الرمادي لا تعدو أن تكون جزءا من المشكلة داخل العراق

      Comments Off on الرمادي لا تعدو أن تكون جزءا من المشكلة داخل العراق

الكاتب: أنتوني كوردسمان

ترجمة وعرض وتحليل: حسين باسم عبد الأمير

استهل كوردسمان مقاله بالإشارة إلى أن الهزيمة في الرمادي كان ينبغي أن تحدث، ولكن حرب إنقاذ العراق سوف يتم الانتصار فيها في الموصل. وأضاف قائلا: تُعّد الهزيمة العراقية في الرمادي بمثابة تحذير، غير أنها ليست أكثر من تحذير من “الانتصار” العراقي المفترض في تكريت قبل شهر، أو بسبب طبيعة مشاركة الولايات المتحدة في العراق وسوريا.

 

ثم يستطرد قائلا: تحتاج الولايات المتحدة على وجه السرعة أن تُعيد تقييم الموقف الاستراتيجي الراهن في كل من العراق وسوريا، وفي ذات الوقت هي بحاجة إلى الكثير من الواقعية في تشكيل جهودها العسكرية والكثير من الصدق والشفافية في تقييم مخاطر تلك القرارات.

إن المستوى الحالي من التدخل العسكري الأمريكي محدود جدا ومعيق للنجاح، ومع ذلك فإن خطر الفشل سوف يكون مرتفعا حتى إذا استخدمت الولايات المتحدة قوة إضافية ذات فعالية أكثر.

إن هزيمة كبرى مثل سقوط مدينة الرمادي بيد سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” ليست سوى جزءا من المشكلة، إذ لا يمكن للولايات المتحدة التركيز على تنظيم “الدولة الإسلامية” كما لو أن العراق وسوريا ليسا دولا فاشلة، فيهما مشاكل عميقة جدا، إذ إن الانقسامات في العراق بين الحكومة المركزية التي يقودها الشيعة مع العرب السنة والأكراد ما تزال حرجة.

إن معركة تكريت لم تكن انتصارا، ببساطة لأن طرد تنظيم “داعش” منها تم بتكلفة كبيرة. وقد كانت المعركة بمثابة الهزيمة؛ بسبب اضطرار الجيش العراقي إلى الاعتماد على الميليشيات الشيعية التي يخشاها معظم العراقيين السنة، والتي ترتبط بعلاقات مع إيران، والتي لا تظهر اهتماما كافيا بالمدنيين أو الأضرار الجانبية.لقد كانت معركة تكريت إحدى أكثر المعارك التي خاضها الجيش العراقي في وقت قريب جدا، وبينت أن العراق يحتاج إلى بذل جهد أكبر من قبل الولايات المتحدة، وأن تكون أكثر فعالة في التدريب والمساعدة. ومثل هذا الجهد، يتضمن وجود مستشارين أميركيين في وحدات قتالية أمامية، يمكن أن يساعد في تطوير القادة العراقيين، ويساعد على جعل التجهيز والتدعيم فعالا، وجعله يستفيد من القوة الجوية التابعة للولايات المتحدة وحلفائها على نحو فعال.

(منذ عقود وللولايات المتحدة مصالح حيوية استراتيجية في منطقة الشرق الأوسط عموما، وقد حُكِمت المنطقة بتوازن قوى إقليمي كانت ومازالت كفته تميل لصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، وهذا ما أتاح لها المحافظة على مصالحها الاستراتيجية وصيانتها. غير أنه ومنذ اجتياح الولايات المتحدة للعراق في العام 2003، دخل العراق خصوصا والمنطقة عموما في حالة عدم استقرار، وهو ما ألقى بضلاله على المشهد الجيواستراتيجي، فقد دخلت المنطقة عموما في حالة مخاض خلال العقد الأول للألفية الثالثة أنتج لنا فيما بعد ما بات يُعرف إعلاميا بـ”الربيع العربي”، حيث ازدهرت خلاله “الأطراف الفاعلة غير الحكومية”، ومن بين أهم هذه الأطراف “الميليشيات”. إن وجود وبقاء هذه الميليشيات يهدد بتغيير توازن القوى الإقليمي الحالي الضامن للولايات المتحدة مصالحها الحيوية في المنطقة، لذا ومن هذا المنطلق نجد أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحجيم دور هذه الميليشيات (حتى فيما لو كانت تحظى باعتراف رسمي ومقنن من قبل الحكومات أو تستند إلى تأييد شعبي ومباركة الجماهير، كما هو حال “الحشد الشعبي” في العراق). لذلك، نجد أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحجيم أي دور ومستقبل لهذا الحشد الشعبي في العراق، بغية ضمان عدم حدوث أي تغيير في ميزان القوى الإقليمي بما يضع مصالحها على المحك، فنجدها تتحجج تارة بأن المكون السني في العراق يخشى الحشد الشعبي متغافلة عن التأييد العريض من قبل الجماهير السُنية في العراق للحشد الشعبي الذي يقاتل تنظيم “داعش” بعد أن قام الأخير بقتل وتهجير عشرات الألوف منهم واعتدى على ممتلكاتهم واستباح مساجدهم ومقدساتهم ومصالحهم المختلفة. ونجد الولايات المتحدة تارة أخرى تتهم الحشد الشعبي وتشكك بوطنيته؛ بسبب اعتماد العديد من فصائله على إيران فيما يتعلق بقضايا التسليح والتجهيز، متناسيه بأنها تعمّدت عدم الوفاء بالتزاماتها حيال تسليح وتجهيز العراق وتأهيل قوى الأمن النظامية بما تحتاج اليه في حال تعرضت سلامة وأمن ووحدة البلاد إلى أي تهديد، وذلك وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي. في الحقيقة، إن هذه الذرائع والحجج التي تثيرها الولايات المتحدة حول (خشية السُّنة من الحشد الشعبي وعدم وطنيته) هي فقط من أجل صيانة مصالحها الحيوية الاستراتيجية في عموم المنطقة، عبر ضمان والحفاظ على كفة ميزان القوى الإقليمي مائلا لصالح الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال تحجيم مستقبل أي قوة ناشئة، بما فيها “الحشد الشعبي”، وحتى لو تم ذلك على حساب مصالح العراق الوطنية وسلامته ووحدة أراضيه. هذا من جهة.

من جهة أخرى، تتعاظم وتتضاعف أسباب وعوامل الوهن الذي تتعرض له اليوم المؤسسة العسكرية النظامية، فمما لا شك فيه أن فساد العديد من القادة العسكريين والأمنيين والسياسيين العراقيين يعد أحد الأسباب الجوهرية لهذا الوهن، ولكن وفي الوقت ذاته، تتحمل الولايات المتحدة نصيبا كبيرا في هذه النتيجة، عبر عدم جديتها في توفير الأسلحة والتجهيزات المناسبة للجيش العراقي، وغياب الإرادة الحقيقة في تحويل الجيش العراقي إلى مؤسسة تتمتع بالحرفية والمهارة، لكي لا يكون رقما مهما في المعادلات الإقليمية الحالية، وذلك لغايات استراتيجية غير خافية على كافة المهتمين بالسياسة فضلا عن المنخرطين في تفاصيلها.)[1]

ثم يعود الكاتب ليُقيّم حجم الجهد الأمريكي الحالي في مواجهة تنظيم “داعش” ويقول: “نعم، إن تقليص إدارة أوباما للجهد الأمريكي المبذول حافظ على إبقاء الأمريكيين بعيدين عن تكبد الخسائر والضحايا، ولكن من جانب آخر فإن هذا السلوك تجاه العراق مكّن إيران في المقابل”. لقد فشلت حملة تكريت في منح السنة الطمأنينة التي يحتاجونها في العراق، وذلك من خلال: أن تقوم الحكومة المركزية بدعمهم في مقاومة تنظيم “داعش” أو متابعة هزيمته مع جهود فورية لتأمين تكريت والسماح للسكان العرب السنة في العودة إليها.

ببساطة، لم يكن ينبغي أن تحدث الهزيمة في الرمادي. إذ إن كبار القيادات السياسية العراقية، مثل رئيس الوزراء حيدر العبادي حاول اجتذاب السنة العراقيين في القتال، وقدم لهم الدعم والأسلحة. ومن الواضح كانت هناك محاولة لتوفير تعزيزات للجيش العراقي وتقديم الدعم الجوي الأمريكي. لكن العبادي وحكومته يواجهون مشاكل خطيرة إن لم تكن قاتلة ما لم يتمكن من تعزيز الجهود الرامية إلى بناء ودعم القوى السنية على نحو فعال.

لقد كشفت العديد من التحذيرات الإعلامية بأن الجيش العراقي بل ووزارة الدفاع ما زالت منكسرة وغير كفوءة. وأظهر الانهيار والاقتراب من حالة الهلع بالنسبة للواء الثامن في الجيش العراقي والشرطة العراقية مرة أخرى أن هناك حاجة إلى جهود أكبر من قبل الولايات المتحدة تتضمن وضع مستشارين أميركيين في مواقف حاسمة حيث يمكنهم المساعدة على إتاحة وجود قادة عراقيين أكفاء يمكن إعطائهم المعدات المناسبة والتعزيزات وإزالة أولئك غير الأكفاء. فمن الواضح صحة تحذيرات كبار الضباط الأمريكيين التي تم تقديمها في ربيع عام 2014 بأن رئيس الوزراء السابق نوري المالكي كان قد ترك الجيش العراقي مكسورا، وأن إصلاح ذلك الحال سيستغرق سنتين إلى ثلاث سنوات لكي يصل إلى مستوى 12 لواء فعالا.

وفي الوقت ذاته، فإن جهود الجيش الأمريكي لا يمكن لها النجاح إلا إذا أصبحت حكومة العبادي قوية بما فيه الكفاية لرأب الفجوة بين العرب السنة والعرب الشيعة. كما أنه من غير الممكن للحكومة المركزية أن تكون فعالة إذا فقد السنة في العراق الثقة بها، إذ إنهم سوف لن يقدموا قوات محلية.

وفي أحسن الأحوال يمكن للجهود الاستشارية الأمريكية أن تساعد القوات العراقية على إلحاق هزائم تكتيكية بـ”داعش”. إذ لا يمكن تحقيق الانتصار على المستوى الاستراتيجي من دون تحقيق الوحدة العراقية، فإنه لا يمكن إنشاء مناطق آمنة في غرب البلاد حيث يمكن للسنة أن يعيشوا حياة آمنة وطبيعية، وأنه لا يمكن سد الفجوة الطائفية المتنامية بينهما.

كما ولا يمكن الولايات المتحدة أيضا أن تساعد العراق على استعادة الموصل والمناطق التي فُقدت في نينوى إلا إذا تمكنت من أن تخلق وجودا استشاريا فعالا لكل من الجيش العراقي والقوات الكردية، ويمكن القيام بذلك ضمن مناخ سياسي واقتصادي، حيث يتعاون الأكراد في العراق مع العرب في استرداد الشمال، وتسود روح قائمة على تقديم التنازلات بشأن كيفية تنظيم المناطق المحررة واستعادة نوع من الاقتصاد والحياة الطبيعية اليها.

المناطق التي تحت سيطرة تنظيم “داعش” في شمال البلاد مأهولة بالسكان أكثر من الأنبار جنوبا وفي غرب البلاد، وتتشكل إلى حد كبير من العرب السنة ممن يتنافسون بشدة مع المطالب الكردية. وفي الوقت ذاته، هم جماعة سكانية لن تكون موالية ولا مستقرة فيما لو شعرت بأن الحكومة المركزية العراقية والثروة النفطية مهيمن عليها من قبل الشيعة وإيران على حسابهم. كما أكد تقرير مجموعة الأزمات الأخير الذي أظهر بأن أكراد العراق أنفسهم منقسمون بشدة فيما بينهم، وأن المشاكل الرئيسة الحالية تدور حول خلق حكومة مستقرة وقابلة للحياة في الشمال.

الموصل ونينوى وليس الرمادي والأنبار، هي الجائزة الاستراتيجية، وهي مفتاح وحدة العراق، وإيجاد إطار من الفدرالية سوف يضمن الأمن للسنة في العراق. ولكن، هذه الحقيقة تكشف عن فجوة في استراتيجية الولايات المتحدة، إذ لم يوضح أحد في إدارة أوباما على الإطلاق كيف سيتمكن الجيش العراقي من تحرير وتأمين الموصل ونينوى إذا استمرت الحرب الأهلية في سوريا عبر الحدود، وإذا استمرت “داعش” أو أي حركة أخرى من الحركات الجهادية السنية نشطة داخل البلاد. ليس هناك حل للعراق من دون إيجاد حل في سوريا، وقصف متقطع وتدريب ما يصل إلى 15000 متطوع على مدى السنوات الثلاث المقبلة. وعملياً، يبدو صعبا توفير مثل هذا الحل.

وهذا يقودنا إلى مشكلة أوسع نطاقا بالنسبة لنهج إدارة أوباما. فكما هو الحال مع أفغانستان وحديثا مع اليمن، فقد فشلت الإدارة في تقديم أي شفافية ومصداقية حول مدى تأثير استراتيجيتها الحالية حيال التدريب وتقديم المساعدة المهمة، وتوضيح طبيعة العالم الحقيقي للقتال، والمخاطر والتكاليف والفوائد من النموذج الحالي من التدخل العسكري الأمريكي. فلم تكن هناك أي خطط موضوعية، أو تقييم للمخاطر، أو إبلاغ عن التقدم المحرز، فهذه الجهود مجرد دوران.

ويختتم كوردسمان مقاله قائلا: من الواضح جدا أن الحضور الجوي الأمريكي الحالي والتدريب وحملات المساعدة ليست كافية، غير أن ما هو غير واضح تماما هو امتلاك الإدارة لاستراتيجية قابلة للحياة!!. إن مخاطر التورط في الانقسامات العراقية العميقة والأزمة السورية يمكن التغلب عليها، وذلك عبر استعداد الإدارة لأن تكون صادقة في تقديم التكاليف والفائدة والمخاطر التي يتعرض لها كل من الشعب الأمريكي أو الكونغرس.



– تحليل المترجم الباحث في المركز.

http://www.defenseone.com/ideas/2015/05/ramadi-only-part-problem-iraq/113239/