الحروب الخفية

      التعليقات على الحروب الخفية مغلقة

 

م. مؤيد جبار حسن /قسم الدراسات الدولية

واهمٌ من يظن ان البشرية التي افتتحت اقامتها الاولى على الارض بجريمة قتل ، ستعرف بسهولة طريقها الى السلام والوئام وتقبل الاخر بيسر.

متفائلٌ من يرى ان المعارك التي جرت وتجري وستجري هنا وهناك ، هي الوحيدة التي تنتهك السلم والامن الدوليين ، مع وجود معارك ضارية تدور تحت ستار الخفاء واللاعلنية ، قد لا تسفك فيها دماء ، ولا يحترق فيها بارود او ينفجر بها صاروخ.

حالة السلم الهشة ، ما هي الا سراب في عالم يشتعل بالصراعات ، ولحظة الهدوء تلك لا تتجاوز زمنها الدقيقة في عمر دنيا الحروب والحروب المضادة التي يسع لاشهر وسنوات طويلة. اطراف هذه الصراعات قد لا تكون بالضرورة حكومات وجيوش دول كبرى او وسطى ، فهناك دوما ما هو اكبر منها ويتحكم حتى بارادة ومصير الشعوب التي يقال عنها كذبا لا تقاد او تهزم.

مبدأ حسن النية في العلاقات الدولية ، أكثر من مجرد حبر على ورق اصفر، فالتعمد والاصرار ونظريات المؤامرة ما تحكم تلك العلاقات ، لدرجة تهبط فيها ارادة القائمين على الامر الى ادنى المستويات، فترى ان تفجير مزار في بلد اسلامي قد يدفع هؤلاء الى تفجير ملهى في امريكا الاتينية، بغض النظر عن عدد الابرياء الذين سيسقطون ، فالمسألة اكبر منهم ومن حياتهم، وربما لاجل استهداف شخص واحد لابأس من اسقاط طائرة تغص بالمسافرين ، او حتى افتعال استهداف ابراج ضخمة لاجل اقامة نظام عالمي جديد يقوم على الهيمنة العسكرية والوجود الصلب في المناطق الساخنة بالارهاب والبترول الاسود.

بمجرد ان تتابع اخبار العالم بتجرد تعرف كيف يتم التعامل مع الاحداث الجارية دون توقف، صراع خفي ، ضحاياه ليس بالضرورة ، طرفي النزاع او المتخاصمين انفسهم، لكن الترس من عامة الناس الذين سيمضون مع احلامهم الى الجنة الموعودة.

ميادين تلك الحروب ليس بالضرورة الارض او السماء، قد تكون وصلات الشبكة العنكبوتية حيث يهاجم قراصنة يجلسون في غرف مكيفة ومن امام شاشات حواسيبهم ، الامن القومي لدولة ما ويصيبوه في مقتل، ولان ليس كل شيء يعلن للعامة ، فالاخبار تكون مخففة عما حصل فعلا. او قد يكون الميدان مختبر علمي سري يطور فيه علماء واطباء ، خالفوا القسم الذي تعهدوا فيه برعاية صحة الانسان، فايروسات مهلكة تكون سلاحا بايلوجيا بيد دولة ضد دولة اخرى.وقد يكون الميدان قطاع التجارة او الصناعة او حتى صيد الاسماك من اعالي البحار والتنقيب عن النفط في اعماق المحيطات وغيرها الكثير.

ان الحروب الخفية لا تقل ضراوة عن الحروب التقليدية ، والانسان فيها اقل من مجرد رقم ، المهم فيها الغايات وتحقيق الاهداف ، بدون ضجة او دعاية اعلامية او خبرية. فليس المهم ان يعرف الجميع انك انتصرت لكن المهم انك حققت هذا النصر باقل الخسائر وكسبت اكبر المغانم. والانتصار هنا ليس باخلاق الفرسان وانما قد يعني الهرب من المعركة او الاتفاق مع عدو لضرب صديق او ذبح مواطنيك والصاق التهمة بغريمك ، والكثير من التصرفات التي لا يقبلها الضمير الحي ، لكن تنتهجها الدول في سبيل مصالحها وصراعها من اجل البقاء في غابة المجتمع الدولي المتنافر .