الهدف الولايات المتحدة الامريكية من سحب قواتها العسكرية من افغانستان

      التعليقات على الهدف الولايات المتحدة الامريكية من سحب قواتها العسكرية من افغانستان مغلقة

 

ا.م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

ايار 2021

بعد احتلال استمر لمدة 20 عاما، تبدأ الولايات المتحدة السبت 1 ايار 2021، سحب قواتها وقوات حلف الاطلسي من افغانستان ، اذ قادت الولايات المتحدة حلفا عسكريا دوليا ضم اكثر من 36 دولة لإنهاء وجود القاعدة وحكم طالبان في افغانستان عام 2001 ، بعد احداث الحادي عشر من ايلول واتهام القاعدة بتفجيرات برجي التجارة العالمية في نيويورك، وتم اسقاط حكم طالبان الذي استمر لأكثر من 5 سنوات، وقد تكبد الطرفين خسائر بمليارات الدولارات وتدمير اغلب المدن الافغانية وعمليات التهجير، اذ اصبحت البلاد تعاني من تدهور امني وسياسي واقتصادي لم تشهده منذ عقود مضت، حتى ان مقتل زعيم القاعدة (اسامة بن لادن) عام 2011 في باكستان، وأنهاء حلف شمال الأطلسي مهمته القتالية في أفغانستان عام 2014، لم ينهي العمليات العسكرية والمواجهات بين طالبان والقوات الامريكية على الارض، مما دفع الولايات المتحدة الى عقد محادثات سرية مباشرة مع قادة طالبان في قطر عام 2018، قادها الموفد الامريكي الخاص (الافغاني الاصل) الى افغانستان (زلماي خليل زاده)، اذ كانت من شروط الاتفاق هو سحب القوات الاجنبية من افغانستان، وقد اثمرت في  29 فبراير 2020 عن توقيع اتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان في قطر تضمن بنودا سرية وعلنية، منها الانسحاب الكامل للقوات الأجنبية بحلول ايار 2021 ، وتعهد حركة طالبان اجراء مفاوضات سلام مع الحكومة الافغانية، وعدم التعرض للقوات المنسحبة، وقد اعلن الرئيس الامريكي (جو بايدن) في 14 نيسان 2021، سحب كل القوات الامريكية من افغانستان بحلول 11 ايلول 2021، وهو ما اعترضن عليه حركة طالبان لأنه يناقض اتفاق الدوحة، وفي 29 نيسان اعلن حلف الاطلسي ايضا انسحابا من افغانستان.

ان المتابع للأحداث في افغانستان، وطريقة اجراء المفاوضات المباشرة مع حركة طالبان التي تعدها الولايات المتحدة حركة ارهابية، واعلان الولايات الانسحاب الكامل مع علمها بان الحكومة الافغانية وقواتها غير قادرة على حفظ الاستقرار او مواجهة الجماعات المسلحة وحدها، فهي تعتمد اعتماد كلي على دعم قوات التحالف الامريكية، يرى ان هناك امورا خفية وراء هذا الانسحاب، قد تكون طريقا جديدا لإدارة الرئيس (بايدن) في ضرب بعض خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، فإدارة الرئيس الامريكي ترى ان قيام فوضى في افغانستان ستكون طريق جديد لمواجهة خصومها في المنطقة وتحجيم نفوذهم من خلال تحول جزء من قواتهم في مواجهة الصراع على حدودهم.

فعلى الرغم من دعوات ايران المتكررة الى سحب القوات الامريكية من افغانستان، وعدها عدوا لها، وانها عقدت اكثر من لقاء مع قادة الحركة في طهران، الا ان انسحاب القوات الامريكية بهذه الطريقة سوف يحدث فراغا امنيا لا يمكن لقوات الحكومة الافغانية وحدها ملئه، وان اندلاع اي مواجهات عسكرية بين حركة طالبان والحكومة الافغانية سيلقي بظلاله على ايران لأسباب عديدة، منها الجوار الجغرافي، وعلاقات ايران المتوترة تاريخيا مع حركة طالبان والاختلاف المذهبي، كذلك وجود اطراف تابعة لإيران يتوجب عليها دعمها، لهذا فان ايران في هذه الحالة سوف تتجه الى طريقين، اولهما هو دعم الحكومة الافغانية في حالة حدوث اي مواجهات مع حركة طالبان، والثاني قد تضطر للتدخل المباشر في افغانستان في مواجهة الحركات المتطرفة وحماية امنها وحلفاءها، في الحالتين فان ما تسعى له الولايات المتحدة سوف يتحقق، فهي بانسحابها من افغانستان سوف تدفع بمزيد من الازمات والمشاكل على ايران وهو ما يحد من نفوذها في الشرق الاوسط ويجعل جل اهتمامها حماية جبهتها الشرقية، مما يعطي الولايات المتحدة وحلفاءها ميزة على ايران في اي مفاوضات قادمة، لا سيما في مفاوضات الاتفاق النووي الحالية.

كما ان الاحداث الجارية في افغانستان ليست بعيدة عن روسيا الاتحادية والصين، فأفغانستان تشترك بحدود مع الصين من جهة الشرف بممر واخان، اذ ان اغلب سكان الولاية من المسلمين الطاجيك، مما يعطيها ميزة في تسلل عناصر مسلحة الى الصين لدعم مسلمي الايغور في مقاطعة شينجيانغ غرب الصين، مما يقود الى عامل ضغط على الصين ودفع اهتمامها الى الغرب لحماية امنها واستقرار منطقة الايغور.

بضاف الى ذلك فان اي حرب اهلية جديدة في افغانستان وتدهور الوضع الامني سيكون له عواقب على دول اسيا الوسطى وجنوب روسيا، اذ تتميز اسيا الوسطى بعدم الاستقرار الامني، وتتعرض بين مدة واخرى الى ازمات داخلية او مواجهات اقليمية، لاسيما وان افغانستان تضم في ثناياها اقليات من الطاجيك والاوزبك، لهم امتداد في دول مجاورة لأفغانستان وهما جمهوريتي طاجكستان واوزبكستان، اي ان التطرف الديني والتدهور الامني في افغانستان سوف ينتقل بسهولة الى بيئة اسيا الوسطى التي تضم هي ايضا مجموعات مسلحة جهادية قاتلت في الشرق الاوسط، وهو ما يمتد ايضا الى جنوب روسيا التي تضم مقاطعات اسلامية مثل الشيشان وداغستان واتتارستان والانغوش، وهي ايضا كانت مكان لبعض الفصائل الجهادية المسلحة والتي خاضت حروبا ضد روسيا، لاسيما حرب الشيشان في تسعينات القرن الماضي.

ان ما يؤكد انسحاب القوات الامريكية الغرض منه احداث فوضى في المنطقة هو جاء من خلال اتفاق مع حركة طالبان وبمفاوضات مباشرة، والتزام الحركة بعدم مهاجمة القوات الامريكية وقواعدها منذ توقيع الاتفاق عام 2020، واقتصار هجماتهم على قوات الحكومة الافغانية، خاصة وان بعض الوكالات -ومنها وكالة رويترز للأنباء؛ قد قالت ان  مقاتلي طالبان وفروا الحماية للقواعد الامريكية من هجمات مجموعات مسلحة اخرى مثل داعش، وهو من ضمن بنود الاتفاق السرية.

كذلك ان الولايات المتحدة لم تحقق الهدف التي جاءت من اجله وهو القضاء على الارهاب في افغانستان والذين تسببوا في احداث 11 ايلول 2001، وحلفاءهم من طالبان، كذلك لم تؤسس لاتفاق لوقف إطلاق نار دائم بين حركة طالبان والحكومة الافغانية، وهو ما يقود حتما الى حرب أهلية جديدة، مشابه لتلك التي اعقبت الانسحاب السوفياتي من افغانستان عام 1989.

ترك مصير مجهول لأفغانستان تحت رحمة حركة طالبان، اذ ان المفاوضات كانت اغلبها منصبة على الانسحاب الامن وعدم تهديد المصالح الامريكية، دون ان تكون هناك مفاوضات بين الحكومة وطالبان والوصول الى حل قبل الانسحاب، اذ ان تصريحات بعض المسؤولين الامريكيين –ومنهم رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارك ميلي ؛ توحي بالمستقبل المظلم لأفغانستان، فهو اكد ان خطر سقوط كابل بيد حركة طالبان قائم، وان اغلب ما تم التفاف عليه من بنود مع طالبان هو ضمان المصالح الامريكية في المنطقة.

يضاف الى ذلك وتزامنا مع الانسحاب العسكري الامريكي من افغانستان، فان الولايات المتحدة قد امرت طاقم السفارة غير الاساسيين بالمغادرة، وهو ما يمثل حجم التهديد المستقبلي لأفغانستان والمنطقة، فهي تريد حماية مصالحها وطاقم سفارتها، وانه من غير المستبعد ان يتم نقل ما تبقى منهم الى باكستان ان تطلب الامر.

ان سياسة الولاية المتحدة ولا سيما اثارة الفوضى في المنطقة دون النظر لعواقبها وهي السياسة التي استمرت منذ احداث 11 ايلول الى اليوم، فقد نفذت الولايات المتحدة حروب وغزوات عديدة في المنطقة والعالم بحجة مكافحة الارهاب، والتي كانت نتيجتها ارتفاع وتيرة الارهاب وتحوله الى جيوش كبيرة اجتاحت دول ومدن في المنطقة والعالم، ان هذه السياسية اصبحت سلاح بيد واشنطن بديلا عن الحروب المباشرة وتكاليفها، فهذا السلاح يعد سلاح فعال في مواجهة خصومها الدوليين والاقليميين.