الأزمة الأوكرانية.. من يساعد على تضليل الحقائق؟

      التعليقات على الأزمة الأوكرانية.. من يساعد على تضليل الحقائق؟ مغلقة

أ.م.د. سلام فاضل المسعودي: باحث مشارك

قسم التاريخ/ كلية التربية/ جامعة كربلاء

ما يراهن عليه حكماء صهاينة هو سطوة الإعلام، فهو أكبر منوم في التاريخ، يصفونه بأنَّه صندوق صغير يوضع في زاوية الغرفة، ويملي على الموجودين فيها باستمرار، ما يؤمنون به على أنَّه حقيقة. وما يتم تداوله على ألسنة السياسيين والإعلاميين، ما هو إلّا عبارة عن نقاط يختلف عليها الرأي العام، لتكريس الفرقة والتمزق.والحقيقة أنَّ الأحداث السياسية مرتبطة ببعضها، وحادثة تلد أخرى، وتبين سابقة لها. فالحرب العالمية الاولى مثلت نتيجة من نتائج حرب السبعين عاما عام 1870، ولم تندلع الحرب العالمية الثانية لولا مقررات مؤتمر فرساي المجحفة بحق الألمان، كما أنَّ صراع الحرب الباردة بعد الحرب العالمية الثانية، ما هو إلا نتيجة لاختلاف الحلفاء على المغانم في بوتسدام. لذا من الضروري النظر إلى الأحداث السياسية من جذورها التاريخية، والاطلاع على أصل المشكلة لتجنب اختلاط الحابل بالنابل، وضياع النتائج في خضم الأسباب. وإلا ما الفائدة المتوخاة من الثقافة السياسية، إن لم تقترن بالوعي السياسي المرهون بمعرفة الحقائق، وعدم الانجرار وراء التضليل الإعلامي المزيف.                                                                        

  إنَّ الحرب الروسية – الاوكرانية التي اندلعت مؤخرًا،وشغلت حيزًا مهما من الرأي العام العالمي، هي مربط الفرس هنا. ففي العراق مثلا وقع انصار السياسة الأمريكية في فخ الإعلام الغربي، لأنه يعبر عمَّا يؤمنون به على أنَّه حقيقة، وأيدوا الموقف الأميركي والأوربي،وتعاطفوا مع الحكومة الأوكرانية  دون معرفة من هو المعتدي، وظلوا يرددون ما يسمعونه عن الإعلام الغربي،الذي عادة ما يثلج صدورهم بالأراجيف. وفي المقابل أيد فريق آخر الاجتياح الروسي لأوكرانيا، ليس حبا بالروس بل نكاية بالأمريكيين بقطع النظر عمّن هو المعتدي. ولم يكن للإعلام الرسمي المشتت أي دور في توجيه الناس الوجهة الحقة، إذ أكتفت الحكومة بالدعوة إلى التهدئة بين الجانبين في بداية الأزمة، دون الالتفات إلى الانقسام في الرأي العام حول هذه القضية.                                                                        

 في دولة مثل الصين لم تغفل عن هذا الأمر، بعد أن لاحظت الحكومة الصينية أنَّ أغلب الصينيين يجهلون حقيقة ما يجرى في أوكرانيا. فبادروا إلى عرض الأزمة أمامهم على صورة قصة، تناولتها وسائل الإعلام الصينية، مفادها: أنَّ رجلاً “روسيا” تزوج من امرأة “أوكرانيا”، وقد أغدق عليها أموالًا، وقدَّم لها كل ما تريد، وأنجبت له أولادًا، وهم:لوغانسك، والدونيتسك، والقرم المقرب من أبيه”. وبعد فترة وجيزة بدأت الزوجة تغازل شاباً في القرية (أوروبا)، ولما علم بذلك زوجها حذرها وهددها بحرمانها من كل شيء، وتحريض حتى أولادها عليها. وقد تراجعت قليلاً، ثم ما لبثت أن عادت من جديد تغازل رجلاً غريباً آخر فيما وراء البحار (الولايات المتحدة)، وتحت ضغط مغريات هذا الرجل الغريب، قررت الزوجة التخلي عن زوجها، الذي هددها بحرمانها من أولادها، وتأديبها ومنعها من تسليم خيرات بيتها إلى ذلك الرجل، فتدخل بقوة ليعيدها إلى رشدها، غير أنّها قاومته بدعم من حليفها. وبهذا السيناريو الإعلامي تفهم الصينيون حقيقة الصراع الذي لم يفهمه غيرهم، وأدركوا أنَّ الروس معتدى عليهم، وأنَّ الأوكرانيين وقعوا ضحية الفتنة والتحريض في حرب لا هوادة فيها، ثمنها شعبهم وبلادهم. ويا ليت قومي يعلمون.