صمويل بيرغر،ستيفن هادلي، جيمس جيفري، روبرت ساتلوف
ترجمة: هبة عباس
مراجعة وعرض: ميثاق مناحي العيساوي
تشكل الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة بأسم “داعش” او الدولة الإسلامية التهديد الاكبر والاوضح والمباشر للنظام ، وخاصة بعد اعلانها خلافة مصممة لتحل محل او لاستبدال الدول القائمة،
وإيران أيضا تشكل تهديدا قد لا يكون واضحا من خلال الهجوم لكنه حقيقي بصورة غير مباشرة من خلال التدخل بشؤون بعض الدول.
إن الشرق الاوسط اليوم مستهلك بعدة صراعات، في حين يرى البعض أن الصراع الواسع بين السنة والشيعة يقود هذه الصراعات، والبعض الآخر يرى الخلافات الطائفية والقبلية والعشائرية في مركز الصدارة وينتج عنها الانهيار الحتمي لخريطة سايكس بيكو الاستعمارية المفروضة تقريبا قبل مائة سنة. هو صراع حول الهوية الأساسية المرجح أن تعاني منها المنطقة على الأقل خلال العقد المقبل ويهدد نظام الدولة التي عرفناها في الشرق الأوسط.
تشكل الدولة الإسلامية في العراق والشام والمعروفة بأسم “داعش” او الدولة الإسلامية التهديد الاكبر والاوضح والمباشر للنظام ، وخاصة بعد اعلانها خلافة مصممة لتحل محل او لاستبدال الدول القائمة، وإيران أيضا تشكل تهديدا قد لا يكون واضحا من خلال الهجوم لكنه حقيقي بصورة غير مباشرة من خلال التدخل بشؤون بعض الدول.
ومما يزيد تحديات الهوية هو قضايا الحكم العميقة – من القيادة السياسية الى الإدارة الاقتصادية ومن الظلم الاجتماعي الى التنمية التعليمية -التي يمكن أن تهدد حتى الدول الأكثر تجانسا مثل مصر، وأن انهيار نظام الدولة في الشرق الأوسط- بسبب تنامي الفشل او فشل الدولة الذي تغذية رؤى دينية- يعّرض مصالح الولايات المتحدة في المنطقة للخطر، أي المصالح التي ذكرها الرئيس اوباما مرارا وتكرارا والتي تتضمن وقف الإرهاب ومنع انتشار الأسلحة النووية والحفاظ على التدفق الحر للطاقة ودعم حلفاء الولايات المتحدة. وأن من مصلحة الولايات المتحدة مع مرور الوقت رؤية حكومات قوية في المنطقة تتجه نحو الشمولية والتقدم الاجتماعي ، ومن المؤكد أن الدول الأضعف في منطقة الشرق الأوسط هي الأكثر عرضة لتخطيط وتوظيف وعمل المجاميع الارهابية وستكون دولة داعمة للإرهاب، واذا استمر هذا الإتجاه المُضعف ستضطر الولايات المتحدة لا محال لمواجهة المؤامرة المحاكة ليس ضد اصدقاء واشنطن فحسب بل ضد الوطن الأمريكي ايضا.
ويعد الرئيس اوباما تمكن داعش الآن في مناطق واسعة من سوريا والعراق، خطرا على الولايات المتحدة مشيرا الى ان هدفنا هو ” أضعافه وبالنهاية القضاء علية –داعش- ويسعى الآن –أي أوباما- الى طلب ترخيص جديد من الكونغرس لمحاربة داعش في العراق وسوريا.
واوضح الرئيس أن التحدي هو أكبر من أن يكون عسكري، وعلى الرغم من أن تقديم الدعم للحكومات لمحاربة داعش على ارض الواقع سيكون مهما, لكن لا يمكن هزيمة داعش مالم تفقد مصداقيتها. فالمسلمين وحدهم من يستطيع تقويض ايديولوجيات داعش المتعصبة ويجب أن يملكوا زمام المبادرة للقيام بذلك، فضلا على ذلك، سوف يتعين بذل جهود منتظمة بشكل مستمر للحد من تدفق المجندين الاجانب ومصادر التمويل الخارجي للمجاميع المتطرفة, ومن ثم، فإن استراتيجية تحقيق الاهداف التي اوجزها الرئيس اوباما تعتمد على وجود تحالف واسع من قبل الشركاء في دعم الجهود العربية لهزيمة داعش.
ويرى البعض أن هذا التحالف من شأنه أن يوحد الإيرانيين والسعوديين في عداءهم المشترك تجاه داعش، و على الرغم من أن وجهة النظر التقليدية” عدو عدوي هو صديقي” قد تنطبق على استعداد السنة في التعاون سرا مع إسرائيل ، لكنها لا تنطبق على السعوديين والاماراتيين والبحرينيين وآخرين عندما يتعلق الأمر بالإيرانيين، فهم يرون ان صراعهم ضد إيران من حيث الوجود، والاكثر من ذلك يبدو أن نية الإيرانيين تطويق المملكة العربية السعودية – بالتهديدات الواضحة لمحافظاتها الشرقية و للبحرين والعراق وسوريا ولبنان واليمن- سوف يزيد من احتمال وضع السعوديين انفسهم في مواجهة الجمهورية الإسلامية، والملك السعودي الجديد لن يغير من هذه الحقيقة ، وفي الواقع ، أن التحالف الذي تقوده السعودية للمواجهة العسكرية ضد جهود الحوثيين في الاستيلاء على اليمن يعكس وجهة النظر الجماعية للقادة العرب في وضع خطوط حمراء ضد التوسع الإيراني في المنطقة، وأن هذا الهدف هو امر اساسي بالنسبة لهم اذ اتفق كلا من المملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من الدول على تحشيد قوة عربية ليس لمواجهة إسرائيل بل لمواجهة الميليشيات المدعومة من إيران وربما القوات الجهادية.
وفي هذا السياق يمكننا أن نحكم على الإيرانيين على اساس سلوكهم ، فمن المؤكد أن يقاتلوا لمنع هيمنة داعش في كل من سوريا والعراق، وهنا لا تتوحد اهدافنا، وربما تبدأ عملياتنا بشكل موازٍ، لكن في حال الوصول الى نقطة من التقارب التكتيكي سوف تتعارض الرؤية الاستراتيجية الإيرانية مع رؤية الولايات المتحدة، فالعناصر الأكثر قوة في إيران اليوم_ خاصة المرشد الأعلى علي خامنئي وفيلق الحرس الثوري الإسلامي( الحرس الثوري الإيراني) _ لا ترى الولايات المتحدة مجرد عدو بسبب التآمر على تخريب الدولة الإسلامية لكنهم يعدونها العائق الرئيس الذي يحول دون تحقيق “الشرعية” الهيمنة على المنطقة، حتى لو سعت الولايات المتحدة الى طمأنتهم بشأن اهدافها فمن غير الممكن ان يؤمنوا بها مالم ترضخ لهيمنتهم الإقليمية، ان توحد مصالحهم في اضعاف مؤسسات الدولة التي يقودها خصومهم السنة واعتقاد اصدقاء الولايات المتحدة التقليديين بأنهم عالقون في صراع وجودي مع إيران يجب أن يستوقفنا حول عقد الشراكة مع الإيرانيين في مجال مكافحة داعش.
وبالنهاية، اذا كنا نأمل في تعبئة الشعوب العربية السنية في العراق وسوريا لمواجهة داعش_ عنصر اساسي لتهميشها_ لا يمكن لإيران ان تكون حليفاً مفترضا، وأن اقامة اي شراكة يمكنها أن تحد من اي جهد سني جاد لنزع الشرعية عن داعش، والأسوأ من ذلك، سوف يزداد احتمال ان يكون داعش هو الحامي الحقيقي للسنة والمستعد للقتال ضد اولئك الذين صمموا على اخضاع وقهر اخوانهم السنة، وهذا كافيا لكي تضع الدول السنة نفسها في موقف دفاعي .
ومن المؤكد أن السعوديين قد بذلوا الكثير من الجهود للإسهام في الايديولوجية الاسلامية المتطرفة داخل المنطقة وخارجها، حيث قامت مسبقا بتمويل المتطرفين ونشر التعاليم والأفكار الإسلامية المتعصبة، وكان السعوديين والقطريين سباقين في تقديم الدعم المادي للإسلاميين السنة المتطرفين الذين يقاتلون نظام بشار الأسد في سوريا بغض النظر عن النتائج المترتبة على ذلك، وفي السنوات القليلة الماضية اصبحت القيادة السعودية اكثر واقعية بشأن مسؤلياتها الإقليمية وضرورة مواجهة الإيديولوجيات والمذاهب المتطرفة السنية والشيعية، اذ بدأ القادة داخل المملكة العربية السعودية كبح جماح السلطات الدينية ، وتغيير التعاليم الوهابية التقليدية وتفضيل تولي رجال دين اكثر اعتدالا للمناصب العليا للدولة ،من ناحية أخرى، بينما كان السعوديين يساهمون في الأيدولوجية التي تتبناها داعش، باتوا على يقين في الوقت الحالي أن عليهم مواجهتهم والتصدي لهم، فعلى النقيض من الإيرانيين، يلاحظ السعوديين خطر تقويض نظام الدولة في الشرق الأوسط، لكن ما تقوم به الآن في اليمن يشير الى احتمالية أن يضعوا تهديد إيران في المقام الاول وليس داعش، والاتفاق النووي مع إيران سوف لن يقلل من تصوراتهم بشأن التهديد ومن الواضح سيتطلب من الولايات المتحدة مواجهة ردود افعالهم وطمأنتهم وغيرهم من السنة حول رؤية الولايات المتحدة للمنطقة ومصالحها فيها، و أن قيام استراتيجية تحفظ نظام الدولة في الشرق الأوسط وتواجه داعش وتدحره وتطمئن الزعماء السنة الرئيسيين ( حتى في الوقت الذي تحاول فيه الولايات المتحدة حثهم على أن يصبحوا اكثر شمولية وتسامحا في حكمهم) والتصدي للإيرانيين ، ستحتاج الى رؤية حول الطريقة التي نريد من خلالها تحريك المنطقة ، وببساطة، تتطلب رؤية تهدف من خلالها الولايات المتحدة الى اضعاف الإسلاميين المتطرفين سواء كانوا من السنّة او الشيعة.
صياغة الاستراتيجية في الشرق الأوسط
لصياغة استراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط يجب ان تقودنا عدة عناصر اساسية منها:
- التركيز على ما يمكننا فعله لتقوية نظام الدولة في الشرق الأوسط، فمن الناحية الاستراتيجية فإن “مركز التوازن” الحرج لمجموعة من الحروب الإقليمية هو نظام الدولة، وهذا يعني العمل مع الشركاء التقليديين في المنطقة مثل مصر والسعودية والاردن والامارات العربية المتحدة وإسرائيل ( شمال افريقيا حيث يعد المغرب شريكنا التقليدي خارج هذا النقاش)، وهذا لا يعني التضحية بقيمنا وحجب انتقاداتنا المشروعة لكن في بلد كمصر حيث تتوائم ركائزنا في الحكومة المستقرة مع احتياجاتنا الاستراتيجية العميقة في المنطقة ، وأن من اولوياتنا على المدى القريب هو عدم التأثير على الحكم في مصر، ومن المؤكد والضروري أن تصبح كل هذه الدول بما فيها مصر اكثر شمولا وتسامحا وقبولا للتعددية واكثر استعدادا لاحترام حقوق الأقليات.
- التركيز على الحاق الهزائم بداعش فالمجموعة التي تدعي الدعم الإلهي تحتاج الى التوسع وأن ينظر اليها على انها محققة للانتصارات، وستؤدي الهزائم وخسارة الأراضي الى الحد من جاذبية التنظيم ويسلط الضوء على تناقضاته (نحن بحاجة إلى أن نكون أكثر ذكاء في الدبلوماسية العامة، كما أن نشر صور قوات داعش مستسلمين سيكون له بالغ الأثر في طمث صورهم التي اعتادوا أن يظهروا أنفسهم كرسل سماويين يبلغون رسالة سماوية) لكن انتاج الهزائم والعلامات العلنية للاستسلام تتطلب تصاعد وتيرة الهجمات، والقوات البرية الأمريكية ليست هي الحل للوضع بل أن الحل البديل القابل للتطبيق هو “حملة جوية أمريكية إلى جانب قوات برية عربية محلية، تُقام بمساعدة ودعم من أعداد معززة من المستشارين الأمريكيين وأفراد القوات الخاصة”.
- عدم غض الطرف عن الهدف في سوريا ، فيجب تعزيز القوات المعادية لداعش ولنظام الأسد وعدم عزلها من خلال الهجمات التي تمكن نظام الأسد من ملاحقة الجماعات السورية المعارضة غير المنتمية لداعش، وهذا الموقف المتناقض سوف يقّوض اهدافنا ضد داعش.
- التعامل مع إيران يكون اسهل عندما يوفرون لنا حالا افضل او يقللون من التهديد المحتمل، وفي هذا الصدد، من المنطقي عقد اتفاق نووي مع إيران اذا كان يسمح لإيران امتلاك برنامج نووي سلمي ولكن يحظر عليها امتلاك الخبرة التي تخولها ان تصبح دولة تمتلك اسلحة نووية، ومن المفارقات، قد تصبح التعاملات مع إيران اكثر احتمالا اذا رأت القيادة الإيرانية إننا سوف نرفع تكاليف تصرفاتهم العدوانية في المنطقة ونبقى منفتحين ونسمح لهم بالخروج ويمكن أن تكون سوريا خير مثال على ذلك.
- تطوير العلاقات مع الأوربيين واليابانيين ودول الخليج العربي كخطة لإعادة الإعمار والتنمية والاستقرار في مناطق مختلفة من العراق وسوريا بعد استرجاعها من داعش ،عامل التعقيد_ المبدأ الذي يجب ان يبقى في صميم السياسة الأمريكية_ ان نظام الأسد هو ليس شريكا في هذه العملية، وفي غضون ذلك، يتعين على الولايات المتحدة بذل المزيد من الجهود لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين في لبنان والأردن وتركيا.