إعادة العلاقات الايرانية – السعودية وركائز الأمن المفقودة في المنطقة

      التعليقات على إعادة العلاقات الايرانية – السعودية وركائز الأمن المفقودة في المنطقة مغلقة

أ.م.د. حمد جاسم محمد
قسم إدارة الأزمات.
مركز الدراسات الاستراتيجية/ جامعة كربلاء.
آذار/ 2023
بعد قطيعة دامت أكثر من (7) سنوات، أعلن في 10 آذار 2023 عن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الاسلامية، في اجتماع ثلاثي في العاصمة الصينية بكين، ضم كلا من أمين المجلس الأعلى للأمـــــن القـــومـي الإيراني (علي شمخاني)، وعن الجانب السعودي مستشار الأمن الوطني (مساعد بن محمد العيبان)، ووزير الخارجية الصيني (وانغ يي). فقد قطعت العلاقات بين إيران والسعودية منذ عام 2016، بعد حادثة إعدام عالم الدين السعودي (نمر باقر النمر)، التي اعقبتها احتجاجات في إيران، وتمكن المحتجين من اقتحام مبنى السفارة وإحراقها وإنزال العلم السعودي، على إثر هذه الحادثة قطعت السعودية جميع علاقاتها مع إيران، وتضامن معها عدد من الدول العربية منها البحرين، في حين اكتفت بعض الدول العربية بخفض تمثيلها الدبلوماسي، مثل: الامارات، أو الاحتجاج على اقتحام السفارة السعودية، مثل: الاردن وقطر. وقد استمر التوتر بين ايران والسعودية على المستويات كافة، والاتهامات المتبادلة بالتدخل بالشؤون الداخلية، كذلك الخلافات على عدد من القضايا الاقليمية، مثل: اليمن وسوريا ولبنان وأمن الخليج والوجود الأجنبي في المنطقة.
ونص البيان الختامي بين الأطراف الثلاثة على عدد من المبادئ المعلنة، مثل: استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهم، وفتح سفارة الدولتين والقنصليات خلال مدة أقصاها شهران، واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وعقد وزراء خارجية الدولتين اجتماعًا لمناقشة وترتيب تعزيز العلاقات بينهم، وتفعيل التعاون الأمني بينهم الموقع عام 2001، والاتفاقات الأخرى في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب، الموقعة في عام 1998 ( كلاهما وقعت في عهد الرئيس الاسبق محمد خاتمي)، كذلك تعزيز الأمن والسلام في المنطقة، علما أنَّ إعادة المفاوضات تم بعد إجراء عدد من المفاوضات المكوكية بين ايران والسعودية، تحت رعاية عدد من العواصم في المنطقة، والتي مهدت لتوقيع مذكرة إعادة العلاقات بينهم.
بعد توقيع إعادة العلاقات بين ممثلي الدولتين، ظهر عدد من ردود الأفعال الدولية، والتي اغلبها مرحبا بهذه الخطوة، وعدَّها طريقًا لحل عدد من قضايا المنطقة، والتي تقود حتما لتحقيق الاستقرار فيها، إذ إنَّ أغلب خلافات الدولتين تتركز حول قضايا اقليمية مهمة للدولتين، مثل: الأزمة اليمنية التي ما زالت مستعرة منذ عام 2011، فضلا عن التدخل السعودي في اليمن وقيادتها ما يسمى بالتحالف العربي في 25 آذار 2015، والذي تسبب بمعانات كبيرة لليمنيين، فضلا عن الخسائر البشرية والمادية لكلا الطرفين, يضاف إلى ذلك الخلاف حول لبنان ودور حزب الله، وهناك الخلاف حول سوريا ودعم ايران للحكومة السورية بقادة الرئيس (بشار الاسد)، ودعم السعودية للمعارضة فيها، فضلا عن أمن الخليج العربي ونظرة كل طرف من زاويته لها، كذلك معارضة ايران لسياسة التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، التي قادتها الامارات والبحرين مع صمت سعودي عنها.
إنَّ كل ما يقال عن حلّ آني لكل المشكلات المذكورة آنفا، هي مجرد تكهنات وأمنيات لدى عدد من دول المنطقة والشعوب فيها، إذ إنَّ أغلب الأحداث أصبحت خارج سيطرة كل من إيران والسعودية، وهناك أطراف أخرى تقوم بأدوار رئيسة فيها، فالأزمة اليمنية مثلا لم تعد حكرًا على الحوثيين، ومجلس القيادة الرئاسي في الجمهورية اليمنية في عدن كأطراف داخلية، أو على السعودية وايران كأطراف خارجية، بل أصبح المجلس الانتقالي الجنوبي هو هيئة سياسية يمنية تشكلت في 11 ايار 2017 برئاسة عبدروس الزبيدي، ويضم أغلب محافظات دولة اليمن الجنوبية، ويطالب بتقرير المصير، وإعادة دولة جنوب اليمن التي توحدت مع الشمال، هذا المجلس مدعوم من قبل دولة الامارات العربية المتحدة، والتي تتمركز أغلب قواتها في جنوب اليمن، وتعد طرفًا خارجيًا مهمًا في الأزمة اليمنية، هنا فإنَّ الأزمة اليمنية لم تعد بيد طهران والرياض، وليس لهم دور مطلق فيها، بل هناك توازنات داخلية واقليمية ودولية لها دور فيها.
وإذا عدنا إلى الأزمة السورية، فإنَّ وجود إيران لم يعد ركنًا أساسيًا هناك، فعلى الرغم من الدعم الايراني للنظام السوري بمختلف الجبهات، ودور ايران وحزب الله اللبناني في دعم الجيش السوري، والدعم السعودي الواضح للمعارضة السورية بكل أطيافها، إلا إنَّ الأزمة السورية حاليا أصبح لها أبعاد دولية واقليمية واسعة جدا، بل أصبحت إحدى ركائز التنافس الامريكي الروسي في المنطقة، فضلا عن دور تركيا فيها. فسوريا حاليا تضم جيوشًا وقاعدة روسية مهمة داعمة للنظام السوري، بالمقابل هناك وجود أمريكي في مناطق شرق سورية وشمالها، وله دور في دعم المعارضة السورية ولا سيما الكردية منها، فضلا عن تجمع المعارضة الاسلامية المتشددة من احرار الشام (النصرة سابقا)، وعناصر من داعش وغيرها في ادلب وريق حلب الشمالي، لهذا فإنَّ دور إيران والسعودية في الازمة السورية أصبح هامشيًا وبعيدًا عن حلّ الأزمة فيها.
أمّا في لبنان فإنَّ دور كل من إيران والسعودية، لا يعبر إلا عن حلول مؤقته قد يكون لها دور في تحسين الاقتصاد اللبناني، عن طريق الدعم المالي السعودي، أو التوافق على اختيار رئيس للجمهورية، أمّا في القضايا الرئيسة فإنَّ لبنان محكوم بالتوافق السياسي الداخلي، الذي يعطي لكل طرف حقوقًا والتزامات محددة، لا يمكن لأي جهة خارجية التحكم فيها، كما أنَّ تحول حزب الله إلى حزب سياسي، فضلا عن دوره المقاوم، جعل منه رقمًا مهمًا في المعادلة اللبنانية الداخلية، فضلا عن دوره المحوري في مواجهة الكيان الاسرائيلي ودعم المقاومة، كما أنَّ ايران لا يمكنها التخلي عنه تحت أي ظرف أو اتفاق سياسي اقليمي، فحزب الله وسلاح المقاومة تعدّها إيران جزءًا مهما من منظومتها الأمنية في المنطقة، التي هي قوات ردع متقدمة لها.
أمّا أمن الخليج العربي فهو مشترك بين الدول الاقليمية والدولية، ولا يمكن أن يحل عن طريق توافق سعودي إيراني، فأمن الخليج العربي من وجهة نظر ايران، لابد أن يكون من قبل الدول المطلة عليه، وعلى كل القوى الاجنبية الانسحاب منه، وهذه النظرة تتعارض مع نظرة دول الخليج الأخرى، التي تريد تقوية التعاون مع الولايات المتحدة وأوروبا وبقاء القواعد الاجنبية، فضلا عن أنَّ أغلب دول الخليج، اتجهت للتطبيع مع الكيان الاسرائيلي بصورة علنية أو ضمنية، وهو ما تعارضه ايران بشدة، كذلك إنَّ العلاقات بين دول الخليج العربية، ليست على وئام دائم، بل تعترضها بعض العقبات والتوتر بين فترة وأخرى، وإنَّها ليست على سياسة واحدة حيال ايران أو أحداث المنطقة، وهناك تنافس بين السعودية والامارات العربية المتحدة، والذي يعدّ عائقًا في بعض الاحيان امام السعودية ودورها في المنطقة.
ختاما، إنَّ إعادة العلاقات بين ايران والسعودية، هي أمر لابد منه وحاجة لكلا الطرفين، بعيدا عن الأزمات والأحداث في المنطقة، وهناك قناعة تولدت لدى الطرفين، بأنَّ أغلب الأزمات أصبحت تدار من أطراف داخلية واقليمية ودولية اخرى بعيدا عنهم، ولم يعد لهم دور مؤثر فيها، وإنَّ منافع تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية بينهم اصبحت كبيرة، وإنَّ تكاليف قطع العلاقات والتوتر ستكون كبيرة عليهم، لهذا جاءت رغبة الدولتين وتحت وساطة صينية، لإعادة العلاقات والابتعاد عن التوتر وتكاليفه العالية.