التعددية في منهج أهل البيت (عليهم السلام)

      التعليقات على التعددية في منهج أهل البيت (عليهم السلام) مغلقة

م.د. أحمد فاضل حسون/ قسم الدراسات السياسية

جامعة كربلاء/ مركز الدراسات الاستراتيجية

نيسان 2022

 

خُلق بنو البشر مختلفين في الجسد والسلوك والتصرفات وطريقة العيش، وهذه الكينونة التي خُلِق عليها الإنسان، لها أبعادها في حياته اليومية، فكل مجموعة من البشر تعيش بنظام خاص، فخلق لنا تعددية التكوين والبناء للمجتمع، وهذا التكوين الرباني لطبيعة الإنسان، انعكس على مختلف جوانب الحياة المادية والمعنوية. وعلى وفق هذا الاختلاف، كيف تستطيع الجماعات البشرية أن تعيش؟

في بادئ الأمر، حدثت صراعات بين تلك الجماعات، وكل مجموعة تحاول أن تقتات على الأخرى، حتى وصل الأمر إلى اتجاهين: الأول: نزول الرسالات السماوية، فقد نزل لكل أمة رسول ونبي أو أكثر، يلائم طبيعة الحياة التي تعيشها، يرشدهم ويصلح ذلك الاختلاف مع الجماعة الأخرى، والثاني: أنَّ تلك الجماعات المختلفة الخلق والأطباع، أدركت أنَّ صراعها المستمر سوف يؤدي بها إلى الخلاص والانقراض، مما أجبرها على أن تتطلع إلى الجماعات المحيطة بها، وتتعرف عليها، ومن ثَمَّ تنظيم تفاصيل جوارها معها.

وفق ذلك التأصيل، برزت لنا مفردة التعددية من بين مفردات كثيرة، ظهرت مع حياة الإنسان على وجه المعمورة، لكل مفردة وظاهرة في المجتمع يعيشها الناس أكثر من جانب، وهذه الجوانب مرتبطة بآليات تسخير تلك الظاهرة، ومدى الاستفادة منها في صناعة مجتمع ناجح وصالح أو مجتمع فاشل.

إنَّ ذلك الجعل الإلهي للتعددية، أعطى شرعية لجميع الجماعات المختلفة في التعايش، وفي التعبير عن نفسها، وفي الوقت نفسه المشاركة على صعيد تسيير الحياة في مجتمعها، ومع تطور الحياة اليومية بكل جوانبها الفكرية والمادية، وعلى مختلف الصعد.

ازدادت التعددية وكثرت، مما ولد ردة فعل من قبل المصلحين عنها، لإفهام الناس بأنَّها رحمة وليس نقمة، وما حدث من سلبيات عنها فهو سوء استعمال، إذ اهتم أهل البيت (عليهم السلام) فيها، لاسيما التعددية الفكرية والتنوع الثقافي والتخصص العلمي، وأكدوا على اتباعهم على المضيّ فيه وبجميع العلوم؛ كونهم كانوا قد أدركوا منذ البداية خطورة سوء الاستعمال لهذه المفردة، ومن جانب آخر، أدركوا (عليهم السلام) أهمية التوسع في مجالات العلوم الإنسانية والطبيعية، وما سوف يشهده العالم من آفاق المعرفة، وما سيحصل من صراعات فكرية وانحرافات عقائدية، كما حصل مع تيارات الإلحاد، والزندقة، والغلوّ، والتعصب، واتّباع الرأي والهوى، والاختلاط بالحضارات اليونانية والهندية والفارسية والبيزنطية .

ولذلك نجد المتخصصين في هذه العلوم، ليس في العصور المتأخرة من التاريخ الاسلامي فحسب، إذ تشعّبت الأمور الثقافية واتّسعت، بل نشاهد هذا النوع من التخصص والتفكير فيه منذ بداية القرن الثاني الهجري، وبتوجيه خاص من الأئمة (عليهم السلام) أنفسهم، إذ نشاهد متخصصين بعلم الكلام، مثل: هشام بن الحكم، وفي الإفتاء، مثل: زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم، وفي القرآن، مثل: أبان بن تغلب، وفي التاريخ، مثل: أبان الأحمر البجلي، وسليم بن قيس، ولوط بن يحيى، وفي العلوم الطبيعية، مثل: جابر بن حيّان الذي علّمه الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) علم الكيمياء، وكان واضع أسس هذا العلم، والمفضل بن عمر، وغيرهم من كبار العلماء المتخصصين ([1]).

ولا يعني هذا التخصص – بطبيعة الحال – الانصراف عن تعلّم بقيّة العلوم الأخرى، بل كانوا يتناولونها بالبحث والمعرفة، إلى جانب الاهتمام الأكبر بأحد العلوم والموضوعات، لتصبح الحركة الثقافية ذات طبيعة شمولية تتسم بالعمق والقوة.

إنَّ هذه الشمولية من ناحية، والاختصاص من ناحية أخرى، هي معالجة واقعية للتصدي للتعددية السلبية، إذ كانت منهجًا في البناء الثقافي لهذه الكتلة، من أجل مواجهة المتطلبات، وملء الفراغات، وسد الحاجات التي تحتاجها الجماعة من ناحية، وإعطاء الجماعة استقلاليتها في البناء والحركة والاعتماد على الذات من ناحية أخرى، ومن أجل أن تأخذ موقعها([2]).

وهذه التعددية الإيجابية التي اتبعها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) من الناحية الفكرية، تنسحب على جميع أنواع التعدديات، كالتعددية السياسية (المشاركة في الحكم)، والاقتصادية في الحياة العامة، بصفتها منهجية أو مسار لخدمة المجتمعات عامة، متى ما سارت عليها ستجعلها تتجاوز الكثير من المشكلات التي يعاني منها المجتمع.

 

[1] الحكيم، دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ج1، ص131.

[2] الحكيم، دور أهل البيت في بناء الجماعة الصالحة، ج1، ص131.