تخفيض قيمة الدينار العراقي وإمكانية دعم الفئات محدودة الدخل للحد من أثر ارتفاع الأســعار

      التعليقات على تخفيض قيمة الدينار العراقي وإمكانية دعم الفئات محدودة الدخل للحد من أثر ارتفاع الأســعار مغلقة

 

أ. د عدنان حســين الخياط / باحث مشــارك في قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية – جامعة كربلاء

1 ايار 2021

لقد تعددت الآراء والمواقف من الاجراء الذي تم اتخاذهُ من قبل البنك المركزي في العشـرين من كانون الأول من العام الماضي بشــأن تخفيض قيمة الدينار العراقي مقابل الدولار , من ( 1190 دينار للدولار الواحد الى 1450 دينار للدولار الواحد ) . فعلى الرغم من وجود مســوّغات اقتصادية موضوعية لهذا الاجراء وما يحملهُ من أهدافٍ إصلاحية , الاّ انهُ أدى الى توليد تأثيراتٍ ســلبية على أســعار بعض الســلع والمواد , ولاســيّما المســتوردة منها التي تعتمد عليّها الأســواق المحلية في تلبية احتياجات المســتهلكين.

ومع انّ من جملة ما يمكّن أن يتحقق عن اجراء التخفيض من نتائج , إمكانية توفير ظروفٍ أفضل للمنتج المحلي تســاعد على تحفيز قطاعات الإنتاج وزيادة قدرتها التنافسية تجاه السـلع المسـتوردة المماثلة , الاّ انّ تحقيق ذلك لا يتم الاّ بصورةٍ تدريجية ومن خلال حزمةٍ من إجراءات الإصلاح الاقتصادي التي تســتهدف تطوير الواقع الزراعي واعادة تشــغيل المصانع والمعامل المحلية , العامة والخاصة والمختلطة , وتطوير خطوطها الإنتاجية من أجل زيادة مســاهمة هذه المشـاريع  في تلبية احتياجات الأســواق المحلية من الســلع والمواد والحد من الســلع المســتوردة . فضلا عمّا تتطلبهُ هذه الخطوة من اصلاحٍ  للسياسة التجارية وضبط المنافذ الحدودية وتفعيل تطبيق القوانين الاقتصادية , كقانون التعرفة الكمركية رقم (22) لسـنة 2010 , وقانون حماية المنتجات العراقية رقم (11) لسـنة 2010 , من أجل تعزيز أثر تخفيض قيمة العملة في النهوض بواقع مشـاريع الصناعات التحويلية والمشـاريع الزراعية العراقية .

لقد كان لدواعي اجراء تخفيض قيمة العملة المحلية ضمن الواقع الاقتصادي في العراق , من حيث علاقتهِ بالصادرات والاسـتيرادات , ظرفاً مختلفاً عن حالات التخفيض التي تلجأ اليّها بعض الدول الصناعية المتقدمة وبعض الدول المصدّرة للعراق لغرض دعم الصادرات من منتجاتها المصنّعة وزيادة قدرتها التنافسية في الأسـواق الخارجية , وهو ما يُعد شــكّلاً من أشــكال الإغراق في التجارة الدولية والذي يمكن التعبير عنهُ ب ( اغراق الصرف ) الذي تمارســهُ بعض الدول المصدّرة للمنتجات من أجل الاســتحواذ على مســاحاتٍ أوســع من الأســواق العالمية . في حين انّ التخفيض في الحالة العراقية كان أحدُ أهدافهِ الحد من مساهمة سعر الصرف السـابق في دعم الاسـتيرادات , فالعراق لا يمتلك من الصادرات غير النفط الذي تتحدد أســعارهُ والكميات المطلوبة منهُ في الأســواق العالمية , وذلك في محاولة للتقليل من نسـبة العجز المزدوج في ميزان الحســاب الجاري والموازنة العامة بســبب زيادة الاعتماد على الاســتيرادات في ظل انخفاض عوائد النفط والأزمة المالية .

ومن ثم فانّ أثر تخفيض قيمة الدينار العراقي في الحد من حالة التوسـع في العجز المزدوج في ميزان الحسـاب الجاري والموازنة العامة , يتضح من خلال ما يمكّن أن يمارســهُ التخفيض على تصحيح عمليات الاســتيراد , ومدى قدرة جهاز الإنتاج المحلي على التحفّز والتعويض عن بدائل من السـلع المســتوردة , وهو ما يعني أيضا مدى المســاهمة في توليد انعكاســات إيجابية على الجانب الدائن في ميزان الحســاب الجاري وعلى الايرادات المتحققة في الموازنة العامة من خلال الدور الذي يمارســهُ البنك المركزي المتعلق بتنقيد العوائد الناجمة عن صادرات النفط بالعملة الوطنية وفقا لســعر الصرف الجديد .

وقد سـاهمت نافذة بيع العملة للبنك المركزي وفق سعر الصرف الذي كان ســائداً قبل اجراء التخفيض , بتوفير كمياتٍ من الدولار الرخيص لتغطية جميع عناصر الطلب على الدولار , بما في ذلك الطلب لأغراض الاســتيرادات وذلك من خلال مبيعات الدولار التي بلغ معدلها لســنوات ما يزيد عن (200) مليون دولار يوميا . ورغم اتســاع هذا الحجم من مبيعات الدولار , الاّ انّ سـعر الصرف الموازي ظل يبتعد بفوارق واســعة في كثير من الأحيان عن الســعر الرسـمي في نافذة بيع العملة, وهو ما يعني تضخم أرباح ســوق الصرف الموازي التي بلغ مجموعها نحو ( 20,896,766 ) ترليون دينار خلال المدة 2004 ــ 2019 [1], والتي تمثّل اجمالي الفروقات المتحققة بين سـعر النافذة الرسـمي والسـعر الموازي خلال المدة المذكورة , وهو يعادل ( 1,306,048 ) ترليون دينار ســنوياً , وما يزيد عن (100) مليار دينار شــهرياً .

لقد شــكّلَ هذا المستوى من الأرباح التي تحققت في سـوق الصرف الموازي ( البورصّة ) قبل اجراء التخفيض , عاملاً مهماً في الحد من دور ســعر النافذة الرســمي في التأثير على أســعار السـلع المتداولة في الأســواق المحلية بما يتناســب مع مستوى الدعم الذي تقدمهُ نافذة بيع العملة , وذلك لكون أســعار الكثير من الســلع , ولاســيّما المســتوردة منها , انّما تقاس وفق معيار ســعر الصرف الموازي في ســوق العملة وليس على أســاس ســعر النافذة الرســمي رغم كونهِ منخفضاً .

انّ التخفيض لكي يســتطيع تحقيقَ أهدافهِ , وكذلك الحد من تأثيراتهِ الســلبية على أســعار المســتهلكين , لابد من الحفاظ على اســتقرارية التقارب التي حصلت بين سـعر النافذة والســعر الموازي بعد اجرائهِ , فضلا عن تقليل الطلب على الدولار وكبح عناصر الطلب غير الحقيقية التي تســهم في تشــجيع ســلوك المضاربة في ســوق الصرف, بما يســاعد على تعزيز رصيد الاحتياطيات الدولية لدى البنك المركزي .

ومن ناحيةٍ أخرى فقد أدى التخفيض الى توليدِ ظروفٍ في أســواق الســلع ســاهمت في ارتفاع بعض الأســعار بشــكّلٍ لا يتناســب مع تلبية الاحتياجات الضرورية للفئات الاجتماعية ذات الدخول المحدودة , ومنها فئات واسـعة من الموظفين والمنتســبين للقطاع الحكومي والمتقاعدين . ومهما تكّن أســباب ارتفاع الاســعار , ســواء ســعر الصرف , أو غيرهُ من الأســباب التي تتعلق بحالة المشاريع الإنتاجية المحلية وعدم قدرتها على توفير البدائل المعوّضة عن الســلع المســتوردة في ظل واقعها الحالي , أو اســتغلال ظروف التخفيض من قبل بعض المنتجين والبائعين , فانّ الواقع يُشــير الى انّ هنالك ارتفاعاً في الأســعار نجم عن التخفيض , ولاســيّما بالنســبة لأســعار الســلع ذات الارتباط  المباشــر بالدولار , كالأجهزة الكهربائية والســلع والمواد الغذائية المســتوردة والأدوية , وغيرها من ســلع الاســتيرادات .

ومن ثم فانّ عملية تحجيم هذا الأثر وتقليل تأثيراتهِ الســلبية على القوة الشــرائية لفئاتٍ مهمة من المجتمع , يتطلب بعض الإجراءات , نذكر منها ما يلي : ــ

أولا : تحقيق الإصلاح الجذري لنظام البطاقة التمويلية : لقد شــكّل نظام التوزيع العام للمواد الغذائية وفق البطاقة التموينية , أحد أوجّه الدعم والحماية الاجتماعية للفئات الفقيرة والعوائل من ذوي الدخل المحدود منذ عقد التسـعينيات من القرن الماضي , وقد كان هذا النظام شـاملا لجميع العوائل فقيرها وغنيّها عند تطبيقهِ من أجل التقليل من أثر الحصار الاقتصادي على العراق في تلك الحقبة الزمنية .

الاّ انّ نظام التوزيع العام في البطاقة التموينية قد اســتمرّ رغمَّ انتهاء الحصار الاقتصادي وعودة صادرات العراق النفطية للأســواق العالمية , وكان من المنتظر انتهاء المســوّغ لوجود هذا النظام والتحوّل عنهُّ نحو آليات للدعم الاقتصادي والحماية الاجتماعية أكثر كفاءةً وفعالية من خلال سـياسـاتٍ تنموية للنهوض بواقع الاقتصاد العراقي وتطوير القطاعات الإنتاجية وتوفير فرص العمل وتحســين الخدمات الاجتماعية وزيادة الاهتمام بسـياسـات تنويع مصادر الدخل والثروة . الاّ انّ فشــل الســياســات الاقتصادية في تحقيق هذه الأهداف جعل من اسـتمرار وجود نظام البطاقة التموينية أمراً ضرورياً في ظل ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في المجتمع , على الرغم ممّا لحق بحالة هذا النظام من تراجع ٍ وانخفاضٍ في كفاءة التوزيع ونوعيّة المواد , وقلة عدد المفردات الغذائية الموزّعة . ممّا جعل اسـتمرار هذا النظام في اطار واقعهِ الحالي عملية مكلّفة وضعيفة الكفاءة في ظل تراجع تأثيراتهِ في تحســين الحياة الاقتصادية والمعيشـية للفئات الفقيرة وأصحاب الدخول المحدودة .

ولم تُفلح المحاولات السـابقة التي جرّت لاصلاح هذا النظام , فقد كان هناك توجّهٌ للتعويض عنهُّ ببدلٍ نقدي في عام 2005 , ولم يتحقق هذا المقترح . كما تضمّن قانون الموازنة الاتحادية لسـنة 2009 وفق المادة (34ــ أ) نصّاً بتكليف وزارة التجارة بالتحوّل عن نظام التوزيع الشـامل نحو نظام الاســتهداف للطبقات الفقيرة وذات الدخل المحدود , الاّ انّ هذا الاســتهداف لم يتحقق أيضا , وكان من حُجبّت عنهم البطاقة التموينية منذ عام 2009 , أقلية محدودة من موظّفي الدولة ممّن تجاوزت رواتبهم (1,5) مليون دينار شــهرياً , وهم الذين التزمّوا بالتصريح بذلك لدى وكلائهم للمواد الغذائية , أما باقي الفئات الذين شُــملّوا بالحجب فقد اسـتمرّوا خارج عملية الاســتهداف وذلك لصعوبة حصر البيانات المتعلقة بدخولهم , ولاســيّما العاملين خارج نطاق القطاع الحكومي . ومن ثم فانّ محاولة الاســتهداف لعام 2009 لم يُكتب لها النجاح .

وبعد مرور هذه المدة الطويلة , تكررت محاولة الاســتهداف الآن من خلال التوجيه الذي صدر من مجلس الوزراء الى وزارة التجارة في آذار الماضي 2021 , بتوفير مفردات البطاقة التموينية والعمل بنظام الاســتهداف وحَجب البطاقة التموينية عن عددٍ من الفئات اعتباراً من الأول من حزيران 2021 . ويبدو من خلال هذا الاجراء الجديد إعادة الكَرّة مرةً أخرى , اذ انّ الفئات التي سوف تُحجب عنها البطاقة التموينية , هي نفســها التي تضمنتّها المحاولة السـابقة في عام 2009 والتي هي في حدود (10) فئات , ممّا يضع جهات تنفيذ هذا الاجراء أمام نفس المشاكل والصعوبات المتعلقة بالحصول على المعلومات الدقيقة حول العدد الحقيقي للأســر ضمن هذه الفئات , فهل نحتاج الى عشــرِ ســنواتٍ أخرى لكي تتحقق عملية الاســتهداف ؟ كما انّ الاكتفاء بتطبيق الاســتهداف ضمن المعلومات المتاحة سوف لن يؤديَّ الى تحقيق الغرض الأسـاس من عملية الاســتهداف بحصر البطاقة التموينية بالفئات صاحبة الحاجة الحقيقية بالدعم الحكومي للمواد الغذائية .

ان تقليل تأثيرات الضغوط الاقتصادية على الفئات الفقيرة والفئات محدودة الدخل , ولاسـيّما بعد اجراء التخفيض في قيمة الدينار العراقي وانعكاسـاته على الأسـعار , يتطلب تحقيق الإصلاح الجذري لنظام البطاقة التموينية من خلال التحوّل نحو نظام اســتهدافٍ فعّال يســتند على قاعدة بيانات تتعلق بالفقراء والفئات الأخرى محدودة الدخل وتكون قابلة للتحديث . انّ آلية الاســتهداف التي تعتمد مبدأ الأكثر حاجة ًواسـتحقاقاً , من شـأنها أن تحققَ نتائجَ أفضل في الوصول الى الفئات المســتهدفة المسـتحقة , وتعمل على تحقيق الربط الوثيق بين نظام البطاقة التموينية وتخصيصاتها , ونظام الحماية الاجتماعية وتخصيصاتها في الموازنة العامة , بما يسـهم في زيادة نصيب المسـتهدفين من النفقات العامة التحويلية والدعم الذي تقدمهُ الدولة لتقليل نسـبة الفقر في المجتمع , كما انّ الاسـتهداف لمســتحقي البطاقة التموينية لا يمكّن أن يحقق هدفهُ الاّ من خلال وجود توجّهٍ فعلي بتحسـين مفردات البطاقة التموينية , كماً ونوعاً , وتحويل حصص من حُجبّت عنهم الى مســتحقيها الحقيقيين .

ثانيا : تفعيل دور الجمعيات التعاونية الاســتهلاكية : يُعدُّ النظام التعاوني نظاما رديفاً ومكمّلاً لأيِّ نظامٍ اقتصادي قائم , وأيّة دولة هي بحاجة الى الأنشـطة الاقتصادية التعاونية ( الاسـتهلاكية والإنتاجية والزراعية , وفي مجال بناء المسـاكن ) , مهما بلغ تطورها ومسـتوى الرفاه الاقتصادي فيها , كما انّ مثل هذه الأنشطة تصبح أكثر أهميةً للدول النامية التي تنخفض فيها مسـتويات الدخول وتزداد مشـاكل الفقر والحاجة الى روافد سـاندة للحماية الاجتماعية التي تســهم في اشـباع الحاجات وتوفير سُــبل العيش الكريم لأبنائها من خلال المسـاهمة في توفير السـلع الاسـتهلاكية ومسـتلزمات المعيشـة الأخرى , كالمسـاكن , وفق أسـعارٍ وشـروطٍ تتناسـب مع امكاناتهم الاقتصادية , فضلا عن المسـاهمة في التنمية الاقتصادية ودعم نشـاطات التشـغيل والإنتاج .

ويُعدُّ العراق من أوائل الدول في المنطقة التي عملت على تشـريع قوانين للجمعيات التعاونية , فمنذ بداية عقد العشـرينيات من القرن الماضي عرف العراق النظام التعاوني وفق صيغتهِ الحديثة , حيث صدر أول تشريع للجمعيات التعاونية في عام 1922 وكان نطاقهُ محدوداً ضمن التعاونيات الزراعية . وفي عام 1937 تم انشاء أول جمعية تعاونية اسـتهلاكية في بغداد , هي جمعية الزعفرانية الاســتهلاكية . كما شــكّل عام 1944 منطلقاً لاتسـاع الحركة التعاونية في العراق بصدور أول تشريع على نطاق واسـع شــمل العديد من اختصاصات الأنشـطة التعاونية بعد تأسـيس ( الاتحاد العام للجمعيات التعاونية ) . وصدرّت بعد ذلك العديد من القوانين التي تنظّم عمل الحركة التعاونية , وقد بلغ عدد الجمعيات التعاونية عام 1967 نحو (800) جمعية تعاونية موزّعة على المحافظات . وكانت وزارة العمل تضطلع بمسـؤولية الحركة التعاونية في بداية الأمر من خلال (مديرية التعاون) , الاّ انّ اختصاصات هذه المديرية تحوّلت الى فروع الاتحادات التعاونية التي انتشـرّت في العديد من مناطق العراق . وفي عام 1971 بلغ عدد الجمعيات التعاونية نحو ( 1050 ) جمعية تعاونية تعمل في مختلف الاختصاصات[2] . وعلى صعيد الجمعيات التعاونية الاسـتهلاكية , فقد ازداد عددها من (79) جمعية في عام 1980 الى (368) جمعية عام 1993[3] , وقد سـاهمت الوزارات والمؤسسات الحكومية في تقديم الدعم لتنشـيط الحركة التعاونية وتقديم الخدمات للموظفين والمنتسـبين العاملين لديّها , ولاسـيّما في مجال المسـاعدة في توفير أراضي الســكن وبناء المسـاكن .

لقد تأثّرت الحركة التعاونية في العراق بمجمل الأوضاع الاقتصادية بعد عام 2003 , فتم تجميد عمل ( الاتحاد العام للجمعيات التعاونية ) , الاّ أنّهُ تمّت إعادة تشــكيلهِ بعد ذلك في نيسـان من عام 2011 وتغيير اســمهُ الى ( الاتحاد العام للتعاون ) , الذي ضمَّ نحو (300) جمعية تعاونية . ومع ذلك فانّ هذه الجمعيات قد تراجع دورها وأداؤها كرافدٍ مهم من روافد الحماية الاجتماعية والمسـاهمة في تلبية الاحتياجات المعيشـية للأفراد والتخفيف من الضغوط الاقتصادية الواقعة عليّهم , ولاسـيّما في أوقات الأزمات التي تزداد فيها الحاجة الى مزيدٍ من الدعم الحكومي للفئات المتضررة . ومن ثم فانّ تفعيل دور الجمعيات التعاونية وتمكين قياداتها المهنية المتخصصة من ممارســة أنشـطتها , بشــكّلٍ مســتقل , يُعدُّ من مسـتلزمات عملية الإصلاح الاقتصادي والتقليل من معدلات الفقر في المجتمع وتحســين الأوضاع المعيشـية لعموم الأفراد , فضلا عن امتصاص التأثيرات السـلبية الناجمة عن تخفيض قيمة الدينار من خلال ما توفّرهُ الجمعيات التعاونية من سـلع ٍ وخدمات.

ثالثا :  إمكانية دعم الرواتب بالدولار :  بقدر ما ينبغي أن يتم الاهتمام بالانعكاسات المتولّدة عن تخفيض قيمة الدينار على أسـعار المسـتهلكين وسُــبل الحد من هذه التأثيرات , فانّ مسـألة الحفاظ على علاقة تناسـب منضبّطة بين سـعر صرف النافذة الرسـمي وسـعر السـوق الموازي , تُعدُّ من الأمور الضرورية لمنع انفلات السـعر الموازي الى مسـتوياتٍ تؤدي الى زيادة الفجوة بين السـعرين . كما انّ الحفاظ على مسـتوى معقول من الطلب على الدولار في نافذة بيع العملة والتي انخفضت كمياتهُ بعد التخفيض , يمثّلُ ضرورةً أخرى لتعزيز رصيد الاحتياطيات الدولية للبنك المركزي والحد من عناصر الطلب غير الحقيقية على الدولار . وخلال الأربعة أشـهر الماضية التي مرّت على اجراء التخفيض , فانّ المؤشـرات في نافذة بيع العملة تشـير الى انّ مبيعات الدولار قد انخفضّت الى نحو ( 81 ) مليون دولار يومياً كمعدل لأيام الأشـهر الأربعة ( كانون الثاني ــ شـباط ــ آذار ــ نيسـان ) 2021 . الاّ انّ ظهور اتجاهٍ لتجاوز السـعر الموازي في سـوق العملة مسـتوى (1470) دينارا للدولار الواحد , أدى الى توليد ضغوطٍ  لزيادة الطلب على الدولار في نافذة بيع العملة والذي تجاوز في بعض أيام شــهر نيسـان 2021 , مسـتوى (200) مليون دولار يوميا , في حين بلغ معدل المبيعات لأيام شـهريّ آذار ونيسـان نحو ( 121 ) مليون دولار يوميا , بعد أن كان في حدود ( 42 ) مليون دولار كمعدل لأيام شـهريّ كانون الثاني وشـباط الماضيّين , الأمر الذي يُمهّد مرةً أخرى لاتســاع الفجوة بين السـعر الرسـمي والسـعر الموازي , ممّا يؤدي الى زيادة تأثيرات التخفيض على أسـعار المسـتهلكين .

ومن أجل الحد من الميول التصاعدية لسـعر الصرف الموازي في أســواق العملة وتأثيرهِ على مسـتويات الأسـعار , وكذلك الحد من زيادة الطلب على الدولار في نافذة بيع العملة , فانّ توفير الدولار يمكّن أن يشــمل فئات من الموظفين والمتقاعدين من خلال الحصول المباشـر ضمن رواتبهم الشـهرية , ووفق السـعر الرسـمي المقرر (1450) ديناراً للدولار الواحد وبنســبة 30% من الراتب الكلي . انّ هذه النسـبة من الرواتب المدفوعة بالدولار من قبل وزارة المالية , تُعدُّ جزءاً من كميّات الدولار المحوّلة للبنك المركزي والتي لا تحتاج الى التـنـقيـد بالعملة الوطنية , وانّما تُدفع مباشـرةً ضمن المدفوعات الشـهرية للرواتب التي تقوم بها وزارة المالية . انّ مثل هذا الاجراء من شــأنهِ أن يســاعد في اســتقرار الأســعار , ســواء ما يتعلق بســعر الصرف أو أســعار الســلع والمواد في الأســواق المحلية , ليس من حيث ما يُشــكّلهُ من أثرٍ مادي فحسـب وانّما أيضاً من حيث تأثيراتهِ النفســية والمعنوية على أســعار الســوق , فضلاً عن كونهِ يسـاعد في تسـهيل الحصول على بعض السـلع التي يتطلب شـراؤها بالدولار أو ما يعادلهُ من عملةٍ وطنية وفق الســعر الموازي , ممّا يشــكّل دعماً للقوة الشــرائية لفئاتٍ واسـعة من المجتمع التي تأثّرت من اجراء التخفيض .    

 

 

 

 

[1] النشــرات الإحصائية والتقارير الاقتصادية الســنوية للبنك المركزي العراقي لســنوات متعددة .

[2] ســامح سـعيد عبود : ( نشـوء وتاريخ الحركة التعاونية وتطورها ) , الحوار المتمدن ــ متاح على شـبكة الأنترنت .

[3] د. لطفي حميد جودة : ( واقع الحركة التعاونية الاسـتهلاكية في العراق ) , مجلة القادسية للعلوم الإدارية والاقتصادية , المجلد (8) العدد (4) , سـنة 2006 , ص 275 .