اي بين اسيا واوروبا؛ جعل منها موقعا فريدا ومهما للنقل البري ولاسيما بواسطة السكك الحديدية، فهي تريد ان تعوض خسائرها من انخفاض اسعار النفط والغاز، وتجعل من طرق النقل البري مورد اساسي لها الى جانب موارد الطاقة، كذلك تريد ان تبتعد عن مناطق التوتر العالمية في الشرق الاوسط وتطرح نفسها كبديل للمرات التجارة في الشرق الاوسط، يضاف اليه حاجة دول مثل الصين وايران الى روسيا في مواجهة العقوبات الامريكية من خلال تصدير منتجاتهم بطرق بعيدة عن اي مراقبة امريكية لمنعها، مستقبلا فان روسيا ستصبح ممر التجارة الدولية اذا استمر العداء الامريكي لدول صناعية كبيرة في اسيا مثل الصين.