ملامح من الفكر السياسي عند سينيكا

      التعليقات على ملامح من الفكر السياسي عند سينيكا مغلقة

أ.م. د. حيدر خضير مراد اليساري

باحث مشارك في قسم الدراسات السياسية / مركز الدراسات الاستراتيجية / جامعة كربلاء

نيسان 2022م

    إنَّ تطور الفكر الإنساني في مختلف المجالات الحضارية، يُظهر مدى تقدم الإنسان والمجتمعات البشرية،ومدى تأثير تراكمات المعرفة الكمية والنوعية في هذا التطور، كما يشير إلى أهمية التجارب التي يمر بها الإنسان في صنع الحضارة، وتأمين الأفضل لحياة المجتمعات البشرية، ومن هذه الجوانب التي شهدت تطورًا مطردًا في ميدان الفكر السياسي، كأحد الجوانب الحضارية لحياة المجتمع الانساني، وكان هذا التطور والتقدم نتيجة لتفاعل ابداعات المفكرين، والظروف الخاصة للمجتمعات التي عاشوا فيها،فضلاً عن تأثير التراكمات المعرفية السابقة.

   ومن هؤلاء المفكرين الذين كان لهم تأثير واضح في ميدان الفكر السياسي، الخطيب والفيلسوف الروماني سينيكا، واسمه الكامل لوكيوس أنايوس سينيكا. ولد في قرطبة بإسبانيا سنة (4) قبل الميلاد، وتوفي سنة (65) ميلادية في روما بإيطاليا، ويعد من أبرز المثقفين الرومان في منتصف القرن الأول الميلادي(1). وهو ينتمي إلى تيار الفلسفة الرواقية، ذلك التيار الذي أسسه زينون باسم ” أهل الرواق” حوالي عام (307) قبل الميلاد(2). وقد اشتق هذا الاسم من الرواق الموجود في الساحة العامة في اثينا،والمزين بلوحات جدارية، حيث كان أعضاء المدرسة يجتمعون وتعقد محاضراتهم(3)، لذلك كان سينيكا يؤمن بحكم انتمائه لهذا التيار- بالحرية والعدالة والمساواة بين البشر،ونَظّر للقانون الطبيعي وكان ضد استعباد الناس(4).

    وفي ميدان الفكر السياسي، كان سينيكا يميل لوجود السلطة الحاكمة، حتى لو كانت ظالمة فهي أفضل من الفوضى، وكان ضد إشراك عوام الناس في صنع القرار السياسي والحكم، وقد نَظّر لمفهوم الحاكم المستبد المستنير، ولو بطريقة متناثرة في أعماله وآرائه السياسية، وسبق بذلك فولتير (1694-1778) الذي يعدّ أبرز من نظّر لهذا المفهوم(5).

  وقد ذهب إلى أنَّه عندما تسوء الأمور وتستشري الفوضى، إلى الحد الذي لم يعد معه موضع للتساؤل، عمّا إذا كان لزامًا أن يقوم الحكم المطلق، بل التساؤل هو عمّن عساه يكون الطاغية؟ بل انكى من ذلك انه بلغ به التشاؤم، إلى حدالزعم بأنَّ الاعتماد على الطاغية، أفضل من الاعتماد على الجماهير، إذ إنَّ جمهرة الشعب من الشر والفساد، بحيث تغدو أكثر قسوة من الحاكم الطاغية على حد قوله(6). وهكذا تصور سينيكا الحكومة المطلقة بوصفها علاجًا ناجعًا للشر المتأصل في النفوس البشرية(7)، وعلى الرغم من السمة التشاؤمية والرجعية التي اتصفت به فكرته عن تفضيل الحكم المطلق، إلّا إنَّها شكلت البواكير الأولى للتطورات اللاحقة، التي شهدتها الأفكار السياسية، حول السلطة الحاكمة وأهميتها، كما أنَّها تضمنت بذور نظرية العقد الاجتماعي، التي اكتملت ملامحها فيما بعد، على يد الفلاسفة والمفكرين اللاحقين، وبذلك يعّد المفكر الروماني سينيكا من أبرز المفكرين القدماء، الذين أسهموا في وضع الأسس واللبنات الأولى للفكر السياسي الغربي، وفي دراسة الجوانب المختلفة للسلطة الحاكمة، وأهميتها في الفلسفة السياسية للعقل الغربي.

الهوامش :

(1) لوكيوس سينيكا ، ويكيبيديا ، الموسوعة الحرة ،

https://ar.wikipedia.org/wiki/

(2) مصطفى النشار ، تصدير الترجمة العربية لكتاب لوكيويس أنايوس سينيكا عن الإحسان ، ترجمة : حمادة احمد علي ، ط1( القاهرة :آفاق للنشر والتوزيع ، 2018م) ، ص5.
(3) الرواقية، موسوعة ستانفورد للفلسفة، ترجمة: ناصرالحلواني، حكمة، 2019م، الرابط على الانترنيت:

https://plato.stanford.edu/archives/spr2019/entries/stoicism

(4) محمد البدر، تاريخ الفكر السياسي/ الفكر السياسي الغربي/9/ سينيكا، 21– 6– 2020م، مقال منشور على موقع وكالة انباء براثا، الرابط الالكتروني:

http://burathanews.com/arabic/studies/371281

(5) محمد البدر، تاريخ الفكر السياسي، عن الانترنيت:

http://burathanews.com/arabic/studies/371281

(6) جورج سباين، تطور الفكر السياسي، ترجمة: حسن جلال العروسي، (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، د.ت)، ج2، ص71 .
(7) سباين، تطور الفكر السياسي، ج 2، ص76.