العراق ينهي أزمته السياسية المستمرة منذ عام ويتطلع إلى تحسين العلاقات الإقليمية

      التعليقات على العراق ينهي أزمته السياسية المستمرة منذ عام ويتطلع إلى تحسين العلاقات الإقليمية مغلقة

رندا سليم

مركز دراسات الشرق الاوسط / واشنطن

ترجمة وتحليل: د. حسين احمد السرحان

      في أواخر تشرين الأول 2022، انتخب عبد اللطيف رشيد رئيسا للجمهورية، وبعد اسبوعين سُمّي محمد شياع السوداني رئيسا للوزراء، وأدى اليمين مع مجلس الوزراء الجديد. وأشَّر هذا نهاية سنة من عدم الاستقرار السياسي في العراق، بعد الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول 2021. الصدريون لم يكونوا ممثلين لا في البرلمان ولا في الحكومة، بسبب قرار زعيمهم مقتدى الصدر بالانسحاب من السياسة، وإجبار اعضاء كتلته النيابية بترك مقاعدهم.

يركز البرنامج الحكومي في الشؤون الداخلية بالدرجة الاساس، متضمنا خلق فرص عمل أو وظائف، وتحسين الخدمات العامة والاصلاحات الاقتصادية، ومواجهة الفساد– وجميع القضايا التي من المرجح أن تضع رئيس الوزراء السوداني في مواجهة مع حلفائه السياسيين في الإطار التنسيقي، الذين لديهم مصلحة راسخة في الحفاظ على الوضع الراهن، ويعتقدون أنَّ الإصلاحات الهيكلية ستهدد مصالحهم. الاولوية الرئيسة والتحدي الابرز للسوداني هو ضمان امدادات الكهرباء خلال الصيف المقبل، ويرجح أنَّالفشل في تحقيق ذلك سيقود إلى تجدد الاحتجاجات والدعوات لإقالة الحكومة.

بالنسبة للسياسة الخارجية، فإنَّ رئيس الحكومة الجديدة أشار إلى أنَّه سيعتمد سياسة التوازن، ولاسيما فيما يتعلق بالعداء بين الولايات المتحدة وإيران. كما أكَّد على علاقات راسخة وعميقة مع الدول العربية، ومن ضمنها اعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية (GCC)، وكذلك الاردن ومصر في المجالات الاقتصادية والطاقة قبل كل شيء. وأخيرًا، تعهد رئيس الحكومة بمواصلة علاقات جيدة مع جيرانه المباشرين إيران وتركيا، والحفاظ على بغداد كمحور للحوار السعودي الإيراني.

أشار السوداني والعديد من حلفائه في الإطار التنسيقي إلى أنَّهم يدعمون مهمة “المشورة والمساعدة والتمكين” العسكرية التي تقدمها الولايات المتحدة للعراق، مدركين تمامًا أنَّ العراق لا يزال بحاجة إلى مساعدة الولايات المتحدة في قتاله ضد جيوب داعش المتبقية. كما أيدوا موقفًا مشابهًا تجاه مهمة بناء القدرات طويلة المدى للقوات الامنية العراقية،التي تقوم بها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو).

على عكس سلفه، ستكون علاقة رئيس الوزراء السوداني أقل توتراً مع إيران، بالنظر إلى حقيقة أن إيران تنظر له ولحلفائه بإيجابية في طهران. من ناحية أخرى، لا تزال الحكومات العربية، ولاسيما في دول مجلس التعاون الخليجي، متخوفة في وجود حكومة مدعومة من قبل الإطارالتنسيقي في بغداد. والأمر متروك للسوداني ليثبت لهم أنه رئيس حكومة فعلا وليس مجرد “مدير”، كما يزعم بعض حلفائه في الإطار التنسيقي.

هناك حوار مستمر بين بغداد وأربيل لمعالجة خلافاتهما حول الموازنة وقانون النفط والغاز الطبيعي الجديد، والذي كان الأخير موضوع مناقشات استمرت عقدًا بين الطرفين. أحد العوامل المعقدة في هذا الحوار هو الخلاف الكردستاني المستمر بين الحزب الديمقراطي الكردستاني المنافس والاتحاد الوطني الكردستاني، بشأن تخصيص الموارد النفطية داخل إقليم كردستان العراق. ومن غير المحتمل حل هذا النزاع في أي وقت قريبًا، ويرجع ذلك أساسًا إلى عدم وجود وسيط مقبول لكلا الطرفين الكرديين.

التطورات السياسية في تركيا وإيران تلقي بظلالها طويلة الامد على الوضع السياسي والأمني في العراق وستظل كذلك، إذ استهدفت كل من تركيا وإيران مجموعات المعارضة الكردية المتمركزة في إقليم كردستان العراق بصواريخ الطائرات بدون طيار، كما هددت طهران حتى بالتوغل البري لإقليم كردستان العراق. وتلقي الجمهورية الإسلامية باللوم على جماعات المعارضة الكردية الإيرانية بما في ذلك تلك التي حصلت على اللجوء في إقليم كردستان العراق قبل 15 عامًا في تقديم الدعم لحركة الاحتجاج التي انفجرت في سبتمبر/ أيلول 2022 في المدن الايرانية. وتركيا بدورها تلقي باللوم على مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK) في تنفيذ أنشطة إرهابية ضد الأراضي التركية، ودعم جماعات المعارضة الكردية السورية. واستخدمت القيادات في كل من إيران وتركيا هذه الهجمات لصرف الانتباه عن المظالم المحلية لديهما. وتُظهر استطلاعات الرأي أنَّ قطاعات كبيرة من العراقيين يشعرون بالاستياء من تجاهل جيرانهم سيادة بلادهم بشكل روتيني، ومن ثَمَّ ستجد كل من إيران وتركيا ادوارا ًمتزايدة لقدرتهما في التأثير على الوضع داخل العراق، ويرجع ذلك أساسًا إلى أنَّ الديناميكيات السياسية المحلية في العراق تعكس بشكل متزايد صورةالرأي العام الغاضب.

أمّا الصدر رجل الدين الشيعي النافذ، ما زال يلتزم الصمت حتى الآن. وهناك شائعات بأنَّ بعض أعضاء حزبه أصيبوا بخيبة أمل من القرارات التي اتخذها، ولاسيمااستقالة الكتلة النيابية الصدرية، وربما ينفصلون عن حركته لتشكيل حزب خاص بهم.

حتى الآن، يريد معظم العراقيين منح السوداني وحكومته فرصة للوفاء بوعودهم. ومع ذلك، فإنَّ العراقيين نفد صبرهم،وفترة السماح لرئيس الوزراء لن تدوم طويلا. وسينتظر الصدر خطأ الحكومة الأول للقيام بخطوته التصعيدية ضد السوداني وحلفائه في الإطار التنسيقي.

التحليل:

تشكيل الحكومة العراقية لا يعني تجاوز الازمة البنيوية في منظومة الحكم في العراق ومحركاتها (المحاصصة، وتجاهل الدستور، والاصرار على تجاهل الارادة الشعبية بعد كل انتخابات) بل هي تكريس لها. وما يظهر من أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية، فهي نتاج هذه الأزمة البنيوية في النظام السياسي.

أكد رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أنَّه رئيس وزراء حكومة الإطار التنسيقي، ولم يشِر إلى شركاء الإطار في تحالف إدارة الدولة وهم الاحزاب الكردية وتحالف السيادة (الذي يضم تقدم وعزم)، وهذا يبعث برسائل خطيرة لباقي أطراف التحالف، مضمونها تفرد الإطار التنسيقي بالحكومة، وهذا قد يشكل باعث تخوف لهم ولاسيما في ظل عدم استجابة الحكومة لبعض مطالبهم كما في مطلب اقرار قانون النفط والغاز.

الحكومة الحالية ترى أنَّ توفير فرص العمل يكون عبر زيادة التوسع الوظيفي في مؤسسات الدولة وزيادة الانفاق التشغيلي، وهذه السياسة تم اعتمادها في حكومة السيد نوري المالكي الثانية 2010 2014، وبسبب انهيار اسعار النفط واجهت الحكومة (حكومة السيد العبادي) مأزقا كبيرا في توفير الاموال، لتمويل الانفاق التشغيلي الذي كان بالتوازي مع ضرورة زيادة الانفاق الدفاعي في الحرب ضد تنظيم داعش الارهابي.

أسعار النفط الحالية لا يمكن أن تستمر في ظل التغيير المستمر الذي يسود العلاقات الدولية، بعبارة اخرى، الاسباب التي دعت الى الزيادة في أسعار النفط، مثل:الحرب الاوكرانية الروسية، وتلاشي خطورة فايروس كوفيد 19، قد تتغير باتجاه انتهاء الحرب أو ظهور وباء عالمي جديد يدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود ومن ثَمَّ انخفاض الطلب على النفط. وهذه ستدفع حتما إلى تدهور أسعار النفط ومن ثَمَّ تراجع ايرادات النفط التي تشكل أكثر من (95%) من ايرادات الموازنة العامة.

على مستوى العلاقات الخارجية، فإنَّ السعي خلف التوازن في العلاقات مع إيران والولايات المتحدة، قد لا ينجح في ظل التعارض وعدم الاتفاق بين الطرفين، وفشل الجهود الدولية لإحياء الاتفاق النووي. عليه لابد من رؤية واضحة في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية تقدم مصالح العراق أولا، وهذا يستلزم حكومة وطنية ذات استقلالية في قرارها السياسي الخارجي وعلاقاتها الدولية.

التحديات كبيرة امام الحكومة العراقية الحالية ليس أقلها تحدي توفير الخدمات ومنها الطاقة الكهربائية خلال موسم الصيف القادم، وتحدي إقرار الموازنة للإيفاء بقرار تثبيت المتعاقدين مع الدولة لتمويل مرتباتهم، فضلا عن تحدي تدهور قيمة الدينار العراقي تجاه الدولار.

هذه الاشكاليات ترتب كثيرا من التحديات امام الحكومة العراقية في ترتيب علاقاتها الخارجية الاقليمية والدولية، وتتطلب العمل على معالجتها ومواجهة تداعياتها داخليا وخارجيا، قبل العمل على ملف العلاقات الاقليمية والعمل على تعزيزها.

رابط المقال الاصلي: https://www.mei.edu/publications/10-key-events-and-trends-middle-east-and-north-africa-2022#feierstein