الطعن بعدم دستورية نص المادة (41) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل بحق تأديب الزوج لزوجته

      التعليقات على الطعن بعدم دستورية نص المادة (41) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 المعدل بحق تأديب الزوج لزوجته مغلقة

 

الباحثة : م. هناء جبوري محمد

جامعة كربلاء / مركز الدراسات الاستراتيجية

10/4/2022

تقتضي قوامة الرجل في الإسلام أن يكون له حق تأديب زوجته عند نشوزها، وهي معصية الزوج، والنشوز مأخوذ من النشز أي الارتفاع، فكأنَّها ارتفعت وتعالت عمّا أوجب الله عليها من الطاعة، يستند هذا الحق إلى مضمون الآية الكريمة: ﴿وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا﴾. وإلى قول الرسول محمد (صلى عليه وآله وسلم) في حجة الوداع: (استوصوا بالنساء خيرا فإنَّما هنَّ عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلّا أن يأتينَ بفاحشة مبينة فإن فعلْنَ فاهجروهُنَّ في المضاجع واضربوهُنَّ ضربًا غير مبرح فإن اطعْنَكُم فلا تبتغُوا عليهن سبيلا). ومن المتفق عليه أنّ المعاصي لا حدَّ لها، ويندرج في مقابلة غير المحارم، الخروج دون إذن، وعصيان أوامر الزوج، وتبذير مال الزوج، وترك فرائض الله إذا كانت مسلمة، وصدور خطأ عنها يلحق الضرر بالأسرة، وتثاقلها على الزوج إذا دعاها… الخ.

يرى الإمام مالك وأبو حنيفة أنَّ الضرب لا يكون لأول معصية، بل لتكرارها والإصرار عليها، ويترتب على الأخذ بهذا الرأي، أن يعاقب من يضرب زوجته لأول أو ثاني معصية، أمّا من يضربها لثالث معصية فلاعقوبة عليه، لأنَّه أستعمل حقه في حدوده المقررة، كما يعاقب من ضرب زوجته عند المعصية الثالثة، في حال لم يكن وعظها أو هجرها قبل ذلك. ويذهب الشافعي والحنبلي إلى رأي آخر، فمن حق الزوج ضرب زوجته سواء تكررت المعصية أم لا، وسواء سبق الضرب وعظ الزوجة وهجرها، أو لم يسبق على أساس أن عقوبات العاصي لا تختلف بالتكرار، لأنَّ (الواو) في قوله تعالى: ﴿فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ جاء لمطلق الجمع وليس للترتيب.

ويُعرَّف الضرب بأنَّه: الضغط على الجسم دون أن ينشأ عنه قطع أو تمزق، وقد لا يترك أثرًا البتَّة. وكما يحصل بالعصا يحصل باليد والركل بالقدم. ولا يشترط أن يكون الضرب على درجة معينة من الجسامة، ومن ثَمَّ يجب العقاب عليه ولو لم يؤدِ إلا إلى ألم بسيط مؤقت، وهو ما يعبر عنه بالضرب البسيط، أمَّا العنف فهو تعبير عن حالات الاعتداء التي لا تبلغ من حيث الجسامة درجة الجرح أو الضرب أو إعطاء مادة ضارة، ويعدُّ من قبيل العنف التهديد باستعمال السلاح أو بإطلاق الرصاص فوق رأس المجنى عليه.

      حد الضرب: إنَّ حق الزوج في ضرب زوجته إجراء وقائي يقصد منه الإصلاح، أي الضرب غير المبرح بعيدًا عن الوجه والمواضع المحسنة والمخوفة، كالبطن وذلك حفاظًا على كرامة المرأة، وأن لا يترك أثرًا ولا يحدث عاهة في جسمها، فلا يجوز للزوج أن يخرج عن حدوده، وإلا عدَّ فعله اعتداءً لا تأديبًا. إنَّ التأديب ليس واجبًا على الزوج، بل هو حق له، واستعمال هذا الحق مقيد بشرط السلامة، وبخلافه يتعرض الزوج إلى المسؤولية الجنائية والمدنية.

ومما تقدم ينبغي استعمال هذا الحق في الحدود المقررة لاستعمال الحقوق بصفة عامة، وهذا الحق بصفة خاصة على ما هو مرسوم في الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف، ومنه يتبين أنَّ حق تأديب الزوجة مقيد من حيث الوسيلة، فلا يكون إلا بوسيلة من ثلاث: (الوعظ والهجر في المضجع والضرب غير المبرح)، أي: الضرب الخفيف. وعليه إذا صار الزوج إلى وسيلة غير ما ذكر في المتن، كان متجاوزًا حدود حقه في تأديب زوجته. وفي هذا الصدد تقول محكمة التمييز: إنَّ السب والشتم والقذف ليست من الأمور التي تدخل في حدود تأديب الزوج لزوجته، المشمولة بالمادة (41) عقوبات، ويعاقب الزوج عن ذلك بموجب المادة (434) عقوبات. القرار رقم (115) في 11/6/1974 (النشرة القضائية –السنة الخامسة- العدد الأول، ص408) .

والوسيلة الثالثة (الضرب) هو الذي يبدو تعارضه مع أحكام قانون العقوبات، والذي عليه بنى المدعي ادعاءه للطعن، بعدم دستورية نص المادة (41) من قانون العقوبات، التي تبيح استعمال هذا الحق. لكن الرأي في الفقه الاسلامي أنَّ الضرب المباح للتأديب، هو الذي لا يكون شديدًا ولا شائنًا، فالضرب المباح للتأديب يجب أن لا يترك أثرًا ولا يصيب الوجه مطلقا.

وحكم (بأنَّ اعتداء الزوج على زوجته بضربها على وجهها، وجر شعرها في الشارع العام أمام المارين، يخرج عن حدود التأديب المسموح به للزوج على زوجته، ويشكل جريمة طبقًا للمادة (415) عقوبات). (قرار محكمة التمييز رقم (452) في 9/5/1976، مجموعة الأحكام العدلية، السنة السابعة، 1977، العدد الثاني، ص372).

وثَمَّة قيد آخر تشير إليه الآية الكريمة والحديث النبوي الشريف، وهو وجوب أن يكون الزوج قاصدًا به تحقيق الغاية التي من أجلها شُرّع حق التأديب، هذه الغاية هي إصلاح حال الزوجة، وضمان عدم خروجها عن الطاعة. فإن كان الزوج سيء النية، وبه غرضًا آخر كالانتقام أو مجرد الايذاء، الأمر الذي يجعل فعله غير جائز يستحق عليه العقاب. وختاما نرى ضرورة إعادة صياغة نص المادة (41/1) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969، بشكل أكثر تفصيل ودقة، ولاسيما ما يخص أن يكون التأديب وفق ما هو مقرر عرفًا، فهنا جاء النص مطلقًا، وبذلك يعطي الحق وبشكل مطلق للزوج وفق العرف، فالأعراف وفق البيئة التي يعيش فيها الزوج، قد تحكم باستعمال وسائل لتهذيب الزوجة شديدة، ولا يقرها الإسلام والقانون، لذا فمن واجب المشرع تقييد هذه الاعراف، بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية الغراء فقط.