تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية من وجهة نظر الصين

      التعليقات على تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية من وجهة نظر الصين مغلقة

 https://www.cmess.ir/Page/View/2023-04-04/6226

المؤلف: سيد حامد حسيني

المترجم: أ.م خالد حفظي التميمي

تحليل: م.م مصطفى محمود جلال

توصل الخصمان الإقليميان إيران والسعودية، في 10 آذار 2023، إلى اتفاق يضع خطة تدريجية لإعادة العلاقات بين البلدين، وتشير الاتفاقية التي تم توقيعها في بكين، إلى نفوذ الصين في الشرق الأوسط، لاسيما من بين مخاوف أخرى للضامن الأمني ​​التقليدي للمنطقة، أي الولايات المتحدة، وكذلك منطقة المحيطين: الهندي والهادئ. على الرغم من ذلك، رحبت إدارة بايدن بخبر المصالحة بين طهران والرياض، وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: إنَّ واشنطن ترحب بالاتفاق. في حين أشاد وزير الخارجية أنطوني بلينكن بالصين لتوسطها في الاتفاق، قائلا: إنَّه يخدم مصالح المنطقة بأسرها. ومع ذلك حذر آخرون من التداعيات الجيوسياسية للاتفاق على موقف واشنطن الإقليمي. وربما يرجع موقف أمريكا الإيجابي من الاتفاقية، إلى حقيقة أنَّها لم تكن قادرة على التفاوض والتوسط في مثل هذه الاتفاقية، بسبب صراعاتها التقليدية والحالية مع إيران. ويعد إعادة فتح السفارات عنصرًا حيويًا لتوثيق العلاقات بين البلدين، ومع ذلك لا تزال هناك العديد من القضايا التي تحتاج إلى معالجة، مثل تحرير الأصول الاقتصادية والمالية لبعضهما البعض في صناعة النفط والغاز،  وتسهيل التجارة الثنائية وحتى الاستثمار السعودي المحتمل في إيران. من المرجح أن يظل السعوديون حذرين في الوقت الحالي، لأنَّه من غير الواضح ما هو تأثير العقوبات الأمريكية ضد إيران في الأنشطة المالية بين الجانبين.

من الناحية الجيوسياسية، ستغطي الاتفاقية جغرافيا مساحة واسعة من لبنان وسوريا، إذ دعمت إيران والسعودية قوى سياسية مختلفة هناك، ويشمل ذلك أيضا البحرين واليمن. قد يكون أحد جوانب الاتفاق بين إيران والسعودية تقارب المواقف في سوريا، حيث عارضت السعودية وإيران بعضهما البعض لأكثر من عقد من الزمان. في الواقع إذا أخذنا في الاعتبار المواقف الأخيرة للسعوديين، فهناك دلائل على أنَّهم قد لا يعارضون استمرار وجود بشار الأسد وحكومته، وفي الواقع يمكنهم التخلي عن مقاومتهم لحكومة الأسد، مقابل تنازلات من إيران في اليمن أو لبنان. إنَّ الاتفاق بين طهران والرياض يتطلب أيضًا جهدًا من كلا الجانبين، لتخفيف التوتر في المجال الإعلامي. على سبيل المثال تتمثل إحدى النتائج المتوقعة للاتفاقية، في أن يقوم السعوديون بتقليل الرسائل السلبية أو تغييرها بالكامل، عن طريق وسائل الإعلام الناطقة باللغة الفارسية، والتي يُقال إنَّ تمويلها يأتي من الرياض. وبالمثل يمهد هذا الامتياز السعودي الطريق لتحول مماثل في الأدب الإعلامي المناهض للسعودية في وسائل الإعلام التي تسيطر عليها إيران.

ومع ذلك، وعلى الرغم من كل هذا التقدم، فإنَّ هناك مشكلة كبيرة، وهو برنامج إيران النووي الذي لا يزال دون حل، والرأي السعودي هو أنَّ ايران ستصل، عاجلاً أم آجلاً، إلى نقطة اللاعودة في برنامجها النووي، الأمر الذي سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وزيادة التهديدات ضد السعودية. في كانون الأول 2022، وفي  بيان مشترك بين دول مجلس التعاون الخليجي والصين، طُلب من إيران التعاون بشكل أكبر في برنامجها النووي. إذ طلبت السعودية من الولايات المتحدة تطوير برنامجها النووي كإجراء مضاد ضد إيران. ومن الواضح أنَّ القضية النووية ستبقى دون حل، ومن ثمّ ستعاود التوترات الظهور بين البلدين في الشرق الأوسط.

الوسيط صيني:

اختار السعوديون والإيرانيون بكين وسيطًا لجزء من جهودهم لتنفيذ سياسة خارجية إقليمية متعددة الأطراف. ربما تم اختيار الصين عن قصد كطرف وسيط لإظهار الاستقلال في قرارات إيران والسعودية. من الواضح أن هذا التقارب يأتي وسط حالة من عدم اليقين بشأن موقف أمريكا في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أنَّ واشنطن قد وسعت وجودها في بعض البلدان، مثل العراق، وحافظت على التعاون الأمني ​​مع السعوديين ودول الخليج العربي الأخرى، فإنَّ تيسير التجارة الصينية مهم، ويمكن أن يكون نذيرًا للتغييرات القادمة. لهذا السبب قد تضطر الولايات المتحدة إلى إعادة تقييم نوايا بكين وتوقعات دول الخليج العربي. ويظهر أنه يجب قبول فكرة أنَّ دول الخليج العربي ستعتمد فقط على الولايات المتحدة في القضايا الأمنية، لكنها ستتعاون مع الصين في العلاقات الاقتصادية والاستثمارية.

فضلا عن ذلك، فإنَّ تطبيع العلاقات يحدث في وقت تصل فيه دول الشرق الأوسط إلى علاقات وثيقة بعضها مع بعض دون تدخل مباشر من الولايات المتحدة. على سبيل المثال يؤكد هذا الافتراض تطبيع العلاقات التركية مع السعودية، وكذلك الإجراءات التي تتخذها قطر لتحسين العلاقات مع جيرانها في الخليج العربي. ويجادل بعض المحللين بأنه خلال الحقبة الأمريكية في عهد ترامب كان الشرق الأوسط لا يزال تحت النفوذ الأمريكي، حيث نجحت مبادرات الوساطة الأمريكية بموجب ما يعرف بمبادرة (إبراهيم)، وربما قد تكون السعودية الدولة العربية التالية لتطبيع العلاقات مع إسرائيل. في المقابل وفي ظل إدارة بايدن خسرت الولايات المتحدة زمام المبادرة في المنطقة، وتحاول الصين الآن تدريجيًا سد الفجوة الجيوسياسية الناشئة، فلم يعد السعوديون يعتمدون على واشنطن بالرغم من أنَّهم ما زالوا يستندون عليهم، إلا انه تتزايد حالة عدم الامان.

هذا التحسن في العلاقات بين دول الشرق الأوسط، حدث أيضًا، وسط النزاعات الجيوسياسية في المناطق الطرفية الأخرى من غرب آسيا، مما يحول دون تركيز الولايات المتحدة. الحرب في أوكرانيا، مثلا، والتي استثمرت فيها واشنطن الكثير من رأس المال -المالي والسياسي – وكذلك المنافسة مع الصين في منطقة المحيطين الهندي والهادي، والتي تعدّها واشنطن الآن بشكل متزايد ساحة صراع خطيرة, من العوامل التي تقلل من التأثير الامريكي على التطورات في الشرق الأوسط. ومن الواضح الآن وبشكل متزايد، أنه كلما زادت المصالح الاقتصادية للصين في الشرق الأوسط  زادت حوافزها لتصبح أكثر نشاطًا جيوسياسيًا في المنطقة. وعلى المدى الطويل، يمكن أن يجعل هذا أيضًا من بكين لاعبًا أمنيًا يقوض بشكل خطير الموقف التقليدي لأمريكا. فضلا عن ذلك، قد يكون لوجود الصين تأثير ترويجي كبير جدا. إذا تمكنت الاخيرة من التوسط بين خصوم جديين، مثل: إيران والسعودية، فقد يأمل اللاعبون الآخرون في الشرق الأوسط أن تساعدهم الصين يومًا ما في إيجاد أرضية مشتركة مع خصومهم وحل الخلافات.

وتعد الصين أيضًا طرفًا جذابًا في الوضع الحالي، لأنَّها تعزز الأمن عن طريق التعاون مع جميع الأطراف، بينما تعمل الولايات المتحدة من خلال نظام تحالف، الذي قد يكون رادعًا عسكريًا / أمنيًا قويًا للتحرك ضد المصالح الأمريكية، لكن هذا النهج مع ذلك به عيوب من حيث الضمانات الأمنية، وقد يعمق الانقسام ويعتمد الكثير على حسابات طهران والرياض. ومع ذلك من الممكن أيضًا ألا تسعى الصين إلى التقارب الكامل للعلاقات بين الطرفين.

ومن خلال نجاحها في التوسط في الصفقة الإيرانية السعودية، يمكن للصين في الواقع أن تهدف إلى تقديم تنازلات أكبر، مثل المساعدة في تطبيع العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. مما يجعل هذا ممكناً، هو حقيقة أن جميع الجهات الفاعلة ترى أن بكين لاعباً موثوقاً لا يحبذ الأحادية ولديه الدافع لتحقيق تقدم حقيقي.

نظرًا للنجاح الذي حققته الصين مؤخرًا، فمن المرجح أن تسعى إلى توسيع مبادرة الحزام والطريق (BRI). فيما يخشى السياسيون الأمريكيون الآن أن تمضي الصين قدماً في طموحاتها، لإعادة تشكيل البنية التحتية للسكك الحديدية والموانئ في المنطقة، الأمر الذي سيمنع أو على الأقل يحد من الوصول إلى موارد النفط والغاز في الشرق الأوسط من قبل الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى. ومن المتوقع أن يكون مجال التطوير الآخر في مجال شبكات 5G و6G، قد تستخدم الصين أيضًا علاقاتها المتنامية مع إيران والسعودية لتوسيع مبيعات الأسلحة، ولاسيما الطائرات العسكرية بدون طيار والصواريخ. وقد تصل التدريبات البحرية المشتركة مع روسيا وإيران إلى مستوى آخر، بينما في العلاقات الأمنية مع السعوديين، من المرجح أن تعمل بكين على تدريبات عسكرية مشتركة، والمزيد من تبادل المعلومات الاستخباراتية والاتصالات عبر الأقمار الصناعية. إنَّ مساعدة السعوديين على تطوير نظام صاروخي باليستي محلي هو مجال محتمل آخر للتعاون الأمني.

وعندما يتعلق الأمر بسياسة الشرق الأوسط، سيظل الصينيون براغماتيين، لاسيما فيما يتعلق مع إيران. إنهم يرون أنَّ هذا البلد يخضع لعقوبات شديدة، وهو سوق محفوف بالمخاطر بشكل عام. الشركات الصينية ببساطة ليست على استعداد للمخاطرة بمصالحها والخضوع للعقوبات الأمريكية. خلال زيارة الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للصين في شباط، علقت شركة سينوبك، عملاق الطاقة الصيني، أنشطتها في حقل يادوفاران النفطي الإيراني. على الرغم من أنَّ السلطات الإيرانية نفت ذلك لاحقًا بسبب استمرار المفاوضات، إلا أنَّ هذا الإجراء يوضح مدى حساسية الصين للعقوبات المفروضة على ايران، وهذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها للشركات الصينية وجود جاد ومستقر في الغاز الإيراني. ففي صناعة النفط يمكن أيضًا رؤية البراغماتية الصينية في فهم مختلف لخيارات إيران المحدودة. فيما تدرك بكين أنَّ ايران بحاجة إلى الصين بشكل خاص لموازنة الضغط من الغرب. على الرغم من أنَّ طهران ليست قلقة حاليًا بشأن طموحات بكين في الشرق الأوسط ولاسيما في منطقة الخليج العربي، إلا أنَّها لا تستطيع أيضًا السماح بقطع العلاقات الثنائية مع الصين أو حتى تقليصها بشكل طفيف، فالاستثمار الجاد والدعم هو ما تريده إيران الآن وتتوقع الحصول عليه من الصين.

وفي الختام، يمكن القول إنَّ الصين قد تمهد الطريق لمشاريع أكثر طموحًا، مثل المقاربات متعددة الأطراف التي تشمل اللاعبين الرئيسيين في الشرق الأوسط. فيما بدا أنَّ النهج الذي اتبعته بكين ناجحًا حتى الآن، ولكن لكي تصبح جهة فاعلة تُعدّ حقًا شريكًا موثوقًا به أو في بعض الحالات وسيطًا جادًا، تحتاج الصين إلى تبني نهج جاد للتعددية. ومن غير المرجح أن تكون تعددية الأطراف في الصين، مثل النموذج الغربي (مع متطلبات الحكم المحلي أو التحالفات الرسمية)، لكنها تظل بمثابة مظلة لجعل الشرق الأوسط أكثر أمنًا. وفي الوقت الحاضر، مقارنة بالنموذج الغربي، تعد تعددية الأطراف الصينية فضفاضة وتفتقر إلى هيكل للتحالف، وتركز بشكل أكبر في التعاون الاقتصادي.

إذا طلبت الصين خيارات جادة من دول الشرق الأوسط، فمن المحتمل هذا الطلب سيقلق شركاءهم، ومن أجل قبول عدد أكبر من الدول لا ينبغي فرض أفكار النظام العالمي الجديد على الدول، بل يجب تقديمها إليهم بطريقة أقل راديكالية، أثناء محاولة كسب ثقتهم. فمن الصعب الحصول على هذه الثقة والمصداقية، ولكن بدون هذين المكونين سيكون من الصعب بناء نظام مستقر في الشرق الأوسط. وتستفيد بكين من حقيقة أنه لا يوجد لدى كل البلدان مقاربة واضحة للنظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط ، فبالنسبة للأخير يجلب صعود الصين فرصًا لتحقيق التوازن في العلاقات الخارجية، فالسعودية ودول الخليج العربي لا تريد استبدال اعتمادها على الغرب (أمريكا) بالاعتماد على الصين. بالإضافة لذلك ستسعى بكين إلى تعزيز خصائصها إن لم يكن استبدال دور الولايات المتحدة في المنطقة، ويمكن أن يشمل ذلك إنشاء دور سلمي وتقديم أشكال سياسية مختلفة للأحزاب المعارضة حتى يتمكنوا على الأقل من التحدث بعضهم مع بعض على الرغم من خلافاتهم. ومع ذلك ستمضي بكين بحذر لأن الإفراط في المسؤولية قد يأتي بنتائج عكسية. ففي هذه المرحلة من الضروري أن تدير الصين توقعات الجهات الفاعلة في الشرق الأوسط ومصالحها الوطنية.

التحليل:

يبدو أنَّ أصحاب العيون الضيقة بدأوا يفكرون جلياً بأهمية بُعد الرؤية الاستراتيجية في إعادة تشكيل النظام الدولي الجديد بالإعتماد على الخرق الجيوسياسي، وعلى الرغم من عدم الإعلان على إحتضانهم لهذا الإتفاق الثنائي قبل عقدهُ، إلا أنَّ التصريحات الصينية التي تلت الإعلان عن هذهِ الشراكة الثنائية، انصبت في غالبها على فكرة تسويق الصين لفكرة مفادها حرص بكين على دعم وإستقرار الأمن والتنمية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط.

ويمكن طرح التساؤل الآتي: (لماذا هذا الاتفاق الآن؟ ولماذا بكين تحديداً؟)، يمكن الإجابة عن هذا التساؤل في إستعراض مصالح أطراف الإتفاق الثلاثة وبشكل منفرد:

  1. الصين:

تكمن أهمية احتضان هذهِ الشراكة الثنائية بين إيران والسعودية بالنسبة للصين، فرصة بالغة الأهمية في تمكين الخرق الجيوسياسي للصين في منطقة الشرق الأوسط، لتتمكن من تثبيت وجودها سياسيًا، وربما يتبعهُ وجود أمني/ عسكري في مناطق قريبة جداً من نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية، وتأتي أهمية هذا الخرق كرد فعل على وجود الولايات المتحدة الأمريكية في أماكن قرب الصين، مثل فتح الولايات المتحدة الأمريكية لقواعد عسكرية في الفلبين، وإستغلال الخلاف الفلبيني- الصيني كنوع من الضغط على الصين، كذلك قيام الولايات المتحدة بالإعلان عن اطلاق شراكة أمنية ودفاعية في المحيط الهندي والهادي (مناطق تنامي نفوذ الصين)، مع المملكة المتحدة وأستراليا تحت مسمى حلف (أوكوس)، ليأتي احتضان هذهِ الشراكة لدولتين من أهم دول الشرق الأوسط، كرد فعل صيني لماتقوم بهِ الولايات المتحدة من خرق لمجالها الحيوي، لتقدم نمطًا نديًا لمواجهة التقدم الأمريكي قرب مناطقها، كذلك تمكن مصلحة الصين من هذا الإتفاق هو الإستفادة من وجودها سياسياً بين طرفي الشراكة، لوجود عدة ملفات مهمة بين الجانبين مثل حرب اليمن، حينها سيكون لبكين دور في ملف الحرب والوساطة في شكل الحكومة اليمنية المقبلة، أي بمعنى الدخول في الملفات العالقة بين الجانبين وهو مايحتاج بالضرورة إلى دخول أمني، مثلاً تثبيت قوات عسكرية صينية لحفظ السلام في اليمن، كذلك دخول إقتصادي للشركات الصينية تحت بنود إعادة الإعمار والبناء في اليمن، ومن ثم تثبيت وجودها في مناطق مهمة قرب البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لاسيما إنَّ تلك المناطق والقريبة منها هي التي تزود الصين بالنفط، لذا هي حريصة على حماية مصالحها في تلك المناطق عن طريق تثبيت وجودها.

  1. السعودية:

إنَّ الصراع السعودي- الإيراني لهُ جذور وإمتدادات تاريخية، فطالما كانت المملكة العربية السعودية تفكر ملياً بكيفية المواجهة مع الجار المزعج ايران، فعند العودة إلى حرب الخليج الأولى من 1980 الى 1988 بين العراق وإيران، قدمت السعودية دعمًا عسكريًا مباشرًا للعراق في مواجهة ايران، كذلك قامت بالحرب بالوكالة كنوع من أنواع المواجهة مع ايران في مناطق أذرعها (اليمن -سوريا)، فضلا عن حروب مخابراتية سعودية تقوم على تغذية الصراع الداخلي في إيران، وتشجيع حالة الإنقسام والفوضى في الداخل الإيراني، في محاولة لإسقاط النظام السياسي وخلق الأزمات في الداخل الإيراني، إلا إنَّ كل هذه المحاولات كانت ذا تأثير محدود، هذهِ القناعات السعودية دفعت الى التفكير في كيفية المواجهة مع إيران، لذا بدأت تؤمن بأهمية الحل الدبلوماسي، لاسيما مع فتور الجانب الأمريكي في الدخول لهذا الصراع، فعلى سبيل المثال، عندما تعرضت منشآت آرامكو السعودية للقصف الإيراني في سبتمبر من العام 2019، قابله عدم وجود أي رد من الجانب الأمريكي في عهد الرئيس الجمهوري (ترامب)، ليتكرر هذا الفتور الأمريكي في الرد على إيران، في عهد الرئيس الديموقراطي (بايدن) عندما تعرضت الأمارات للقصف بصواريخ حوثية في كانون الثاني 2022 (بدعم من إيران وإن لم يعلن)، لذا تكمن أهمية الحل الدبلوماسي في تفرغ السعودية لمشاريعها الإقتصادية كمشروع (رؤية المملكة 2032)، والذي يحتاج إلى خلق بيئة أمنية جيدة مع محاولة لتقليل فرص تجديد التهديد الإيراني على أراضيها.

3.إيران:

تعيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية اليوم، حالة من الإختناق الإقتصادي والعقوبات الدولية المفروضة عليها من الولايات المتحدة الأمريكية، فهي تعيش في حالة أزمة داخلية، لتسعى جاهدة إلى كسر نمطية الهيمنة الأمريكية على المناطق المجاورة لها، كذلك تعتمد ايران إقتصادياً على الصين، وبلا شك فإنَّ هذا الاتفاق سيسهم في تخفيف عزلتها الدولية، لاسيما أنَّ أغلب دول الخليج العربي مرحبة وتبارك لهذا الاتفاق، كذلك ستحاول عن طريق هذا الاتفاق إضفاء شرعية على نظامها السياسي، ويعزز نفوذ الصين إقليمياً على حساب الولايات المتحدة الأمريكية، في المقابل ربما ستقدم بعض التنازلات في سياستها الإقليمية، إذا ما كانت هذه التنازلات تسهم بشكل أو بآخر في التخفيف من عزلتها، وايقاف تغذية صراعاتها الداخلية، ومحاولة نيل القبول والرضا في برنامجها النووي.

ونستنتج مما ذكر:

*هناك سعي لإنشاء نظام عالمي جديد مناهض للغرب، تستبعد فيه الولايات المتحدة من أي متغيرات إقليمية جديدة، وهو ما سيخدم مصالح أطراف الاتفاق الثلاثة.

*إنَّ دور بكين في ترتيب هذا الاتفاق يشير إلى تراجع وفتور العلاقات الأمريكية السعودية، وهو ما خلق بيئة مناسبة لبكين لاختراقها مناطق قرب النفوذ الأمريكي.

* أطراف الاتفاق الثلاثة كانوا رجال أمن وليسوا رجال سياسة، وهذا فيه دلالة واضحة على نمط عودة العلاقات الايرانية السعودية بنمط أمني بالدرجة الأساسية.

* الصين وجدت المناخ المناسب للدخول في هذه الوساطة والنجاح بها، لحاجة الطرفين أمنياً لهذا الاتفاق، وهنا يكمن الاختراق الجيوسياسي للصين في المنطقة.

*لايزال من غير الواضح ماهية هذا التقارب، وهل ممكن أن يتحقق فعليا؟ إلا إنَّ قرار إعادة فتح السفارات، وبعد قطيعة لعدة سنوات، يمثل الخطوة الأولى لتحقيق هذا التقارب.