ما جدوى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان

      التعليقات على ما جدوى تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان مغلقة

الكاتب: السيد حامد حسيني.

الناشر: مركز الأبحاث العلمية والدراسات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.

ترجمة: أ.م خالد حفظي التميمي.

أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين مؤخرًا، أنَّه زار الخرطوم في 2 شباط 2023، وهو يمثل علامة فارقة جديدة على طريق إقامة علاقات رسمية كاملة بين السودان وإسرائيل. وزعم وزير الخارجية أنَّه التقى مع اللواء عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس الحاكم في السودان وقائد القوات المسلحة، لاتخاذ الخطوات النهائية لاتفاق السلام النهائي بين البلدين بإشراف الولايات المتحدة. إذ سيتم توقيع هذه الاتفاقية بعد تشكيل حكومة انتقالية مدنية في السودان. وجدير بالذكر أنه في تشرين الأول 2021 وبعد إقالة الحكومة الانتقالية من قبل كبار المسؤولين العسكريين، وبناءً على طلب الولايات المتحدة، توقفت جهود توقيع اتفاق سلام بين السودان وإسرائيل. حيث تباينت ردود الأفعال حول تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم، الأمر الذي يعكس وجهات نظر مختلفة للجهات الفاعلة المحلية في السودان، بشأن الوقت وضرورة توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. هذا المقال يبحث في وجهات النظر المختلفة حول إمكانية تنفيذ التطبيع الكامل للعلاقات.

دور الجيش:

المؤسسة العسكرية في السودان هي من أبرز المدافعين في البلاد عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل وأقواهم. فقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، استضاف وزير الخارجية الإسرائيلي في الخرطوم، حيث اظهر الجيش السوداني عناده في إدارة المفاوضات مع إسرائيل. كان الاجتماع انفراديًا في عام 2020 بين البرهان ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أوغندا، لمناقشة إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين البلدين، التي تعدّ الخطوة الرسمية الأولى في هذا الاتجاه. منذ ذلك الحين، كانت هناك لقاءات رسمية وغير رسمية بين المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلدين. يمتلك القادة العسكريون السودانيون أدوات مختلفة تحت تصرفهم، لتشكيل مسار محادثات السلام مع إسرائيل. لطالما سيطر الجيش على صنع القرار وصنع السياسات في البلاد، ومع توقيع اتفاقية إطارية في كانون الاول 2022، للتحضير لانتقال مدني بقيادة مدنية مع آلية انتخابية، أصبح له الآن دور رسمي في الإشراف على تشكيل حكومة انتقالية وبرلمانية، وكذلك التصديق على المعاهدات مع دول أجنبية. نتيجة لذلك، تتمتع المؤسسة العسكرية الآن بالصلاحية القانونية للضغط ضد الاتفاقية أو لصالحها، ويمكنها تشكيل تحالفات مع الجهات الفاعلة المحلية التي تعارض أو لا تعارض التطبيع مع اسرائيل.

كما يحرص القادة العسكريون السودانيون على إدارة تطبيع العلاقات مع إسرائيل، لأنهم يعتقدون أنَّ ذلك سيفيدهم بعدة طرق، أهمها: تقليل الخلافات السياسية مع الولايات المتحدة، وثني واشنطن عن دعم أحزاب المعارضة السودانية الداعمة للسلام مع إسرائيل، لكن هدفهم هو الحد من نفوذ الجيش في الاقتصاد والسياسة والأمن، والحد من سلطة الجيش خلال الفترة الانتقالية للبلاد. وبالمثل، يأمل القادة العسكريون السودانيون في استخدام إسرائيل للتأثير في سياسات الدول الغربية. وفقًا لتقرير صدر عام 2019، استأجر الجيش شركة (علاقات عامة) الكندية يديرها إسرائيليون، للمساعدة في تأمين الاعتراف الدبلوماسي الغربي بالحكومة العسكرية السودانية، وتأمين التمويل الأجنبي للبلاد. وبالطبع منذ ذلك الحين لم يصدر أي تصريح من أي مؤسسة سودانية رسمية للجوء إلى هذه التقارير.

فضلا عن ذلك، من المتوقع أن يؤدي إنشاء العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، إلى تحسين احتمالات تعزيز القدرات الأمنية للجيش السوداني، عن طريق الاستفادة من التقدم التكنولوجي الإسرائيلي في مختلف المجالات، بما في ذلك مراقبة الحدود. نظرا لامتداد حدوده مع العديد من بؤر التوتر الإقليمية، يولي السودان أهمية كبيرة لهذه المزايا المتصورة. على سبيل المثال، كان أمن الحدود بين السودان وتشاد هو الموضوع الرئيس للمفاوضات الأخيرة بين إسرائيل والسودان. البرهان لم يصنع فقط السلام مع إسرائيل، ولكن أيضا أسهم في  تسهيل المعاهدات المماثلة بين إسرائيل ودول أفريقية أخرى، حيث يكتسب البرهان وجها بعدَّه جهة فاعلة في صنع السلام، ونقطة إيجابية على الصعيد الدولي. قد لا يكون من قبيل الصدفة أن التقى كوهين والبرهان عندما كان رئيس تشاد في إسرائيل لفتح سفارة بلاده. فقد صرح وزير الخارجية الإسرائيلي في بيان عقب زيارته للخرطوم، بأنَّه يتوقع أن يفتح التطبيع مع السودان الأبواب أمام الدول الأفريقية والعربية الأخرى، لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

فضلا عن الجيش، هناك لاعبون سودانيون آخرون لا يعارضون تطبيع العلاقات مع إسرائيل، بما في ذلك الحركات المسلحة التي كانت تربطها سابقًا علاقات ودية مع إسرائيل، حيث ينظر كلاهما إلى النظام السوداني السابق على أنه عدو مشترك. قد يعطي هذا المزيد من الزخم لجهود تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان. في الواقع، قامت بعض الحركات المسلحة السودانية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل. على سبيل المثال، لدى حركة العدل والمساواة، التابعة للحركة الإسلامية السودانية، مكتب في إسرائيل. يضم المعسكر المؤيد للسلام بعض الأحزاب السياسية السودانية، التي تتنافس مع الجيش لحكم الفترة الانتقالية. تهدف هذه الأحزاب إلى زيادة نفوذها السياسي، عن طريق مواءمة مواقفها مع واشنطن، وإظهار توافقها مع سياساتها. على سبيل المثال، أعرب حزب المؤتمر الوطني السوداني، عن وجهة نظر مفادها: أنَّ دفء العلاقات مع إسرائيل هو جزء من إعادة تنظيم العلاقات الخارجية للسودان، والتي تأتي فيها المصالح الوطنية للبلاد أولاً. ووقع هذا الحزب على الاتفاق الاطاري مع حلفائه في المجلس المركزي يجعل موقفه لافتًا. عادة ما يؤكد مؤيدو إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، على أهمية هذا الإجراء في النهوض بالاقتصاد السوداني.

معارضو التطبيع:

يبرز حزب الأمة الوطني كأحد الأحزاب التي تعارض إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل، على الأقل في الفترة الانتقالية. وأثناء الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإسرائيلي إلى الخرطوم، أعلن هذا الحزب مرة أخرى معارضته لهذا الإجراء. كما أصرَّ زعيم الحزب، فضل الله بورما، على أنَّ المجلس التشريعي المنتخب، وليس الحكومة الانتقالية، هو الذي يقرر ما إذا كان سيعقد السلام مع إسرائيل. كما هو الحال مع حركة الحركة الإسلامية السودانية في عام 1989، يعتقد كبار قادة هذا الحزب أنه بعد انتهاء الفترة الانتقالية، سيفوز حزبهم بأغلبية البرلمان. إذا حدث هذا، فإنَّ حزب الأمة سيكتسب قوة أكبر من الجيش، ومن ثمّ سيكون قادرًا على تقرير كيفية إدارة العلاقات مع الولايات المتحدة وإسرائيل.

ومن الصعب القول على وجه اليقين إنَّ حزب الأمة يرفض اتفاق السلام مع إسرائيل. ويدل على ذلك سلوك قادة هذا الحزب، بعد وفاة زعيمه التاريخي صادق المهدي في تشرين الثاني 2020. إذ رفض المهدي السلام مع إسرائيل لأسباب شخصية وليست أيديولوجية، حيث كان إحدى الشخصيات الرئيسة في طائفة الأنصار الصوفية، وبعد وفاة المهدي، لم يترك حزب الأمة الحكومة الانتقالية السابقة، بعد إلغاء قانون العقوبات ضد إسرائيل في نيسان 2021. علما أنَّ ابنة المهدي كانت وزيرة للخارجية في تلك الحكومة. بالإضافة إلى ذلك، التقى قادة الحزب تاريخيًا بمسؤولين إسرائيليين، كما حدث ذلك في عام 1954.

بالإضافة إلى أنَّ حزب الأمة، يعارض حزب المؤتمر الوطني – وهو موقع آخر – على اتفاقية إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل. الحزب الموالي للحركة الإسلامية يفضل عدم المشاركة في جهود التطبيع مع إسرائيل، لأنَّ معظم الجماعات الإسلامية السودانية تعارض ذلك. ويرى هذا الحزب أنَّ دعم السلام مع إسرائيل هو تهديد لتماسكه الداخلي.

حيث اتهم بعض أعضاء جلستها المكتملة، قادة الأمانة العامة بالتخلي عن الفكر الإسلامي، بعد توقيع اتفاق إطار لا يتماشى مع الأيديولوجية الدينية، التي تشكل هيكل الحكم في البلاد. فضلا عن ذلك، يعارض غير الموقعين على هذا الاتفاق تطبيع العلاقات مع إسرائيل لأسباب أيديولوجية. فهم يحاولون استغلال هذه القضية، لإثارة المعارضة الشعبية للعملية السياسية التي بدأها اتفاق الإطار. وتشمل هذه الأحزاب: الحزب الشيوعي السوداني، وحزب البعث، وحزب المؤتمر الوطني المنحل، فضلا عن بعض مؤسسات المجتمع المدني، مثل: نقابة الصحفيين. ومع ذلك، فإنَّ هؤلاء الفاعلين لا يتمتعون بقدر كبير من القوة، بسبب عدم نجاحهم في خلق احتجاجات ضد تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

سيناريوهات:

عن طريق تحليل مواقف مختلف الأطراف السودانية، فيما يتعلق باتفاقية السلام مع إسرائيل، يمكن توقع أحد السيناريوهات الثلاثة المحتملة:

  1. توقيع معاهدة السلام بين السودان وإسرائيل خلال الفترة الانتقالية للسودان.

إذا حصلت الأطراف المؤيدة لهذا الإجراء على الأغلبية في البرلمان المقبل، أو إذا كان بإمكانها التأثير في سياسات الحكومة الانتقالية، فستزداد احتمالية توقيع معاهدة سلام بين السودان وإسرائيل خلال الفترة الانتقالية. للاستفادة من الفوائد السياسية والاقتصادية المتوقعة، وزيادة احتمالية نجاح عملية الانتقال، ستتحرك هذه الأطراف بسرعة للمصادقة على الاتفاقية. هذا هو السيناريو الأكثر احتمالا الذي يمكن أن يحدث لكن له عيوب، بما في ذلك صعوبة إنهاء المفاوضات لتأسيس عملية انتقالية، واستعداد بعض الأطراف لتأجيل قرار السلام مع إسرائيل إلى ما بعد الفترة الانتقالية.

  1. تأجيل معاهدة السلام بين السودان وإسرائيل حتى نهاية الفترة الانتقالية.

قد يتأخر التوقيع النهائي لاتفاقية السلام مع إسرائيل، إذا فشلت جهود تشكيل حكومة انتقالية على أساس أحكام اتفاق الإطار، أو إذا نجحت الأطراف المؤيدة للتأجيل في السيطرة القصوى على الحكومة الانتقالية. بعد الفترة الانتقالية، من الممكن أن يدعم الفاعلون العسكريون هذا السيناريو، لاعتقادهم أنَّه سيمنحهم فرصة لاحتكار التنسيق الأمني ​​والعسكري مع إسرائيل، وزيادة قوتهم في المناورة مع الغرب، على غرار ما حدث مع توقيع الاتفاق النهائي لفتح قاعدة عسكرية روسية في السودان، والذي تم تعليقه. بالنظر إلى التنافس بين الجهات السودانية على دعم الولايات المتحدة، فإنَّ احتمالية هذا السيناريو منخفضة مقارنة بالسيناريو الأول. ومع ذلك، لا يمكن استبعاده، خاصة إذا تم تهيئة الظروف المناسبة لتحقيقه.

  1. ترك عملية تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

في الوقت الحاضر، يبدو هذا السيناريو غير مرجح. ومع ذلك، يمكن تحقيق ذلك في نهاية المطاف، إذا وصلت الأحزاب الإسلامية مرة أخرى إلى السلطة في السودان، عن طريق الانتخابات أو الانقلاب العسكري. ومن المحتمل في حال حدوث ذلك أن يفقد السودان الدعم الدولي، وستُعزل البلاد كما كانت في عهد عمر البشير. لكن يبدو أن المؤسسات الأمنية والعسكرية في السودان، إلى جانب معظم الأحزاب السياسية، لا ترحب بهذا الخيار، لذلك يبدو من غير المرجح أن يؤتي هذا الخيار ثماره.

الخاتمة:

ترتبط مواقف الأطراف السودانية تجاه توقيع اتفاق السلام مع إسرائيل بحساباتهم للفترة الانتقالية، وذلك لأنَّ العديد من الجهات الفاعلة السودانية تأمل في كسب المزيد من التأثير في الآخرين، عن طريق استخدام هذه القضية لصالحهم. ونتيجة لذلك، ينقسم أصحاب المصلحة إلى ثلاث مجموعات: أولئك الذين يدعمون توقيع الاتفاقية، وأولئك الذين يعارضونها، والذين يفضلون تأجيل القرار بشأن هذه القضية إلى ما بعد الفترة الانتقالية. ومعظم أصحاب المصلحة السودانيين في تغيير سياسة الولايات المتحدة في السودان لأجل ان تدعمهم واشنطن. لذلك، من المرجح أن توافق الحكومة السودانية على توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل خلال الفترة الانتقالية، لاسيما إذا تم تشكيل حكومة انتقالية وفقًا لاتفاقية الإطار المدعومة من الولايات المتحدة. في الشكل الذي إذا اتسعت الخلافات بين المؤسسة العسكرية السودانية والجهات المدنية الصديقة للولايات المتحدة، فسوف تنخفض احتمالية التوصل إلى اتفاق خلال الفترة الانتقالية.

 

https://www.cmess.ir/Page/View/2023-02-19/6215