الانسحاب الامريكي من افغانستان وعودة طالبان… قراءة في الاسباب والنتائج

      التعليقات على الانسحاب الامريكي من افغانستان وعودة طالبان… قراءة في الاسباب والنتائج مغلقة

 

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم ادارة الازمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

 7 ايلول 2021

شهدت افغانستان عدة احداث منذ انسحاب الاتحاد السوفيتي منها عام 1989، فبعد تشكيل حكومة فيها بقيادة المجاهدين الافغان، سيطرت بعدها حركة طالبان على الحكم والذي استمر من 1996 الى عام 2001، اذ ادت احداث الحادي عشر من ايلول الى احتلال الولايات المتحدة للبلاد، ويعود نشوء الحركة الى تجمع طلبة المدارس الدينية المعروفة باسم طالبان (جمع كلمة طالب في لغة البشتون) في ولاية قندهار على الحدود مع باكستان عام 1994، على يد الملا (محمد عمر) والذي قتل في غارة امريكية عام 2013، وقد تلقت الحركة الدعم من باكستان، وينتمي اغلب أفراد حركة طالبان إلى القومية البشتونية والتي تشكل حوالي 38% من سكان افغانستان، وهي حركة إسلامية سنية على المذهب الحنفي، وتطبق الشريعة الاسلامية في الحكم، ومن اسباب نشوء الحركة وسيطرتها على البلاد عام 1996 هي الفوضى الامنية والحروب الاهلية وانقسام المجتمع الى مجموعات دينية واثنية مسلحة، والفساد المستشري وظهور طبقة زعماء الحرب، لهذا اعلنت ان اهدافها هو اعادة الامن والاستقرار وانهاء الفوضى ومنع الفساد وتوحيد الدولة انهاء كل المظاهر المسلحة الاخرى.

ان تحالف حركة طالبان مع القاعدة بقيادة (اسامة بن لادن) واتهام الاخيرة بمسؤوليتها عن أحداث 11 ايلول 2001 في الولايات المتحدة، وقيامها بشن حرب على حركة طالبان واحتلال افغانستان وهزيمة الحركة عام 2001 وهروب معظم قادتها الى خارج البلاد او في الجبال داخل افغانستان،  ورغم الاحتلال الامريكي فان الحركة استمرت في المقاومة للقوات الغازية وضد الحكومة الافغانية التي تشكلت بعد الاحتلال، والذي استمر لمدة عشرون عاما، وقد مرت فيها افغانستان خلال الاحتلال الامريكي بعدة تطورات سوى على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، بوجود نوع من الحرية والانفتاح وبناء المؤسسات، الا ان ذلك لم يدم، فقد اعلن الرئيس الامريكي السابق (دونالد ترامب) عن قيام مفاوضات مع حركة طالبان لسحب القوات الامريكية من افغانستان وبدأت المفاوضات مع حركة طالبان في قطر في 6 كانون الثاني عام 2020، وتم توقيع الاتفاق في 20 شباط 2020، بسحب كل القوات الأجنبية من أفغانستان في غضون 14 شهرا، تنتهي في 1 ايلول 2021، وبعد فوز المرشح الديمقراطي (جو بايدن) بالرئاسة في الولايات المتحدة وتسلمه الادارة في بداية عام 2021، بدا في تطبيق خطة الانسحاب من افغانستان وحسب الجدول المعلن، وقد كانت بعض شروط اتفاق الانسحاب هو اي تواصل مع القاعدة والحد من العنف في البلاد، كذلك عدم مهاجمة القوات الامريكية المنسحبة، واجراء مفاوضات مع الحكومة الافغانية حول مستقبل البلاد، الا ان وبعد الانسحاب الامريكي، وفشل المفاوضات بين الحركة والحكومة الافغانية بدأت الحركة في السيطرة على المدن الافغانية مستغلة الفراغ الامني وانسحاب القوات الحكومية، وهروب معظم المسؤولين الى خارج البلد ومنهم الرئيس (اشرف غني)، وهو ما مكن الحركة في سيطرتها كل البلاد، في ظرف ايام، هذه السيطرة التي فاجأت العالم، اذ لم يتبقى من القوات الحكومية او المعارضة للحركة الا مجموعات صغيرة في ولاية بانجشير الجبلية والتي تقود المقاومة ضد حركة طالبان.

ان انسحاب الولايات المتحدة حركة طالبان على افغانستان جاء لأسباب عديدة منها ما هو داخلي واخر اقليمي ودولي، ومنها:

  • داخليا، تعد حركة طالبان القوة الوحيدة في افغانستان التي تملك القوة البشرية والمادية من السيطرة على البلاد وتوحيدها وانهاء كل المظاهر المسلحة فيها، فبعد سنوات من الحرب الاهلية وسيطرة المجموعات المسلحة على اجزاء من البلاد تمكنت الحركة من السيطرة على كل افغانستان عام 1996، وتحقيق نوع من الامن والاستقرار، لهذا اصبح ينظر للحركة من قبل بعض الافغان بانها القوة القادرة على تحقيق الاستقرار والامن ووحدة البلاد، كذلك ضعف الجيش الافغاني وعدم تمكنه من مواجهة الحركة رغم ما يتمتع به من تفوق عددي وتسليحي، كذلك انقسام القيادة السياسية الافغانية ووجود صراعات بينهم على المناصب والحكم، اضافة الى الفساد المستشري، ثم هروب عدد منهم مع الانسحاب الامريكي من البلاد.
  • اقليميا، بعض الدول الاقليمية ذات التوجه الاسلامي السني مثل باكستان وبعض دول الخليج العربية تنظر للحركة بانها القوة المهمة التي يمكن الاعتماد عليها في مواجهة ايران في المنطقة وخاصة على حدودها الشرقية، يضاف الى ذلك فان جمهورية ايران نفسها تمكنت من فتح قنوات اتصال مع الحركة وسمحت لبعض قادتها من دخول ايران بعد احداث عام 2001، وقدمت الدعم للحركة في مواجهة القوات الامريكية المتمركزة في شرق ايران، لهذا فان الحركة تمكنت من استثمار هذا الدعم لمصلحتها وبناء قوة عسكرية وموقف سياسي قوي تجاه الولايات المتحدة في مفاوضات الدوحة، ومن ثم مكنها من مد نفوذها الى كل اجزاء البلاد.
  • دوليا، ان نشأت الحركة في بداياتها عام 1994 ، والذي حظيي بدعم امريكي ايضا، ولم يكن للحركة في بدايتها اي موقف عداء مع الولايات المتحدة، ولا يوجد تخوف امريكي منها، فقد رغبت الولايات المتحدة في ضرب الحركات الجهادية الأصولية الأفغانية بحركة اصولية متشددة، والتي سوف تتمكن من السيطرة على الساحة الافغانية، ومن ثم تتمكن من تطويعها في فلك السياسية الأميركية، هذا الهدف عاد نفسه بعد الاحتلال الامريكي والذي استمر لعشرون عاما، فقد اصبحت الحركة وسيلة فعالة للولايات المتحدة من مواجهة الصراعات الاقلية والدولية ضد مصالها في المنطقة من خلال اعادة الحركة الى افغانستان، اذ ان تشكيل دولة سنية في شرق ايران تماثلها في الشكل وتقابلها في القوة وتقود العالم السني هو هدف اساسي لإلهاء ايران وابعادها عن منطقة الخليج العربية لاسيما مع وجود توجه امريكي بخفض الوجود العسكري في المنطقة والذي يخشى ان تستثمره ايران لمصلحتها، كذلك ان فشل المنظومة الخليجية وخاصة السعودية من بناء قوة عسكرية ودينية في مواجهة ايران وبقاء اعتمادها على الحماية الامريكية هو ما دفع الولايات المتحدة الى الاتفاق مع حركة طالبان واعلان الانسحاب.

يضاف الى ذلك ان الحركة المتشددة ستكون ايضا سلاح فعال في مواجهة الصين وروسيا، اذ ان افغانستان تمتلك حدودا مشتركة من الصين ولا سيما في منطقة شينجيانغ المسلمة التي تشهد اضطرابات عرقية، كذلك لها حدودا مع جمهوريات اسيا الوسطى، اذ يمكن ان يمتد التطرف الى المسلمين فيها، والذي قد يمتد الى روسيا الاتحادية، يضاف الى ذلك فان اي اضطرابات وعدم استقرار فب افغانستان سيكون نهاية طريق الحرير الصيني الذي يمر عبرها.

  • دوليات ايضا، الصين وروسيا من جانبها تحاول ايضا كسب حركة طالبان الى جانبها وفتح لقاءات معها وهو ما حصل فعلا، لان حركة سياسية واحدة مستقلة تسيطر على افغانستان افضل من حكومة ضعيفة تهيمن عليها الاحتلال الامريكي، اضافة الى وجود موارد اقتصادية ضخمة في افغانستان يمكن للصين من عقد اتفاقا مع الحركة لاستثمارها خاصة مع حاجة الحركة للموارد الاقتصادية لتسيير امور البلاد وتحقيق اهدافها واستقرار المجتمع. كما ان دعم الحركة في مواجهة الوجود الاحتلال الامريكي هو هدف اساس لإنهاء التواجد الامريكي في المنطقة، اذ ان قدرة الصين وروسيا في ضرب الحركة وانهاء وجودها ان هي حاولت التدخل في هاتين الدولتين امر يمكن تحقيقه مقارنة بمواجهة الوجود العسكري الامريكي.

ان تمكن حركة طالبان من السيطرة على البلاد بهذه السرعة وخروج القوات الامريكي وترك كميات كبيرة من الاسلحة المتنوعة استولت عليها الحركة هو امر وان فاجأ العديد من الدول، الا ان ذلك لم يتم خارج الاتفاقات التي عقدت في قطر والتي اصبحت الاساس لهذا الانسحاب، كما ان التزام الحركة بتعهداتها وعدم مهاجمة القوات المنسحبة هو دليل اخر على التزامها بالاتفاقات المبرمة مع الولايات المتحدة، لهذا فان نتائج سيطرة الحركة على الحكم في افغانستان لا يخرج عن مشهدين الاول هو تشديد قبضتها على الحكم وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم اطياف اخرى معها، وكتابة دستور جديد للبلاد والالتزام بما تعهدت به امام المجتمع الدولي وعدم ملاحقة المواطنين او انتهاك حقوق المراءة، والاهتمام بالداخل الافغاني والابتعاد عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول الجوار، كذلك عقدها اتفاقات مع دول كبرى في مجال استثمار موارد الطاقة والموارد الاخرى المهمة لتحسين الاقتصاد الافغاني ومن ثم تحسين معيشة الشعب، وهو امر لا تلوح في الافق بوادره لا سيما مع تأخير الحركة في تشكيل حكومة افغانية مؤقتة لإدارة شؤون البلاد، يضاف اليه تمسكها في نهج اقامة امارة اسلامية ومهاجمة المعارضين عسكريا لا سيما في ولاية بانجشير وعدم الاستجابة لمطالبهم ومهاجمتهم عسكريا، وفرض الاقامة الجبرية على الرئيس الاسبق (حامد كرزاي)، ورئيس الوزراء (عبدالله عبدالله)، وعدد من الوزراء والمسؤولين، وعدم معاودة عمل الدوائر الحكومية، والتشدد ضد المراءة، وهو ما يقود الى المشهد الثاني وهو استمرار الصراع الداخلي الافغاني وظهور معارضة مسلحة واتساعها خاصة وان بوادها قد ظهرت في وجود حركة المقاومة في بانجشير والتي قد تمتد الى مناطق اخرى، وتدخل اقليمي ودولي ضد الحركة وهو ما يقود الى تحجيم دورها، ان سياسة الحركة وتوجهاتها الحالية بعيدة عن العمل السياسي السلمي فهي لا زالت تنتهج الحل العسكري وملاحقة المواطنين وعدم الاهتمام بإدارة البلاد من خلال تشكيل حكومة مؤقتة، وهو ما يؤكد ان المشهد الثاني وعدم الاستقرار هو ما يطيع الساحة الافغانية مستقبلا.