الاتفاق النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية

      التعليقات على الاتفاق النووي الإيراني والأزمة الأوكرانية مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد

قسم إدارة الأزمات

مركز الدراسات الاستراتيجية –جامعة كربلاء

كانون الثاني 2023

      في عام 2003 ظهر البرنامج النووي الإيراني السري إلى العلن، وحدثت حينها ضجة غربية واقليمية، ولاسيما من جانب الولايات المتحدة والكيان الاسرائيلي، وفُرِضَت على إيران عقوبات دولية غير مسبوقة، شملت أغلب القطاعات الإيرانية، وأهمها: قطاع الطاقة والمصارف والتحويلات المالية، كذلك عقوبات على التسلح الإيراني، حتى وصل الأمر إلى التهديد باستخدام القوة العسكرية. وبعد عشر سنوات من الشد والجذب، ومفاوضات شاقة بين كل من الترويكا الأوربية (فرنسا وبريطانيا والمانيا) والولايات المتحدة وروسيا والصين وإيران أو ما يسمى 5+1، استمرت المفاوضات (18) شهرًا، وتنقلت بين جنيف وفيينا ونيويورك ولوزان، التي شهدت الاتفاق النهائي ورفع العقوبات الأميركية والأوروبية، بمجرد تحقق الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أنَّ إيران تحترم التزاماتها، وعدّ الاتفاق حينها نصرًا لكل الأطراف الموقعة عليه، ونهاية دبلوماسية ناجحة لأزمة كادت أن تهزّ استقرار منطقة الشرق الأوسط، إلا إنَّ الاتفاق لم يستمر طويلا، إذ أقدمت إدارة الرئيس الأمريكي السابق (دونالد ترامب)، على الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2018، وإعادة فرض العقوبات الأمريكية وتشديدها، وما زالت هذه العقوبات سارية على إيران.

ومع انطلاق الحرب الروسية الأوكرانية، انطلقت في العاصمة النمساوية مباحثات بين إيران ومجموعة (5+1)، وهي كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، وروسيا، والصين، لإحياء الاتفاق النووي الموقع عام 2015، إلا إنَّ استمرار الخلافات بين الطرفين حول قضايا، مثل: رفع العقوبات والتحقق من سلمية برنامج إيران النووي، وعدم انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مرة أخرى، قد أثرت في سير المفاوضات وتوقفها، بل إنَّ بعض الأطراف ومنهم الرئيس الأمريكي (جو بايدن)، قد صرحوا أنَّ الاتفاق النووي مع إيران أصبح من الماضي، كذلك استبعد المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية (رافائيل غروسي)، عقد اتفاق مع إيران في المستقبل القريب.

إلا إنَّ الملاحظ أنَّ إعادة الاتفاق مع إيران، كان له أهداف أخرى تسعى الولايات المتحدة إلى تحقيقها، وإنَّ اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في شباط 2022، والتي ما زالت مستمرة، كانت السبب المباشر في استئناف المفاوضات النووية، وتوقفها في الوقت نفسه، إذ إنَّ الغرب سواء كان الاتحاد الأوربي أو الولايات المتحدة أرادوا من استئناف المفاوضات مع إيران، والوصول إلى حلّ سريع ومقبول، بل وتقديم الولايات المتحدة بعض النازلات، إبعاد إيران عن محور روسيا، لزيادة عزلة الأخيرة ومنع أي موقف دولي معها، لأنَّ وجود إيران إلى جانب روسيا، سيعطيها ميزة في المناورة مع الغرب، وتمددها إلى مناطق ذات تأثير كبير في مصالح الغرب في الخليج العربي وغرب آسيا.

وتسعى الولايات المتحدة كذلك إلى استخدام النفط الايراني كبديل للنفط الروسي، إذ يمكن لإيران أن تعوض بعض من إمدادات النفط الروسي إلى الأسواق الغربية، بعد توقف النفط الروسي نتيجة فرض عقوبات عليها، لهذا سعت الدول الاوربية وبكل ثقلها إلى استئناف المفاوضات النووية مع إيران.

كذلك ادراك الغرب ان تشديد العقوبات على ايران، جاء بنتائج عكسية عليهم، عن طريق دفع إيران إلى تقوية العلاقات الاستراتيجية مع روسيا والصين، وعدم ثقة إيران بالغرب مرة أخرى، لهذا كانت مطالب ايران دائما وجود ضمانات دولية لأي اتفاق قادم، وإنَّ إعادة الاتفاق كان محاولة من الغرب لإبعاد طهران عن محور موسكو بكين.

إنَّ عقد الاتفاق النووي بين إيران والغرب بحد ذاته عامل قلق لهم، إذ يساور الدول الأوربية القلق من إعادة الاتفاق النووي مع إيران من جديد، فقد يفتح الطريق أمامها لكسب المزيد من الوقت والحصول على أموالها المجمدة، وهو ما يفتح الطريق أمامها لتقوية العلاقات مع روسيا، ودفع الأموال المستحقة لروسيا على إيران، وهو يساعد في تقوية ايران وتعزيز قدراتها، ومن ثم دعم روسيا في الحرب الأوكرانية.

ومع كل المحاولات الغربية في استمالة إيران، إلا إنَّها تدرك الهدف من هذا الاتفاق، وإنَّه سيكون مؤقتا كسابقه، لاسيما إنَّ الولايات المتحدة لم تعطِ الضمانات التي طلبتها ايران، وأهمها: عدم انسحاب الولايات المتحدة من أي اتفاق قادم، وهو ما جعل إيران تتمسك بهذا الشرط، لهذا توقفت المفاوضات بدون أي نتيجة.

كذلك فإنَّ توقف المفاوضات وعدم الاستمرار بها من جانب الولايات المتحدة والدول الاوربية، هو موقف إيران من روسيا واستمرار تعاونهم وعلى كل الأصعدة، إذ إنَّ اتهام ايران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة نوع (شاهد)، وعلى الرغم من أنَّ إيران ادعت أنَّها زودت روسيا بتلك الطائرات قبل اندلاع الحرب، إلا إنَّ نظرة الولايات المتحدة للأمر لم تختلف وعدته وقوف إيران إلى جانب روسيا، لهذا شددت العقوبات على إيران، وأثارت المشكلات في الداخل من أجل ثني ايران عن مساعدة روسيا.

إنَّ استمرار الحرب الروسية الاوكرانية سيكون له تداعيات كبيرة على المنطقة ولاسيما على إيران، وإنَّ أي تسوية قادمة لهذه الحرب سوف لن تعفي ايران من تبعاتها ووقوفها إلى جانب روسيا، فالحرب بين القوتين العالميتين تكون لها آثار على كل دول العالم بالسلب أو الايجاب، وستكون هناك معايير سوف توضع مع أي مفاوضات مستقبلية لنهاية هذه الحرب، ومنها ان إعادة الاتفاق النووي سيكون أحد هذه المعايير في مفاوضات القوتين العالميتين