الاحتجاجات في إيران… قراءة تاريخية في الأسباب والنتائج

      التعليقات على الاحتجاجات في إيران… قراءة تاريخية في الأسباب والنتائج مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجيةجامعة كربلاء

تشرين الاول 2022

     شهدت إيران خلال تاريخها الحديث عدة انتفاضات واحتجاجات قادت بعضها إلى تغيير فيتوجهات السلطة الحاكمة، وبعضها الآخر أدى إلى تغيير السلطة نفسها، فقد الغت ثورة التنباك عام 1890 امتياز حقوق احتكار التبغ الذي منح لبريطانيا في عهد الملك (ناصر الدين شاه)، ثم جاءت الثورة الدستورية التي قادت إلى إجبار سلطة الملك (مظفر الدين شاه) على تأسيس دستور أو ما سمي حينها المشروطية ومجلس النواب، ثم جاء ابنه (محمد علي شاه) الذي حاول إلغاء الدستور وحل المجلس، إلا إنَّ الانتفاضة اجبرته على التنازل عن العرش لابنه (احمد شاه)، الذي أعاد العمل بالدستور والمجلس حتى سقوط اسرة القاجار عام 1925، وتسلم (رضا بهلوي) الحكم ملكا على ايران، واستمر في الحكم حتى عام 1941 عندما اجبره الحلفاء على التنازل لابنه (محمد رضا شاه)، الذي واجه ثورتين: الأولى قادها (محمد مصدق) عام 1950، الذي تسلم رئاسة الوزراء لغاية 1953، بعدها تم القضاء على هذه الثورة بالتعاون بين السلطة الملكية الايرانية والمخابرات الأنجلو-امريكية، والثورة الثانية التي اسقطت الملك والملكية هي الثورة الايرانية عام 1979، والتي قادها (آية الله الخميني)،وتم تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية، والتي اسست لمرحلة جديدة من الحكم الدستوري لولاية الفقيه والانتخابات في التداول السلمي للسلطة والتحديث والتنمية والابتعاد عن سياسة المحاور، وأصبحت إيران قوة اقليمية في المنطقة.

 ورغم قوة الدولة الايرانية ورسوخ نظامها السياسي الاسلامي ووجود قبول مجتمعي واسع له، إلا إنَّه واجه هو الآخر عدة مظاهرات وحركات احتجاجية نتجت عن حوادث عرضية في المجتمع، فقد حدثت أولى هذه الاحتجاجات عام 1999 في عهد الرئيس الاصلاحي (محمد خاتمي)، وسببها اغلاق صحيفة سلام الاصلاحية واقتحام قوات الامن الحرم الجامعي في جامعة طهران ومقتل احد الطلبة، ثم جاءت احتجاجات عام 2009 بعد انتخابات الرئاسة الايرانية وفوز الرئيس (احمدي نجاد) بدورة رئاسية ثانية وخسارة الاصلاحيين، مما فسر حينها بوجود تزوير في نتائج الانتخابات، وقد سميت حينها بالثورة الخضراء لرفع المتظاهرين الأعلام الخضراء،ورغم كل الدعم الغربي لها على غرار الثورات الملونة، إلا إنَّهم فشلوا في إحداث أي تغيير في النظام السياسي الايراني، ثم بعد ذلك جاءت احتجاجات عام 2017 على خسارة بعض المواطنين لودائعهم المصرفية بعد خسارة عدد من شركات الاستثمار، كذلك ارتفاع أسعار بعض المواد الغذائية، بعدها عام 2019 احتج عدد من الايرانيين على رفع أسعار وقود السيارات، بالرغم من أنَّ أسعار الوقود في إيران الأرخص عالميا، وأخيرا اندلعت احتجاجات ولاسيما في مناطق الاكراد الايرانيين بعد حادثة وفاة (مهسااميني) في 16 ايلول 2022، وهي فتاة اعتقلتها شرطة الأخلاق الايرانية لمخالفتها قواعد اللباس الايراني، وقد اتخذت الحادثة كذريعة لتوسيع الاحتجاجات، وقد حدثت مواجهات بين القوات الايرانية وقوات المعارضة المسلحة، التي انطلقت من دول جوار إيران ولاسيما أحزاب المعارضة الكردية والبلوشية.

إنَّ أغلب الاحتجاجات الايرانية الحالية كانت تنطلق لأسباب داخلية اصلاحية (سياسية واقتصادية واجتماعية)، وهي اصلاح النظام السياسي الحالي داخليا، وتحسين الوضع الاقتصادي ومعيشة المواطن، كذلك مراعاة الواقع الاجتماعي الجديد ولاسيما مراعاة ظروف الشباب الايراني والتطورات التكنلوجية الجديدة، لهذا فإنَّ أغلب المطالب اصلاحية بعيدا عن التدخل الخارجي.

إنَّ ما يميز الاحتجاجات في ايران في عهد الجمهورية الاسلامية عنها في العهد الملكي، هو الآتي:

1- إنَّ أغلب الاحتجاجات في العهد الملكي كانت تقودها قيادات دينية وشعبية إلى جانب قيادات سياسية،ونابعة من داخل الشعب الايراني ضد النظام الملكي الدكتاتوري، لتقاربه مع الولايات المتحدة وهي الداعم الاساس له، وكانت لها اليد الطولى في ايران التي عدوها انتهاكا للسيادة وتنتهك عيش المواطن وحريته، بينما الاحتجاجات في عهد الجمهورية الاسلامية هي احتجاجات تقودها عناصر خارج المؤسسة الدينية وخارج النظام السياسي، وإنَّ أغلب مطالبها اقتصادية واجتماعية، ولم يكن للنظام السياسي أي يد فيها وانما كانت العقوبات الامريكية الغربية هي سبب الازمة الاقتصادية التي اثرت في عيش المواطنوحياته، كما أنَّ بعضها يحظى بدعم أمريكي غربي واضح، لهذا نرى أنَّ الاحتجاجات لا تؤثر في عمل الحكومة أو تمسك وجودها.  
2- إنَّ السلطة السياسية في نظام الجمهورية الاسلامية (الرئاسة والبرلمان ومجلس خبراء القيادة الذي ينتخب المرشد الاعلى) هي سلطة منتخبة من قبل الشعب الايراني عن طريق انتخابات دورية بمدد زمنية معلومة، وهناك تداول سلمي للسلطة بين التيارات المختلفة (المحافظة والاصلاحية)، وهي متفقة ومؤمنةبالدستور والنظام السياسي في ايران، لهذا نرى لها أنصارا ومؤيدين في الشارع الايراني يمكن الاعتماد عليهم عند الضرورة، على خلاف العهد الملكي إذ كانت الانتخابات صورية والاحزاب السياسية محظورة، وكان رئيس الوزراء يعين من قبل الملك من الموالين له، لهذا كانت شعبيتها ضعيفة وسندها قائم على المصالح المتبادلة، على هذا فإنَّالاحتجاجات والمظاهرات في نظام الجمهورية الاسلامية، وإن أخذت طابعًا عنيفًا في بعض الاحيان، إلا إنَّها منضبطة ويمكن السيطرة عليهاومطالبها يمكن تحقيقها.
3- إنَّ الوضع الاقتصادي الايراني في عهد الجمهورية الاسلامية، ورغم العقوبات الامريكية الغربية، أفضل نسبيا من الواقع الاقتصادي في العهد الملكي، إذ أصبحت ايران مكتفية ذاتيا من بعض المنتجات الزراعية والسلع والخدمات، وارتفاع مستوى النمو الاقتصادي السنوي، فضلا عن التطور العسكري وانتاج اسلحة متطورة ولاسيما في مجال الصواريخ والطائرات المسيرة، والتطور في البنى التحتية والعمران، وأصبح المواطن الايراني يلمس هذا التطور، ويسعى إلى تطويره بشكل أفضل، لهذا فإنَّ أغلب المطالب الاحتجاجية هي اصلاح الواقع الايراني، وليس اسقاط النظام أو التآمر عليه.
4- العامل الدولي والاقليمي، كان العامل الدولي والاقليمي داعمًا أساسيًا للنظام الملكي الايراني،وعنصرًا أساسيًا في مقاومة الاحتجاجات وافشال العديد من الثورات ضده، إذ كان له دور رئيس في افشال حركة (محمد مصدق) عام 1950-1953، بينما على الجهة المقابلة وقفت الولايات المتحدة  والغرب وأغلب الدول الاقليمية بالضد من الجمهورية الاسلامية ونظامها السياسي، ودعمت كل الاحتجاجات والعمليات المسلحة ضدها، ليس لدعم المطالب الشعبية وانما تريد اسقاط النظام السياسي، ودعم الاقليات لتفكيك الدولة الايرانية، اضافة إلى ما تعرضت له بعض دول جوار ايران من دمار وخراب بسبب التدخل الامريكي الغربي، ولهذا السبب فإنَّ أغلب الشعب الايراني أصبح يدرك ويعي حجم الضرر والخسائر التي تلحق به وبالدولة الايرانية إن تمكنت القوى الغربية من اسقاط النظام السياسي الحالي، ومن هنا نرى أنَّ الفرز دائما يكون بين القوى الوطنية الداعية للإصلاح والقوى المدعومة من الخارج ولاسيما في مناطق الاقليات.

إنَّ هدف المظاهرات والاحتجاجات سواءً في ايران او غيرها هو الاعتراض على واقع معين سواء أكان سياسيا أم اقتصاديا أم اجتماعيا بغية اصلاحه وتحقيق مطالب الشعب، واحتجاجات ايران لا تخرج عن هذا الخط، فهي تدعو إلى إجراء اصلاحات سياسية واقتصادية وتحسين مستوى المعيشة عن طريق رفع العقوبات عن البلاد وانهاء أزمة البرنامج النووي الايراني، وهذا لا يخفي وجود حركات مسلحة مدعومة إقليميا ودوليا، تريد مطالب خاصة بالأقليات الايرانية.