الإنفاق الدفاعي العالمي: الدوافع الاستراتيجية مقابل الاقتصادية

      التعليقات على الإنفاق الدفاعي العالمي: الدوافع الاستراتيجية مقابل الاقتصادية مغلقة

الكاتب: فينيلا ماكجيرتي
الناشر: المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية
ترجمة وتحليل: م.د. عبير مرتضى حميد السعدي
رابط المقال: https://www.iiss.org/blogs/military-balance/2023/02/global-defence-spending-strategic-vs-economic-drivers
في عام 2022 ، الإنفاق العالمي على الدفاع انكمش انكماشًا كبيرًا للسنة الثانية على التوالي، على الرغم من اندلاع الحرب الأوكرانية والتوترات في شرق آسيا. الا شكَّل التضخم تحديًا رئيسًا لواضعي السياسات، وعمل على تآكل الزيادات في الإنفاق الدفاعي الذي تم تنفيذه.
وتشير البيانات الصادرة ” للميزان العسكري” في نسخته عام 2023، إلى أنَّ التحديات الاقتصادية المتمثلة بارتفاع معدلات التضخم، وانخفاض قيمة العملات، واستمرار انقطاع سلسلة الامدادات، تشكّل ضغطًا على قرارات الانفاق العام، بالرغم من أنَّ القوى المحركة المتنافسة تدفع إلى زيادة الانفاق على الدفاع.
فخلال الأعوام الخمسة الماضية، شهد الانفاق العالمي على الدفاع اتجاهًا تصاعديًا قويًا، إذ ارتفع من (1.7) تريليون دولار بالقيمة الاسمية في عام 2017، إلى (2) تريليون دولار في عام 2022. وحتى وقت قريب، كان هذا هو الحال ايضا فيما يتعلق بالإنفاق الفعلي على الدفاع، ولكن هذا الاتجاه التصاعدي توقف في عامي 2021 و2022 بسبب زياده التضخم، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الإنفاق الاسمي والإنفاق الفعلي. وباستخدام عام 2015 كسنة أساس، أصبح الفرق يتسع ليصل عام 2020 ما مقداره (101) بليون دولار، وليتضاعف إلى أكثر من الضعف في عام 2021، ليصل إلى (222) بليون دولار، ثم ارتفع مرة أخرى إلى (312) بليون دولار في عام 2022. والواقع إنَّ الأثر التراكمي للتضخم على الانفاق الدفاعي منذ عام 2017، قد محى ما يقرب (850) بليون دولار من القوة الشرائية الفعلية للاستثمار العالمي في الدفاع، وإذا ما استمر التضخم في مساره المستقر حتى عام 2021، فإنَّ الأثر التراكمي سيكون أقل بكثير، حيث يقترب من المبلغ المقدر بـ(580) بليون دولار.
التحولات الإقليمية:
أوروبا وآسيا هي المناطق الوحيدة التي شهدت زيادة حقيقية في الإنفاق الدفاعي في عامي 2021 و 2022، وشهدت بعض الارتفاعات في معدل النمو على الرغم من ارتفاع معدلات التضخم. في الحقيقة إنَّ السبب في ذلك هو قد يكون حدوث النمو في بلد واحد وليس على مستوى إقليمي، فمثلا: في جنوب الصحراء الافريقية استأنف الحكومة الاثيوبية صراعها مع جبهة تحرير تيغراي الشعبية، إذ تضاعفت ميزانيتها الدفاعية إلى أكثر من أربعة أضعاف من (380) مليون دولار في عام 2021 إلى (1.58) مليار دولار في عام 2022.
وشهد العام أيضا نموًا كبيرًا آخر يعكس التغيرات في البيئة الاستراتيجية، أو الحالة الاقتصادية التي يواجهها البلد. فكما هو متوقع ارتفع الإنفاق في روسيا وأوروبا وآسيا بشكل كبير، إذ إنَّ الميزانية التي اعلنتها روسيا لعام 2022، كانت أعلى بكثير من الميزانية الأصلية؛ ولولا هذا التعديل لكانت النفقات الإقليمية قد انخفضت بالفعل في عام 2022. وزادت الميزانية الأساسية الأولية لروسيا لعام 2022 من (3.50) تريليون روبل (50 بليون دولار) إلى (4.68) تريليون روبل (66.9 بليون دولار)، ليرتفع مجموع النفقات العسكرية من (4.98) تريليون روبل (71.1 بليون دولار) إلى (6.15) تريليون روبل (87.9 بليون دولار).
وفي كانون الاول عام 2022، كشفت المملكة العربية السعودية عن زيادة كبيرة في ميزانية الدفاع المقررة لعام 2022، والبالغة (171) بليون ريال سعودي (45.6 بليون دولار)، لتصل إلى (245) بليون ريال سعودي (65.3 بليون دولار)، ليؤدي ذلك إلى تغير كبير في اتجاه النمو في منطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ليتحول من انخفاض معدلات النمو من (2%) إلى ارتفاع يصل إلى (9%). ووفقا لهذه التعديلات، كان الدافع الرئيس للانخفاض في الانفاق الدفاعي الحقيقي العالمي في عام 2022، هو انخفاض النمو الاسمي لميزانية الدفاع في الولايات المتحدة، التي انخفضت بسبب معدل التضخم الذي قارب (8%) مقارنة عن العام السابق. فقد زادت ميزانيه الدفاع في الولايات المتحدة من (760) بليون دولار في عام 2021 إلى (766) بليون دولار، وهو ما يمثل انخفاضًا حقيقيًا بنسبة (5.8%)، والتي على ما يبدو سترتفع عام 2023، لاسيما بعد ادخال تعديلات على الميزانية للتكيف مع معدلات التضخم. ونتيجة لذلك، يرجح أن تعود الاتجاهات العالمية إلى النمو الحقيقي في عام 2023، لاسيما إذا استمرت مناطق مثل أوروبا وآسيا في النمو، فضلا عن ذلك تشير معظم التنبؤات إلى أنَّ التضخم سينخفض، فإنَّ القوة الشرائية للنفقات الدفاعية في المستقبل ستزداد.
المثابرة الأوروبية:
في عام 2021، زاد الانفاق الدفاعي في أوروبا زيادة كبيرة، إذ بلغ معدل النمو الحقيقي (3.5%) وهو معدل يفوق معدل النمو في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن تزداد نفقات الدفاع في المنطقة بوتيرة أبطأ في الاجل القصير، في ظل الضغوط المالية التي اعقبت تفشي فيروس كورونا، وفي الواقع هذا ما تعلنه ميزانية الدفاع، إلا إنَّ غزو روسيا لأوكرانيا الذي بدأ في 24 شباط عام 2022 أدى إلى تغير كبير، ففي الأشهر التي تلت ذلك تعهد نحو (20) بلدا أوروبيا بزياده الانفاق الدفاعي، فقد أعلنت كل من المانيا وبولندا عن زيادات كبيرة، والهدف الرئيس منها هو دعم الاستثمار في القدرات العسكرية. فعلى الرغم من التحديات الاقتصادية المتزايدة، فإنَّ عام 2022 يمثل السنة الثامنة على التوالي للنمو الحقيقي في الانفاق الدفاعي الأوربي، وإن كان قد انخفض نسبيا (0.8%) إلا إنَّ نموه مستمر، فالحرب الأوكرانية -الروسية أدت إلى زيادة الانفاق الدفاعي، وتدمير الاقتصاد الأوربي، وخلق بيئة متضاربة في أولوياتها الانفاق العام بالنسبة لصانعي السياسات.
ووفقا للعديد من الالتزامات التي قطعت في عام 2022، ستواصل أوروبا زيادة الإنفاق الدفاعي خلال القرن الحالي. ومع ذلك، فبالإضافة إلى الآثار المستمرة للتضخم، ستتأثر بعض البلدان بقيود الإنفاق العام الأخرى مثل: ارتفاع تكاليف خدمة الدين مع ارتفاع أسعار الفائدة. وبالنظر إلى المخاطر التضخمية الخطيرة التي اصابت اقتصادات العالم، أصبح من المهم تقييم القوة الشرائية لميزانية الدفاعية تقييمًا دقيقًا، مع مراعاة الفروق بين التضخم في الاقتصاد ككل، أو التضخم في مؤشر أسعار المستهلك، ومعدلات التضخم التي تؤثر في الدفاع الوطني. فضلا عن ذلك، إذا استمر ضعف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي من عام 2022 حتى عام 2023، فإنَّ ذلك سيشكل تحديًا إضافيًا لميزانية مشتريات الدفاع، لاسيما في ظل التبرعات الحربية لأوكرانيا، وتجديد المخزون العسكري الأمريكي.
قانون الموازنة:
في ظل تصاعد التحديات الاقتصادية والمالية، فإنَّ الظروف الصعبة لم تقتصر على أوروبا فقط، بل شملت الدول الأخرى. ففي آسيا، كانت ميزانية الدفاع الإقليمية لعام 2022، تنمو أقل بكثير من الاتجاه السائد مقارنة بالعقد السابق، ويعزى ذلك إلى التقشف الحكومي ولاسيما في جنوب شرق آسيا، وتأثير التضخم في ميزانية الدفاع. في الصين، زادت ميزانيه عام 2022 بنسبة (7%) مقارنة بالعام السابق، فقد زادت نفقاتها إلى (95) مليار يوان صيني (16 مليار دولار أمريكي)، لتمويل جيش التحرير الشعبي، وهي أكبر زيادة سنوية في التاريخ، على الرغم من توقف النمو في الانفاق العسكري خلال السنوات الأخيرة. في حين زادت اليابان وتايوان من انفاقها الدفاعي، باعتمادها على ميزانيات دفاعية ضخمة، بسبب العوامل الاستراتيجية وهذا هو حال أوروبا في الوقت الحالي. إنَّ الأموال الخارجة من الميزانية الدفاعية في آسيا وأوروبا، والتي كانت تعجل بالاستثمار الدفاعي هي تقلل الشفافية، وهو أمر غير مرغوب فيه في أوقات تتصاعد فيه التوترات الجيوسياسية. وبالنظر إلى المستقبل، سيتعين على الحكومات في جميع أنحاء العالم إلى الاستمرار في الموازنة بين محركات التهديد والواقع الاقتصادي، ومن شأن ذلك أن يحدث تحسينات في الأخير، بتخفيف الوضع الذي تعيشه الحكومات الحالية، حيث تتضاءل قيمة استثماراتها الدفاعية حتى مع زيادة حدة التحديات الأمنية.
تحليل:
لطالما كانت الميزانيات العسكرية مرتفعة في معظم دول العالم، بسبب توجهها إلى سباق تسلح عالمي، بحيث أصبحت تشكل عبئًا يرهق كاهل موازنات الدول، فضلا عن أنَّ التوترات الجيوسياسية والظروف الاقتصادية المتدهورة في الآونة الأخيرة، زادت من حدة الأمر، ففي إحدى الدراسات لمعهد الأبحاث “ماكنزي” توقع أن تزيد دول حلف الناتو إضافة للسويد وفنلندا وأستراليا، نفقاتها العسكرية خلال الفترة بين 2021-2026 بنسبة (53%)، ليصل مجموع ما تنفقه هذه الدول على موازناتها الدفاعية، إلى أكثر من (2) تريليون دولار بحلول عام 2026. ولم يعد تزايد الانفاق الدفاعي والاستثمار فيه يقتصر على الولايات المتحدة وحلفائها، بل اتجهت الصين أيضاً لزيادة إنفاقها العسكري، بعد تصاعد التوتر مع تايوان والدول المطلة على بحر الصين الجنوبي، منذ زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة نانسي بيلوسي لتايوان، لتصل ميزانيتها الدفاعية إلى (740) مليار دولار في عام 2022، في حين اتجهت اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية بميزانية ضخمة للإنفاق على الجيش تصل إلى (863) مليار دولار، في حين من المتوقع أن تخصص المانيا (100) مليار دولار، وفرنسا (400) مليار دولار، وكذلك بريطانيا خصصت (3%) من ناتج المحلي الإجمالي للنفقات العسكرية والدفاعية بين عامي 2024 و2030، كونها من الدول العظمى في الاتحاد الأوربي، والتي يقع الثقل عليها في الحفاظ على أمن الاتحاد.