اثر الكوتا النسائية على العملية الديمقراطية في العراق

      التعليقات على اثر الكوتا النسائية على العملية الديمقراطية في العراق مغلقة

أثر الكوتا النسائية على العملية الديمقراطية في العراق

الدكتورة روافد الطيار

رئيس قسم الدراسات القانونية ،مركز الدراسات الاستراتيجية

تشرين الاول 2021

 

مفردة الكوتا ( quota ) تعنـي حصـّة أو نصيب … و النصيب هنا ليس مرتبطاً بقسمة الزواج و نصيبه .. بل هو مصطلح سياسي أستـُعمل لـزجّ المرأة (عـنوة ) في الحياة السياسية .. لمعالـجة إشكالية ضعف مشاركة النساء في العملية السياسية ومواقع صنع القرار و تواجد المرأة في المجال العام .. وهو إقرار بـحقوقها في العالم أجمع . تختلف نسب المشاركة النسائية من دولة لأخرى حسب الطبيعة الاجتماعية والثقافية والقوانين المقرة في كل بلد. ويُعد تمثيل المرأة في مواقع صنع القرار وسيلة لدعم النساء للمشاركة في الحياة العامة والسياسية لبلادهن على اختلاف خلفيات تلك النساء الطبقية والسياسية والاجتماعية والثقافية.

أشار الدستور العراقي لسنة 2005 إلى الحق في المشاركة الانتخابية على أساس من المساواة بين المرأة والرجل وقام المشرع العادي بتنظيمه في قانون الانتخابات رقم 16 لسنة 2005 ، بما يتفق مع مبدأ المساواة وروح الديمقراطية.

وفي عام 2020 تم الغاء قانون الانتخابات واستبداله بقانون انتخابات مجلس النواب العراقي رقم (٩) لسنة ٢٠٢٠، والذي نص على ” يشترط عند تقديم القائمة المفتوحة ان يراعى تسلسل النساء بنسبة امرأة بعد كل ثلاثة رجال.”

وأشار أيضا في (المادة -١٦) “أولاً: تكون نسبة تمثيل النساء بما لا يقل عن (٢٥%) من عدد أعضاء مجلس النواب.

ثانياً: تكون نسبة تمثيل النساء بما لا يقل عن (٢٥%) من عدد أعضاء مجلس النواب في كل محافظة.

ثالثاً: تحدد كوتا النساء لكل محافظة كما محدد في الجدول المرفق .

رابعًا: اذا أستنفدت الكوتا النسوية وفقاً لنتائج الانتخابات في المحافظة فلن تكون هناك عملية استبدال.

خامساً: يتم توزيع كوتا النساء في حالة عدم تحققها وفق البند (رابعاً) على النحو الاتي:

أ. تتم اضافة مقعد واحد (افتراضي) الى عدد النساء الفائزات لكل دائرة انتخابية .

ب. يقسم العدد الحاصل نتيجة العملية في الفقرة (أ) على العدد الاجمالي للمقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية لتحديد النسبة المئوية للفائزات من النساء في حالة الزيادة .

ج. يضاف مقعد واحد لعدد مقاعد النساء للدائرة الانتخابية التي حصلت على أقل نسبة مئوية.

د. اذا لم يتم استكمال العدد المطلوب لمقاعد النساء المخصصة للمجلس وفقا لما ورد في الفقرات (أ ، ب ،ج) سيكون هنالك عملية جديدة تبدأ من الفقرة (أ) مع حساب الزيادة التي حصلت مسبقا في الفقرة (ج) .

سادسًا: تتم اعادة هذه العملية حتى يصل العدد الاجمالي للنساء الى العدد المخصص للمجلس .

سابعًا: اذا حصل أثنان او اكثر من الدوائر الانتخابية على النسب المئوية نفسها تتم اضافة مقعد الى الدائرة الانتخابية الحاصلة على أقل عدد من الاصوات .

ثامناً: اذا حصل تساوي في عدد الاصوات الصحيحة سيتم اللجوء الى القرعة لتحديد أي من الدوائر الانتخابية التي يجب اضافة مقعد لها .

تاسعاً: اذا كان المقعد الشاغر يخص امرأة فلا يشترط ان تحل محلها امرأة الا اذا كان ذلك مؤثراً في نسبة تمثيل النساء .”

أستناداً للمادة المذكورة أعلاه أكد القانون على نسبة 25% للنساء وجاء بطريقة حسابية جديدة لم يؤخذ بها في القانون السابق من أجل ضمان تمثيل النسبة، وهي في حالة عدم تحقق النسبة المطلوبة يتم إضافة مقعد نيابي أفتراضي يضاف الى باقي المقاعد المخصصة للنساء ومن ثم يتم قسمة العدد الكلي للأصوات على العدد الجديد للمقاعد ويتم إضافة مقعد واحد للدائرة الانتخابية التي تحصل على أقل نسبة مئوية وهكذا لغاية أكمال العدد المخصص للنساء لكل دائرة.

مع أن النسبة المثبتة في القانون المذكور لا ترقى إلى النسبة التي حددها برنامج المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة والقاضي بتحقيق نسبة لتمثيل النساء في أجهزة الدولة العليا لا تقل 30% إلا أن قانون الانتخابات أوجد طفرة نوعية في مجال تمثيل المرأة في المجالس النيابية للدولة قياسا” بنسبة تمثيلها في برلمانات الدول النامية وحتى المتطورة منها .

ونتيجة لتطبيق نظام الكوتا في العراق حصلت المرأة العراقية في الدورة النيابية الاولى 2006-2010 على 78 مقعد من أصل 275 مقعد معتمدا على الكوتا و21 مقعد بدون كوتا.

اما الدورة الثانية 2010-2014 حصلت على 81 مقعد من أصل 325 عن طريق الكوتا و15 مقعد بدون كوتا.

وفي الدورة الثالثة 2014-2018 استطاعت الفوز ب83 من أصل 329 بواسطة الكوتا و20 مقعد بدون كوتا. وأخيرا حصلت في عام 2018 على 84 مقعد من أصل 329 بكوتا و22 مقعد بدون كوتا ، وكلك تشغل نسبة 11% من السلطة التنفيذية بواقع أمرأتان من أصل 22 وزيراً.

و كان للأمم المتحدة فضل الريادة في عقد المؤتمرات الدولية في الفترة مابين (1975 – 1995) والتي اهتمت بمناقشة قضايا المرأة وطرح الحلول لتنشيط المبادرات النسوية ولإنهاء الأوضاع التي تعيق حركتهن ، وقد بلغ ذلك حدا” اتخذت معه الأمم المتحدة من تلك الفترة عقدا” عالميا” للمرأة ، وارتأت فيه ضرورة الوصول بتمثيل المرأة في البرلمانات الوطنية إلى نسبة لا تقل عن 30% كحد أدنى.

وعلى الرغم من الطفرة المتزايدة في مشاركة المرأة في الأحزاب السياسية والمنظمات غير الحكومية والمدنية فأنهن ما زلن يمثلن نسبة ضئيلة في المراتب العليا والمناصب القيادية والتي تساعد في عملية سن التشريعات في صالح المرأة ومساواتها في المجتمع.

ولذلك فإن تطبيق نظام الكوتا النسائية لتوزيع المقاعد النيابية أسفر عنه نتائج ايجابية في ممارسة الوظيفة التشريعية ، إلا إن النساء بقين شبه غائبات عن الواقع السياسي إضافة إلى شغلهن المواقع الدنيا في الأحزاب السياسية ، كما إن مجلس الرئاسة المكون من رئيس الدولة ونائبيه خلال الفترات النيابية لم يضم أي امرأة .

و عند متابعة الكوتا النسائية في العراق ترى إنها طبقت شكليا وكما هو واضح في عدد من المقاعد النسوية في الجمعية الوطنية العراقية الانتقالية وفي 30 /كانون الثاني / 2005 حيث بلغ مجموع المقاعد النسوية ( 87 ) مقعد من أصل 275 مقعد أي ما يقارب الثلث أي العدد تجاوز النسبة المخصصة للنساء في قانون إدارة الدولة المؤقتة والبالغ 25 %. إلا أن المتتبع للتجربة الجمعية الوطنية التي استمرت قرابة العام الكامل إذ لم يسجل نشاط فاعل لهذا العدد الكبير من العضوات ،أي إن إشراك المرأة كان لمجرد ملئ الفراغات، ومن السلبيات التي رافقت تجربة المرأة البرلمانية هو انتمائها لأحزاب أعطتهم هذه المقاعد وحرضتهن على مقاعدهن الأمر الذي دفعهن إلى أن يأتمرن بأوامر وتوجيهات رؤساءالأحزاب والكتل السياسية التي وصلت إلى الجمعية الوطنية من خلالهم.

من وجهة نظرنا فإن نظام الكوتا النسائية كان خطوة ضرورية ومهمة للعملية السياسية العراقية بعد تغيير النظام السياسي عام 2003 كون ابتدأ عهد سياسي انتخابي جديد وكون المجتمع العراقي انذاك لم يتقبل وجود المرأة في السلطة السياسية والمجالس التمثيلة مع العلم إن النساء تشكل أكثر من نصف سكان العراق وبالتالي فهم يمثلون فئة كبيرة من المجتمع وهذه الفئة لديها مصالح ومتطلبات وحقوق تحتاج لمن يعبر عنها من داخل هذه الفئة.

أما اليوم وبعد مضي أكثر من خمسة عشر عام على العملية السياسية في العراق، فالسؤال الذي يطرح هنا: هل مازال المجتمع العراقي لايتقبل وجود المرأة في مواقع صنع القرار؟ وهل مازالت المرأة بحاجة للكوتا للوصول للمجالس النيابية بغض النظر عن حقيقة كفائتها وفعاليتها في العملية السياسية؟

اليوم وبعد مضي أكثر من خمسة عشر عام وهي فترة كافية لأثبات فكرة إن المرأة جزء أساسي من العملية السياسية لا يمكن أن تنجح بدون وجودها وهي تدور وجودا وعدما معها، إلا إن الامر الذي أصبح غير مقبول من الشارع العراقي هو وجود نساء غير كفوات في العملية السياسية. والكوتا هي السبب الوحيد لوجودها في العملية السياسية، لذلك نقترح على المشرع العراقي أن يراجع تشريعاته الانتخابية بما يضمن وجود كل شخص كفوء في العملية السياسية سواء كان رجلا أم أمرأة.

وتكاد تكون الانتخابات التشريعية الاخيرة 2021 خير دليل على ذلك حيث بحسب التحليل الأولي لنتائج الانتخابات، فإن المرأة العراقية تمكنت من الفوز بـ97 مقعدا بزيادة 14 مقعدا عن الكوتا المخصصة للنساء من بينها فائزتان من الأقليات، فيما أظهرت هذه النتائج فوز 57 امرأة بقوتها التصويتية من دون الحاجة إلى الكوتا.